تقرير حول قوانين واقتراحات المجلس النيابي 2019-2022
١. مقدمة: أربع سنوات من تراكم اللامساواة
٢. تحليل كمّي: 107 قوانين في الشأن العمراني
٣. في إدارة الأراضي والتنظيم المديني: غياب العدالة الضريبية وتغذية الانقسامات
٤. في السكن: اقتراحات متفرّقة وحلول مؤقتة لأزمة متفاقمة
٥. في الموارد الطبيعية: ازدواجية التشريع بين حماية المواقع الطبيعية وتدمير البيئة
٦. في الأملاك العامة: الدولة تمهّد لخصخصة أراضيها
٧. في قطاع البناء: توزيع الخدمات الآنية بدلاً من تأمين الحقوق
٨. في البنى التحتية: سياسات تضرب القطاع العام
٩. في إعادة الإعمار بعد تفجير 4 آب: غياب الضمانات اللازمة للتعافي السليم
١٠. خاتمة
١. مقدمة: أربع سنوات من تراكم اللامساواة
تقوم مؤسسات الدولة بالعمل على سياسات تُوجّه الحياة اليومية للناس وتتحكّم بها، على مستوى البيئة المبنية والعمران والمناطق، من أجل ضمان حقوق العامة واستدامة الحياة فيها. لكنّ الناس، السكان ومستخدمات\ي المساحات، المتأثّرون بهذه السياسات، مقصيات\ون عن المشاركة في صنع هذه السياسات، وبالتالي عن إنتاجها وتقييمها والعمل على تغييرها لتتناسب وحاجاتهن\م. ويظهر أوّل أشكال هذا الإقصاء، من حيث “إخفاء” هذه السياسات عن الناس، وهو أحد أدوات الطبقة المهيمنة، لتُبقي على سيطرتها في إنتاج الفضاء العام، والسكن والأرض.
منذ تأسيسه في عام 2015، عمل استديو أشغال عامة على مراقبة عملية التسليع المنظّم للأرض وبالتالي حرمان الناس من حقوقهم الأساسية؛ أي الحق في إنتاج الفضاء المعاش والانتماء إليه وملاءمته وتغييره، وكذلك الحق في تشكيل الذكريات الفردية والجماعية. كان علينا أن نجد الأدوات للتعامل مع التنوع الهائل للتحديات البيئية والاجتماعية والسكانية في لبنان، وكذلك التعامل مع الطبيعة التوسّعية ولكن غير المرئية لشبكات النيوليبرالية المترابطة.
يأتي “مرصد سياسات الأرض” في سياق الأدوات التي طوّرها استديو أشغال عامة للمساهمة في قضايا الشأن العام، من خلال رصد القرارات والتشريعات العمرانية وتوثيقها، وتقديم قراءة نقدية لها، ليتمّ مشاركتها فتصبح في متناول الجميع وتغذي النقاش العام. كما نسعى للتحرّك لمواجهة القوانين والقرارات المؤذية والتي تسمح باستغلال الحق العام أو تشجّعه، عبر التشبيك مع الجهات أو المجموعات أو الهيئات الفاعلة والمعنية للعمل سوياً والتضامن والضغط في سبيل إيقاف الضرر، تعديله أو تصويبه. من خلال ذلك، نضمن ألا يمرّ أي تدخّلٍ مكاني دون توثيق أو اعتراض، ونسدّ الفجوة على صعيد الإقصاء الذي يستهدف الفئات المتأثرّة بالسياسات المتّبعة في إدارة الأراضي وتنظيمها.
وأخيراً يعمل «مرصد سياسات الأرض» واستناداً على المعلومات والتحليلات التي تمّ جمعها، على إنتاج تقارير دوريّة توثّق كيفية انتهاك السلطات اللبنانية للحقوق الأساسية. ومن بين التقارير التي يتمّ إنتاجها من خلال المرصد، تمّ إطلاق التقرير الأوّل حول قرارات «المجلس الأعلى للتنظيم المدني» الذي يتضمّن تحليلاً جغرافياً، كمياً، ونوعياً لقرارات هذا المجلس بين عامي 2019 و2021.
أمّا هذا التقرير الثاني – “أعمال المجلس النيابي من منظور العدالة المكانية” – فهو يختصّ بتقييم نتاج أعمال المجلس النيابيّ التي تتّصل بالشؤون العمرانية، بين عامي 2019 و2022. وقد تكون هذه السنوات الأصعب في تاريخ لبنان الحديث، حيث شهدنا انهياراً مالياً واقتصادياً وحراكاً سياسياً وتفجيراً كبيراً.
سنبدأ بعرض المعلومات التي حصلنا عليها، من خلال تحليل كمّي ل107 قوانين تم رصدهم بالشراكة مع المفكرة القانونية. نقوم من بعده بتحليل نوعي لهذه القوانين على مستوى إدارة الأراضي والتنظيم المديني، السكن، الموارد الطبيعية، الأملاك العامة، قطاع البناء، البنى التحتية، وأخيراً إعادة الإعمار بعد تفجير 4 آب.
وفي حين ننتظر من الحكومة تغييرات جذرية لإعادة بناء الاقتصاد المنهار، يشير التقرير إلى أنّ غالبية القوانين والاقتراحات التي تم رصدها لا ترتكز على أي خطة إصلاحية تتطرّق للأزمات التي يمر بها لبنان، لا سيّما أزمة السكن. وتستخدم المَظالم التي طالت الناس منذ بداية الأزمة الاقتصادية والاجتماعية عام 2019 لتبرير التدمير المستمرّ للأرض والبيئة وإلى إخضاع الأراضي بشكلٍ متصاعد للمضاربة العقارية. فجميع القوانين المرصودة هي شكل من أشكال الخدمات، حيث تستغلّ السُلطات العامة مفاعيل الأزمة لتعزيز الشبكات الزبائنية التي تُقيمها وبالتالي تحويل الحقوق إلى خدمات ظرفية. كما نستنتج في هذا التقرير أنّ غالبية القوانين المرصودة تنتهك المبادئ الأساسية التي من شأنها إرساء سياسات عمرانية عادلة:
- تغييب العدالة الضريبية التي من شأنها تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية من خلال الضرائب على الأشخاص الأكثر ثراءً في المجتمع. لكن كافة القوانين ضمن هذه الخانة هي إمّا تُقدّم إعفاءات ضريبية أو تخفيضات لمالكي العقارات، أو هِبات على شكل رشوة على ضرر ألقت هي به على الناس، في حين خلت كافة مواد موازنة 2022 من أيّ ضرائب على الشغور أو الملكية العقارية.
- تغذية الانقسامات والتمييز على أساس طائفي وطبقي وعنصري، مثل اقتراح قانون منع أي شكلٍ من أشكال الدمج للنازحين السوريين الموجودين في لبنان.
- الاستمرار في اختزال الحاجة إلى سياسة إسكانية شاملة بتوجّه وحيد وهو الإقراض السكني للتملّك والذي يفتقر بطبيعة الحال إلى الشمولية، ويهمّش الفئات الأكثر فقراً والأكثر حاجةً إلى مسكن. وتوالت الاقتراحات المتعلّقة بالإيجارات والتي لا تأخذ بعين الاعتبار تضخّم أسعار الإيجارات في ظل استمرار حصول الأغلبية الساحقة من الناس على معاشاتهم بالليرة اللبنانية.
- في حين تفرض الأوضاع العامة حماية المقدّرات والأصول العامة، تمهّد القوانين لخصخصة الأملاك والأصول العامة، وعرض هذا المسار على أنه الحل الوحيد المنطقي/الحتمي للأمور في ظل الأزمة التي يمرّ بها لبنان – وذلك في سياق أوسع تعاني منه الأراضي الزراعية من التآكل، والمساحات العامة من الإهمال أو الإغلاق.
- بينما تكمن الإشكالية الحقيقية في الأطر التي تمنع الناس من الوصول إلى الأرض بشكل يتناسب مع حاجاتهم الملحّة، تأتي القوانين ذات الطابع الاستثنائي التي تتعلّق بقطاع البناء لتقدّم خدمات عَرَضية وظرفية، مثبتةً في الوقت عينه منطق “الإستثناء عن القانون” كأداة رئيسية لتوجيه عمليات البناء والعمران.
- قوانين تعزز ضرب النقل العام، والاستعاضة عنه بتنفيذ الطرقات واستيراد السيارات الفرديّة. وقد أدّى ذلك تاريخياً إلى فرض ضغوط متزايدة على بنى تحتيّة متلاشية في ظلّ كثافة سكّانية تعتبر من الأعلى في العالم.
- بعد مرور ما يناهز الثلاث سنوات على تاريخ وقوع تفجير 4 آب، يعيش سكّان الأحياء المتضرّرة في المجهول، منسيين\ات من الدولة التي لم تتحمّل مسؤولياتها تجاه الضحايا. في الوقت ذاته، يتمّ تفريغ هذه الأحياء ممّن بقوا فيها، نتيجة تغاضي القوانين التي صدرت عن اتّباع سياسات شاملة وعادلة للتعافي السليم.
كما تتجاهل القوانين المرصودة “الخطة الوطنية لحقوق الإنسان” التي قامت لجنة حقوق الإنسان النيابية بالتعاون مع المنظمات الدولية وبالتشارك مع الأطراف المعنية بإعدادها، وهي تهدف إلى تحديد الخطوات التشريعية والإجرائية والتنفيذية والقضائية اللازمة لتعزيز احترام حقوق الإنسان في لبنان وحمايتها1تحدّد الخطة 21 موضوعاً محورياً تمثل في جوهرها أهم الحقوق الأساسية اعتبرت من الأولويات في المرحلة الزمنية المعنية بها الخطة، ويمكن تصنيف المحاور المذكورة إلى الفئات الأساسية التالية: الحقوق والحريات المتعلقة بتحقيق العدالة؛ الحقوق والحريات المدنية والسياسية؛ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ وحقوق الفئات والأشخاص الأكثر عرضة للانتهاكات.. وقد أتى إعداد هذه الخطة كجزء من المراجعة الدورية الشاملة التي تعهّد لبنان بإجرائها اعتماداً على مواثيق حقوق الإنسان والدراسات والتقارير ذات العلاقة، وذلك إنسجاماً مع التوصيات التي تضمّنها “إعلان فيينا”، وكالتزام طوعي لخطةٍ إستراتيجية وخطة للعمل، يؤمل من خلال تنفيذهما، رفع مستوى حماية حقوق الإنسان في لبنان وتعزيزها في مختلف المجالات2تهدف هذه الخطة إلى إرساء معالجة شاملة للمواضيع التي تتناولها على مدى ست سنوات (2014 – 2019) مع رسم خطة لمتابعة تطبيقها، وذلك إنطلاقاً من القناعة بأن واجب الدولة في هذا المجال لا يقتصر على الإحالة إلى المواثيق الدولية أو التصديق عليها، بل يقتضي بذل ما في وسعها لإعمال تلك المواثيق عبر تعديل أو إلغاء النصوص التشريعية الداخلية أو استحداث تشريعات جديدة ومواءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية. إلّا أن أعمال المجلس النيابي المرصودة تتّسم بغياب الرؤية والاستخفاف بصحة الناس وحياتها وبيئتها وسكنها وسُبُل عيشها..
٢. تحليل كمّي: 107 قوانين في الشأن العمراني
نبدأ أوّلاً بتحليل كمّي للقوانين المرصودة (المقترحة أو الصادرة) التي تتصلّ بالقضايا العمرانية والنظر بأعدادها، أنواعها والمجالات التي تناولتها. في هذا الصدد، قمنا بتوزيع هذه القوانين على نحو يسمح لنا بتحليلها من منظور سبع مواضيع عمرانية نعتبرها أساسية: الأملاك العامة، الموارد الطبيعية، السكن، إعادة الإعمار والتعافي بعد تفجير 4 آب، البنى التحتية، قطاع البناء وأخيراً إدارة الأراضي والتنظيم المدني3إنّ هذه المواضيع العمرانية هي المواضيع التي اخترنا التركيز عليها وتصنيف الأبحاث بحسبها في كافة المواقع الالكترونية لاستديو أشغال عامة..
بلغ العدد الإجمالي للقوانين المرصودة، بما فيها اقتراحات القوانين ومشاريع القوانين، بشأن القضايا العمرانية بين العام 2019 و2022، 107 قوانين. وقد توّزعت القوانين المرصودة بحسب السنوات بين 28 قانون في العام 2019، 31 قانون في العام 2020، 15 قانون في العام 2021 و33 قانون عام 2022. وقد تمّ إقرار 32 قانون من بينها. تشكلّ القوانين المتعلّقة بالقضايا العمرانية التي تمّ إقرارها نسبة 17.11% من مجمل القوانين الصادرة بين عامي 2019 و2022. ومن ضمن القوانين التي لم يتمّ إقرارها، نجد 68 اقتراح قانون (مقدّم من نواب أو كتل نيابية) و6 مشاريع قوانين (مقدّمة من الحكومة).
أمّا بالنسبة لتوزيع هذه القوانين بحسب المواضيع العمرانية، فقد حصدت إدارة الأراضي والتنظيم المديني العدد الأكبر من القوانين (31)، ثمّ السكن (23)، الموارد الطبيعية (16)، تليها الأملاك العامة (13)، قطاع البناء (13)، البنى التحتية (10)، وأخيراً إعادة الإعمار والتعافي بعد تفجير 4 آب (9)، علماً أنّ بعض القوانين تتطرّق إلى عدّة مواضيع في الوقت عينه.
تختلف القوانين المرصودة أيضاً من حيث المنطقة الجغرافية التي تؤثر عليها، لكن تأثيراتها تطال بأغلب الأحيان كافة الأراضي اللبنانية دون أن تكون مرتبطة بمنطقة جغرافية معيّنة (69 قانون)، بينما تؤثر 18 منها على بيروت و9 منها على جبل لبنان بشكلٍ حصريّ.
تبيّن هذه الأرقام وجود العديد من التشريعات أو الاقتراحات التي تتّصل بالقضايا العمرانية خصوصاً فيما يتعلّق بإدارة الأراضي والتنظيم المديني والتي تطال بأغلبها كافة الأراضي اللبنانية، وهو ما يترك تأثيراً جلياً على المدن وأحيائها والمساحات العامة والبيئة وحياة الناس وسبل عيشهم، وهو ما سنتناوله تفصيلاً فيما يلي بحسب المواضيع العمرانية المذكورة أعلاه.
٣. في إدارة الأراضي والتنظيم المديني: غياب العدالة الضريبية وتغذية الانقسامات
حينما يتمّ الحديث عن إدارة الأراضي وتنظيمها في لبنان، تطغى سردية “غياب التنظيم” على النقاش العام. وتستخدم السُلطة هذه السردية لإعادة التأكيد على “غياب الدولة”، كما لتبرير التقاعس في إرساء سياسات عادلة. ممّا لا شك فيه أن هناك نظام قائم لتنظيم الأراضي في لبنان، إلّا أنّه أصبح مجالاً نخبوياً، وأداةً مركزيةً لعمل الأحزاب الطائفية والمستثمرين – بدل أن يكون عملية اجتماعية وسياسية يتفاعل معها الأشخاص ويتأثّرون بها ويكون لهم تأثير عليها.
بين عامي 2019 و2022، صدّق البرلمان على 5 قوانين متعلّقة بإدارة الأراضي والتنظيم المديني، فيما طُرح أيضاً 27 اقتراح (مشروع قانون واقتراح قانون) ذات صلة، ما يجعلها الفئة الأولى من حيث عدد القوانين التي طالتها. من ضمن هذه القوانين والاقتراحات، نجد 9 اقتراحات بالشأن الضريبي (تخفيض رسوم أو ضرائب أو إعفاء منها)، وتمّ تصديق قانون من بينها، 7 اقتراحات حول موضوع الحوكمة وتمّ التصديق على ثلاث قوانين من بينها، و5 اقتراحات تتعلّق بالتنظيم المديني، إضافةً إلى اقتراحات أخرى متعلّقة بإدارة النفايات الصلبة (3 اقتراحات) ،تحديث نظام إدارة الأراضي، إنشاء مناطق اقتصادية (في قضاء المتن وفي طرابلس)، وغيرها من الاقتراحات.
الشأن الضريبي
تشير العدالة الضريبية إلى الأفكار والسياسات التي تسعى إلى تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية من خلال الضرائب على الأعضاء الأكثر ثراءً في المجتمع. لكن كافة اقتراحات السلطة ضمن هذه الخانة تظهر عكس ذلك. فهي إمّا تُقدّم إعفاءات ضريبية أو تخفيضات لمالكي العقارات، أو هِبات على شكل رشوة على ضرر ألقت هي به على الناس، في حين خلت كافة مواد موازنة 2022 من أيّ ضرائب على الشغور أو الملكية العقارية.
تمّ أوّلاً إقرار اقتراح القانون4في حزيران 2020، تقدّمت النائب بهية الحريري، من كتلة المستقبل النيابية، باقتراح قانونٍ يقضي بإعفاء بعض رخص البناء من الرسوم وفقاً لتصاميم نموذجية. ثمّ تقدّم ثلاثةً من نواب كتلة الوفاء للمقاومة (حزب الله) في الشهر نفسه باقتراح قانونٍ مماثل. الذي يرمي إلى إعفاء بعض رخص البناء من الرسوم وفقًاً لتصاميم نموذجية. يُسهم الاقتراح بتشجيع البناء في المناطق غير المنظَّمة، عبر إزاحة تكاليف رخصة البناء عن كاهل المواطن الذي يتملّك أو يشتري عقاراً في هذه المناطق. يقوم هذا القانون على تنميط احتياجات الناس السكنية من خلال ربط إعفائهم من الرسوم بإلزامهم بتصاميم نموذجيةٍ لا تراعي الاحتياجات المختلفة أو التنوّع الجغرافي بين المناطق. وتُطرح هذه التصاميم التي تختزل التنظيم المديني بالشكل الاستيطيقي للوحدات السكنية (دون حتى مراعاة المساحات العامة)، على أنها حلٌّ لمشكلة البناء “العشوائي”، مع العلم أن العشوائية المذكورة ما هي إلا نتاج إجراءات وتشريعات السلطة نفسها، سواء بفعل تأخّرها في تنظيم المناطق غير المنظّمة، أو نتيجة قانون البناء الذي لا يراعي عوامل البيئة والطبيعة والمجتمع، أو غياب السياسات السكنية العادلة.
كما طرح النائب فريد الخازن إعفاءً جزئياً من فواتير الكهرباء للمتضرّرين من معمل الذوق. فبدلاً من إيجاد حلول جذرية للوضع المتردّي والكارثة البيئية التي يسبّبها المعمل، يعمد المسؤولون إلى التملّص من المسؤولية، طارحين حلولاً مجتزأة، حيث يأتي هذا القانون ليعترف بالارتكابات الناجمة عن سياسات الدولة في مجال الطاقة، ليُعتبر تعويضاً عن الضرر اللاحق بالسكان، ممّا يُظهر استخفافاً بالكارثة البيئية والصحية.
وقد طرح النائب فؤاد المخزومي أيضاً اقتراح قانونٍ يرمي إلى إعفاء المواطنين من الرسوم البلدية على القيمة التأجيرية على الأبنية في بيروت، وذلك بحجّة “الوضع الاقتصادي والمالي الضاغط”، وما يولّده من “تعثرٍ مالي خطير لدى الأكثرية الساحقة من المواطنين”. وقد كان المُلفت في هذا الاقتراح، حصر مفاعيله ضمن نطاق بيروت، علماً بأنّ الأزمة الاقتصادية – المالية تطال جميع الأراضي اللبنانية. فبتمييزه مدينة بيروت، يمسّ القانون بمبدأ العدالة الاجتماعية المكرَّس في مقدمة الدستور، كما يمسّ بمبدأ العدالة الضريبية الذي يفرض شموليّة القوانين الضريبية وتطبيق أحكامها على جميع الأراضي اللبنانية دون استثناء.
كذلك، تقدّم 3 نواب من تكتل لبنان القوي5النواب: ادكار طرابلسي، ادغار معلوف، وسليم الخوري. باقتراح قانون لإعفاء مالكي العقارات القائم عليها مخيم للاجئين الفلسطينيين وأصحاب العقارات الواقعة ضمن الشريط الأمني للمخيمات، من الضرائب والرسوم والغرامات ومن موجب تسوية المخالفات6الضريبة على الأملاك المبنية ورسوم الانتقال، تسوية مخالفات البناء عند إتمام معاملات حصر الإرث والانتقال أو عند تسجيل أي عقد أو تصرف ينقل الملكية بين الفروع والأصول والأقرباء حتى الدرجة الرابعة، والغرامات على اختلافها.. بحسب الأسباب الموجبة للقانون، يقتضي رفع الغبن والضرر اللاحقين بالمالكين الذين حرموا بنتيجة اللجوء الفلسطينيّ من حق الملكية وحق التصرف بالملك بحرية، من خلال تسهيل المعاملات التي يقومون بها عبر إعفائهم من الرسوم والضرائب والغرامات ومن موجب تسوية المخالفة الواقعة على ملكهم والتي سبّبها “البناء العشوائي وغير الشرعي” للاجئين الفلسطينيين الذين شغلوا هذه الأراضي. وقد اعتبر هذا الاقتراح تاريخيّاً بالنسبة لمقدميه على اعتبار أنّه يضع الدولة أمام مسؤولياتها البديهية بالمساهمة في الحد الأدنى من رفع الضرر عن مالكي هذه العقارات بالأخصّ في شرق صيدا، متناسين أنّ هذا الاقتراح نفسه يبيّن قصوراً في كيفية تعامل الدولة مع قضية اللجوء الفلسطينيّ منذ عام 1948.
يضاف إلى الاقتراحات أعلاه، اقتراح إعفاء سكان المناطق المجاورة للمطامر البحرية من ضريبة الأملاك المبنية، واقتراح إعفاءات لمالكي العقارات في منطقة الكرنتينا ـ المدوّر ـ بيروت والتي كان قد سبق الإستيلاء عليها من قبل الميليشيات في بداية الأحداث اللبنانية، بعضها يشغله الجيش اللبناني حاضراً، أمّا البعض الآخر فمهدم كلياً أو جزئياً. يبقى القاسم المشترك بين هذه الاقتراحات مجتمعةً، استكمالٌ متعمّد لاستقالة الدولة من مسؤولياتها الاجتماعية عبر طرح حلولٍ جزئيةٍ وآنية تعالج النتائج بدل الأسباب، لمشاكل أنتجتها هي وتستمرّ بمفاقمتها، فيما تقارب المشاكل التي تواجه الناس كل حالة على حدة، لا من خلال نظرة شاملة لسن توجهات وسياسات عامة.
الحوكمة
برز موضوع الحوكمة بين القوانين المرصودة التي تتعلّق بشكلٍ خاص بالبلديات، من ضمنها قانونين لتمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية، واقتراحين بشأن بلدية بيروت وقانون صادر يطال بلدية الغبيري، إضافةً إلى اقتراح قانون معجّل مكرّر يرمي إلى منع أي شكلٍ من أشكال الدمج أو الإندماج الظاهر أو المقنّع للنازحين السوريين الموجودين في لبنان.
فيما خصّ بلدية بيروت، نصّ الاقتراح الأوّل على تعديل أحكام نظام انتخاب مجلس بلدية بيروت وإنشاء مجالس محلية، بينما يسعى الاقتراح الثاني إلى استحداث بلديتين في مدينة بيروت، تقدّم به نواب من تكتّل لبنان القوي، وهو يقضي بتقسيم بيروت جغرافياً إلى بلديتين: بيروت الأولى، وتتكوّن من أحياء ذات غالبية مسيحية، بينما تتكوّن بيروت الثانية من أحياء ذات غالبية مسلمة. يقوم هذا الاقتراح على نقل صلاحيات المجلس البلدي الحالي إلى مجلسين مختلفين على أن يتمّ الاجتماع شهرياّ، في جلسة مشتركة لإدارة المصالح المشتركة بين البلديتين. إنّ هكذا إقتراح بصيغته المطروحة يفاقم الانقسامات بين الأحياء المختلفة والتمييز على أساس طائفي بحت، كما يتعارض مع مبدأ اللامركزية الذي يعتبره من أبرز أسبابه الموجبة، بحيث لم يحدّ الاقتراح من صلاحيات السلطة المركزية، بل أبقى على صلاحيات المحافظ، وأعطى وزير الداخلية إمكانية الحسم في بتّ الخلافات بين البلديتين.
بشكلٍ مشابه، كرّس قانون رقم 203 الذي يرمي إلى إنشاء منطقة عقارية لبلدية الغبيري بهدف فصلها عن نطاق منطقة الشياح العقاريّة، بشكلٍ إضافي ومقنّعٍ، الطائفية والمذهبية والمناطقية عبر تثبيت “الهوية الطائفية” للعقارات.
وقد طُرح في تموز 2022 إقتراح قانون معجّل مكرّر تقدّم به النائب فادي كرم (كتلة القوات اللبنانية)، “يرمي إلى منع أي شكلٍ من أشكال الدمج أو الإندماج الظاهر أو المقنّع للنازحين السوريين الموجودين في لبنان جراء الثورة السورية”. الملفت في القانون، أنّ الدولة اللبنانية لم تقُم منذ عام 1932 بإحصاء رسمي للسكان اللبنانيين، وهو أحد مسؤولياتها وأدوارها المهمة. واقتراح القانون هذا، يكلّف “وزارة الداخلية بالتعاون مع وزارة الشؤون الإجتماعية، ومنظّمات المجتمع الدولي، إجراء إحصاء دقيق لأعداد النازحين السوريين، ومتابعة هذا الإحصاء دورياً، حتى عودتهم إلى الأراضي السورية، وقيدَهُم أصولاً.” بذا، وبعد تسعين سنة من نسيانها لهذا الدور، تضع الدولة اللبنانية جهودها اليوم، في إحصاء اللاجئين السوريين بدلاً من أن تقوم بإحصاء السكان عامةً بهدف معرفة حاجات الناس والمناطق، فيما يفيد السياسات العامة وتخطيط الأراضي وتنظيمها.
وقد أتى اقتراح القانون هذا في الوقت الذي تعمل فيه السلطة جاهدةً لرمي اللوم على اللاجئات\ين، ولتشجيع الهجمات والجرائم ضدهم، والحث على العنصرية ورُهاب اللاجئين. كما تنشغل السلطة في إصدار بيانات وخطابات عديدة، تُصدِر فيها أرقاماً خيالية وغير حقيقية عن المساعدات والإعانات التي يستفيد منها اللاجئات\ون اليوم، والتي هي في الحقيقة من حقّهم. كما يقترح القانون خطوات تمنع اللاجئات\ين من الحركة، في خرق واضح للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي انضم إليه لبنان عام 1972 و كرّسه في مقدمة الدستور.
بينما تشير الحوكمة إلى الآليات والإجراءات التي تهدف إلى تحقيق تنظيم العمل وتحديد المسؤوليات لتحقيق الأهداف على المدى الطويل بشكلٍ يحقّق العدالة والمساواة والكفاءة والشفافية ويضمن حق المساءلة، ما ينعكس بوضوح من خلال إدارة متّسقة وسياساتٍ واضحةٍ متماسكة، تقوم كافة الاقتراحات المرصودة على مفاقمة الانقسامات والتمييز على أساس طائفي، مذهبي، طبقي وعنصري.
التنظيم المديني
إذا نظرنا إلى المشهد المؤسساتيّ، ماضياً وحاضراً، نجد إخفاقاً كاملاً في التعاطي مع العمران والتنمية والبيئة والسكن. لا بل نجد توالي نشوء مؤسسات ثم إلغائها منذ الخمسينيات حتى اليوم. فقد أُنشئت «وزارة التصميم» عام 1954 بهدف إرساء «الخطة الشاملة للإنماء»، إلّا أنه تمّ إلغاء هذه الوزارة في عام 1977 وأُنشئ «مجلس الإنماء والإعمار» مكانها، لتكون مهمّته الأساسية وضع الخطة الشاملة للإنماء. لم توضع هذه الخطة إلا بعد مرور أكثر من نصف قرنٍ من الزمن (في عام 2009)، وتمّ اختزالها بفصل واحد متعلّق بكيفية استخدام الأراضي وسميت بـ «الخطّة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانيّة». في هذه الأثناء، نشأت مجالس أخرى ومؤسسات متفرّقة تتعاطى أيضاً بالشأن العمراني. اليوم، لم يتبقَّ لنا من مؤسسات الدولة المعنية بالشؤون المدينيّة إلا «المديريّة العامّة للتنظيم المدني»، إدارة واحدة تابعة لوزارة الأشغال العامة والنقل. وضمن هيكلية المديريّة، يحضر «المجلس الأعلى للتنظيم المدني» الذي تحوّل إلى حيّزٍ أساسيٍّ يخترقه الفساد والرشوة على صعيد كل المناطق، بينما يقدّم مقاربةً تقنية بحتة للواقع العمراني.
في هذا السياق، من اللافت تقديم اقتراحين خلال عامي 2021 و2022 لإنشاء وزارة تخطيط وتنظيمها وتحديد صلاحياتها التي تستطيع أن تشكّل بديلاً عن المجالس والهيئات، وأن تكون قادرة بصلاحياتها الواضحة والمحدّدة على أن تستحصل على المكانة الشاملة في رسم السياسات العامّة. وقد تقدّم بأحد هذين الاقتراحين نوّاب كتلة “لبنان القوي”. يُنشئ هذا الاقتراح وزارة التخطيط على صورة مستَلهمة عن وزارة التصميم العام كما يُلغي العديد من الكيانات الأخرى7مجلس الإنماء والإعمار، مجلس الجنوب، الصندوق المركزي للمهجّرين، الهيئة العليا للإغاثة كما وإدارة الإحصاء المركزي.. يرتبط هذا الاقتراح بشكلٍ وثيق بالاقتراحات المتعلّقة بمكافحة الفساد، حيث أنّ المهام التي ستُناط بوزارة التخطيط التي يجب أن يتم إحياؤها من جديد، تستطيع أن تلبّي حاجة ملحّة طالما أنها البديل لمجالس وصناديق ثبت عدم فعاليتها. واللافت أن الكتلة السياسية التي قدّمت هذا الاقتراح (وهي أكبر كتلة نيابية) إنّما بقيت جعبتها خالية من أي مقترحات أو خطط عملية للخروج من أزمة الانهيار. وعليه، بدا مُقترحها بإنشاء وزارة تخطيط، على أهميّته، بمثابة إعلان نية الإصلاح مستقبلاً من دون أيّ خطوة عملية لمعالجة أزمات الحاضر8اقتراح لإعادة إحياء “وزارة التصميم العام” | Legal Agenda (legal-agenda.com). وذلك لأن وزارة التخطيط، وبالرغم من أهميتها وضرورة إنشائها، ليست الحل لكل مشاكل الناس ولا تستطيع أن تستجيب لكل حاجاتهم، ممّا يعيدنا إلى الفكرة الأساسية وهي ضرورة تغيير السياسات الاقتصادية الاجتماعية الثقافية للدولة – ومن ضمنها المقاربة العمرانية المكانية، لكن لا تُختَزَل بها- بهدف الخروج من الانهيار المستمر.
إلّا أنّه في الوقت عينه طُرح مشروع قانون يرمي إلى إنشاء “مجلس تنمية الشمال”، وهو ما يناقض فكرة إنشاء وزارة للتصميم ويعزّز المجالس المتفرقة والتقسيم المناطقي والرؤية المهشّمة للتخطيط والتنمية. أتى القانون على إثر فاجعة غرق قارب في طرابلس نيسان 2022، حاملاً معه الكثير من التجاهل للمشاكل البنيوية التي تعاني منها المدن والمناطق، ومحجِّماً معنى الإنماء مجدداً، بإنشاء مجلس هنا ومجلس هناك، ليطرح مجدداً إنشاء مجلس جديد على شاكلة مجالس الهدر والمحسوبيات والمحاصصة المناطقية كمجلسي الجنوب والإنماء والإعمار، بدلاً من العمل على مقاربة وطنية عادلة للتنمية الاقتصادية، قادرة على الحفاظ على حقوق الناس وتأمين حاجاتهن\م.
أما على صعيد ممارسة التنظيم المديني، فقد طرح النائب طوني فرنجية اقتراح تعديل المادتين 13 و 16 في قانون التنظيم المدني لفرض ضريبة تحسين على الأراضي التي يُرفع فيها عامل الاستثمار، تُدفع لصالح صندوق مستقل يُنشئه مجلس الوزراء. تشكّل ضريبة التحسين أحد عناصر أيّ سياسة عقارية، وفي المبدأ، يجب أن تذهب هذه ضريبة نحو المشاريع ذات المنفعة العامة. إنما المفارقة في هذا الاقتراح أنه يعمد إلى تخصيص ناتج هذه الضريبة لفائدة مصالح خاصة. وتبرز خطورة إنشاء الصندوق المستقل، في ما للبنان من تجارب مريرة مع “الصناديق” التي شكّلت أرضية خصبة للنهب والتنفيعات. كما أنّ مفهوم التعويض على مالكي العقارات في حال نُفِّذت تنظيمات للصالح العام هو بمثابة خرق لمبدأ التنظيم المديني.
وفي السياق ذاته، جاء اقتراح قانون للضّم والفرز يضحّي بالأراضي الزراعية في الهرمل ويونين معتبراً أنّ السّماح للمضاربة العقارية وقطاع البناء بالازدهار عن طريق تحديد الملكيّات وفرز أراضي المنطقة ذات الملكيّاتٍ المشتركة سيحلّ مشاكل التنمية الاقتصادية المزمنة فيها. لكن في الواقع، تقتضي معالجة التهميش والحرمان وضع سياساتٍ تحمي القيمة الاجتماعية والزراعية للأرض بدلًا من فرزها لفتحها أمام سوق المضاربة العقارية.
٤. في السكن: اقتراحات متفرّقةٍ وحلول مؤقتة لأزمة متفاقمة
لطالما شكّل الوصول إلى السكن الميسّر واللائق أحد أبرز التحديات في لبنان. فإنّ البيئة الإقتصادية القائمة، والأزمة السكنية الخانقة، ووجود فئات مهمّشة ومفقّرة، بالإضافة إلى تسليع الأرض، وغياب الرؤى العلمية والإستراتيجيات الإسكانية، تُشكلّ عوائقاً أمام جعل الحق في السكن واقعاً.
بين عامَي 2019 و2022، صدّق البرلمان على ثلاث قوانين تتعلّق بالسكن، الأول قرض لتمويل مشروع الإسكان واثنان لتمديد عقود الإيجار للأماكن المبنية غير السكنية. وكثرت الاقتراحات المتعلقة بالإيجارات (خمس اقتراحات) وتلك المتعلقة بالقروض (7 اقتراحات). بالإضافة إلى اقتراحين خطيرين حول إعفاء المالكين القدامى من المسؤولية عن الأضرار الناجمة عن الإنهيار الجزئي أو الكلي للمباني الخاضعة لأحكام قوانين الإيجارات القديمة.
القروض
خلال أربع سنوات، صدّق البرلمان على ثلاث قوانين يتيمة بشأن السكن، تختزل كلها المحنة السكنية المستعصية التي نشهدها. أوّلها سنة ٢٠٢٠، وهو القانون رقم 180 «قرض بين حكومة الجمهورية اللبنانية والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي للمساهمة في تمويل مشروع الإسكان (المرحلة الثانية)»، صدر كتتمّة لقرض سابق مَوّل المرحلة الأولى من مشروع الإسكان عام 2012. يهدف المشروع إلى الإسهام في تلبية احتياجات المواطنين من ذوي الدخل المحدود والمتوسط للسكن اللائق والمناسب ممَا يمكّنهم من تحسين ظروفهم المعيشية وأوضاعهم الاجتماعية، عبر قروضٍ يمنحها مصرف الإسكان لذوي الدخل المحدود9الذين لا يتجاوز الدخل العائلي الشهري لكلّ منهم عشرة أُضعاف الحد الأدنى للأجور. ولذوي الدخل المتوسط10الذين لا يقلّ الدخل العائلي الشهري لكل منهم عن عشرة أضعاف الحد الأدنى للأجور ولا يتجاوز خمسة عشر ضعفاً.، وذلك لشراء وحدات سكنية أو بنائها، وفق معايير وقواعد تكون مقبولة للصندوق العربي.
كما كثرت الاقتراحات المتعلقة بالقروض (7)، مثل الإعفاء من الفوائد على بعض القروض أو تخفيضها، أو تعليق المهل للتعثّر في سداد القروض، أو تسديد القروض وفوائدها بالليرة اللبنانية. تقدّم هذه الاقتراحات متنفساً مؤقتاً للمُقترضين المتعثّرين، إلّا أنها لا تقدّم حلاً جذرياً لظاهرة تزايد حالات التخلّف عن سداد القروض التي تحتاج إلى إعادة جدولةٍ للأقساط المتراكمة لناحية قيمتها وتاريخ استحقاقها، وفرض شروطٍ عادلةٍ لسداد الديون تأخذ بعين الاعتبار أوضاع المُقترضين الاقتصادية والاجتماعية، وتلحظ سعر الصرف الذي تُحتسَب مداخيلُهم وفقاً له.
في الواقع، اختزلت السلطة في لبنان منذ التسعينيات الحاجة إلى سياسة إسكانية شاملة بتوجّه وحيد وهو الإقراض السكني للتملّك -بشروط- والذي يفتقر بطبيعة الحال إلى الشمولية، ويهمّش الفئات الأكثر فقراً والأكثر حاجةً إلى مسكن، ويستثنيهم من إمكانية الحصول على قرض بسبب عدم إمكانهم استيفاء الشروط. وقد أشارت دراسات عدّة إلى أن الحلّ المنحصر بالقروض السكنية هو بالفعل لخدمة المصارف وليس السكان، وبالتالي فإن القرض المقترح لا يحلّ أزمة السكن القائمة، بل يفاقمها. فالمشرّع يدرك أنّ الانهيار الحاصل والمصحوب بتضخّم مفرط، أدّى إلى ارتفاع جنوني للأسعار وتدني المداخيل وانتشار البطالة، وأنّ الأسر لن تتمكّن من سداد هذه الديون، ممّا سيضعها في حلقة مفرغة من القهر الاقتصادي والتجريد من الأملاك، لتصبح فريسةً للبنوك التي تمتلك حق المطالبة بأصول الأفراد عندما لا يتمكّنون من سداد الدين.
الإيجارات
وفي عامي 2020 و2021، صدر قانونان لتمديد عقود الإيجار للأماكن المبنية غير السكنية. وتشير الأسباب الموجبة للقانون 243 إلى بلوغ معدّلات التضخّم لعام 2020 نسبة 84.9% (وفق الإحصاء المركزي) و”تدنّي القدرة الشرائية لدى المالكين بشكل دراماتيكي” جرّاء انهيار العملة. كما تتطرّق إلى أهمّية “قطاع تأجير الأماكن السكنية وغير السكنية”، وكيف سيؤدي انهياره إلى نتائج سلبيةٍ على الاقتصاد. وفي حين أثّرت ظروف الانهيار عينها سلباً وبشكل مباشر على المستأجرين أيضاً، وأنّ معظمهم لن يتمكن من تسديد زياداتٍ بنِسَب مرتفعة، من الملفت أن تَعتَبر الأسباب الموجبة للقانون فئة المالكين مفصولةً عن المجتمع الأوسع. من ناحيةٍ أخرى، يختزل القانون دعمَ قطاع التأجير والاقتصاد الوطني ككلٍ بزيادة الإيجارات، ويتناسى أن أحد أهمّ مسبّبات الانهيار المالي الحالي هو اعتمادُ الاقتصاد على أرباحٍ جنونيةٍ في القطاع العقاري، ما ولّد هوةً عميقةً بين أسعار العقارات وبدلات الإيجار من جهةٍ والأجور من جهةٍ أخرى، أدّت بالتالي إلى استفحال أزمة السكن.
وتوالت الاقتراحات المتعلّقة بالإيجارات (5) والتي لا تأخذ بعين الاعتبار تضخّم أسعار الإيجارات في ظل استمرار حصول الأغلبية الساحقة من الناس على معاشاتهم بالليرة اللبنانية. نذكر منها – على سبيل المثال لا الحصر – اقتراح قانون يهدف إلى تحرير الإيجارات القديمة غير السكنية. يركّز هذا الاقتراح في أسبابه الموجبة على الحقوق المهدورة للمالكين وانتهاك حقّ الملكية المقدّس. في الوقت عينه، يخلو التشريع من أيّ معطيات بشأن العقود المشمولة به أو ماهيتها، ولا يميّز بين المالكين القدامى أو الشركات العقارية من مشتري العقارات المعنية بقيمة متدنية، وهو ما يعني بأن تحرير الإيجارات يُشكّل بالنسبة إليهم نوعاً من الإثراء غير المشروع. كذلك، يركّز اقتراح القانون على حماية مصالح المالكين، متناسياً المصالح الاقتصادية للغالبية القصوى، والتي ستتأثّر بشكلٍ كبير نتيجة رفع أكلاف استئجار مراكز العمل، وقد تُجبر على إغلاق أبوابها، ممّا يُؤثّر بشكلٍ كبير على بعض المناطق والأسواق، ويؤدّي إلى تغيير أحيائها وطابعها الاقتصادي-الاجتماعي والعمراني.
المباني المتهالكة
وأخيراً، تم تقديم اقتراحين خطيرين – بشكل معجّل مكرّر – في أيلول 2022 يفصل بينهما أسبوع واحد، يقضيان بإعفاء مالكي الأبنية الخاضعة لأحكام قوانين الإيجارات القديمة من المسؤولية المدنية والجزائية الناجمة عن الإنهيار الكلي أو الجزئي للمبنى، وتحميلها بالكامل للشاغل أو المستأجر. الأول من النائب عماد الحوت (الجماعة الإسلامية في لبنان) والثاني من النائب جورج عطالله (تيار وطني حر).
يناقش الإقتراحان ضرورة إعادة التوازن لقطاع الإيجارات تبعاً لاختلاله بفعل الأزمة الإقتصادية والمالية. إنما يخص بعد ذلك المالكين القدامى بالدعم، باعتبارهم الأطراف الوحيدة المتضرّرة من الأزمة الاقتصادية وظلم قوانين الإيجارات الاستثنائية، ويطلب إعفاءهم من تحمّل تبعات انهيار أبنيتهم، دون التمييز بين صغار المالكين المتضرّرين والعاجزين بالفعل عن الصيانة والترميم، والمستثمرين العقاريين الذين راكموا الثروات وأهملوا صيانة أبنيتهم عمداً. وبدلاً من التشريع في اتجاه الحفاظ على البيئة المبنية وصيانتها، ومعالجة الخلل التشريعي في تأمين السلامة العامة وتحديد مسؤوليات السلطات العامّة في تأهيل المباني والأحياء، يساهم الاقتراحان بتغذية الصراع بين المالكين والمستأجرين القدامى، بل ويرمي كل المسؤولية على الحلقة الأضعف في هذه المسألة. وينسب الاقتراحان تدهور الأبنية وتضرّرها لإهمال المستأجرين وتلكُّئهم عن القيام بأعمال الصيانة اللازمة، متناسياً أن معظم المستأجرين القدامى هم من كبار السن الذين تآكلت مدخراتهم بفعل الأوضاع الاقتصادية الصعبة ذاتها. والمفارقة أن النائبان لا يتساءلان قط عن مسؤولية الجهات الرسمية، لاسيّما البلديات، لناحية المتابعة والتدعيم، وفرض الترميم وتأمين سلامة السكان، مع العلم بأنّ تدهور البيئة العمرانية عموماً يعود إلى أسباب بنيوية متعلّقة بالسياسات العامة وقوانين البناء تاريخياً وحالياً، والأدوار التي لعبتها الدولة من حيث الانسحاب التام من دعم الأكثر ضعفاً في هذا السياق، ودعم الأقوى، دائماً.
في الخلاصة، لا تتماشى أيّ من القوانين أو الاقتراحات المتعلقة بالسكن خلال أربع سنوات مع توصيات “الخطّة الوطنية لحقوق الإنسان” التي ركّزت على ضرورة توسيع إطار تدخّل الدولة في مجال المسكن عبر استراتيجية تتضمن إجراءات اقتصادية وعمرانية واجتماعية وضريبية11في التفاصيل، تحدّد الخطة ضرورة بناء وتحديث قاعدة معلومات لمواكبة قطاع السكن والعقار؛ إقرار قانون الإيجار؛ مراجعة قوانين البناء؛ تلبية حاجات السكان الذين خسروا منازلهم أو من هم معرّضون لخسارة منازلهم؛ رسم استراتيجية إسكانية كجزء من سياسة وطنية للحدّ من الفقر وتفعيل التنمية الإقتصادية والإجتماعية؛ تطوير نظام نقل متعدّد الوسائط، وهو ذو أولوية قصوى لموضوع السكن الميسّر؛ إعطاء دور للسلطات المحلية في تعزيز حيازة المسكن الميسّر؛ تصميم السياسات والقوانين والآليات الضرورية التي تحدّ من المضاربات العقارية، إلخ.. في الشق الضريبي، كانت مسودّة موازنة عام 2022 قد تضمّنت بند الضريبة على الشغور، إلّا أنه تم إلغاءها في الموازنة المصدّقة، ممّا يثبت الانحياز لمصالح أصحاب الثروات والأملاك على حساب العدالة الضريبية. بالرغم من أنها كانت خطوة ناقصة، إلّا أنّ ضريبة على الشغور كانت ستشكّل بداية إيجابية لاسترجاع دور الأرض الإجتماعي كمكان للسكن أو للعمل، عبر الحد من الممارسة السائدة باستخدام الأرض كأصول تخزّن فيها الثروات، والحد من سلوكيات المضاربة، ما يساهم في ضبط ارتفاع أسعار الأراضي والسكن.
٥. في الموارد الطبيعية: ازدواجية التشريع بين حماية المواقع الطبيعية وتدمير البيئة
اليوم، أصبح موضوع حماية البيئة مصدر قلق عامّ في لبنان، نظراً إلى ما أنتجته عقود من الحوكمة البيئية الضعيفة، والإنتاج الزراعي غير المستدام، وتدمير الموارد الطبيعية وزيادة التلوث، نتيجة تفضيل الربح على استدامة الموارد الطبيعية في سياق التخطيط النيوليبرالي والتكثيف غير المُدار للمدن.
بين عامَي 2019 و2022، صدّق البرلمان على 4 قوانين تتمحور حول المحميّات الطبيعية، فضلاً عن 4 قوانين ترمي إلى الموافقة على إبرام 4 اتّفاقيّات دولية متعلّقة بحماية البيئة والتغيير المناخي. بالإضافة إلى اقتراحين بشأن حماية مرج بسري، ومشروعين يرميان إلى استحداث محميات طبيعية. وقد طرح أخيراً اقتراح قانون يسعى إلى استحداث 4 جزر اصطناعية على شكل الأرزة اللبنانية.
حماية البيئة
صدر أولاً عام 2019، القانون رقم 130 المتعلّق بالمناطق المحميّة، الذي يقوم على إنشاء عدّة فئات من المناطق المحميّة وتنظيمها، وذلك نظراً لوجود قوانين غير مكتملة أو محدّثة تتعلّق بحماية الطبيعة وسلامة البيئة، وحيث أنّ القوانين المتوفّرة اقتصرت على المحميات الطبيعية دون سواها من المناطق الواجب حمايتها، وتناولت فقط المحميات المنشأة على الأملاك العامة. كما يهدف القانون الذي أعدّته الحكومة إلى التوفيق بين حماية المواقع الطبيعية التي تُشكِّل «ثروة وطنية وتراثاً طبيعياً»، ومتطلّبات التنمية الريفية، كما جاء في أسبابه الموجبة12تقرير نشاط المجلس النيابي لولاية 2018-2022، المرصد البرلماني – المفكرّة القانونية، حزيران 2022، تمّ الاسترداد من: Parliament-Report-Project_Legal-Agenda_Interactive_2022.pdf. وقد ورد أيضاً ضمن الأسباب الموجبة للقانون، اعترافٌ ضمنّيٌ بأنّ التكثيف غير المُدار للمدن والتخطيط العمراني النيوليبرالي – باستخدام عبارة “النمو السكاني السريع وإعادة الإعمار” – يشكّلان معاً خطراً يهدّد الثروة الوطنية ويساهم في فقدان الموروث الطبيعي بطريقة لا يمكن عكسها.
وضع القانون رقم 130 أُسُساً عامةً وأكثر شمولاً للحفاظ على المساحات الطبيعية المميّزة وتأمين حسن إدارتها وإدارة الأرض المجاورة لها13تضمّن القانون بنوداً متعلّقة بإنشاء لجان وفرق عمل لإدارة المحميات الطبيعية تتمتع بالاستقلال المالي والإداري، كما أشار إلى إمكانيّة تقسيم المحميّة إلى عدّة أقسام تختلف على صعيد درجة الحماية.، بحيث نظّم عملية إنشاء فئات متعدّدة من المناطق المحمية، ومن ضمنها المنزه الطبيعي14 لا يخضع المنزه الطبيعي للموانع الصارمة التي تخضع لها المحمية بل هدفه إشراك السكان والبلديات في إدارة موارد المنطقة بشكل مستدام.، الموقع والمعلم الطبيعي والحمى إلى جانب المحميات، وذلك على أملاك الأشخاص العامين وعلى أملاك تعود لأشخاص القانون الخاص. كما يسمح بفرض رسوم للدخول إلى المحميات بعكس ما كان يُعمَل به سابقاً من منع الرسوم والاكتفاء بطلب مساهمة، وهو ما يُعتبر إشكالياً نظراً إلى أنّ المحميات بأغلبها تقع على أراضٍ عامة، وأنّه من المفترض أن تكون هذه المساحات الطبيعية العامة مفتوحة للجميع، ومقصد من لا يستطيعون تحمّل تكلفة الأماكن الخاصة. يُذكر هنا بأنّ هذا القانون جاء منسجماً بشكلٍ نسبيّ مع التدابير الواجب اتخاذها في المرحلة الأولى من بدء تطبيق الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية15فقد ورد ضمن التدابير المتعلّقة بقطاع البيئة وجوب العمل على وضع إطار قانوني يوضح أنواع ومستويات أنظمة الحماية ويميّز بين عدّة مفاهيم، مثل مفهوم الموقع المحمية ومفهوم مناطق الإحتياط المحمية ومفهوم المحميات الوطنية والحمى الطبيعية، كما ينبغي أن يحدد مبادئ الحماية ضمن “نطاق قريب” وضمن “نطاق أوسع”، كذلك وجوب العمل على إعداد قانون “مناطق الحمى الطبيعية” وهي مناطق تكون فيها عملية الإنماء الاقتصادي والإجتماعي متوافقة مع متطلبات الحفاظ على البيئة.، رغم أنّ صدوره تأخّر 10 أعوام.
تلى تصديق هذا القانون إقرار عدد من القوانين في عام 2020 تهدف إلى إنشاء العديد من المحميات – أغلبها مشاريع قوانين مقدّمة من الحكومة -، وهي محمية شاطئ العباسية في قضاء صور (قانون رقم 170)، محمية النمرية الطبيعية في قضاء النبطية (قانون رقم 169)، ومحمية جبل حرمون الطبيعية في قضاء راشيا (قانون رقم 202). وقد تضمّنت هذه القوانين مواد منسوخة بشكل شبه تامّ عن مواد القانون رقم 130، بما فيه تعريف المصطلحات، أو الأهداف من إنشاء المحمية. كما طُرح عام 2022، مشروع قانون يهدف إلى إحداث محمية جبيل البحرية وآخر يرمي إلى استحداث محمية أنفة البحرية في شمال لبنان.
فضلاً عن ذلك، تمّ اقتراح قانونين ذوي أهمية فيما خصّ حماية المنطقة الطبيعيّة الواقعة في مرج بسري والمصنّفة بحسب الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية كمنطقة حمى طبيعية، حيث طرحت النائبة بولا یعقوبیان عام 2021 اقتراح قانون لوقف سائر الأعمال والأشغال العائدة لسد بسري وملحقاتهما، وتبعه اقتراح آخر لنواب القوات اللبنانية16النواب: الياس اسطفان، جورج عدوان، بيار بو عاصي، غياث يزبك، الياس الخوري، رازي الحاج، غسان حاصباني، جهاد بقرادوني، غادة أيوب ونزيه متى. في عام 2022 يهدف إلى إنشاء محمية مرج بسري.
جزر اصطناعية
وأخيراً، وفي اقتراحٍ فريد من نوعه، تمّ طرح قانون لإنشاء 4 جزر اصطناعية على شكل الأرزة اللبنانية من قبل النائب قيصر نعيم المعلوف عضو تكتل الجمهورية القوية. وهو اقتراح لا يساهم فقط في تدمير البيئة البحرية عبر ردم مساحة ثلاثة ملايين متر مربع لكلّ جزيرة، بل يسمح أيضاً بتخريب البيئة في أراضٍ عامة، حيث يجيز القانون للشركات الفائزة في مناقصات إنشاء هذه الجزر بالحصول مجاناً على الصخور والأتربة اللازمة في عملية الردم من أراضٍ عامة جرداء. كلّ ذلك بحجة جذب الاستثمارات، تأمين فرص عمل وتوفير واردات مالية للدولة. في الوقت الذي نحتاج فيه إلى سياسات تؤدّي إلى اقتصاد مُنتج، تعود الكتل النيابية وتطرح قوانين توفّر شروط عمل حصرية للمستثمرين وربحهم، في ظلّ أزمة اقتصادية غير مسبوقة يشهدها لبنان.
تدمير البيئة
من جهةٍ أخرى، وفي مقابل القوانين التي ترمي إلى إنشاء محميات طبيعية، وبالرغم من توقيع لبنان على اتفاقيات بشأن حماية البيئة وحماية التنوع البيولوجي، والتغيير المناخيّ في عام 2019، جاءت بعض القوانين المرصودة – وهي قوانين لا ترتبط بالضرورة وبشكلٍ مباشر بموضوع الموارد الطبيعية – لتنقُض بشكلٍ صارخ المبادئ الأساسية للاستدامة والحقّ في البيئة السليمة. فبسبب طغيان قطاع الخدمات والريع العقاري على الاقتصاد اللبناني، وبحجة التنمية وفرص العمل التي يجلبها قطاع الخدمات والريع العقاري، وبالتالي قطاع البناء، جاءت التشريعات (راجعن\وا القسم “في قطاع البناء: توزيع الخدمات الآنية بدلاً من تأمين الحقوق”) كأداة لترسيخ النموذج النيوليبرالي وفرصة لمراكمة الثروات على حساب البيئة وصحة الناس وحياتهم.
فقد جاء عددٌ من القوانين المرصودة ليهدّد مناطق حرجيّة تارةً، على مثال اقتراح قانون يرمي إلى تنفيذ الاستملاكات المتعلقة بأوتوستراد (خلدة – الضبية – العقيبة) وملحقاته، والذي يمرّ في مناطق حرجيّة ويساهم في تدميرها كما يساهم في تقسيم البلدات التي يمرّ فيها وفي زيادة نسب التلوّث والأمراض لقرب مسار السيارات من الوحدات السكنيّة، علماً أنّه ليس صالحاً على المستوى البيئيّ، بحيث أنّه لا يحترم أياً من المعايير البيئية ولم يمر أيضاً في لجنة البيئة؛ أو يساهم في زيادة التلوث (تلوّث بصريّ وسمعيّ أو تلوّث الهواء) تارةً أخرى أسوةً بإقتراح تعديل المادة 66 من القانون رقم 144 (قانون الموازنة) الذي يسمح بإضافة طابقٍ جديدٍ على الأبنية الموجودة أو المُستحدثة في كلّ المناطق اللبنانية بشكلٍ عشوائي، ما يزيد الكثافة والاكتظاظ السكاني، والتلوّث، ويشوّه البيئة المبنية في المدن والبلدات والقرى، واقتراح قانون إعفاء بعض رخص البناء من الرسوم وفقاً لتصاميم نموذجية الذي يسهّل البناء في المناطق الريفية ولا يراعي معالم البيئة الطبيعية؛ ومنها ما يتعدّى على المفهوم الأوسع للبيئة السليمة، ولا يمكن حصره فقط بالقطاع الزراعي أو البيئي البحت كاقتراح قانون دمج الأراضي الأميرية بالأراضي الملك واقتراح قانون معجّل مكرّر حول الضم والفرز في منطقتي الهرمل ويونين العقاريتين في محافظة بعلبك الهرمل اللذان يضحّيان بالأراضي الزراعية خصوصاً في منطقة البقاع الشمالي.
كما تتجاهل هذه القوانين الحق في بيئة سليمة الوارد ضمن الخطة الوطنية لحقوق الإنسان. فبحسب هذه الخطة، يقتضي الواقع عدم الخضوع بشكل مطلق للمصالح الإقتصادية وبشكل أبرز للضغوطات المالية التي قد يمارسها أصحاب المصالح لتجنّب تطبيق أنظمة بيئية معيّنة أو معايير بيئية وكلّ ما من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم التلوث البيئي، وتالياً التأثير على صحة الأفراد وحياتهم. وقد جاء ضمن التوصيات الواردة في الخطة ضرورة تنشيط خطة إعادة التشجير والحدّ من تآكل الغابات والمناطق الحرجية وتطوير محميات طبيعية وأحراج وحدائق عامة، وتطبيق التشريعات اللبنانية التي تساهم في الحفاظ على استدامة الموارد الطبيعية إلى جانب غيرها من توصيات.
٦. في الأملاك العامة: الدولة تمهّد لخصخصة أراضيها
منذ بداية الانهيار الاقتصادي، تبرز محاولات عدة للاستيلاء على أصول الدولة من خلال اقتراحات عديدة تتشارك الجوهر نفسه: عرض الخصخصة على أنها المسار الوحيد المنطقي/الحتمي للأمور في ظل الأزمة التي يمرّ بها لبنان – وذلك في سياق أوسع تعاني منه الأراضي الزراعية من التآكل، والمساحات العامة من الإهمال أو الإغلاق.
بين عامَي 2019 و2022، صدّق البرلمان على قانونين يتعلقان بالأملاك العامة، الأول لحماية حرج بيروت والثاني لإعادة تنظيم معرض رشيد كرامي في طرابلس. هذا فيما كثُرت الاقتراحات (أربعٌ منها) التي تؤدي إلى خصخصة أملاك الدولة، وتمّ اقتراح قانون يسمح للبنانيين بزراعة الأملاك العامة على سبيل التسامح.
التضييق على المساحات العامة
خلال أربع سنوات، صدّق البرلمان على قانونين يتيمين بشأن الأملاك العامة، كلاهما يؤديان إلى المزيد من التضييق على المساحات العامة. الأول في 2019 قدمّه النائب فؤاد المخزومي ويقوم على إنشاء “محمية حرج بيروت” ويحدّد أنشطة محدودة يمكن ممارستها في الحرج وينصّ على إمكانية فرض بدلات دخول أو استخدام – وذلك في محاولة واضحة لإعطاء الحرج طابع نخبوي إقصائي. فبين الحين والآخر، تبرز محاولةٌ جديدة للسلطة وبلدية بيروت لتقييد دخول العامة إلى حرج بيروت، من خلال خطاب يقول بأن الناس غير قادرين على استخدامه، وهن/م غير ناضجين/ات بما يكفي لاحترام المكان. اليوم، يعيدنا هذا القانون الى الطابع الطبقي العنصري لرؤية السلطة لمستخدميه، خاصة وأنّه من المفترض أن يكون مساحة مفتوحة للجميع، ومقصد من لا يستطيعون تحمّل تكلفة الأماكن الخاصة. هذا فضلاً عن أن محدودية النشاطات المطروحة في القانون تقيّد من قدرة الحرج على استيعاب النشاطات الاجتماعية المكانية المتنوّعة، الكلاسيكية، الشائعة أو المبتكَرة والتي تصب في إطار الاستمتاع في المجال العام.
أما الثاني، فصدر في 2022 بشأن إعادة تنظيم معرض رشيد كرامي الدولي في طرابلس. بالرغم من أن المعرض يقع على أملاك للدولة تصل مساحتها إلى حدود المليون متر مربّع، وبالتالي من المفترض أن يشكّل مساحة عامة ومتنفَّساً مفتوحاً وحرّاً لأهالي المدينة، قاربته السلطات تاريخياً على أنه مساحة للنخبة، وقيّدت دخول العامة إليه. يعزّز هذا القانون اليوم دور القطاع الخاص في الاستثمار في منشآت المعرض ومساحاته المفتوحة ويمكّنه من البناء فيها. وتكمن الخطورة هنا في مقاربة المعرض من الناحية المادية فحسب، فربط إدارة أراضي المعرض بأعمال استثمارية هو خصخصة مقنّعة تهدف إلى تحقيق أرباح تصبّ في مصلحة مجموعة من المتمولين، وتغيّب دوره الإجتماعي البيئي المديني.
خصخصة أصول الدولة
في سياق موازٍ، توالت اقتراحات القوانين لخصخصة أصول الدولة وأملاكها. من ضمن هذه المحاولات، يُذكر اقتراح إنشاء صندوق سيادي يهدف إلى تحميل الدولة الخسائر بدلاً من تحميلها لأصحاب المصارف، وذلك عبر تنازل الدولة عن الأصول العامة وضمّها إلى هذا الصندوق. وكان الاقتراح الأوّل لجمعيّة المصارف التي لم تخفي رغبتها، منذ بداية الأزمة، في السيطرة على “أسهم في شركات تملكها الدولة (مثلاً شركات الاتصالات) و\أو أراضٍ عامة وأصول عقارية و\أو حقوق\امتيازات استثمار (مثلاً واجهة بيروت البحرية)”، كما جاء في تقريرها “المساهمة في خطة الحكومة للتعافي المالي”. فيما تقدّم نواب القوات اللبنانية في تشرين الثاني 2022 باقتراح قانون “إنشاء الصندوق السيادي اللبناني”.
أمّا في شباط 2022، طرح أيضاً نواب القوات اللبنانية قانون من الروحية نفسها تحت عنوان “إنشاء مؤسسة مستقلة لإدارة أصول الدولة”. يقوم هذا الاقتراح على إنشاء مؤسسة مستقلة على شكل هيئة خاصة تتمتّع بالشخصية المعنوية والاستقلال الإداري والمالي ولا تخضع لأي نوع من أنواع الوصاية، لتتولّى مسؤولية إدارة أصول الدولة ومؤسساتها التي تتّسم بالطابع التجاري، ومن ضمنها الأصول العقارية. وإذا ما راجعنا الأسباب الموجبة لهذا الاقتراح، نعود إلى حجة حقوق المودعين ومسؤولية الدولة في إعادة تكوين الودائع. أمّا المهام الأساسية لهذه المؤسسة فهي إبرام عقود تشغيل مع جهات أو شركات لبنانية ذات خبرة عالمية واسعة أو شركات أجنبية، إضافةً إلى تعيين مجالس إدارات المؤسسات الموضوعة تحت إشرافها وإدارتها دون نقل التشغيل إلى جهات أخرى، بحيث يكون من صلاحيات هذه المؤسسة تلزيم استثمار المرافق للقطاع الخاص، أو إدخال القطاع الخاص كشريك فيها بالتعاون مع الهيئات الناظمة في كل قطاع. بموجب اقتراح هذا القانون، يتمّ أيضاً إنشاء مؤسسة أخرى، وهي “المؤسسة العقارية المستقلة” على شكل شركة قابضة، تُعنى بإدارة العقارات العامة المبنية وغير المبنية واستثمارها.
تكمن خطورة هذه المجازفة أوّلاً بمقاربة دور الدولة كشركة، نستطيع قياس نجاح مشاريعها عبر النظر إلى الربح الذي تدرّه علينا أصولها، بينما يجدر بالدولة أن تكون المؤتمنة على أصول الشعب وتديرها بما فيه مصلحته. وبالتالي، لا يجدر ربط إدارة أراضي الدولة بأعمال استثمارية تهدف إلى تحقيق أرباح، خاصة تلك التي تصبّ في تغذية صناديق لإنقاذ المصارف وكبار المودعين، بل ينبغي أن يكون في إطار إدارة هذه الأملاك وضمانها كحق للأجيال القادمة وليس لمجموعة من المتموّلين. كما تكمن خطورة هذا الاقتراح بمقاربة أملاك الدولة من الناحية المادية فحسب وتغييب دورها الإجتماعي البيئي المكاني، من حيث أهمية ربطها بمشاريع ذات مصلحة عامة.
في مشروع القانون هذا – كما في الاقتراحات السابقة – يتمّ عرض الخصخصة على أنها المسار الوحيد المنطقي/الحتمي للأمور في ظل الأزمة التي يمرّ بها لبنان. والخطير في هذه السردية هو أنّها تُغفل دافع السلطة والمدافعين عن الاقتراح، في تحميل الدولة كافة الخسائر -وهو ما روّج له النظام منذ بدء الأزمة- مقابل تناسي مسؤولية المصارف في ترتيب الخسائر على المودعين. بينما يتوضّح لنا الدافع إذا ما رأينا بأن الخطّة الرئيسية للسلطة، وبالتآمر مع المصارف وجمعيتها، تُختصر بتحميل عبء الخسائر للمجتمع وحماية المصارف وكبار المودعين، وهو ما دفعها إلى الانقلاب أوّلاً على خطة لازار وإسقاطها بحججٍ واهيّة. كما لم تخلُ موازنة عام 2022 من بنود تمهّد لهذا التنازل، تنازُلاً واضحاً صريحاً للدولة عن أملاكها.
زراعة الأملاك العامة
أما في 2021، فقد تقدّمت النائب بولا يعقوبيان باقتراح يسمح للمواطنين اللبنانيين بزراعة الأملاك العامة على سبيل التسامح، وهو ما يتمّ طرحه كخدمة يقدّمها النواب للناس لتسهيل الإمكانية الظرفية للوصول الى الأرض، فيما يقترح نواب آخرون إلغاء الأراضي الأميرية التي تشكّل 52% من أملاك الدولة العقارية والتي وفّرت لمئات سنين مضت، وهي توفّر اليوم للناس الحق في الوصول إلى الأرض لزراعتها وغرسها واستخدامها. ففي 2020، تقدّمت كتلة الوفاء للمقاومة باقتراح قانون لدمج الأراضي الأميرية بالأراضي المُلك وتوحيد نظام الملكية العقارية في كافة المناطق اللبنانية، وإلغاء حق الرقبة العائد للدولة في العقارات المعروفة بالأميرية. تندرج الأراضي الأميريّة ضمن أملاك الدولة التي يجري عليها حقّ التصرّف، أي حق استخدام العقار والتمتّع به ضمن حدود القوانين والأنظمة، ما يعني أنّ لصاحبها\صاحبتها (لا يُسمّى مالكها) حقٌّ عينيُّ عليها يدوم مدى الحياة بشروط، وينتقل إلى ورثته بالتساوي بين الذكور والإناث، وبدون تمييز على أساس الجنسية، ويجوز له البناء عليها والغرس فيها. وبحجّة تحقيق التنمية المتوازنة والمساواة بين المناطق – لاسيّما أنّ منطقة البقاع تضمّ وحدها أكثر من 70% من مجمل الأراضي الأميريّة في لبنان – يمثّل اقتراح القانون هذا خَصخَصةً لأملاك الدولة والتفريط بها، لإعادة توزيعها بذريعة تلبية حاجات الناس. في الواقع، يشكل هذا القانون ضرباً للأراضي الزراعية، إذ أن إلغاء حق التصرّف يحتّم انقطاع عدد كبير من المالكين الجُدد عن استخدام الأرض وحرثها وزراعتها، بعكس ما كانت تفرضه على الأفراد، شروط اكتساب حق التصرّف واستمراريته. كما أن خصخصة هذه الأراضي ستطلق حركة بيعها وشرائها، وهو ما سيؤدّي إلى تراكمها بيد الأقليّة المقتدرة ماديّاً وسياسياً. كما أن هذا القانون الخطير سيكون لديه انعكاس سلبي على السكان غير اللبنانيين القاطنين على الأراضي اللبنانية، وضرباً للمساواة في الإرث بين النساء والرجال.
٧. في قطاع البناء: توزيع الخدمات الآنية بدلاً من تأمين الحقوق
بينما تكمن الإشكالية الحقيقية في وجود أطر تمنع الناس من الوصول إلى الأرض بشكل يتناسب مع حاجاتهم الملحّة، تأتي القوانين ذات الطابع الاستثنائي التي تتعلّق بقطاع البناء لتقدّم خدمات عَرَضية وظرفية بدلاً من أن تستجيب إلى حق، مثبتةً في الوقت عينه منطق “الإستثناء عن القانون” كأداة رئيسية لتوجيه عمليات البناء والعمران.
اجتهدَت الحكومة والبرلمان منذ العام 2019 لتأمين إيراداتٍ إضافيةٍ تغذّي الخزينة، فتمّ التوجّه إلى قطاع البناء، حيث صدّق البرلمان على قانونين متعلّقين بقطاع البناء، فيما طُرح أيضاً 11 اقتراحاً ذات صلة. من ضمن هذه القوانين والاقتراحات، نجد 4 قوانين مرصودة تتعلّق بتسوية مخالفات البناء تمّ التصديق على قانون واحد من بينها، 4 اقتراحات حول إعفاءات وتسهيلات في البناء، و4 اقتراحات تسمح بزيادة استثمارات للبناء تمّ التصديق على قانون واحد من بينها، إضافةً إلى اقتراح قانون بشأن تشريع “الرقابة المجتمعية”.
تشجيع استثمارات البناء
اقترح المجلس النيابي 4 قوانين تسمح بزيادة استثمارات البناء، تمّ التصديق بالإجماع على واحد من بينها وهو قانون يسمح بإضافة طابقٍ جديدٍ على الأبنية الموجودة أو المُستحدثة في كلّ المناطق اللبنانية من دون احتسابه ضمن معدّلات الاستثمار والارتفاع الأقصى. لم تكن هذه الخطوة سابقة في تاريخ التشريع اللبناني، فهي مستوحاةٌ بلا شكّ ممّا عُرف بــ “طابق المرّ”. تولّد مشاريع كهذه ضغطاً إضافياً على شبكات البُنى التحتية والمواصلات، وينتج عنها مشاكل وتداعياتٍ كثيرةٍ عمرانيةٍ وبيئية. ولم يحدّد هذا القانون هدفاً سوى جمع المال بأيّ طريقةٍ ممكنة، دون إجراء أيّ دراسةٍ واقعيةٍ لآثاره المُحتملة، زاعماً تأمين شقق سكنيّة إضافية. هذا وتتضمّن الأسباب الموجبة للقانون فكرة أن “مساحة الأراضي القابلة للبناء في لبنان محدودة، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم مشكلة السكن”، فيما تقبع أكثر من 150 ألف شقة شاغرة لا تجد من يشتريها. الإدعاء بأن زيادة الكثافة السكانية تزيد العرض من الوحدات السكنية وبالتالي تقلّل من ثمنها، إدعاءٌ خاطئ. ففي لبنان، لا تُحدَّد أسعار الوحدات السكنيّة على أساس العرض والطلب، بل تُستخدَم لحماية الاستثمارات، بما في ذلك المضاربة العقارية.
في سياق مشابه، يُطرح اليوم تمديد العمل للمرّة الثالثة بالقانون رقم 402/1995 الذي يسمح بمضاعفة عامل الاستثمار في مشاريع الفنادق في مختلف المناطق اللبنانية لمدّة 5 سنوات إضافية، وهو ما يؤثّر بشكلٍ خاص على العقارات الموازية للشاطئ. شكّل تاريخ إصدار القانون للمرّة الأولى عام 1995 نقطةً مفصلية لفهم خلفياته، حيث صدر في الشهر ذاته مع انتقال ملكية عشرات الحصص في عقارات دالية الروشة إلى شركات عقارية تابعة لرفيق الحريري، وهو الذي كان يرغب بخلق مساحة مليئة بالمنتجعات السياحية على أنقاض الدالية. فتمّ تركيب هذا القانون للانسجام مع المصالح الخاصة لشخص في السلطة على حساب الصالح العام. لا يساهم هذا القانون بزيادة البناء على الشاطئ وحسب، إنّما يُضاعف أسعار الأراضي التي يُطبَّق عليها. بذا، لا يُعتبر التمديد المتواصل للقانون هذا، سوى استمرار طغيان المصالح الخاصة لقلّة متسلّطة على المصلحة العامة، وتثبيت منطق “الإستثناء عن القانون” كأداة تخطيطية رئيسية، حيث أصبحت الاستثناءات استراتيجية تخطيط تقدم للسلطات هامشاً من المناورة، وتسمح لها بتوفير الشروط اللازمة لعمل المستثمرين وربحهم.
من ضمن سلّة الإعفاءات والتسهيلات المطروحة، يأتي أيضاً اقتراحان17طُرح الاقتراح الأوّل في العام 2020 من قبل النائب طوني فرنجيه، والاقتراح الثاني في العام 2022 من قبل النائب هاكوب ترزيان. لتشجيع الاستثمارات في لبنان18تعديل القانون رقم 360 تاريخ 2001/8/16.. يسمح الاقتراح الأوّل للشركات الأجنبية بالحصول على تسهيلات استثنائية (إعفاءات ضربيّة بينها إعفاءات على رسوم تسجيل والضريبة على الأملاك المبنية) لمدّة 25 سنة قابلة للتجديد عند نقل مركزها الإقليمي إلى لبنان وذلك “تلبيةً لحاجة استثمارية أضحت ماسة في ظلّ تراجع اقتصادي عام وعقاري على وجه الخصوص.”
تسوية المخالفات
أمّا بالنسبة للاقتراحات المتّصلة بتسوية مخالفات، فقد صدّق المجلس النيابي على مشروع القانون الرامي إلى تسوية مخالفات البناء الحاصلة بين 1971 و2018 في تاريخ 26/6/2019، وقد تمّ اقتراح ثلاث قوانين لتعديل بعضٍ من مواده (المادة 19 والمادة 20). مرّةً أخرى تمّ تبرير تشريع مثل هذه القوانين على أنّها”أداة من شأنها الإسهام في التخفيف من أزمة السكن ممّا يساهم في حلّ جزء من مشكلة قوانين الإيجارات ويخفّف على المواطن أعباء تكاليف السكن (…) وأنّ معظم مخالفات البناء أصبحت أمراً واقعاً ويستحيل أو يتعذّر إزالتها”.
شرّعت هذه القوانين لتسوية مخالفات البناء بشكلٍ واسعٍ جدّاً، وبينها مخالفات عامل الاستثمار، في تطبيق للتسوية على جميع الأبنية المُنشَأة في الأملاك الخاصّة كما وعلى تلك الواقعة ضمن التراجع عن الأملاك العمومية مع حفظ حقّ الإدارة بالهدم. ولم يعطِ القانون التنظيم المدني إلّا صلاحيّة استقبال تصريحات المخالَفات، بحيث حوّل هذه المؤسّسة إلى مجرّد قلم لتسجيل هذه التصريحات، من دون أيّ صلاحية للبتّ في إمكانيّة رفض تسويتها. يأتي هذا القانون ضمن حلقة مفرغة تتكرّر منذ عقود، حيث يتمّ تشريع المخالفات في مرحلة أولى وتسويتها في مرحلة أخرى، وذلك من قبل السلطات نفسها ضمن حلقة لا تشكلّ سوى تعبيراً فاضحاً عن المنطق الزبائني19 قوانين متكررة لتسوية مخالفات البناء: تشريع مفاعيل الزبائنية والجباية أولاً | Legal Agenda (legal-agenda.com).
إعفاءات وتسهيلات
فيما خصّ القوانين المتّصلة بالإعفاءات والتسهيلات، تمّ طرح اقتراحين لإعفاء المهجّرين من رسوم الإنشاءات. وقد جاء أوّلهما20بادر إلى طرح القانون رئيسُ اتحاد بلديات الغرب الأعلى والشحار، وقدّمه إلى المجلس النيابي النائب أنيس نصّار مُمثِلًا تكتّل الجمهورية القوية. كردّ فعلٍ بعد أن تعهّدت الحكومة في بيانها الوزاري في شباط 2019 بالعمل على إغلاق وزارة المهجّرين، وبالتالي إقفال ملف المهجّرين بكلّ جوانبه. يأتي هذا الطرح، بعد أكثر من 30 عاماً على انقضاء الحرب الأهلية وحرب الجبل، بحجّة تحفيز عودة المهجّرين إلى قراهم وبيوتهم، على الرغم من وجود سلسلة تشريعاتٍ سابقةٍ لم تُحقّق العودة الفعلية للمهجّرين. لذا، يُطرح استفهامٌ عن مدى فعاليّة قوانين مشابهةٍ تعفي المهجّرين من رسومٍ هنا أو تسمح بزيادة عامل استثمارٍ هناك، دون معالجة الأسباب الجوهريّة لعدم عودة المهجّرين، في ظلّ غياب فرص العمل في المناطق المعنيّة وضعف البُنى التحتية والخدماتية في القرى والبلدات التي هُجّروا منها. في السياق نفسه طُرح أيضاً اقتراح قانون يهدف إلى السماح للمهجرين بالبناء ضمن عقار لا يستوفي الشروط القانونية.
كما طرح النائب السابق إيلي الفرزلي في عام 2022 اقتراح قانون لإعطاء رخص بناء للمناطق الواقعة بالشيوع ضمن شروط محددة، بحجة تفاقم النزوح نحو المناطق البعيدة عن المدن الرئيسية في ظلّ الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة وحيث أنّ الأراضي في هذه المناطق واقعة بشكلٍ لافت ضمن الشيوع. يُعتبر هذا الطرح أيضاً من ضمن الإجراءات الاستثنائية التي تستعملها السلطة لمحاولة معالجة الإشكاليات الآنية، وأبرزها إشكالية قانون البناء، عبر تقديم الاستثناءات على شكل الخدمات بدلاً من تطوير القانون بهدف الاستجابة لحاجات الناس وتأمين حقوقهم. ففي مناطق عديدة في لبنان، لا سيّما البقاع وعكار حيث تقاسم الوَرَثة تاريخياً ملكية الأراضي بالشراكة ودون عمليات الفرز والتحديد الفردي للملكية، يصعّب قانون البناء عمليات البناء إلى حدٍ كبيرٍ، بما أن الرخصة القانونية للعمار تتطلّب موافقة جميع الشركاء في العقار وهو أمر صار إتمامه مكلفاً وصعباً. لم يعالج المسؤولون والمديرية العامة للتنظيم المدني حاجة الناس إلى البناء بشكل متكامل عبر تصاميم توجيهية وقوانين بناء تراعي خصوصية العملية العرفية للبناء وأنظمة الملكية المحلية، بل لجؤوا إلى اقتراحات عبثية كهذه، شبيهة بالتعاميم الصادرة عن وزارة الداخلية والتي تجيز للبلديات منح تراخيص بناء21تسمح هذه التعاميم لكل لبناني في القرى والبلدات النائية أن يشيّد منزلاً لا تتجاوز مساحته 150 متر مربع2 كما وإضافة طبقة واحدة بالمساحة نفسها على بناء موجود، بعد الحصول على الرخصة من البلدية أو من القائمقام إذا لم تكن في قريته بلدية..
تشكّل هذه المقاربة خرقاً لأبسط مبادئ المصلحة العامة وانتهاكاً لها، حيث يكرّس طابعها الاستثنائي – بحجة الاستجابة لحاجات الناس – وضعاً يجعل من الحاجة إلى البناء عملية عَرَضية وظرفية تلبّي خدمة بدلاً من أن تستجيب إلى حق.
٨. في البنى التحتية: سياسات تضرب القطاع العام
يعاني لبنان من ترهّل مزمن في البنى التحتية والمرافق العامة، ممّا يساهم بإنتاج أزمة تلو الأخرى في قطاعات الكهرباء، المياه، الصرف الصحي والنقل. ويعود ذلك لاعتماد سياسةٍ ممنهجة لضرب هذه القطاعات، لا سيّما تغييب النقل العام لصالح الزبائنيّة أو توزيع التلزيمات والاحتكارات. وقد أدّى ذلك إلى فرض ضغوط متزايدة على بنى تحتيّة متلاشية في ظلّ كثافة سكّانية تعتبر من الأعلى في العالم.
بين عامي 2019 و2022، صدّق البرلمان على قانونين متعلّقين بالبنى التحتية، فيما طُرحت أيضاً 8 اقتراحات قوانين ذات صلة. من ضمن هذه القوانين والاقتراحات، نجد قانون واقتراح قانون بشأن مشاريع النقل العام، قانون واقتراحين حول تطوير طرق وأنفاق، ثلاث اقتراحات متعلّقة باستثمار مرفأ بيروت، اقتراح حول مشروع توفير مياه شرب وري وأخيراً اقتراح حول مطمر الكوستا برافا.
النقل
خلال السنوات الأربع الماضية، تمّ التصديق على قانونين متعلقين بالنقل، أوّلهما قانون يعطي الموافقة على إبرام اتفاقية قرض واتفاقية تنفيذية بين الجمهورية اللبنانية والبنك الدولي للإنشاء والتعمير لتنفيذ مشروع النقل العام لبيروت الكبرى وذلك في عام 2019. كما تمّ التصديق على قانون آخر يجيز للحكومة إنشاء نفق بين بيروت والبقاع من خلال الـBOT أو الشراكة مع القطاع الخاص وذلك في عام 2020. بالنسبة للقانون الأوّل، قد تكون الحكومة اللبنانية قد أدركت عام 2019 أهميّة النقل العام، تحت ضغط البنك الدولي كونه الجهة المموّلة لوضع برنامج نقل عام شامل. يتألّف هذا البرنامج من شبكة نقل سريع بالحافلات لثلاث خطوط نقل سريع من الجهات الشمالية (المرحلة الأولى مموّلة من القرض)، والجنوبية، والشرقية إلى بيروت، كما سيكمّل الشبكة 20 خطاً من شبكات الباصات. أمّا اليوم، وبحسب تقرير صادر عن البنك الدولي حول تنفيذ الجزء الأوّل من البرنامج، فيُرجَّح ألّا يبصر هذا المشروع النور، خصوصاً وأنّ موعد انتهاء صرف القرض هو أواخر عام 2023 وأنّه لم يتمّ إنجاز أيّ من أعمال التنفيذ بعد. وقد أعطى ذلك ذريعة للحكومة السابقة لتعليق المشروع بهدف تحويل التمويل نحو أولويات أخرى تصبّ في خانة الزبائنية على مثال “البطاقة التموينية”، وعلى اعتبار أنّ النقل لم يعد أولويةً الآن، بالرغم من الارتفاع الجنوني لأسعار المحروقات وعدم توفّر بديل عن وسائل النقل الخاصة.
كما تمّ اقتراح قانون22النواب: فادي علامة وإبراهيم عازار، كتلة التنمية والتحرير. آخر عام 2021 يرمي إلى تفعيل النقل المشترك وذلك من خلال إخضاع أحكام ومشاريع النقل المشترك لأحكام قانون تنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص الصادر عام 2017.
وفي مطلع عام 2019، اقترحَت القوات اللبنانية، ممثَّلةً بثلاثةٍ من نوابها، مشروع قانونٍ يرمي إلى تنفيذ الاستملاكات المتعلّقة بـأوتوستراد خلدة – الضبية – العقيبة وملحقاته، وآخر يرمي إلى تعديل بعض أحكام قانون الاستملاك. يهدف القانونان المطروحان إلى إحياء مشروع الأوتوستراد الدائري الذي سقط بمرور الزمن، عبر تسهيل تنفيذ استملاكاته التي كانت السبب الأوّل للحيلولة دون إتمامه. بعد ستين عاماً من التخطيط لإنجازه، يشكّل الأوتوستراد الدائري جزءاً من سياسةٍ ممنهجةٍ لضرب النقل العام وزيادة عوامل الاستثمار في المناطق المجاورة له. ففي النتيجة، لن يخفّفَ الأوتوستراد المنشود من زحمةِ السير، بل سيكبّد خزينة الدولة أكلافاً دون جدوى، وسيعرّض سكان بعض المناطق للتهجير، ويساهم في تدمير البيئة، كما سيُقسّم البلدات ويشلّها اقتصادياً.
فإذا ما نظرنا إلى القوانين الثلاث السابقة وإلى واقع النقل العام والمشترك في لبنان، لا يخفى على أحد أنّ الإجراءات والممارسات الممنهجة التي اتُّبعت في هذا القطاع منذ نهاية الحرب الأهلية، لا بل منذ الاستقلال، ساهمت في ضرب النقل العام، والاستعاضة عنه بتنفيذ الطرقات واستيراد السيارات الفرديّة. وإذا نظرنا إلى سياسة النقل وتغييب النقل العام، نرى أنّها تعزز منطق الزبائنيّة وذلك عبر التلزيمات التي كانت توزّع على الأحزاب لتنفيذ الطرقات أو من خلال تسهيل عملية استيراد السيارات عبر السياسة الجمركية المهندَسة برمّتها لحماية الوكالات الحصرية التي تتمتّع بها شركات استيراد السيارات، والتي كان أصحابها من أتباع الأحزاب أو من السياسيين أنفسهم. وقد ساهم ذلك في زيادة النمو غير المتساوي بين المناطق وإعاقة وصول الكثير من الناس إلى الخدمات وفرص العمل.
الكهرباء
من جهةٍ أخرى، تقدّم النائب فؤاد المخزومي بقانون معجّل مكرّر يرمي إلى تخصيص أرض مطمر الكوستا برافا لبناء محطة لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية لإنارة مطار رفيق الحريري الدولي ودعم الطاقة في بيروت، حيث أنّ التغذية الكهربائية من مؤسسة كهرباء لبنان شبه معدومة. يُذكر هنا، ودون الدخول في التفاصيل، بأنّ أزمة الكهرباء في لبنان لم تكن مرتبطة بالحاجة لإنشاء محطات إنتاج كهرباء أو بغياب الخيارات البديلة أو بالحلول التقنية، بل ترتبط بشكلٍ أساسي بغياب الرغبة في إيجاد الحلول المناسبة وغياب الشفافية في تلزيم التراخيص والمشاريع المتعلقة بالطاقة والاستمرار بدعم شبكات الزبائنية المرتبطة بأصحاب المولدات الخاصة وشركات استيراد الفيول.
مرفأ بيروت
إلى جانب الاقتراحات أعلاه، تمّ طرح ثلاث اقتراحات لقوانين متعلّقة بالمرافئ، اثنان منها مرتبطان بمرفأ بيروت بشكلٍ خاص. فقد طُرح اقتراح قانون يرمي إلى إنشاء “مؤسسة عامة لاستثمار مرفأ بيروت” عام 2019، وآخر يهدف إلى الإجازة للحكومة تأسيس شركة مغفلة لاستثمار مرفأ بيروت23 تمّ طرحه من قبل النائب جبران باسيل. عام 2021، بينما تضمّن الاقتراح الأخير الذي طُرح عام 2022 الإطار القانوني والتنظيمي لقطاع المرافئ والموانئ في لبنان. فمع بروز اهتمام شركات أجنبية بالمرافق العامة بشكل عام وبمرفأ بيروت بشكلٍ خاص، ومع تصاعد الحديث عن إنشاء صناديق ومؤسسات لإدارة أصول الدولة وخصخصتها، تعدّدت أيضاً اقتراحات القوانين المتعلّقة بهذا المرفق.
٩. في إعادة الإعمار بعد تفجير 4 آب: غياب الضمانات اللازمة للتعافي السليم
بعد مرور ما يناهز الثلاث سنوات على تاريخ وقوع تفجير 4 آب، يعيش سكّان الأحياء المتضرّرة في المجهول، منسيين\ات من الدولة التي لم تتحمّل مسؤولياتها تجاه الضحايا. في الوقت ذاته، يتمّ تفريغ هذه الأحياء ممّن بقوا فيها، نتيجة تغاضي القوانين التي صدرت عن اتّباع سياسات شاملة وعادلة للتعافي السليم.
بعد تفجير 4 آب 2020، صدّق البرلمان على 4 قوانين تتعلّق بالمناطق المتضرّرة من التفجير، وتمّ اقتراح 5 قوانين أخرى بهذا الشأن. تمّ أوّلاً اقتراح قانون لتجميد بيع العقارات وآخر لتمديد عقود الإيجارات في المناطق المتضرّرة. ثمّ صُدّق قانون “حماية المناطق المتضرّرة بنتيجة الإنفجار في مرفأ بيروت ودعم إعادة إعمارها”، الذي شمل الاقتراحين أعلاه إلى جانب بنود أخرى، وتمّ تعديله لمرتين. كما وردت بنود خاصة بالمناطق المتضرّرة في قانون الموازنة العامة لعام 2022. يضاف إليها اقتراحان بشأن مبنى إهراءات القمح في مرفأ بيروت واقتراح يرمي إلى إعطاء استثناء لبلدية بيروت، لغاية تقديم مساعدات مالية للمتضررين.
قانون للمناطق المتضررة
على وقع كارثة تفجير مرفأ بيروت، سارع بعض نواب تكتل لبنان القوي24النواب: سيزار أبي خليل، ألكسندر ماطوسيان، إدكار طرابلسي، حكمت ديب، نقولا الصحناوي، وأنطوان بانو. إلى اقتراح قانون لتجميد بيع العقارات المبنية الواقعة في المناطق المتضررة جراء تفجير مرفأ بيروت، وآخر لتمديد عقود الإيجارات السكنية وغير السكنية لمدة سنة واحدة للمتضررين من التفجير. ثمّ صدّق البرلمان في أيلول 2020 على قانون “حماية المناطق المتضررة بنتيجة الانفجار في مرفأ بيروت ودعم إعادة إعمارها”، وشمل الاقتراحين أعلاه إلى جانب بنود أخرى. ومن أبرز ما يتضمّنه القانون: منع التصرّفات والبيوعات حصراً في “المناطق المتضرّرة” كما يعرّفها بمحلّات المرفأ، الصيفي، المدوّر، والرميل من جهة أولى، وإقرار الحق بالتعويض وسلسلة من التقديمات الأخرى يستفيد منها المتضرّرون من التفجير من جهة ثانية، وأخيراً إنشاء لجنة تنسيقية جديدة لمسح الأضرار والإغاثة والتعويض.
وقد جاء هذا القانون مفتقداً إلى أي سياسة أو رؤية تستفيد من دروس الماضي لإعادة إعمار المناطق المتضرّرة. واعتمد مقاربة تخلو من الشقّين الاقتصادي والاجتماعي وتختزل العمران بالمباني والعقارات، ممّا يصبّ دوماً في مصلحة المستثمرين. يكشف القانون أيضاً عن بُعد طائفي واضح، قِوامه الحفاظ على «الهوية الطائفية» لبعض المناطق الجغرافية التي تمت حمايتها دون غيرها. كذلك، تغيب عن القانون أي مندرجات لتعافي الأحياء الأكثر تضرّراً، وتحديداً الحق بالوصول إلى سكن ميسّر، منعاً لتهجير سكّانها وشاغليها القُدامى والجدد تمهيداً لحلول طبقة ذات دخل أكثر ارتفاعاً مكانهم. ويتجاهل ضرورة حماية النسيج الاجتماعي والاقتصادي والحيّز العام والمشترك وسُبل الحياة المحلّية التي تضرّرت على نحوٍ بالغٍ بفعل التفجير. كما لا يؤمّن سوى حماية هشة للأبنية التراثية دون توفير حماية للموروث العمراني المديني ككل، من مبانٍ وأحياء وممارسات اجتماعية ثقافية مكانية ونشاطات اقتصادية. ولا يعرض سوى تقديمات متفرّقة تفتقد إلى أي رؤية أو دراسة أثر اقتصادي-اجتماعي وسلسلة من الإعفاءات الضريبية المنتقصة. أخيراً، غيّب القانون الناس المتضررين عن عملية تأهيل أحيائهم، وهو ما أدّى إلى تفاقم سلطة دوائر القرار المُقتصرة على العلاقات الشخصية وتفشّي المحسوبيّات والزبائنية وسيطرة الأحزاب الطائفية.
تمّ تعديل هذا القانون مرتين على التوالي، حيث عُدّلت أولاً المادة السادسة منه بهدف إعفاء المتضررين من الرسوم القضائية في القضايا التي لها صلة بالأضرار الناتجة عن التفجير. من ثمّ عُدّلت المادة الثالثة منه على إثر اقتراح قانون معجّل مكرّر25طرح توقيت هذا التعديل تساؤلاتٍ متعلقة بإمكانية ارتباطه بموعد الانتخابات النيابية، ممّا يظهره كجزء من تقديم الخدمات للناخبين من أصحاب الملكيات في المناطق المتضرّرة. تقدّمت به مجموعة من نوّاب كتلة “لبنان القوي”. يضيف هذا التعديل استثناءً جديداً على أحكام المنع والتجميد وهي حالة البيوعات الحاصلة بين الأصول والفروع حتى الدرجة الرابعة. وقد كان ملفتاً التشديد صراحةً على حماية “هوية” المنطقة في الأسباب الموجبة للقانون، حماية طائفية، لا طبقية. بمعنى أنّ المشرّع يسعى إلى منع الأفراد من العيش أو استئجار محل في المنطقة، بناءاً على انتمائهم الديني، لكنه لا يمانع طرد السكان وأصحاب المحلات والحرف والورشات، تحت ضغط الشركات الكبرى وكبار المتموّلين، محرّماً بالتالي الاختلاط الديني، فيما يشرّع لاستضعاف الأفقر والأكثر عوَزاً، في تظهير واضح لأولويات السلطة المهيمنة. أتى هذا التعديل ليسهّل عملية بيع العقارات، بالأخصّ للنافذين والمطورين العقاريين وذلك بعد انتهاء مدّة التجميد من خلال تحويل الملكيات، في العديد من الحالات، من مشتركة إلى فردية. بذلك، يساهم هذا التعديل في تغيير ملامح هذه الأحياء التي شهدت عمليات نقل واسعة للملكية إلى الشركات العقارية وهدم المباني التراثية واستبدالها بناطحات سحاب في السابق، ويعرّض سكانها للإخلاء والتهجير.
فيما يتعلّق بالموازنة، ذُكرت قضية ترميم المناطق المتضرّرة من خلال مادتين يتيمتين (المادتين 15 و94). تُجيز المادة 15 إمكانية نقل اعتمادات لتوزيع مساعدات بهدف ترميم الأبنية السكنية المتضرّرة جراء التفجير بقيمة 100 مليار ليرة لبنانية. أمّا المادة 94 فهي تجيز إعفاء العقارات طور الإنجاز والمتضرّرة من التفجير من رسوم قيد الإنشاءات ومن الحصول على رخصة ترميم. وبالتالي، ما زال موضوع تفجير ٤ آب وحماية المناطق المتضرّرة وإعادة تأهيلها، يُختزل بتقديم “المساعدات” أو التعويضات وبعض الإعفاءات الضريبية المحصورة بفئة محدّدة ومقتدرة، دون وضع رؤية شاملة وسياسة واضحة. ويأتي اقتراح قانون استثناء بلدية بيروت، ولمرة واحدة من أحكام المادة 32 من قانون الموازنة العامة لعام 2020 لغاية إعطاء مساعدات مالية لمتضرري تفجير 4 أب 2020 في السياق نفسه. يُذكر هنا، طرح تمديد العمل بالقانون 194/2020 لسنتين إضافيتين لجهة منع البيوعات، وهو ما تمّ إدراجه أيضاً ضمن بنود الموازنة. غير أنّ المجلس الدستوري أصدر قراراً بإبطال هذه المادة تبعاً لطعن مقدّم من عدد من النواب لاعتباره من فرسان26فرسان الموازنة هي مواد لقوانين ليس لها صبغة مالية يتمّ إدراجها ضمن الموازنة ويكون مصيرها الإبطال، حيث يتوجب حصر بنود الموازنة بما يتعلّق بالنفقات والإيرادات والنصوص التي تؤثّر فيها من دون أن يتعدّاها إلى مواد تتضمن إجراءات تنظيمية وإدارية لا تتصل بهذه المشتملات. الموازنة.
مبنى الإهراءات
بالنسبة لمبنى إهراءات القمح في مرفأ بيروت، وفي ظلّ وجود محاولات جديّة لهدم المبنى، تقدّم نواب الكتائب27فرسان الموازنة هي مواد لقوانين ليس لها صبغة مالية يتمّ إدراجها ضمن الموازنة ويكون مصيرها الإبطال، حيث يتوجب حصر بنود الموازنة بما يتعلّق بالنفقات والإيرادات والنصوص التي تؤثّر فيها من دون أن يتعدّاها إلى مواد تتضمن إجراءات تنظيمية وإدارية لا تتصل بهذه المشتملات. باقتراح قانون معجّل مكرّر لحمايته، وتقدّم بعض نواب “التغيير”28النواب: رامي فنج، ياسين ياسين، فراس حمدان، بولا يعقوبيان، ميشال دويهي، نجاة عون، ملحم خلف ومارك ضو. باقتراح آخر يرمي إلى اعتبار مبنى الإهراءات معلماً يخلّد ذكرى التفجير على أن يُعمل على تدعيمه والمحافظة عليه. وعلى الرغم من احتلال هذا المبنى أهمية معنوية وعاطفية عند الناس، ووجود حقٍ عام للاحتفاظ به كونه يلعب دوراً مدينياً سياسياً بامتياز في حفظ الذاكرة بصرياً، وفي إثبات قوة هذا التفجير وفظاعته29أهراءات بيروت بعد خمسين عامًا من اليوم، إن وجدت | خطــــــــــــ٣٠ (khatt30.com)، لم يتمّ إقرار أيٍّ من هذه القوانين حتى اليوم، وما زالت السلطة تتمسّك بمسعاها للتخلّص منه ماحيةً الأثر المديني المادي والبصري لما حصل في 4 آب، والشاهد على تفاعل السلطة معه من خلال تقاعسها عن اتّخاذ قرار تدعيمه من جهة، واستغلال تدمير المرفأ لنهب المزيد من المال من جهة أخرى، في ظلّ ظهور اهتمام من شركات فرنسية لاستلام إدارة المرفأ.
اليوم، تبدو المناطق المتاثّرة من تفجير المرفأ منسية وأهلها، توقّف التاريخ فيها منذ حوالي ثلاث سنين. ففي ظل غياب سياسة شاملة وأفق واضح للمناطق المتضرّرة وعدم انحياز الدولة للمتضرّرين، وفي سياق مشاريع الترميم المتفرّقة التي يقودها القطاع الخاص والتي صرفت النظر عن أهمية القيمة الاجتماعية-الاقتصادية لإعادة الإعمار30إعادة إعمار في الرميل: هل تحيا الأحياء دون سكّانها؟ | ستديو أشغال عامة (publicworksstudio.com)، يبدو أنّ التشرّد والتهجير سمة المرحلة الأساسية لسكّان المناطق المتضرّرة، بحيث تابع مرصد السكن 127 بلاغاً من مناطق تضرّرت من التفجير بين أيلول 2020 وحزيران 2021، شملت أكثر من 474 فرداً31التشرّد بعد الفاجعة (housingmonitor.org). هذا ما رأيناه سابقاً في مشروع إعادة إعمار وسط بيروت، وفي أي مشروع تطوير طال حياً من أحياء بيروت، وحذّرنا منه منذ صدور القانون الخاص بالمناطق المتضررة. فدون سياسات منحازة للناس وشروط واضحة، لا يمكننا أن نعيد الناس إلى الأحياء المدمّرة واستعادة حيويتها وإيقاع الحياة فيها.
١٠. الخاتمة
حاولنا من خلال هذا التقرير فهم السياسة العمرانية للسلطة. ونحاول في الوقت عينه، تقديم معلومات للحثّ على فتح نقاش حول ما جرى وما يجب أن يكون. بذا، نريد لهذا التقرير أن يكون فاتحة تَفَكُّر حول التشريعات والاستثناءات الحاصلة، خاصة على مستوى الحقوق المكانية، البيئية، الممارسات الاجتماعية المكانية، الموروث العمراني والحفاظ عليه، والتنمية المستدامة واللامركزية، وكل ما يتعلّق بعلاقة الناس بالأرض.
لا يجب أن يستمّر شكل إنتاج سياسات الأرض على ما هو عليه اليوم من رؤية غير واضحة، وانحياز للشركات الكبرى، وتسليع للأرض، وسعي لإنتاج المال ولو على حساب البيئة والناس، وقوانين قاصرة تحتاج إلى استثناءات هي حجّة السلطة لاستكمال ربط الناس بها.
من المقلع المهيب في الكورة، مروراً بمداخن الزوق، وساحل الزهراني، وأراضي البقاع الزراعية، وصولاً إلى المباني المتهالكة في طرابلس حتى أصغر الغرف في شقق بيروت السكنية، “الأرض” هي الراوي الصامت للصراعات المتعدّدة، للاستغلال وإعادة تدوير الهيمنة، نستطيع من خلال سماع قصصها، أن طرق استغلال السلطة لنا ونهبها حقوقنا.
- 1تحدّد الخطة 21 موضوعاً محورياً تمثل في جوهرها أهم الحقوق الأساسية اعتبرت من الأولويات في المرحلة الزمنية المعنية بها الخطة، ويمكن تصنيف المحاور المذكورة إلى الفئات الأساسية التالية: الحقوق والحريات المتعلقة بتحقيق العدالة؛ الحقوق والحريات المدنية والسياسية؛ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ وحقوق الفئات والأشخاص الأكثر عرضة للانتهاكات.
- 2تهدف هذه الخطة إلى إرساء معالجة شاملة للمواضيع التي تتناولها على مدى ست سنوات (2014 – 2019) مع رسم خطة لمتابعة تطبيقها، وذلك إنطلاقاً من القناعة بأن واجب الدولة في هذا المجال لا يقتصر على الإحالة إلى المواثيق الدولية أو التصديق عليها، بل يقتضي بذل ما في وسعها لإعمال تلك المواثيق عبر تعديل أو إلغاء النصوص التشريعية الداخلية أو استحداث تشريعات جديدة ومواءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية. إلّا أن أعمال المجلس النيابي المرصودة تتّسم بغياب الرؤية والاستخفاف بصحة الناس وحياتها وبيئتها وسكنها وسُبُل عيشها.
- 3إنّ هذه المواضيع العمرانية هي المواضيع التي اخترنا التركيز عليها وتصنيف الأبحاث بحسبها في كافة المواقع الالكترونية لاستديو أشغال عامة.
- 4في حزيران 2020، تقدّمت النائب بهية الحريري، من كتلة المستقبل النيابية، باقتراح قانونٍ يقضي بإعفاء بعض رخص البناء من الرسوم وفقاً لتصاميم نموذجية. ثمّ تقدّم ثلاثةً من نواب كتلة الوفاء للمقاومة (حزب الله) في الشهر نفسه باقتراح قانونٍ مماثل.
- 5النواب: ادكار طرابلسي، ادغار معلوف، وسليم الخوري.
- 6الضريبة على الأملاك المبنية ورسوم الانتقال، تسوية مخالفات البناء عند إتمام معاملات حصر الإرث والانتقال أو عند تسجيل أي عقد أو تصرف ينقل الملكية بين الفروع والأصول والأقرباء حتى الدرجة الرابعة، والغرامات على اختلافها.
- 7مجلس الإنماء والإعمار، مجلس الجنوب، الصندوق المركزي للمهجّرين، الهيئة العليا للإغاثة كما وإدارة الإحصاء المركزي.
- 8
- 9الذين لا يتجاوز الدخل العائلي الشهري لكلّ منهم عشرة أُضعاف الحد الأدنى للأجور.
- 10الذين لا يقلّ الدخل العائلي الشهري لكل منهم عن عشرة أضعاف الحد الأدنى للأجور ولا يتجاوز خمسة عشر ضعفاً.
- 11في التفاصيل، تحدّد الخطة ضرورة بناء وتحديث قاعدة معلومات لمواكبة قطاع السكن والعقار؛ إقرار قانون الإيجار؛ مراجعة قوانين البناء؛ تلبية حاجات السكان الذين خسروا منازلهم أو من هم معرّضون لخسارة منازلهم؛ رسم استراتيجية إسكانية كجزء من سياسة وطنية للحدّ من الفقر وتفعيل التنمية الإقتصادية والإجتماعية؛ تطوير نظام نقل متعدّد الوسائط، وهو ذو أولوية قصوى لموضوع السكن الميسّر؛ إعطاء دور للسلطات المحلية في تعزيز حيازة المسكن الميسّر؛ تصميم السياسات والقوانين والآليات الضرورية التي تحدّ من المضاربات العقارية، إلخ.
- 12تقرير نشاط المجلس النيابي لولاية 2018-2022، المرصد البرلماني – المفكرّة القانونية، حزيران 2022، تمّ الاسترداد من: Parliament-Report-Project_Legal-Agenda_Interactive_2022.pdf
- 13تضمّن القانون بنوداً متعلّقة بإنشاء لجان وفرق عمل لإدارة المحميات الطبيعية تتمتع بالاستقلال المالي والإداري، كما أشار إلى إمكانيّة تقسيم المحميّة إلى عدّة أقسام تختلف على صعيد درجة الحماية.
- 14لا يخضع المنزه الطبيعي للموانع الصارمة التي تخضع لها المحمية بل هدفه إشراك السكان والبلديات في إدارة موارد المنطقة بشكل مستدام.
- 15فقد ورد ضمن التدابير المتعلّقة بقطاع البيئة وجوب العمل على وضع إطار قانوني يوضح أنواع ومستويات أنظمة الحماية ويميّز بين عدّة مفاهيم، مثل مفهوم الموقع المحمية ومفهوم مناطق الإحتياط المحمية ومفهوم المحميات الوطنية والحمى الطبيعية، كما ينبغي أن يحدد مبادئ الحماية ضمن “نطاق قريب” وضمن “نطاق أوسع”، كذلك وجوب العمل على إعداد قانون “مناطق الحمى الطبيعية” وهي مناطق تكون فيها عملية الإنماء الاقتصادي والإجتماعي متوافقة مع متطلبات الحفاظ على البيئة.
- 16النواب: الياس اسطفان، جورج عدوان، بيار بو عاصي، غياث يزبك، الياس الخوري، رازي الحاج، غسان حاصباني، جهاد بقرادوني، غادة أيوب ونزيه متى.
- 17طُرح الاقتراح الأوّل في العام 2020 من قبل النائب طوني فرنجيه، والاقتراح الثاني في العام 2022 من قبل النائب هاكوب ترزيان.
- 18تعديل القانون رقم 360 تاريخ 2001/8/16.
- 19
- 20بادر إلى طرح القانون رئيسُ اتحاد بلديات الغرب الأعلى والشحار، وقدّمه إلى المجلس النيابي النائب أنيس نصّار مُمثِلًا تكتّل الجمهورية القوية.
- 21تسمح هذه التعاميم لكل لبناني في القرى والبلدات النائية أن يشيّد منزلاً لا تتجاوز مساحته 150 متر مربع2 كما وإضافة طبقة واحدة بالمساحة نفسها على بناء موجود، بعد الحصول على الرخصة من البلدية أو من القائمقام إذا لم تكن في قريته بلدية.
- 22النواب: فادي علامة وإبراهيم عازار، كتلة التنمية والتحرير.
- 23تمّ طرحه من قبل النائب جبران باسيل.
- 24النواب: سيزار أبي خليل، ألكسندر ماطوسيان، إدكار طرابلسي، حكمت ديب، نقولا الصحناوي، وأنطوان بانو.
- 25طرح توقيت هذا التعديل تساؤلاتٍ متعلقة بإمكانية ارتباطه بموعد الانتخابات النيابية، ممّا يظهره كجزء من تقديم الخدمات للناخبين من أصحاب الملكيات في المناطق المتضرّرة.
- 26فرسان الموازنة هي مواد لقوانين ليس لها صبغة مالية يتمّ إدراجها ضمن الموازنة ويكون مصيرها الإبطال، حيث يتوجب حصر بنود الموازنة بما يتعلّق بالنفقات والإيرادات والنصوص التي تؤثّر فيها من دون أن يتعدّاها إلى مواد تتضمن إجراءات تنظيمية وإدارية لا تتصل بهذه المشتملات.
- 27فرسان الموازنة هي مواد لقوانين ليس لها صبغة مالية يتمّ إدراجها ضمن الموازنة ويكون مصيرها الإبطال، حيث يتوجب حصر بنود الموازنة بما يتعلّق بالنفقات والإيرادات والنصوص التي تؤثّر فيها من دون أن يتعدّاها إلى مواد تتضمن إجراءات تنظيمية وإدارية لا تتصل بهذه المشتملات.
- 28النواب: رامي فنج، ياسين ياسين، فراس حمدان، بولا يعقوبيان، ميشال دويهي، نجاة عون، ملحم خلف ومارك ضو.
- 29
- 30
- 31
من الدالية في 1995 حتى اليوم: تمديد جديد لقانون استثناء الفنادق
اقتراح قانون يرمي إلى «تمديد العمل بالقانون رقم 264 (تمديد العمل بالقانون المتعلّق باستثناء الفنادق من بعض أحكام قانون البناء)».
قُدّم الاقتراح في 20/03/2023 وأحيل على الحكومة في 22/03/2023 وعلى لجنتَي الإدارة والعدل والأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه في 15/11/2023، وقد عقدت لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه اجتماعَين حوله في تاريخ 11/01/2024 ...