عن المرصد

إنّ بعض النضالات المدينية الأكثر جذريةً ربما التي شهدناها في لبنان، نشأَت في مواجهة مشاريع أو مبانٍ لم تنفّذ بعد، لمعرفتنا بأثرها اللاحق المدمّر بيئياً واجتماعياً واقتصادياً ونفسياً. وقد تابعنا حملات وشاركنا في تحرّكات وتدخلات عرقلةٍ وحتى مواجهات مباشرة مع رجال الأمن لوقف مشاريع عقارية وافقت السلطة عليها، بداية من الأصوات المناهضة لمشروع سوليدير في التسعينيات، إلى المواجهات ضد إنشاء سدّ بسري في الـ 2020، مروراً بدالية الروشة والإيدن باي في الرملة البيضاء وأتوستراد فؤاد بطرس في الرميل والبناء فوق ملّاحات أنفة، وتدمير مرفأ الصيادين في عدلون وغيرها. وليس مُستغرباً إثارة الضجّة بشأن أعمال بناء مستقبلية والاعتراض عليها ومحاولات منعها، فإنّ جميع المعنيّات\ين – من محتجّين وسكّانٍ وسياسيّين ومطوّرين عقاريّين – يُدركون جيداً ما هو على المحك في هذه القضايا. 

إنّ النزاع على الأرض يشمل ما هو موجودٌ وما هو غير موجودٍ عليها في آن، ما نستخدمه اليوم، وما لن نراه غداً. فإيقاع البناء وسعره يؤثّران في كلّ شيءٍ، من السكن، إلى الزراعة، إلى البيئة والنقل، وحتى المدارس وغيرها من المرافق. والأرض ليست سلعةً، بل مسألة شاملة تؤثّر بشكل مباشر على عدد من الحقوق الأساسية، ويعود ذلك إلى أنّ ملكيّة الأرض تتميّز بخصوصية محتواها ودلالاتها، ببساطة لأنّها مصدر الحياة ومكان العيش. 

وهذا ما يمكننا أن نراه اليوم بشكل مباشر من خلال التحوّلات الحضرية والسكنية والتغيير المستمر لاستخدام الأراضي والمساحات. يتعرّض عدد متزايد من الناس في لبنان للتشريد من أراضيهم وبيوتهم بهدف إفساح المجال لمشاريع ضخمة، كبناء الأبراج أو السدود أو غيرها. وقد أدّى التحول إلى الزراعة واسعة النطاق أو تدمير الأراضي الزراعية بفعل المضاربة العقارية إلى عمليات انعدام السيادة الغذائية المحلية، وهي أمور ساهمت بدورها في زيادة الهجرة وإفقار المناطق غير المركزية وزادت بالتالي من صعوبة الحصول على الأرض والسكن. كما أنّ التدابير المتّخذة في إدارة الأراضي وتنظيمها تتعارض مع مصالح الناس وبيئتها وصحتها وإمكانية تنّقلها، لا سيّما بالنسبة لأولئك اللواتي والذين يعتمدون على الأرض كوسيلة للعيش والبقاء والحفاظ على حقوقهم الإنسانية. 

بالتالي، تكتسب أنظمة استخدام الأراضي التي توّجه عمليات البناء مستقبلاً – أو ما يُعرف بعامل الاستثمار – أهميةً كبرى في الصراع على الظروف المدينية الحالية والمستقبلية. وتتضمّن هذه الأخيرة شروط السكن المناسب وميسور التكلفة، والتدهور البيئي، والدمج الاجتماعي أو الإقصاء، وحق الوصول إلى الأملاك العامة وغير ذلك.

إنّ طريقة صنع تلك القرارات عبر ما يُعرف بالتنظيم المديني هو انعكاسٌ للخيارات السياساتية والرؤى الاقتصادية الأكبر التي تتّخذها الدولة؛ وهو يتضمّن في آن معاً، الرؤية وطريقة التطبيق. لذلك، هناك ضرورة لإعادة تركيز الاهتمام على كيفية استخدام الأراضي والتحكم فيها وإدارتها، وأن تكون سياسة الأرض جزء لا يتجزأ من الخطاب والممارسات.

مرصد سياسات الأرض

منصة أنشأها استديو أشغال عامة لإنتاج وإتاحة المعرفة حول قضايا الأرض في لبنان. يهدف المرصد إلى تعزيز التنمية العادلة والمساواة في إطار صناعة السياسات، ودعم كل من تعمل على ذلك من باحثات\ين، وسكان، وهيئات مدنية، ومجموعات معنيّة، وذلك من خلال رصد عدد من المواضيع من منظور العدالة المكانية. يراقب «مرصد سياسات الأرض» المؤسّسات المعنية بالشؤون العمرانية (مع تركيزٍ خاصٍ على المديرية العامة للتنظيم المدني) من أجل ضمان إتاحة المعلومات ذات الصلة وتغذية النقاش العام. كما يرصد المخطّطات والقوانين والمراسيم، بالشراكة مع “المفكرة القانونية” ومبادرة “غربال”، ويعلّق عليها، ويسعى للتحرّك لمواجهة المدمّرة منها. من خلال ذلك، نضمن ألا يمرّ أي تدخّلٍ مكاني دون توثيق أو اعتراض، ونسدّ الفجوة على صعيد الإقصاء الذي يستهدف الفئات المتأثرّة بالسياسات المتبّعة في إدارة الأراضي وتنظيمها.

فالأرض مصدر رزق بالنسبة لكثير من الناس، وهي بالتالي عنصر محوري في الحقوق الاقتصادية. وهي أيضاً تعبير ملموس عن أنماط العيش المتنوعة، والتقاليد، والذاكرة، والهويات، والأساليب الاجتماعية – الثقافية لسكاّنها ومستخدميها، وهي بذلك مرتبطة بالحقوق الاجتماعية والثقافية.

الأهداف 

– التعرّف على الجوانب المختلفة لغياب التنمية المتكاملة في المناطق ولتهميشها والتوزيع غير المتساوي للموارد في ما بينها؛

– معرفة مؤسّسات الدولة المُمسكة بقضايا الأرض وكيفية اتخاذ القرارات فيها، لتشكّل ركيزةً تشاركيةً في السّعي نحو السياسات العادلة؛

– الرصد الدّوري لكافة المخططات والتصاميم والمشاريع، ونشر المعلومات والنتائج والأدوات ذات الصّلة؛

– تطوير مؤشرٍ للتخطيط العادل والدامج؛

– تأريخ حكايا المناطق وسردها من منطلق إدارة الأراضي فيها؛

– تطوير استراتيجيات قضايا الأرض وتجلّياتها في المناطق وتنفيذ أطرٍ تنظيميةٍ لها. 

آليات الرصد والشراكات

يتشارك استديو أشغال عامة في عملية الرصد، بما يتعلق بالقوانين المطروحة ومقرّرات المجلس النيابي مع المفكرة القانونية؛ وبما يتعلّق بالجريدة الرسمية من قوانين ومراسيم وبما يتعلّق بأي طلب رسمي لمقررات مؤسسات الدولة من خلال مبادرة غربال. 

كما يقوم مرصد سياسات الأرض برصد مستمر للأمور المتعلقة بالأرض والعمران والحقوق المكانية عبر صفحات البلديات ومجلس الإنماء والإعمار والحكومة والأخبار المنشورة المتعلقة بقرارات البلديات، الحكومة، المجالس، والهيئات، وغيرها. كما نقوم بزيارات دورية لبعض المؤسسات، أبرزها المديرية العامة للتنظيم المدني لرصد التصاميم التوجيهية والخرائط المتعلقة.

تُرصد هذه المعلومات ويتمّ جدولتها وتُصنّف ليتمّ مشاركتها من خلال المرصد فتصبح في متناول الجميع. كما نقدّم قراءة نقدية للقوانين أو المقرّرات أو المراسيم البارزة، بالإضافة إلى مواد بحثية متعلقة بها، كخرائط وجداول زمنية تحلّل المعلومات وتربطها ببعضها البعض وتجعلها متاحةً للناس لاستخدامها في عملية الضغط والتوعية. كما يتم التشبيك مع الجمعيات، التنظيمات والناشطين/ات في المناطق لمشاركة ما يهمهن\م وحثهن\م على العمل سوياً والتضامن والضغط في سبيل إيقاف الضرر، تعديله أو تصويبه. وأخيراً يعمل مرصد سياسات الأرض واستناداً على المعلومات والتحليلات التي تمّ جمعها، على إنتاج تقارير دوريّة توثّق كيفية انتهاك السلطات اللبنانية لحقوق الأرض، وتوصّف هذا الانتهاك ومداه، ويتم رفع التقارير إلى الجهات المعنيّة المحلية والدولية.