الإبادة والإعلام:

قتل الصحافة وتحريف الرواية

منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة في 7 تشرين الأول 2023، يُعدّ الإعلام أداةً أساسية يستخدمها الاحتلال لطمس الحقيقة وتشويهها واجتزائها بهدف شرعنة جرائمه وانتهاكاته، كما إنكار حق الشعب الفلسطيني بالوجود وتجريده من الإنسانية بهدف التطبيع مع قتله. هذه الممارسات ليست مستجدة بالنسبة إلى الاحتلال، الذي لطالما استخدم الإعلام ومختلف أدواته واستراتيجياته المتاحة بهدف تبرير احتلاله فلسطين وإنكار وجودها في الآن نفسه. وذلك في الوقت الذي ينحاز فيه معظم الإعلام الغربي للسردية الإسرائيلية، وهو ما ظهر مراراً وتكراراً منذ بدء العدوان الحالي على غزة. 

 في هذا المقال، وهو الخامس من ملف «الحرب الإسرائيلية 2023: مصائر الأهالي ومسارات المواجهة في لبنان»، نتطرق إلى إشكالية التمثيل في الإعلام. خلال ثلاثة أقسام، نستعرض أولاً مجموعة من المصطلحات التي تصف بدقة ما يحصل في غزة، ومن ثم جدول زمني للصحافيين/ات الذين قتلتهم إسرائيل في غزة وجنوب لبنان، وختاماً ترجمة إلى العربية للبريد الإلكتروني الذي أرسله مراسل «بي بي سي» رامي رحيم إلى فريق عمل القناة، حيث قدّم فيه انتقاداً عميقاً لتغطية القناة لما يحصل في غزة والضفة الغربية، وكيفية تأثير هذه التغطية على جمهورها.

ماذا يحصل في غزة / فلسطين؟

يضطلع استخدام الكلمات والعبارات الدقيقة بدور مفصليّ في فهم ما يجري على أرض فلسطين المحتلّة وتوصيفه. لهذا السبب بالذات، يلجأ الإعلام الماينستريم (الغربي والعربي والعالمي) أحياناً كثيرة إلى مصطلحات تقلّل من حدّة الواقع أو تحوّره لتخفيه عن الرأي العام، لأسباب سياسية مختلفة، من بينها التعمية عن دور أطراف أو دول معينة في ما يحدث، ومحاولة الإفلات من المساءلة والمحاسبة. وذلك لأن استخدام الكلمات، من حيث أنّه مادّة التوصيف ونقل الخبر، قادر على أن يغيّر الفعل والفاعل والحبكة وظروفها، وبالتالي على إعادة صياغة الرواية من أساسها.

وبالتالي، فإن استخدام مصطلح ما أو عدمه، يعود بالضرورة للموقف السياسي للشخص أو المجموعة أو المؤسسة التي تستخدم هذا المصطلح. واعتماداً على المنطق ذاته، فإن تلميع صورة إسرائيل، وتبرئتها من أفعالها تبدأ من استخدام الكلمة التي تسمّي الفعل بما هو عليه، أو تخفّف من حدّته أو تزيل المسؤولية عن الفاعل.

بعد خمسة أشهر على العدوان، ما زال استخدام مصطلحات كـ “النزاع” و”الحرب” و”الصراع” لوصف ما تشهده غزّة اليوم شائعاً. إلّا أن النزاع والصراع يتطلّبان مساواة ما بين قوة الطرفين المتنازعين\المتصارعين، وهو ما لا نجده في غزة، كما أنهما لا يرتقيان إلى مستوى دقّة مصطلح “الإبادة الجماعية” مثلاً في توصيف الوضع الراهن. كما أن التخفيف من حدّة الفعل، يصبّ في نفس اتّجاه الجهد الذي يهمّش الخطاب الفلسطيني، ويُضعِف بالتالي من قدرته على إيصال روايته.

في ظلّ هذا الواقع المُحمّل بالمظالم والتضليل، نُدرك في استوديو أشغال عامة مسؤوليتنا في إنتاج المعرفة عمّا يجري في غزّة. فنحن نؤمن إيماناً راسخاً بأنّ الحديث عنها قد لا يوقف الإبادة فيها، ولكن استخدام اللغة الدقيقة في الحديث يُشكّل سلاحاً نضالياً لا يقلّ أهمية عن سائر أشكال المقاومة. ولهذا السبب، ركّزنا جهودنا في هذه المرحلة على إنتاج قاموس يقدّم شرحاً لمفردات بالإنكليزية والعربية تُعزّز وضوح الخطاب الفلسطيني وتُسلّط الضوء على مجريات الأحداث بدقة. وقد ربطنا في الوقت ذاته، المفردات بالعمران والبيئة والسكن والمدينة، من حيث أنّها واحدة من الأدوات والأهداف الرئيسية لماكينة الاستعمار الاستيطاني.

ندعو الجميع، أفراداً ومجموعاتٍ ومؤسسات، لاستخدام هذه المفردات في توصيف ما يجري. فتوظيف اللغة بوعي ودقة ليس ترف فكري، بل هو ضرورة ملحّة لمواجهة الظلم ومناهضة المحاولات الممنهجة لطمس تاريخ الفلسطينيات\ين ومدنهم وهويتهم وتهجيرهم ولتدمير مدنهم وقراهم. فالكلمة، كما أرَتنا غزّة، هي بلوَرة لفظية لسرديتنا السياسية.

الابادة السياسية

لهذا المصطلح دلالة مزدوجة، إذ يُقصَد به الإبادة الفيزيائية لجماعات من الأشخاص الذين تجمعهم هوية سياسية مشتركة من جهة، وإبادة الأشخاص سياسياً (وليس فيزيائياً)، أي إنكار أي ولاية سياسية لهم على أنفسهم، من جهة أخرى.

وضع مفهوم «الإبادة السياسية» عالما السياسة الأميركيان باربرا هارف وتيد روبرت غُر سنة 1988، في إشارة إلى «إبادة» فيزيائية لأشخاص تجمعهم هوية سياسية مشتركة، من دون أن تكون لهذه الهوية صبغة إثنية أو عرقية بالضرورة، مثلما جرى للشيوعيين الإندونيسيين سنتَي 1965 و1966 على يد نظام سوهارتو، بتشجيع أميركي.

ما لبث هذا المفهوم أن تطوّر لاحقاً مع عالم الاجتماع الإسرائيلي باروخ كيمرلنغ الذي استخدمه في كتابه «الإبادة السياسية: حرب آرييل شارون ضد الفلسطينيين» لوصف سياسة إسرائيل حيال الفلسطينيين خلال الأعوام التي ترأّس فيها شارون الحكومة الإسرائيلية.
اعتبر بعض المفكّرين هذا الطرح ضيقاً للغاية باعتبار أن إسرائيل تقوم تكوينياً على الإبادة السياسية للفلسطينيين، سواءاً قبل شارون أو بعده. والمقصود بالإبادة السياسية عند كيمرلنغ ليس إبادة مجموعة من السكان لأسباب سياسية مثل الشيوعيين الإندونيسيين، وإنما إبادة السكان سياسياً وليس فيزيائياً، أي إنكار أي ولاية سياسية لهم على أنفسهم، بما معناه تدمير وجودهم السياسي وإنكار إمكانية تقرير مصيرهم بأنفسهم.

في فلسطين اليوم، يجري تحقيق الإبادة السياسية عبر تصفية القيادات الوطنية والحزبية والقضاء على النخب السياسية عبر الاغتيالات وإعاقة التعليم والتدمير الممنهج للمؤسسات العامة، كمؤسسات السلطة الفلسطينية. انطلاقاً من هنا، يرى البعض أن لبّ التحرّر الفلسطيني هو الخروج من نظام الإبادة السياسية والدخول في السياسة، أو امتلاك السياسة.

الغسيل الأخضر

وهي بروباغاندا سياسية واستراتيجية دعائية وممارسة على مستوى الخطاب والتمثيل الإعلامي، تنفّذها الشركات وبعض الحكومات، خاصةً تلك الاستعمارية الاستيطانية، لتحسين صورتها والترويج لسرديتها، عبر التلاعب بالقيم البيئية وخلق وهم بالمسؤولية البيئية لصرف الانتباه عن ممارساتها المؤذية وانتهاكها لحقوق الإنسان.

أول من استخدم هذا المصطلح هو عالم البيئة الأميركي جاي ويسترفيلد في عام 1986. نشأت هذه الفكرة عندما ادّعى منتجع سياحي على شاطئ ساموا تحمّله مسؤوليته البيئية من خلال تقديم مناشف قابلة لإعادة الاستخدام، في حين أنه كان يتوسّع داخل الأراضي العامة للجماعات المحلية. بمرور الوقت، أصبح هذا المصطلح يُستخدم لانتقاد الشركات والمؤسسات والحكومات التي تستخدم المزاعم البيئية بهدف التسويق، من دون بذل جهود حقيقية لمعالجة تأثير منتجاتها على البيئة. تؤدي هذه الممارسة إلى تفاقم أزمة المناخ، مما يؤثر بشكل غير متناسب على الشعوب الأصلية والجنوب العالمي والمجتمعات المضطهدة، ممّا يخلق مظالم اجتماعية ومكانية وبيئية. ويأتي هذا المصطلح ليستكمل الممارسات الإعلامية الترويجية لبروباغاندا الاحتلال، بالإضافة إلى الغسيل الوردي والأرجواني، اللذان تحاول من خلالهما الدعاية الصهيونية أن تحسّن صورة الكيان الاستعماري عبر ادّعائها دعمه للنساء وللكويريات\ين.

لقد أدّت إسرائيل، على غرار الحكومات الأخرى التي لها إرث تاريخي من المساعي الاستعمارية والإمبريالية، دوراً هاماً في تفاقم أزمة المناخ المستمرة، في حين أنها تستخدم تكتيكات الغسيل الأخضر لإبراز وجهٍ داعم ومسؤول عن الحفاظ على البيئة، بهدف صرف الانتباه عن ممارساتها المتمثلة في الاحتلال العسكري والاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري والإبادة البيئية في فلسطين وجنوب لبنان والجولان. في الواقع، لا تلوّث إسرائيل الأراضي الفلسطينية فحسب، بل تدمّر أيضاً الحياة الحيوانية والنباتية في فلسطين بشكل منهجي، وتُدخل بشكل مقصود أنواع الحيوانات والنباتات والحشرات الغازية، وتنشئ «محميات بيئية» لإخفاء القرى التي تم تطهيرها عرقياً، وتصوّر بشكل خاطئ استيلاءها على المياه الفلسطينية على أنه حل لندرة المياه، في حين أنها تساهم في تفاقمها.

وقد بَنَت إسرائيل سرديتها منذ البداية، على وهم يقول بقيامها بتخضير الصحراء. وقد تمّ دحض هذا الادّعاء على مستويين، الأول هو الوثائق التي أظهرت أن المستعمرين الأوائل تعلّموا من الفلاحين الفلسطينيين كيفية زراعة الأراضي في المناطق المختلفة من فلسطين، ممّا يعني بأن هذه الأراضي كانت زراعية في الأساس وبأن أهلها كانوا يعرفون كيفية زراعتها؛ والثاني أن مفهوم “تخضير الصحراء” هو بحدّ ذاته مفهوم معارض للاستدامة البيئية. فالصحراء ليست أرض موات، بل هي إيكولوجية متنوّعة وقائمة بحدّ ذاتها، ولها طرق استخدام وزراعة خاصة بها، عرفها بدو بادية الشام وحضرها أيضاً. وهو ما يُظهر أيضاً، بأن مقاربة اسرائيل للبيئة هي في الأساس مقاربة استعمارية، لا تعرف قيمة التنوّع الإيكولوجي للمنطقة التي تستعمرها، وتعتبر مناطقها الجافة أرضاً موات.

إن التكنولوجيات المستدامة ظاهرياً، والتي يتم الترويج لها تحت ستار المبادرات الخضراء، تقوّض «الاستمرارية الجماعية» للسكان الأصليات/ين في الأرض وتدمّر المعرفة المحليّة لكيفية استخدام الأرض بشكل مستدام، مما يعزّز السيطرة الإسرائيلية ويعوق قدرة الفلسطينيات/ين على الاستمرار في المستقبل. تُفاقم الشركات الإسرائيلية، مثل «ميكوروت» و«نتافيم»، هذه الأمور من خلال سرقة موارد الفلسطينيات/ين لحساب المستوطنات غير القانونية، في حين تغسل أنشطتها عبر تصوير نفسها على أنها تقدّم حلولاً عالمية مستدامة. في الوقت نفسه، تساهم شركات مثل «حيفا للكيميائيات» و«أداما» في تدمير البيئة من خلال استخدام المواد الزراعية السامة، ممّا يؤدّي إلى إدامة دورة الاستغلال والتدهور البيئي.

إبادة الذاكرة

هو مصطلح يشير إلى التدمير المتعمد والممنهج لتاريخ شعب معيّن، غالباً بهدف استبداله بسردية وتاريخ شعب آخر.
ظهر هذا المصطلح أصلاً في العام 1992 في سياق حرب الاستقلال في كرواتيا، حيث كان القصف المتعمد لمدينة دوبروفنيك القديمة يجسّد تدمير التماثيل التراثية الكرواتية الشهيرة. لكن المفهوم يمتد إلى ما هو أبعد من الجوانب الملموسة والمادية، ليشمل أيضاً الأبعاد الاجتماعية والثقافية والخطابية. في الواقع، يستهدف «قتل الذاكرة» الهوية الثقافية من خلال القمع المتعمد لسردية شعب معيّن وعاداته وتقاليده. يتجلّى ذلك في تغيير الأسماء الجغرافية، بما في ذلك إعادة تسمية المواقع. ويمتد أيضاً إلى البعد اللغوي، بما في ذلك قمع اللغة التي يتحدثها المجتمع أو استبدالها، مثل نقل أسماء الأماكن أو إعادة تسميتها بشكل كامل.

يمثّل «قتل الذاكرة» جانباً من جوانب الاستعمار الاستيطاني، وهو يتوافق مع الإبادة. في سياق فلسطين بشكل خاص، يرتبط «قتل الذاكرة» ارتباطاً وثيقاً بمشروع الصهيونية الذي يتميّز بفرض سردية صهيونية على كل ما كان فلسطينياً. لا تشمل هذه العملية تدمير المواقع المادية واستهداف المواقع الثقافية والدينية الفلسطينية فحسب، بل تشمل أيضاً حذف فلسطين التاريخية من الخرائط وزراعة الغابات الصناعية فوق أنقاض القرى الفلسطينية وإعادة تسمية الأماكن الجغرافية الفلسطينية بأسماء توراتية وتلمودية. استخدم الصهاينة أيضاً البعد الخطابي لـ«قتل الذاكرة» في إعادة تفسير الحقائق التاريخية أو تشويهها، وفي السيطرة على الرواية الإعلامية التي تسمح بنشر وجهات نظر محددة.

الإبادة المعرفية

هي تدمير البُنى والنُظُم المعرفية أو إسكاتها أو إلغائها أو الاستخفاف بها. يحصل هذا النوع من الإبادة عندما يُمارَس الظلم المعرفي بشكل ممنهج وجماعي، ويعمل بشكل قمعٍ منظّم لأساليب محدّدة من المعرفة، مثل النُظُم العُضوية والروحية ونُظُم استخدام الأرض.

طوّر هذا المصطلح عالم الاجتماع البرتغالي Boaventura de Sousa Santos. في سياق الاستعمار، تتجلى الإبادة المعرفية بشكل العنف ضد البشر وضد الأدوات خلق البُنى المعرفية للشعوب الأصلية وحفظها ونقلها. وهي تنطوي على تدمير القيم الروحية للسكان ولغاتهن\م الأصلية، وتجاهل بعض الأساليب الإنتاجية، واستبدال أشكال الحوكمة الأصلية وحيازة الموارد الطبيعية. يستخدم العنف المعرفي أساليب خفية وعلنية مثل التجريم والإعدام والإبادة الجماعية.

في حالة فلسطين، هناك تاريخ طويل من الارتباط الفلسطيني بالأرض من خلال النُظُم الزراعية والثقافة الغذائية الغنية التي تتجسّد في أُطُر الزراعة البعلية مثلاً، التي تتيح الزراعة والحرث وحماية النباتات بشكل يسمح بنمو المحاصيل من دون ريّ. تتميّز ممارسات الزراعة الإيكولوجية تلك بالمرونة والديناميكية، وتقدّم دروساً قيّمة للمزارعات/ين. غالباً ما تتجاهل القوى الاستعمارية تلك الممارسات، كما كان المشروع الصهيوني «لجعل الصحراء تزدهر» يعتمد جزئياً على سوء فهم الأنظمة الزراعة البعلية، مما أدّى إلى محو الفلسطينيين ورفض إدارتهم التقليدية للأراضي.

التطهير العرقي

هو سياسة مقصودة وممارسات ناتجة عنها، تنفّذها إحدى الجماعات العرقية أو الدينية لإزالة السكان المدنيين/ات من مجموعة عرقية أو دينية أخرى من مناطق جغرافية معينة، وذلك عبر وسائل عنيفة وبهدف إثارة الرعب. إلى حدّ كبير، يجري تنفيذ التطهير العرقي باسم القومية العرقية والمظالم التاريخية التي تعرّضت لها جماعة أو أخرى، ونتيجة رغبة بالانتقام بهدف الاستيلاء على الأراضي والموارد، لاستبعاد الجماعة/الجماعات المطهّرة. تشكّل الممارسات المستخدمة لإزالة السكان المدنيات/ين جرائم ضد الإنسانية ويمكن تصنيفها ضمن جرائم الحرب المحدّدة. يجري تنفيذ العديد من تلك الأعمال العنفية بوحشية فائقة تهدف إلى بث الرعب في نفوس السكان لدفعهن/م إلى الفرار وعدم العودة إلى أراضيهم/ن مجدداً.

يعكس هذا الوصف تماماً ما حدث في فلسطين عبر التاريخ:

  • النكبة في 1948، عندما اقتلعت الدولة الصهيونية أكثر من نصف سكان فلسطين الأصليين، أي أكثر من 750 ألف شخص، ودمرت 531 قرية وأفرغت 11 حياً حضرياً من سكانه.
  • النكسة في 1967 التي أدّت إلى الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة وتهجير 350 ألف فلسطيني/ة.
    كما يتكرر الأمر اليوم، حيث نزح أكثر من ثلثي سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة من منازلهم/ن منذ السابع من تشرين الأول 2023، بالإضافة إلى قتل الاحتلال الإسرائيلي لأكثر من 11 ألف و5 00 شخص وجرح أكثر من 29 ألف شخص.


الفصل العنصري

أبرتايد هو مصطلح أفريقاني يعني نظام الفصل العنصري. عادةً، يتم تنفيذ الفصل العنصري على المستوى الجغرافي، حيث يتم تقييد جزء من السكان وعزلهن/م في مناطق منفصلة عن الآخرين ومنع دخولهن/م إلى بعض المناطق بناءً على جنسيتهن/م أو عرقهن/م.
الأبارتايد سياسة استُخدمت بالأصل في جنوب إفريقيا، وهي قائمة على التصنيف العنصري المفروض بوحشية والفصل العرقي والتمييز الاقتصادي والقمع والحرمان من الحقوق السياسية والمدنية. وقد صنّفتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنها جريمة ضد الإنسانية منذ العام 1966.

في التسعينيات، اشتهر مصطلح «نظام الفصل العنصري الإسرائيلي» بعدما منحت إسرائيل، نتيجةً لاتفاق أوسلو، للفلسطينيات/ين حكماً ذاتياً محدوداً عبر «السلطة الوطنية الفلسطينية» وأنشأت نظاماً للتصاريح ونقاط التفتيش في الأراضي الفلسطينية. وقد اكتسب هذا الوصف زخماً إضافياً بعدما بنى الاحتلال الإسرائيلي الجدار في الضفة الغربية.

يجري تنفيذ نظام الفصل العنصري الإسرائيلي من خلال أربع استراتيجيات رئيسية: تقسيم الفلسطينيات/ين بين مناطق سيطرة مختلفة، مصادرة الأراضي والممتلكات، الفصل والسيطرة، والحرمان من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

الإبادة البيئية

هي مصطلح يصف التدمير الواسع والمتعمّد للبيئة، بما يؤدّي إلى ضرر طويل الأمد، لا عودة عنه للبيئة الطبيعية. ويمكن أن يتخذ هذا التدمير أشكالاً مختلفة، مثل تدمير النظم البيئية وفقدان التنوّع البيولوجي وتلوّث الموارد الحيوية. تتميّز «الإبادة البيئية» بقدرتها على الإخلال بالتوازن الدقيق للطبيعة، ممّا لا يعرّض البيئة للخطر فحسب، بل يهدّد أيضاً السكان الذين يعتمدون عليها من أجل معيشتهم والحفاظ على ثقافتهم. يمكن أن تهدّد «الإبادة البيئية» الثقافة المحلية والوجود المادي للشعب، ولها أبعاد إبادة جماعية تشمل الإبادة الثقافية من خلال منع الناس من اتّباع أساليب حياتهم التقليدية أو الأصلية.

تم اقتراح مصطلح «الإبادة البيئية» للمرة الأولى في السبعينيات خلال حرب فيتنام عندما استخدم الجيش الأمريكي المواد الكيميائية لتدمير الغطاء النباتي والمحاصيل. ومنذ ذلك الحين، أيّدت العديد من المنظمات الحقوقية والمحامين تجريم «الإبادة البيئية» في القانون الدولي. اليوم، لا تُعد «الإبادة البيئية» جريمة حرب إلا بموجب المادة 8 (2) (ب) (4) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فيما يدعو الناشطون لجنة القانون التابعة للأمم المتحدة إلى تعديل نظام روما الأساسي ليشمل «الإبادة البيئية» كجريمة خامسة ضد السلام.

الاستعمار الاستيطاني

هو نظام تمييزي تعسفي ديموغرافي وإقليمي يعتمد على العنصرية والتفوق الأبيض. وهو يهدف إلى القضاء على السكان الأصليين وتشريدهم، بما في ذلك تجريدهم من ممتلكاتهم والاستيلاء على أراضيهم واستغلال مواردهم وقمع حقوقهم والقضاء على ثقافاتهم وتطلعاتهم السياسية واستبدالهم بالمستوطنين. يتجذر الاستعمار الاستيطاني في النظرة اللاإنسانية للسكان الأصليين باعتبارهم «متوحشين وعنيفين»، بهدف تبرير اضطهادهم وتأكيد سيطرة الدولة الاستيطانية «المتحضرة» على أراضيهم.

قتل المنازل

هو مصطلح يشتق من المصطلحين اللاتينيين domus (المنزل) وcaedo (أن تقتل)، ويشير إلى التدمير الهائل والمتعمد للمنازل والموجه ضد المدنيات/ين بهدف قتلهن/م والتسبب بمعاناتهن/م، في انتهاك صارخ للقانون الدولي.
في تشرين الأول 2022، دعا مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في السكن اللائق الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى الاعتراف بـ«قتل المنازل» كجريمة دولية في حد ذاتها، وحظر استخدام القصف والصواريخ والمتفجرات ذات التأثير الهائل في أي مناطق مأهولة.

تكررت دعوته في 19 تشرين الأول 2023، عندما أدان، في بيان مشترك مع خبراء آخرين في الأمم المتحدة، «التدمير المتعمد والممنهج لمنازل المدنيين والبنية التحتية» في غزة من قبل القوات الإسرائيلية. كما أصر، في بيان آخر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 تشرين الأول 2023، على ضرورة تحديد جرائم «قتل المنازل» والتصرف على أساسها، قائلاً: «لا يقتصر التدمير على تدمير المنزل في حد ذاته، بل يشمل أيضاً القضاء على مدّخرات أسر بأكملها وعلى الذكريات وعلى الراحة التي يولّدها الشعور بالانتماء، كما على الأمل الذي ينحسر باستمرار في حق عودة [الفلسطينيين/ات] إلى منازلهم».

قتل المدينة

تعود جذور مصطلح Urbicide إلى الكلمة اللاتينية urbs التي تعني المدينة وoccido التي تعني الإبادة. وهو بالتالي القتل المتعمد للمدينة، مع سابق إصرار وترصد، ويشمل التدمير المنهجي والمتعمد والعنف المنظم ضد البيئات الحضرية. ويلعب «قتل المدينة» دوراً أساسياً في الحرب، إذ يكوّن جزءاً من تدمير الذاكرة الجماعية والمكان المُعاش والانتماء، بالإضافة إلى القتل المباشر للناس.

انتزاع الأراضي

هو الاستيلاء على الأراضي على نطاق واسع من خلال شراء مساحات كبيرة أو استئجارها من قبل الشركات المحلية وعبر الوطنية والحكومات والأفراد النافذين. تشمل الطرق الأخرى للاستيلاء على الأراضي الاستعمار والاحتلال والإلحاق والحرب، وكل منها يعتمد على ترتيبات مختلفة ولكنها متكاملة، حيث يمكن لأحدها أن يضع الأساس ويخلق الظروف لتطبيق الآخر.

محو المكان

يتعدى محو المكان هدم المباني ليشمل طمس الذكريات الفردية والجماعية ومحو الروايات المكانية التاريخية داخل المشهد الحضري. وفي هذا السياق، تعمل البيئة المادية الممحوّة كعدسة تسلط الضوء على غياب العدالة الاجتماعية والعدوان السياسي والصدمة.

الإبادة المكانية

هي عملية استهداف الأراضي لتهجير الفلسطينيين/ات منها، من خلال مهاجمة الأماكن التي يقيمون فيها والتدمير المنهجي لمساحاتهن\م العامة وأي مواقع تمثّل هويتهم الوطنية. في هذه الحالة، الأدوات الأساسية ليست الدبابات، بل الجرافات التي تهدم الشوارع والمنازل والسيارات وبساتين الزيتون، أو القوانين والممارسات التي تسمح بانتقال أفراد إسرائيليين إلى بيوت فلسطينية مسكونة، كما يحصل في حيّ الشيخ جرّاح. وتتضمّن هذه العملية أيضاً التحكم بطبقات المياه الجوفية والجسور والأنفاق. يمكن تحقيق الإبادة المكانية من خلال نظام يطبّق ثلاثة مبادئ رئيسية: الاستعمار والفصل وحالة الاستثناء.

حرب على الصحافيين: تجاهل القانون الدولي ومحاولات التحكم بالسردية

تحميل الجدول الزمني لأسماء الصحافيين/ات الذين قتلهم الاحتلال الاسرائيلي

نشر المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة أسماء 130 صحافياً/ة قتلهم الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 تشرين الأول 2023 في قطاع غزة، يضاف إليهم المصوّران الصحافيان اللبنانيان عصام العبد الله وربيع المعماري والصحافية اللبنانية فرح عمر، ما يرفع عدد ضحايا الاحتلال من الصحافيات/ين، حتى 17 شباط، 133 صحافياً.

كما أعلنت «هيئة شؤون الأسرى والمحررين» أن «قوات الاحتلال الإسرائيلي شنّت منذ مساء أمس وحتى صباح اليوم الاثنين حملة اعتقالات واسعة طالت 30 مواطناً على الأقل من الضفة الغربية. واعتقل الاحتلال عدداً من عمال غزة من مدينة نابلس، لم تعرف أعدادهم ولا هوياتهم»، ما يؤكد أن استهداف الاحتلال الإسرائيلي ليس منحصراً بغزة ويطال الفلسطينيات/ين عموماً. وذلك في سياق عقود من القتل الممنهج، حصيلته الأخيرة قتل أكثر من ٣٠ ألف شخص خلال أقل من ٥ أشهر.

قد يكون الحديث عن قانون دولي يحمي الصحافيين، بعد مرور أكثر من 140 يوماً على بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، مثيراً للسخرية، بقدر ما هو مثير للغضب. فالمادة 79 من البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقية جنيف 1949 لحماية المدنيين بالنزاعات العسكرية نصت على أن «الصحفيين المدنيين الذين يؤدون مهماتهم في مناطق النزاعات المسلحة يجب احترامهم ومعاملتهم كمدنيين، وحمايتهم من كل شكل من أشكال الهجوم المتعمد». كما تشير دراسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن القواعد العرفية للقانون الدولي الإنساني (2005)، في قاعدتها 34 من الفصل العاشر، إلى «وجوب احترام وحماية الصحفيين المدنيين العاملين في مهام مهنية بمناطق نزاع مسلح ما داموا لا يقومون بجهود مباشرة في الأعمال العدائية».

في حالات الحرب، وخصوصاً في سياق الاحتلال الإسرائيلي، دائماً ما يستهدف الأخير الصحافيات/ين بهدف منعهم من أداء دورهم كشهود على الجرائم والانتهاكات التي يرتكبها في حق الفلسطينيات/ين، كما بهدف السيطرة على رواية الأحداث واجتزائها وتشويهها وتأطيرها لما يخدم مصلحته. وهذا ما ظهر أيضاً في محاولات الاحتلال المتكررة قطع الاتصالات والإنترنت عن غزة، لأنه يريد التحكم الكامل بالسردية الإعلامية حول الحرب، ويريد أن يقتل الشعب الفلسطيني بصمت.

لا يريد الاحتلال الإسرائيلي للعالم أن يرى ما يحصل، حتى لو أن معظم حكومات العالم لم تتحرك بعد رغم كل ما رأت. ولا يريد الاحتلال الإسرائيلي للتاريخ أن يسجّل ما حصل. فاستراتيجيات التلاعب والبروباغندا والتأطير والتضليل وغيرها من الاستراتيجيات الإعلامية تقع في صلب وجود الاحتلال الإسرائيلي وجهوده، وهي لا تسعى إلى إخفاء الحقائق فحسب، بل أيضاً إلى تشويهها لإضفاء شرعية زائفة على وجود «دولة إسرائيل» وحرمان الشعب الفلسطيني من حقه التاريخي في أرضه. وهذا ما فعله الاحتلال تاريخياً، ومنذ ما قبل النكبة المستمرة، وعبر أساليب مختلفة، منها الإعلام، لإنكار وجود شعب فلسطيني وأرض فلسطينية قبل العام 1948، كما إنكار حق وجود شعب فلسطيني وأرض فلسطينية في العام 2024.

استهداف الصحافيات/ين ليس غريباً ولا جديداً عن الاحتلال الإسرائيلي، لكن ذلك لا يعني التطبيع معه. وفي ظل المحاولات الإسرائيلية المتواصلة للتحكم التام بالسردية الإعلامية حول الحرب، وفي ظل صمت بعض حكومات العالم وتواطئها مع تلك المحاولات، يبقى أن نعترف بحضور خطاب الحق الفلسطيني وتحوّله لدى عدد كبير من الأفراد على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ما يعني أن محاولات إسرائيل ومن خلفها من متواطئين بالتحكم بالسردية الإعلامية لا تزال تفشل، وإن كان ذلك لا يُترجَم اليوم بشكل مباشر حمايةً للمدنيات/ين، ومن ضمنهم الصحافيات/ين.

اضطرابات في ال”بي بي سي”: “أخطر المخاوف المحتملة” بشأن تغطيتها لقطاع غزة

نُشر بالإنكليزية في جدلية

[في حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية الحالية على غزة، مع ما يقرب العشرة آلاف فلسطيني\ة اللواتي والذين قتلوا، فيما تزداد الأعداد كل يوم، ليس من المستغرب أن تكون الحقيقة ضحية أيضاً. ترافق العنف في فلسطين، والذي ترتكبه إسرائيل بشراسة متزايدة منذ هجمات حماس على أهداف إسرائيلية في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، بنفس القدر، مع حرب روايات شرسة بين وسائل الإعلام الغربية، مدعومة من أبواق الحكومة (الإسرائيلية) ووسائل الإعلام الماينستريم، وبين شبكات التواصل الاجتماعي العابرة للحدود،التي أعطت مساحةً لأصوات الفلسطينيات\ين على الأرض ولشهاداتهن\م.

في الوقت ذاته، كانت هيئة الإذاعة البريطانية، المؤسسة الإخبارية الرائدة عالمياً، في حالة اضطراب، حيث تعرّضت تغطيتها للأحداث لانتقادات شديدة من طرفي الطيف السياسي.

وفي الآونة الأخيرة، واجهت هيئة الإذاعة البريطانية أيضاً انتقادات مُفصّلة وغاضبة من موظفيها. في 25 تشرين الأول\ أكتوبر 2023، نشرت صحيفة التايمز البريطانية مقالاً بعنوان “موظفو بي بي سي يبكون في العمل بسبب تغطية إسرائيل وغزة” والذي أدى إلى اتهامات موجّهة إلى البي بي سي “من قبل صحفييها بالتساهل الشديد مع إسرائيل و “تجريد” المدنيين الفلسطينيين من إنسانيتهم، ممّا جعل الموظّفين يبكون في المراحيض ويأخذون إجازة من العمل.” اقتبس المقال من رسالة بريد إلكتروني أرسلها مراسل البي بي سي في بيروت، رامي رحيّم، في 24 تشرين الأول\أكتوبر إلى المدير العام لهيئة الإذاعة البريطانية، تيم ديفي، مُعرِباً عن “أخطر المخاوف الممكنة” بشأن تغطية البي بي سي للأحداث الجارية في غزة. وفي 27 تشرين الأول\أكتوبر، نشرت صحيفة “ذ جويش كرونيكل” الأسبوعية والتي تتّخذ من لندن مقراً لها، مقتطفات من نفس الرسالة في مقال بعنوان “مراسلو بي بي سي يستخدمون “الاستعمار الاستيطاني” لوصف إسرائيل”، واستخدمتها لتصوير تغطية البي بي سي على أنها متحيّزة ضد الدولة الإسرائيلية.
حصلنا على النص الكامل لهذه الرسالة الإلكترونية ونشاركها لتوضيح جميع النقاط التي تطرحها.]

٢٤ تشرين الأول\أكتوبر ٢٠٢٣
عاجل: تغطية إسرائيل/فلسطين
عزيزي تيم،
أكتب لأعرب عن أعظم القلق بشأن تغطية البي بي سي، خاصةً على القنوات الإنكليزية، للأحداث الجارية بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في الوقت الحالي.
يبدو لي بأن معلومات ذات أهمية كبيرة وصلة، نجدها إمّا مفقودة تماماً أو لا تحظى بالاهتمام الكافي في التغطية.
ويشمل ذلك آراء الخبراء التي تشير إلى أن أفعال إسرائيل قد تُصنّف كإبادة جماعية، والأدلة التي تدعم هذا الرأي، والسياق التاريخي الذي بدونه لا يستطيع الجمهور تكوين فهم أساسي للأحداث الجارية.
هناك أيضاً إشارات تظهر أن البي بي سي تُقارب—على الأقل ضمنياً—حياة الإسرائيليين بشكل يجعلها أكثر جدارة من حياة الفلسطينيين، وتعزّز دعاية الحرب الإسرائيلية.
ما يلي هو شرح موجز لسبب اعتقادي بذلك. آمل أن تأخذه في الاعتبار بعناية وبشكل عاجل.


1. الإبادة الجماعية

حتى قبل الجولة الحالية من القتال، لاحظ الخبراء بأن حصار غزة قد يرقى إلى “مقدّمة للإبادة الجماعية” أو “إبادة جماعية بطيئة.”1Israel’s policies in Gaza are genocidal

والمفتاح هنا هو حقيقة أن اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 تدرج، من بين عناصر جريمة الإبادة الجماعية، فعل “إلحاق الضرر عمداً بظروف حياة جماعية (قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية) بقصد تدميرها المادي، كليا أو جزئيا.”2Genocide

ومن الأمور الأساسية أيضاً، حقيقة أنّه في وقت مبكر من عام 2014، حذّر مسؤولو الأمم المتحدة الذين يقدّمون المشورة للأمين العام للأمم المتّحدة بشأن منع الإبادة الجماعية، من “الاستخدام الصارخ لخطاب الكراهية في وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما ضد السكان الفلسطينيين.”3“We are equally disturbed by the flagrant use of hate speech in social media, particularly against the Palestinian population,” stated the Special Advisers. According to reliable reports, individuals have disseminated messages that could be dehumanizing to the Palestinians and have called for the killing of members of this group. The Special Advisers remind all that incitement to commit atrocity crimes is prohibited under international law.

دفعت طبيعة الرد الإسرائيلي على هجوم حماس في 7 تشرين الأول\أكتوبر “أكثر من 800 باحث\ة وممارس\ة للقانون الدولي ودراسات الصراع ودراسات الإبادة الجماعية” إلى التحذير من “إمكانية ارتكاب إبادة جماعية من قبل القوات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.4 Public Statement: Scholars Warn of Potential Genocide in Gaza – TWAILR

وأشاروا إلى “القصف المتواصل والعشوائي” الذي يقضي على “مساحات شاسعة من الأحياء بالإضافة إلى عائلات بأكملها”. كما أمر وزير الدفاع الإسرائيلي “بفرض حصار كامل” على غزة، وهي مصطلحات تشير وفقاً للخبراء إلى “تشديد حصار غير قانوني بالفعل، يحتمل أن يكون إبادة جماعية لهجوم مدمر صريح.”

كما أشاروا إلى الأمر الصادر لأكثر من 1.1 مليون فلسطيني في مدينة غزة وشمال القطاع بالفرار إلى الجنوب5في وقت متأخر من يوم 12 تشرين الأول\أكتوبر، أصدرت السلطات الإسرائيلية أمراً لأكثر من 1.1 مليون فلسطيني في مدينة غزة وشمال القطاع بمغادرة منازلهم والفرار إلى جنوب غزة خلال 24 ساعة، مع العلم أن ذلك سيكون مستحيلا عمليا بالنسبة للكثيرين. وأفاد الفلسطينيون الذين بدأوا بالفعل في الإخلاء جنوباً أن المدنيين وسيارات الإسعاف قد تم استهدافهم وضربهم بغارات جوية إسرائيلية على “الطريق الآمن” المحدّد، ممّا أدّى إلى مقتل ما لا يقل عن 70 فلسطينياً كانوا يفرّون بحثاً عن ملجأ. وذكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن “أوامر الإخلاء، إلى جانب الحصار الكامل” تتعارض مع القانون الإنساني الدولي. لقد تم بالفعل تهجير ما يقرب من نصف مليون فلسطيني، وقصفت القوات الإسرائيلية طريق الخروج المحتمل الوحيد الذي لا تسيطر عليه إسرائيل، وهو معبر رفح إلى مصر، عدة مرات. ونشرت منظّمة الصحة العالمية تحذيراً مفاده أن “إجبار أكثر من 2000 مريض على الانتقال إلى جنوب غزة، حيث تعمل المرافق الصحية بالفعل بأقصى طاقتها وهي غير قادرة على استيعاب الارتفاع الكبير في عدد المرضى، يمكن أن يكون بمثابة تصعيد نحو الحكم بالإعدام”.. وقال يان إيغلاند، الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، إن هذا الأمر “يرقى إلى جريمة الحرب المتمثّلة في النقل أو التهجير القسري” إذا لم يكن مصحوبا بضمانات السلامة أو العودة.

علاوة على ذلك، أشار العلماء إلى تصريحات التحريض التي أطلقها القادة الإسرائيليون ضد الفلسطينيين6 Public Statement: Scholars Warn of Potential Genocide in Gaza – TWAILR. كتبوا عن “أدلة على التحريض على الإبادة الجماعية” وعن “خطاب إسرائيلي أوسع يظهر نية القضاء على الشعب الفلسطيني والإبادة الجماعية ضده.”
كما أشاروا إلى “تصاعد العنف والاعتقالات والطرد، وتدمير مجتمعات فلسطينية بأكملها في الضفة الغربية المحتلة والقدس.”
قالوا:
“بصفتنا باحثين وممارسين للقانون الدولي ودراسات الصراع ودراسات الإبادة الجماعية، فإننا مضطرات\ون إلى دق ناقوس الخطر بشأن إمكانية ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية من قبل القوات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. ونحن لا نفعل ذلك باستخفاف، مدركين ثقل هذه الجريمة، ولكن خطورة الحالة الراهنة تتطلّب ذلك.”

أدعوكم إلى التدقيق في تغطيتنا، سواء في الماضي أو الحاضر، بحثاً عن أي أثر لما سبق. سواء في المفسرات، أو المقابلات، أو المقالات، أو التحليلات الإخبارية. هل هو موجود على الإطلاق، وإذا كان الأمر كذلك، فهل يُعطى الأهمية التي يستحقها؟

2. الاستخدام الانتقائي للغة

يتم استخدام كلمات مثل “مجزرة” و “ذبح” و “فظائع” – بشكل بارز – في إشارة إلى أفعال حماس، ولكن بالكاد، إن وجدت، تُستعمل في إشارة إلى تصرفات إسرائيل.

عندما تستخدم هيئة الإذاعة البريطانية مثل هذه اللغة بشكل انتقائي، ويكون معيار الاختيار هو هوية الجناة\الضحايا، فإن هيئة الإذاعة البريطانية تدلي ببيان – وإن كان ضمنياً- يفترض بأن حياة مجموعة من الناس أكثر قيمة من حياة مجموعة أخرى.

كان سيكون هذا فاضحاً تحت أي ظرف من الظروف. فكيف بهذا الخطاب أن يسود في ضوء حقيقة أن خطاب الكراهية والتحريض ضد الفلسطينيين قد غمر موجات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، قادمة من القمة (المسؤولون الإسرائيليون وداعميهم الغربيين) ويتردّد صداها في جميع أنحاء العالم، في سياق ما يعتقد الخبراء أنه يمكن أن يكون مقدمة للإبادة الجماعية؟

إن قوة التغطية العاطفية والتكرار مفهومة جيداً. من المؤكد أن التطبيق الانتقائي للتكرار العاطفي سيكون له تأثير على الجماهير، وهو بالضبط نوع التأثير الذي يهدف إليه الدعاة الإسرائيليون وهم يجرّدون الفلسطينيين من إنسانيتهم ويمهّدون الطريق للقتل الجماعي الذي تعهّدوا به وبدأوا بتنفيذه.

ألا يثير هذا سؤالأ حول التواطؤ المحتمل لهيئة الإذاعة البريطانية في التحريض والتجريد من الإنسانية والدعاية الحربية؟ كيف سترد البي بي سي على هذا؟

3. إجراء المقابلات مع المسؤولين

في ضوء كل ما سبق، لا يمكن أن تكون المقابلات مع المسؤولين الإسرائيليين وداعميهم الغربيين – وكذلك مع الدعاية الإسرائيلية – شؤونا ودّية، حيث لا يمتنع مقدمو البرامج عن تقديم أدلّة على ما سبق فحسب، بل يمنحونهم أيضاً وقتاً على الهواء لكي يبرّروا ذلك. يحدث هذا في كثير من الأحيان، وعلى حد علمي، فإن رأي الخبراء أعلاه والأدلة التي تدعمه لم يتمّ تقديمها إلى المسؤولين الإسرائيليين أو الغربيين على الهواء.

إن مسألة إيجاد استثناءات (إن وجدت) ليست كافية. لا ينبغي أن تكون المقابلات الصارمة والمتحدّية هي الاستثناء، بل يجب أن تكون القاعدة.

4. وحدة المعلومات المضلّلة

أخذت هيئة الإذاعة البريطانية على عاتقها في السنوات الأخيرة مهمة مكافحة الأخبار المزيّفة والمعلومات المضلّلة وخطاب الكراهية وأشياء من هذا القبيل، وهو اتجاه سائد في وسائل الإعلام الغربية.

أين المحتوى الذي يحلّل طوفان التحريض ضد الفلسطينيين ويتتبّع تأثيره؟

كما ذكرت أعلاه، منذ عام 2014، حذّر مسؤولو الأمم المتّحدة الذين قدّموا المشورة للأمين العام للأمم المتّحدة بشأن منع الإبادة الجماعية من “الاستخدام الصارخ لخطاب الكراهية في وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما ضد السكان الفلسطينيين.”7وقال المستشارون الخاصون: “نحن منزعجون بنفس القدر من الاستخدام الصارخ لخطاب الكراهية في وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة ضد السكان الفلسطينيين”. ووفقاً لتقارير موثوقة، قام أفراد بنشر رسائل يمكن أن تجرّد الفلسطينيين من إنسانيتهم، ودعوا إلى قتل أعضاء هذه المجموعة. ويذكّر المستشارون الخاصون الجميع بأن التحريض على ارتكاب الجرائم الفظيعة محظور بموجب القانون الدولي.
وقد تصاعد هذا الموضوع على مدى السنوات الماضية، وعلى نحو متزايد قادمٍ من القمة. فقبل بضعة أشهر فقط، دعا وزير المالية الإسرائيلي الدولة إلى “محو” بلدة فلسطينية بأكملها.8Israel should ‘erase’ Palestinian village, minister says after settler rampage

منذ هجوم 7 تشرين الأول\أكتوبر من قِبل حماس، ظهرت تصريحات كثيرة من قِبَل المسؤولين الإسرائيليين الذين أعلنوا عن نية قتل المدنيين الفلسطينيين بشكل جماعي، أو تجريدهم من إنسانيتهم استعداداً لمثل هذه الأعمال.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي: “نحن نحارب الحيوانات البشرية ونتصرف وفقاً لذلك.” وقال ضابط رفيع المستوى: “يجب معاملة الحيوانات البشرية على هذا النحو. لن يكون هناك كهرباء ولا ماء، سيكون هناك دمار فقط.” وقال متحدّث باسم الجيش إن “التركيز ينصبّ على الضرر وليس على الدقة.” وحمّل الرئيس الإسرائيلي جميع الفلسطينيين في غزّة مسؤولية أعمال حماس. وقال أحد النواب إن الهدف يجب أن يكون “نكبة! نكبة تلقي بظلالها على نكبة 1948.”9Israeli Army Official Admits Gaza Bombing Campaign Is Focused on ‘Damage and Not on Accuracy’

بغض النظر عمّا إذا كان لدى البي بي سي وحدة رفيعة المستوى تولي اهتماماً كبيراً لخطاب الكراهية والتحريض أم لا، يجب أن ينعكس ما سبق بشكل بارز على التغطية والمقالات والتفسيرات وتحليل الأخبار.

ومع ذلك، فإن وجود مثل هذه الوحدة، ونوع العمل الذي اضطلعت به على مدى السنوات القليلة الماضية، ينطوي على مسؤولية إضافية لاستكشاف ما تفعله وسائل الإعلام الأخرى لتضخيم تأثير التجريد من الإنسانية وتسهيل جهود الحكومة الإسرائيلية لتطبيع القتل الجماعي للفلسطينيين.

يجب على هذه الوحدة أن تتعمّق في هذا الأمر، وتستكشف الحلقة المفرغة للتحريض وتأثيرها على الواقع السياسي في إسرائيل، وبالتالي على حياة الفلسطينيين.

وتجدر الإشارة أيضاً إلى حقيقة أن خطاب الكراهية والتحريض قد امتدّ إلى الغرب. أحد الأمثلة على ذلك هو دعوة السيناتور الأمريكي ليندزي غراهام إسرائيل إلى “تسوية المكان” (في غزّة)، كما قال أيضا بأن الصراع هو “حرب دينية.”

وقد أثار هذا الخطاب الخوف بين الجاليات العربية والمسلمة في الولايات المتحدة. ومن الأرجح أن يكون قد أدّى إلى طعن طفل فلسطيني أمريكي يبلغ من العمر ست سنوات في جريمة كراهية في مدينة شيكاغو الأمريكية.10 Frustration, concern rise among Arab Americans over Israel’s war on Gaza

5. السياق التاريخي

بدأت تغطيتنا الحالية في أعقاب هجوم حماس، وهي ممّا لا شك فيه أخبار رئيسية. لكن هذا لا يعني أن التاريخ بدأ في 7 أكتوبر. يجب أن نشمل في تغطيتنا تمثيلاً دقيقاً ومتوازناً وعادلاً وصادقاً للواقع الذي أدّى إلى تلك اللحظة.

لن أخوض في التفاصيل، ولكن ببساطة أذكركم بثلاث مصطلحات: الفصل العنصري، والتطهير العرقي، والاستعمار الاستيطاني.

هذه هي المصطلحات المستخدَمة من قبل العديد من الخبراء والمنظّمات التي تحظى باحترام كبير والتي عادة ما تشكّل مرجعاً لهيئة الإذاعة البريطانية. وهي تُستخدم لوصف طبيعة الحكم الإسرائيلي على الفلسطينيين والأساليب التي تستخدمها إسرائيل لقمع جيل بعد جيل من الفلسطينيات\ين. وهي تستند إلى أدلّة هائلة.

إلى أي مدى ينعكس هذا في تغطيتنا؟ بدون هذا السياق، هل يمكننا الادّعاء بأننا أوصلنا المعلومات للجمهور بشكل كاف؟ أم أنّنا نحجب معلومات هامة للغاية، لا يمكن من دونها فهم أساسيات الصراع؟

قبل بضعة أيام فقط، قالت فرانشيسكا ألبانيز، المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967:
“هناك خطر كبير من أن ما نشهده قد يكون تكراراً لنكبتي عام 1948 و1967، ولكن على نطاق أوسع . لقد نفّذت إسرائيل بالفعل تطهيراً عرقياً جماعياً للفلسطينيين في ضباب الحرب .مرة أخرى، باسم الدفاع عن النفس، تسعى إسرائيل إلى تبرير ما قد يرقى إلى التطهير العرقي.”11UN expert warns of new instance of mass ethnic cleansing of Palestinians, calls for immediate ceasefire | OHCHR.

مرة أخرى، أدعوكم إلى التدقيق في تغطيتنا، في الماضي والحاضر، بحثاً عن أي أثر لما سبق. سواء في المفسّرات، أو المقابلات، أو المقالات، أو التحليلات الإخبارية. هل هو موجود على الإطلاق، وإذا كان الأمر كذلك، فهل يُعطى الأهمية التي يستحقّها؟

خاتمة

في الختام، يبدو أن هيئة الإذاعة البريطانية تخفي عن جمهورها الكثير من المعلومات المهمّة وذات الصلة، بما في ذلك أدلّة واسعة النطاق وآراء الخبراء والسياق التاريخي. لا يمكن لأفراد الجمهور تكوين رأي مستنير أو تشكيل فهم أساسي للأحداث الجارية دون الوصول إلى هذه المعلومات. ويبدو أيضاً أن البي بي سي يمكن أن تعزّز الدعاية الإسرائيلية التي تهدف إلى تجريد الفلسطينيات\ين من إنسانيتهم. هناك الكثير ممّا يمكن قوله، لكن هذه هي العناوين العريضة. لا يتعلّق الأمر بالأخطاء هنا وهناك، أو حتى بالتحيّز المنهجي لصالح إسرائيل. السؤال الآن هو مسألة تواطؤ.
ومن المصلحة العامة تصحيح ذلك بأقصى قدر من الاستعجال.

رامي رحيّم

[تم إرسال نسخة من هذه الرسالة الإلكترونية إلى العديد من موظفي البي بي سي، وهي تمثّل – في انتقاداتها المحدّدة وتحدّيها المباشر لأعلى سلطة في البي بي سي – تعميقاً للرفض الداخلي لتغطية البي بي سي، وانعكاساً للشيء ذاته بين جمهورها. وإذا تمت مشاركتها على نطاق واسع، فإن لديها القدرة على زيادة الضغط على المؤسسة بشكل كبير، ممّا يكشف عن التناقضات بين ادّعاءاتها بالدقة والصرامة، ومعاملتها التفضيلية لأرواح ووفيات الفلسطينيين والإسرائيليين.

ويبقى السؤال، كيف ستستجيب هيئة الإذاعة البريطانية، وما إذا كانت ستردّ أم لا، وما إذا كان هناك أي تحقيقات ذات مغزى، أو تغيير، في كلٍّ من المبادئ التوجيهية التحريرية لهيئة الإذاعة البريطانية بشأن هذه القضية، وعلاقاتها مع موظفيها.]

المراجع:

ممارسات مكانية وحراك اجتماعي فلسطين لبنان