منطقة منظمة بمرسوم

منطقة منظمة جزئياً بمرسوم

منطقة غير منظمة صدر بشأنها
قرارات عن المجلس الأعلى للتنظيم المدني

منطقة غير منظمة

المناطق غير المنظمة تشكّل نسبة %85.6 من الأراضي اللبنانية

0%

مناطق منظمة

0%

مناطق منظمة جزئياً

0%

مناطق غير منظمة

إزاء واقع تهميش المناطق اللبنانية المختلفة، والتنمية المجزّأة، واللامساواة في توزيع الموارد وتكريس الحدود المناطقية، نستكشف في هذا القسم الأسباب البنيوية التي تتسبّب بهذا الواقع.

فقد أدّت السياسات العامة والتوجّهات الاقتصادية في لبنان إلى تدمير سُبل العيش في المناطق وإفقارها. اليوم، يساهم قطاع الخدمات والريع العقاري بحوالي 77% من مجمل الاقتصاد اللبناني، وهو اقتصادٌ مدينيٌ منحاز لذوي الامتيازات، يتركّز ضمن نطاق العاصمة بشكل ضروري، بهدف تحقيق الأرباح التي تُعلّل وجوده، ليساهم إذذاك وعلى نحوٍ واسعٍ في إقصاء المناطق الأخرى وتهميش إمكاناتها. ويتجسّد ذلك في خطط تنظيم الأراضي التي لا زالت إلى حدٍّ كبيرٍ أداةً بيد الأقوياء، وهي تتميّز باستبعاد القضايا الملحّة وتهميش فئاتٍ اجتماعيةٍ واسعة.

بناءً عليه، نهدف من خلال قراءات مناطقية إلى تجذير خطاب عام حول غياب التنمية المتكاملة والتهميش البُنيوي لما يُسمّى بمناطق "الأطراف". كما نسعى إلى إشراك الناس والهيئات الاجتماعية في مناقشة القضايا العامة والمدينية والتنموية التي تواجهها، ومعالجتها كي تصبح طرفاً فاعلاً في محاربتها.

إذا كانت التصاميم التوجيهية والأنظمة التفصيلية هي التي تحدد وجهة استعمال الأرض وشروط البناء على ضوء المصلحة العامة، فما نسبة الأراضي اللبنانية المنظّمة؟ في أي فترات زمنية تم تنظيمها؟ وما كانت العوامل السياسية والقانونية التي ساهمت في إصدار أو عدم إصدار التصاميم التوجيهية لها؟ وهل يتم التقيّد بها كإطار تنظيمي غير قابل للاستثناء، وماذا عن المناطق التي ما زالت غير منظمة؟

للإجابة على هذه الأسئلة، قررنا خوض عملية بحثية مفصلة في أرشيف الجريدة الرسمية، كما في سجلات «مركز الدراسات والبحوث في التنمية والتخطيط» في الجامعة اللبنانية. انطلاقاً من هذه المعلومات والمعطيات، أنتجنا رسومات بيانية وخرائط سمحت لنا أن نستخلص عِبراً وقراءات حول ممارسة الإدارات العامة للتنظيم المُدني.

الاستنتاج الأول:
المناطق غير المنظمة تشكل نسبة %85 من الأراضي اللبنانية

استناداً إلى قاعدة بيانات شاملة لجميع التصاميم التوجيهية المصدقة بمرسوم والصادرة منذ العام 1954 حتى اليوم، قمنا برسم خريطة (على الصفحة الخلفية) للمناطق في لبنان بحسب مدى تنظيمها، وذلك وفقاً للتبويب التالي:

  1. مناطق صدر بشأنها تصاميم توجيهية وتفصيلية عامة، أيّ لكامل المنطقة الجغرافية المُعرفّة إدارياً. واعتبرنا أنّ هذه الفئة هي التي تشكّل ما يُسمى بالمناطق المنظمة في لبنان.
  2. مناطق لم يصدر بشأنها سوى تصاميم جزئية، أيّ لقسم منها (إمّا لمنطقة صناعية فيها أو لشاطئها أو لجزء منها).
  3. استثناء عقار (أو مجموعة عقارات) في منطقة من أنظمة التصميم العام أو السماح بزيادة عامل استثمار خلافاً للتصميم التوجيهي أو لقانون البناء.

كما أضفنا إلى هذه الخريطة فئة مهمة تتعلق بالقرارات التي تصدر عن «المجلس الأعلى للتنظيم المدني»، وحصرنا رسمها على الخريطة بالقرارات التي صدرت للمناطق غير المنظمة وذلك للإشكالية التي تفتحها من ناحية التنظيم الاعتباطي.

نستنتج في هذه الخريطة أنّ نسبة المناطق غير المنظمة اليوم في لبنان تصل إلى 85% من مساحة الأراضي اللبنانية، وهي نسبة عالية جداً. تتوزع المناطق المنظمة (15%) بمعظمها في المدن الرئيسية وضواحيها حيث الانتشار العمراني الكثيف، فيما يتعرّض الجزء الآخر والأكبر من الأراضي اللبنانية الى إهمال اعتباطي، يتمثل بعدد التنظيمات الجزئية (والتي يصل عددها الى 91 منطقة) وكثافة القرارات التي يخضع لها. على سبيل المثال، ترصد الخريطة 353 منطقة غير منظمة في لبنان صدر قرار بشأنها من قبل المجلس الأعلى. يكون هذا القرار مُلزماً عند منح ترخيص البناء خلال ثلاث سنوات، وبعدئذ يصدر مرسوم يصدقه من قبل مجلس الوزراء. في جميع الحالات، نجد أنّ المراسيم لم تصدر خلال المهلة القانونية – مما يؤدي مبدئياً إلى إسقاط القرارات وتجريدها من أي مفعول – إنمّا يستمر عمل بعض الإدارات بهذه القرارات بموجب أعراف مخالفة للقانون٣. وبالتالي، نشهد بشكل ممنهج عملية تنظيمية عبثية ومعاكسة تماماً للمصلحة العامة. ومن شأن هذا الوضع أن يتيح لأصحاب المشاريع بإتمام مشاريعهم في غياب تام لأي ضوابط.

الاستنتاج الثاني: نشاط في التنظيم ما قبل الحرب الأهلية، ونشاط في الاستثناء ما بعدها

بهدف فهم المحطات التاريخية التي تم خلالها تنظيم المناطق (التي تشكل 15% من مساحة لبنان الإجمالية) والعوامل التي رافقتها، رسمنا جدولاً زمنياً للمناطق التي نظّمت بشكل كلّي للمرة الأولى (وفق تصميم عام مصدّق بمرسوم)، وبذلك استبعدنا التصاميم الجزئية إذ اعتبرناها عملاً تنظيمياً غير مكتمل.

الملفت في هذا الجدول التفاوت الهائل ما بين نشاط االمديرية العامة للتنظيم المدنيب في تنظيم المناطق ما قبل الحرب الأهلية وما بعدها. يشير الجدول الى أنّ إجمالي عدد المناطق التي نُظمت خلال الـ 15 سنة ما قبل الحرب (1960-1975) هو 82 منطقة، مقارنة بـ 28 منطقة خلال السنوات الـ 15 التي تلت الحرب. وتشكل سنة 2005 مفصلاً ضمن هذا التحليل، وذلك بسبب صدور قراراً من المجلس الأعلى للمناطق غير المنظمة يحدد أن نسبة البناء المسموح بها هي 25% استثمار سطحي و0.50 استثمار عام، فيما كانت هذه النسبة في السنوات ما بين 1971 و2005 هي 40% 0,80. إذاً بإمكاننا التحليل أنّ انخفاض عامل الاستثمار في المناطق غير المنظمة أعاد وشجع البلديات والمديرية على تنشيط عملية التنظيم. مثلاً، نجد أن خلال الـ 11 سنة التي لحقت هذا القرار (2006-2017) تم تنظيم خمسين منطقة لبنانية لأول مرة.

أما عندما أضفنا قائمة الاستثناءات إلى الجدول الزمني – أيّ المراسيم التي تستثني عقارا من النظام العام أو تسمح بزيادة عامل الاستثمار – رصدنا استثنائين وحيدين صدرا خلال الـ 15 سنة التي سبقت الحرب. أما سنوات 1990-2005، فقد شهدت 33 استثناءً، تلاها 42 استثناء من العام 2006 حتى اليوم. تشير هذه الأرقام الى إخفاق في عملية التشريع يتناقض بشكل كامل مع مفهوم االنظام العامب أو التصميم التوجيهي. وبالرغم عن موقفنا النقدي حيال بعض الأنظمة والتصاميم بحد ذاتها (موضوع سوف نتناوله في الأعداد القادمة)، تقتصر هذه الاستثناءات على طلبات وحاجات مالكي الأراضي المتموّلين والنافذين.

أيضاً، يظهر على الجدول الزمني تاريخ مفصلي آخر، ألا وهو صدور الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية في العام 2009. قامت الخطة الشاملة على مجموعة من الأهداف والقيَم، أهمّها الإنماء المتوازن للمناطق، ترشيد استغلال الموارد الطبيعية (لا سيّما المياه)، خفض مصاريف الدولة، تحسين الإنتاجية الاقتصادية، الإنعاش الاجتماعي، والمحافظة على البيئة. على الوزارات والإدارات والبلديات أن تلتزم بتوجيهات الخطة الشاملة في كل شأن من عملها له علاقة بتنظيم الأراضي وعمليات البناء. ويحدد المرسوم 2366 في المادة العاشرة منه المتعلقة بكيفية تطبيق الخطة، أن على رئيس المجلس الأعلى للتنظيم المدني تشكيل لجنة اتكون مهمتها متابعة تنفيذ الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية وتطويرها، الأمر الذي لم يجرِ أبداً. وتقع مسؤولية هذا الإخفاق بالأخص على الرئيس الحالي للمجلس الأعلى الياس الطويل الذي استلم مركزه في العام 2010 وما زال حتى اليوم.

بل ما جرى هو معاكس لذلك. فمنذ صدور الخطة الشاملة، تم تصديق 42 تصميماً توجيهياً وتفصيلياً، وتم تعديل 69، ولم تذكر سوى 5 منها الخطة الشاملة. أمّا باقي المراسيم فلم تستخدم حتى مفردات الخطة الشاملة، مثل الحديث عن شبكة المساحات طبيعية، ثروات طبيعية، مناطق زراعية ذات أهمية وطنية، مناطق معرضة لخطر تلوث المياه الجوفية، أو غيرها.

اليوم، تجاهُل المديرية العامة للخطة الشاملة بشكل فاضح، وكسلها في تنظيم المناطق، ونشاطها في إصدار الاستثناءات والقرارات العبثية لا ينتج سوى تكرار وتفاقم لأوجه عدم المساواة، فضلاً عن الحفاظ على هيمنة قلة من النافذين على الأراضي اللبنانية.