خريطة الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان 2023

المقال الأول من ملف الحرب الإسرائيلية 2023: مصائر الأهالي ومسارات المواجهة في لبنان
البحث والرصد: ريان علاءالدين
تصميم الخريطة: أسماء الغراوي

منذ بداية الحرب على غزة، لم يكن لبنان في أي يوم بمنأى عن الاعتداءات الإسرائيلية، سواء من خلال القصف المدفعي أو الغارات الجوية أو غيرها. وهو ما ليس بجديد على العدو الإسرائيلي الذي احتلّ جنوبنا منذ عقود، واجتاح عاصمتنا في الثمانينيات، ولا يزال يحتلّ جزءاً من أراضينا حتى يومنا هذا.1مزارع شبعا والقرى السبع: هونين، آبل القمح ،النبي يوشع، قَدَس، المالكية، صلحا، وطربيخا. ويُذكر أن القرى السبع هذه دمّرها الاحتلال تماماً عام 1949. أما ما جعل هذه القرى غائبة عن الذاكرة اللبنانية هو أن القرار 425 لم يشملها حيث أن احتلالها وقع قبل 1978.

ومع استمرار الإبادة في قطاع غزة، كانت إسرائيل توسّع يومياً رقعة اعتداءاتها على الجنوب اللبناني. ومن هنا كان من الضروري أن نفهم ونوثّق كيفية تأثّر أراضي لبنان وسكّانه وسُبل معيشتهم نتيجة هذه الحرب.

كجهة بحثية، يأتي إنتاج المعرفة والتوثيق في صلب عملنا في استديو أشغال عامة، ولذلك قررنا تجيير جهودنا في هذه المرحلة لتصميم خرائط دورية توثّق الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان ونشرها. أنتجنا الخرائط عبر رصد يومي للمعلومات وجمع البيانات المتعلّقة بالهجمات من داتا المجلس الوطني للبحوث العلمية ووسائل الإعلام المحلية، عبر مواقع التواصل الاجتماعي الخاصّة بها ونشراتها الإخبارية المتلفزة، كما عبر المعلومات التي نشرها المراسلون الميدانيون أو غيرهم. تحققنا من كل معلومة من مصادر متعدّدة للتأكّد من صحّتها، ثمّ صنّفنا الاعتداءات بحسب توزّعها اليومي على البلدات وقطاعات جنوب نهر الليطاني، وبحسب أشكال القصف التي اعتمدها العدو (قذائف مدفعية، غارات جوية، قنابل مضيئة أو قنابل فسفورية). كما أظهرنا الفئات المستهدفة (مدنيون، جيش، منازل، مدارس، أحراش وغيرها)، إضافةً إلى أعداد الشهداء من المدنيات/ين. واخترنا ألّا نحدّد وتيرة الاعتداءات بحسب عدد الغارات أو القذائف في كل منطقة لتفادي المغالطات بسبب عدم وضوح الأعداد واختلافها بين مصدر وآخر. وبالتالي، ما يظهر فعلياً في هذه الخرائط هو عدد الأيام التي استُهدفت فيه كل منطقة.

تُعيدنا هذه الخرائط إلى ما عُرف بالشريط اللبناني المحتل، قبل تحريره في العام 2000، والذي تتطابق حدوده مع حدود الاعتداءات الحالية. يطرح هذا التطابق تساؤلات كانت قائمة منذ احتلال الجنوب في العام 1976 حول حقوق أهالي “الشريط الحدودي” في أماكن إقامتهم المتعدّدة، أكانت في قراهم الحالية أم في أمكنة النزوح أم في أمكنة الهجرة، وعن الأحوال التعليمية والصحية والزراعية وخدمات الماء والكهرباء في الشريط. وترينا هذه الخرائط أن الجنوب هو اليوم الميدان الوحيد لمواجهة لبنان لإسرائيل، ما يعيد وضع هذه المنطقة تحت مجهر القيمة السياسية الاجتماعية وعلاقة الدولة بسكّانها.

إنّ التوثيق عبر الخرائط في هذه المرحلة أساسي. فهو يعمل، أولاً، على نقل حدث لا يمكن فهمه بسهولة من خلال قراءة المقالات الطويلة بشكل مرئي، ويسهّل على الرائي فهم الرسائل السياسية. ثانياً، له القدرة على إظهار الحقيقة الكاملة للجمهور العام التي قد لا تظهر له عبر التغطية الإعلامية المتقطّعة و/أو المنحازة. ثالثاً، يُمكن الاعتماد على التوثيق سواء عبر الخرائط أو السبل الأخرى لرسم خطط الاستجابة وتحديد المسؤوليات. رابعاً، نعتمد كباحثات التوثيق كأداة مواجهة، وأداة دعم للدولة اللبنانية التي يمكنها استخدام كل الموارد التي يوفّرها البحث لمحاسبة العدو في المحافل الدولية من خلال الشكاوى أو الدعاوى. يضاف إلى ذلك أن التوثيق أساسي لحفظ التاريخ ودحض روايات العدو وسردياته.

8 تشرين الأول – 31 كانون الثاني

تنزيل الخريطة
تنزيل الخريطة

أكثر من 117 يوماً مرّت على اندلاع الحرب على الجبهة الجنوبية اللبنانية، التي خلّفت أضراراً لا تقتصر على الماديات في أكثر من 100 بلدة، حيث سقط أكثر من 200 شهيد، بينهم 25 مدنياً ضمنهم أطفال وصحافيون ومسعفون وعنصر من الجيش اللبناني. وما يلفت الانتباه في هذا الشهر هو استهداف العدو الإسرائيلي بشكل مباشر مركزاً للدفاع المدني، ما أدّى إلى ارتقاء شهيدين وسقوط عدد من الجرحى كانوا في المركز، إضافةً إلى كسر العدو لـ«قواعد الاشتباك» عبر استهداف عدد من البلدات في العمق اللبناني، إذ تعرّضت 18 بلدة شمال نهر الليطاني إلى القصف الإسرائيلي.

نفّذ العدو أيضاً عملية اغتيال مستهدفاً مبنى وسيارة في الضاحية الجنوبية لبيروت للمرة الأولى منذ حرب 2006، كما ألقى قنبلتين مضيئتين في طرابلس، في تصعيد واضح شهدته هذه المرحلة.
هذا وقد أدّت الخسائر الزراعية الهائلة واستهداف منازل السكان وسياراتهم، إلى جانب تدمير البنية التحتية للمياه والكهرباء والاتصالات وغيرها، إلى شل الحياة الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية في المنطقة الحدودية. وشهدت المنطقة نزوح أكثر من 82 ألف شخص، حيث فقد معظمهم مصادر رزقهم، بالإضافة إلى إغلاق أكثر من 50 مدرسة وتهديد المستقبل الدراسي لنحو 3848 طالباً و674 أستاذاً، في حين لم يتم فعلياً استيعاب إلا ألف طالب عبر توفير البديل لهم.

تتزايد هذه الأضرار يومياً، كما توثّق هذه الخريطة، مع استمرار الحرب وتصاعد وتيرتها. وفي حين يفتقد أهالي الجنوب الدعم الرسمي والتغطية الإعلامية المحلية والدولية الكافية، وفي الوقت الذي يحاولون فيه النجاة بأنفسهم والحفاظ على شكل من أشكال الحياة الطبيعية، ترميهم الدولة في شباك خطة طوارئ لا تمويل لها، مصمّمةً لظروف أخرى وزمن آخر وحرب أخرى.

8 تشرين الأول – 15 كانون الأول

تشرين الثاني

 

حتى 15 كانون الأول 2023، أي بعد 70 يوماً من بداية الحرب، وصل عدد المناطق المستهدفة إلى أكثر من 74 منطقة عقارية تتوزّع على محافظتي الجنوب والنبطية، ولم تخلُ حتى فترة الهدنة، التي استمرّت من 25 حتى 30 تشرين الثاني، من بعض الاعتداءات على السيادة اللبنانية. ويظهر لنا الرصد كيفية تقصّد العدو الإسرائيلي، في الشهر الثاني من الحرب، تكثيف استهداف المدنيات/ين ومنازلهم، في استكمال للإبادة الجماعية والمكانية وقتل المنازل التي يمارسها في غزّة. وبحسب الهيئة العليا للإغاثة، دمّر الاحتلال حتى بداية شهر تشرين الثاني 60 منزلاً بشكلٍ كاملٍ و2000 منزل بشكلٍ جزئي. كما ارتفع عدد الشهداء المدنيات/ين الذين استهدفهن العدو إلى 14 مدنياً/ة و3 صحافيات/ين، إضافةً إلى عنصر في الجيش اللبناني، وأكثر من 108 مقاتلين.

واستمرّ العدو يخنق السكان باستخدام قنابل الفسفور الأبيض المحرّم دولياً، حيث تظهر الخريطة استخدامه خلال استهداف 23 بلدة. ونرى تناسقاً إذا قارنّا مواقع الاستهداف بالفوسفور بمواقع الأحراج والأراضي الزراعية، ما يعني أن العدو يُتابع «الإبادة البيئية» المتعمّدة. ومن المعروف غنى الجنوب والمناطق الحدودية بالأحراش والأراضي الزراعية وشجر الزيتون وشتول التبغ. وبالتالي، تُظهر مقارنة خريطة الاعتداءات بأي خريطة للتنوّع الزراعي والطبيعي في الجنوب أن تأثير الاعتداءات حتمي على المواسم الزراعية ومصدر عيش المزارعين وسكان المناطق، إن من خلال تدمير المحاصيل وتلويث التربة أو من خلال منع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم ومحاصيلهم.

تشرين الأول

حتى 12 تشرين الثاني 2023، استهدف القصف الإسرائيلي أكثر من 60 بلدة في جنوب لبنان، ما أدّى إلى مقتل 10 مدنيات/ين، من بينهم 3 طفلات، استهدفهم بشكل مباشر أو استهدف سياراتهم ومنازلهم، وجرح ما يقارب 20 مدنياً، إضافةً إلى 79 شهيداً و13 جريحاً من المقاومة الإسلامية.

كما حرق العدو الإسرائيلي أكثر من 462 هكتاراً من الأراضي الحرجية والزراعية بحسب وزير البيئة ناصر ياسين: 60% منها غابات، و25% أراضٍ زراعية، و15% بساتين أشجار مثمرة وزيتون. وسجّلت وزارة الزراعة نشوب أكثر من 300 حريق وقتل أكثر من 40 ألف شجرة زيتون.2Hundreds of hectares of Lebanon’s farmland destroyed by Israeli white phosphorus

هذه الاعتداءات، التي لا تزال قائمة، منعت عدداً كبيراً من السكان من الوصول إلى أراضيهم ومزروعاتهم وأشجارهم والاعتناء بها، وهو ما أثّر بشكل كبير على رزقهم من موسم الزيتون، الذي يتزامن اليوم مع العدوان، حيث لم يستطع معظم أهالي القرى الحدودية قطف محصول زيتونهم الذي ينتظرونه كل سنة. فمثلاً، لم يستطع أهالي بلدة رميش الوصول إلى أكثر من 15 ألف شجرة زيتون منذ بداية الاعتداءات3 بحسب حديث مع رئيس بلدية رميش أجريناه بتاريخ 10/11/2023.. أثّرت الأحداث أيضاً على موسم التبغ – ويسمّي البعض شتلة التبغ بـ«شتلة الصمود» إذ تعتاش منها 16 ألف عائلة جنوبية – فاحتُجز جزء من المحاصيل المقطوفة داخل المنازل في عدد من القرى الجنوبية المعرّضة للقصف العنيف، كراميا ومروحين.

وخنق العدو السكان باستخدام قنابل الفسفور الأبيض المحرّم دولياً، والذي سبق أن استخدمه في لبنان خلال الأعوام 1982 و1993 و1996 و2006، في «إبادة بيئية»4الإبادة البيئية” هي أحد المفردات ضمن مجموعة مفاهيم يعمل إستديو أشغال عامة على نشر معانيها في جهد منه لتشجيع استخدام المفردات والعبارات الصحيحة لتوصيف ما يحدث في فلسطين وجنوب لبنان. متعمّدة للإخلال بتوازن الطبيعة والقضاء على مقوّمات العيش المحلية البيئية والثقافية والزراعية. ويتسبّب الفوسفور الأبيض بآثار مدمّرة وطويلة الأمد على البيئة، تشمل تلوّث المياه والتربة التي قد تبقى لفترة طويلة غير صالحة للزراعة. بالإضافة إلى ذلك، يُعدّ الفسفور الأبيض مادّة مسمّة للكائنات الحية، وقد يتسبّب بنفوق الأسماك والكائنات المائية والثدييات والطيور والحشرات. استخدم العدو هذه القنابل في 17 بلدة جنوبية خلال 18 يوماً من أصل 37 يوماً من الاعتداءات.

وقد ألقت الأحداث على الجبهة الجنوبية بظلالها على القطاع التربوي، مهدّدةً مستقبل العام الدراسي لآلاف الطالبات والطلاب القاطنين في المناطق الحدودية، إذ أُجبرت وزارة التربية على إقفال كافة المدارس والمعاهد الواقعة في القرى الحدودية، فيما تُرك القرار في المناطق الجنوبية الأخرى للمديرين وفق الوضع المحيط بمناطقهم. ولكن استهداف مدرسة رسمية في عيتا الشعب بشكلٍ مباشرٍ زاد من تخوّف الوزارة التي طلبت تحييد المدارس في لبنان عن القصف والعمليات العسكرية.

هذا فضلاً عن استهداف المنشآت الصحية والعاملات/ين فيها، حيث قصف العدو مدفعياً ساحة مستشفى ميس الجبل الحكومي، واستهدف فرق الإسعاف وسياراتهم لأكثر من مرة. كذلك، استهدف القصف الإسرائيلي مراكز الجيش اللبناني وفرق الدفاع المدني والإطفاء والصحافيات/ين وقوات حفظ السلام، بالإضافة إلى مشروع للطاقة الشمسية. كما قصف العدو 21 منزلاً بشكل مباشر، وألحق الأضرار بالعشرات، ما أدّى إلى نزوح عدد كبير من الناس، قدّرته وكالة الأمم المتحدة للهجرة بما يزيد عن 40 ألف نازح داخلي على صعيد كل لبنان. وقد شهدت القرى الجنوبية المتاخمة للحدود، ككفرشوبا وعيتا الشعب وشبعا وحولا وغيرها، العدد الأكبر من النازحات/ين.

المراجع:

  • 1
    مزارع شبعا والقرى السبع: هونين، آبل القمح ،النبي يوشع، قَدَس، المالكية، صلحا، وطربيخا. ويُذكر أن القرى السبع هذه دمّرها الاحتلال تماماً عام 1949. أما ما جعل هذه القرى غائبة عن الذاكرة اللبنانية هو أن القرار 425 لم يشملها حيث أن احتلالها وقع قبل 1978.
  • 2
  • 3
     بحسب حديث مع رئيس بلدية رميش أجريناه بتاريخ 10/11/2023.
  • 4
    الإبادة البيئية” هي أحد المفردات ضمن مجموعة مفاهيم يعمل إستديو أشغال عامة على نشر معانيها في جهد منه لتشجيع استخدام المفردات والعبارات الصحيحة لتوصيف ما يحدث في فلسطين وجنوب لبنان.
السكن الموارد الطبيعية قضاء بنت جبيل قضاء حاصبيا قضاء صور قضاء صيدا قضاء مرجعيون لبنان محافظة النبطية محافظة جنوب لبنان
 
 
 

محافظة لبنان الجنوبي

تحتوي محافظة الجنوب اليوم على عددٍ وازنٍ من أملاك الدولة العقارية الخصوصية (5093 عقاراً)، وتُعتبر ٢٣% من مساحتها منظّمة بشكل كلّي أو جزئي بمراسيم صادرة. بحسب توجّهات الخطة الشاملة، يجب أن يتأمّن التوازن ...

إحتلال مائي:

المياه في الفكر الصهيوني التوسّعي وتطبيقه

تشمل هيمنة "إسرائيل" أربع دول، فلسطين، لبنان، الأردن وسوريا. لا يمكننا أن ننظر إلى الاحتلال، دون أن نرى هاجس تأمين الموارد المائية، مع كل ما يتطلّبه هذا التأمين من ممارسات احتلالية. فالأرض لا ...

الحرب الإسرائيلية 2023:

مصائر الأهالي ومسارات المواجهة في لبنان

يستعيد الجنوبيون في لبنان اليوم تجارب يوميات أليمة من قلب ذاكرتهن\م الجماعية المطبوعة بالحروب الإسرائيلية المتكرّرة.وهم كثيراً ما واجهوا تداعيات هذه الحروب وحدهم، لا لشيء إلّا نتيجة الفصل التاريخي الحاصل بين الجنوب\مناطق المواجهة …

“الخطّة الاستباقية لمواجهة أيّ حرب مقبلة”:

متى تعتبر الدولة أنّنا في حالة حرب؟

منذ اليوم الأول الذي تلا عملية طوفان الأقصى، كان لبنان وجنوبه تحديداً، في مرمى الاعتداءات الاسرائيلية. ومنذ ذلك الحين، استمرّت وتيرة الاستهدافات من قبل العدو الاسرائيلي بالتصاعد ما سبّب أضراراً شاسعة وخسائر بالأرواح …

الإبادة والإعلام:

قتل الصحافة وتحريف الرواية

منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة في 7 تشرين الأول 2023، يُعدّ الإعلام أداةً أساسية يستخدمها الاحتلال لطمس الحقيقة وتشويهها واجتزائها بهدف شرعنة جرائمه وانتهاكاته، كما إنكار حق الشعب الفلسطيني بالوجود وتجريده …

الدولة يمكن أن تؤدّي دورها

محافظ النبطيّة سبّاقة في اقتراح الإيجار العادل

لغاية 20 شباط 2024، نزح 90 ألف شخص تقريباً من منازلهم في جنوب لبنان بسبب الاعتداءات الإسرائيلية. تقدّر وكالة الأمم المتّحدة للهجرة أن نحو 15% منهم لجأ لاستئجار الشقق في مناطق أكثر أماناً …