يستعيد الجنوبيون في لبنان اليوم تجارب يوميات أليمة من قلب ذاكرتهن\م الجماعية المطبوعة بالحروب الإسرائيلية المتكرّرة. وهم كثيراً ما واجهوا تداعيات هذه الحروب وحدهم، لا لشيء إلّا نتيجة الفصل التاريخي الحاصل بين الجنوب\مناطق المواجهة وباقي المناطق اللبنانية. وهو فصل أتى نتيجة تراكم عدّة عوامل، أوّلها في الفصل التاريخي المناطقي الطبقي والطائفي الذي مارسته الدولة اللبنانية لعقود منذ الاستقلال، ثم تمّ تثبيته مع الاحتلال الاسرائيلي للجنوب اللبناني، ممّا جعل الفصل عسكرياً أيضاً. تبع ذلك كله، الفصل السياسي المناطقي الممنهج الذي فرضته الأحزاب المهيمنة تبعاً لنظام المحاصصة في لبنان. لذا، فإن جزء من حركة مقاومة الاحتلال اليوم، هو إعادة ربط الجنوب اللبناني بباقي المناطق، وبالتالي، الإقرار بأن الحرب هي على لبنان، وليست على الجنوب فقط.
نسعى في هذا الملف لتفنيد التأثير المباشر وغير المباشر للحرب الاسرائيلية على كل مستويات الحياة، من التهجير والحق بالسكن وخياراته، إلى الزراعة والبيئة، ممّا ينعكس على طرق المعيشة وأساليبها. وضمن كل ذلك، نسأل عمّا تقدّمه الدولة، والطرق التي تدعم السكان فيها في واقع اقتصادي صعب. ففي ظلّ كل ما يحصل، من الضروري اليوم أن تلعب الدولة دوراً في العَونة، لأن ذلك ليس من حق النازحات\ين فقط، بل هو جزء أساسي من إعادة وصل المنطقة بباقي المناطق اللبنانية.
نحن اليوم في المنطقة، في حرب ممتدّة من الضفة الغربية التي يُقتل أهلها ويُسجنون وتُحتلً بيوتهم، حتى غزّة التي تتعرّض لكل أشكال التدمير – إنسانياً، وبيئياً، وحضرياً، ونفسياً، وصحياً- حتى لبنان. ولبنان صغير جداً، في مساحته، ليقسّم إلى مناطق “طبيعية” ومناطق تحت الحرب: الكل متأثّر بالحرب، بشكل غير مباشر. بشكل مباشر، الجنوب هو الآن ميدان الحرب الوحيد ضد إسرائيل في لبنان، وبالتالي لهذه المنطقة شأن كبير في مصائر الأهالي ومسارات المواجهة … وبالتالي من الضروري أن نفهم ونوثّق كيف تتأثّر أراضيه وناسه ومعيشتهم نتيجة هذه الحرب.