الأسباب الأساسية وراء الانهيار المتزايد للمباني

بحث: كريستينا أبو روفايل، عبير سقسوق، تالا علاء الدين
إعداد: كريستينا أبو روفايل

مقدمة
1-الخلل في مرسوم السلامة العامة
2-مبان مشيّدة في غياب أطر الرقابة
3-الضبابية في مسؤوليات الصيانة والترميم
4-هشاشة المباني في المناطق غير الرسمية في ظل تجاهلها
5-البناء في مناطق معرضة للفيضانات والسيول
6-إشكالية قوانين البناء وتصنيف المناطق
خاتمة

مقدمة

في أوائل عام 2023، أيقظ النشاط الزلزالي المخاوف من سقوط المباني في لبنان، وبالأخصّ في مدينة طرابلس. لكن سرعان ما تمّ تناسي هذه الإشكالية، إلى أن عُدنا وشهدنا سلسلة من انهيارات المباني في أواخر عام 2023، لم تنحصر في طرابلس، لا بل امتدّت على مناطق مختلفة ووصل عددها إلى 9 انهيارات كلية أو جزئية خلال مدة 6 أشهر. وذلك بدءاً بمبنى المنصورية في تشرين الأوّل 2023، وصولاً إلى مبنى أمهز في صحراء الشويفات، مبنى مسلماني في حارة عرسال في الحيّ الغربي الممتد بين مخيم شاتيلا والمدينة الرياضية، ومبنى الريشاني في الشويفات. مع العلم أنّ انهيارات المباني لم تبدأ عام 2023، ففي عام 2019، سقط مبنى الفوال الواقع في حي الأندلس في مدينة الميناء، وعام 2020 انهار مبنى قديم بشكل جزئي في حي الزاهرية في طرابلس، وفي عام 2021 انهارت شرفة مبنى سكني في منطقة القبة في طرابلس. ولم تكن هذه الحالات الوحيدة، بل تكرّرت حالات الانهيار في أحياء مدينتي طرابلس والميناء، كما وغيرها من المناطق، أبرزها منطقة الأشرفية. لكن وتيرة هذه الانهيارات تزايدت بشكلٍ خطير في الآونة الأخيرة، ولم تعد تقتصر على المباني التاريخية، ومن المتوقّع أن تتفاقم.

ترتبط هذه الحالات بسياق أوسع، حيث يوجد في لبنان – بحسب الهيئة اللبنانية للعقارات – ما لا يقل عن 18 ألف مبنى آيل للسقوط. وبحسب أرقام تقدمت بها 40% من البلديات في لبنان، وذلك بعد زلزال تركيا 2023، تبين وجود 5000 مبنى مهدد بالانهيار. من جهة أخرى، تشير أرقام أخرى خلصت إليها جمعية سلامة المباني إلى وجود 16260 مبنى مهدد بالانهيار. تبقى هذه الأرقام تقديرات إحصائيّة وليست ناتجة عن مسحٍ تقنيّ وشامل، بحيث لا تتوّفر فعلياً معطيات وبيانات واضحة ودقيقة حول أعداد المباني الآيلة للسقوط، وليس هناك مسح شامل للأبنية المهدّدة حتّى اليوم، أقلّه في المدن ذات الكثافة السكانيّة المرتفعة.

لكن ليس هناك شكاً بأنّ البيئة المبنية في لبنان مترديّة. في تقريرٍ أول، طرحنا سؤالاً محورياً حول السياق الذي أدّى إلى تدهور البيئة العمرانية في لبنان. فيه، سلّطنا الضوء على خمسة عوامل بارزة ساهمت بشكل ما بتردي البيئة العمرانية في لبنان وتدهورها، وهي اتباع “سياسة الهدم” منهجاً في التخطيط المديني، منطق الربح الذي يقود عمليات البناء، الحروب الإسرائيلية، معارك الحرب الأهلية، وتداعيات تفجير المرفأ، الظروف والكوارث الطبيعية، إضافةً إلى التغيير المناخي. كلّ ذلك في ظلّ غياب المقاربة الشاملة لتأمين السكن اللائق واعتماد الحلول الجزئية والظرفية، التي تهدد حتماً صلاحية مدننا وتؤدّي إلى تدهورها.

في هذا النص، نسعى لتوضيح وتحليل الأسباب الرئيسية المباشرة التي أدّت إلى الانهيارات الأخيرة، من خلال توثيق المسبّبات الكامنة في الأطر القانونية وخللها، وربطها بحالات الانهيار التي شهدناها.

أولاً، الخلل في مرسوم السلامة العامة

صدر مرسوم السلامة العامة رقم 14293/2005 بعد أن فشلت الدولة طوال ثماني سنوات بنقل مفاعيل ثلاثة مراسيم أخرى ترعى السلامة العامة في البناء إلى حيّز التنفيذ. إلاّ أن عوائق عدّة حالت دون تطبيقه بشكلٍ كليّ، فعُمل على إصدار تعديل له يحمل الرقم 7964/2012، سرّع في إصداره انهيار مبنى فسّوح في الأشرفية.

يُحدّد هذا المرسوم وتعديله شروط السلامة العامة وأصولها الواجب تطبيقها في الأبنية والمنشآت لحمايتها من أخطار الحريق والزلازل وتجهيزات المصاعد، وهي سارية على الأبنية الجديدة والأبنية القائمة وفي حالات زيادة بناء على بناء قائم أو تغيير وجهة إستعمال المبنى. شكّل صدور المرسوم وتعديله تقدّماً في مجال تأمين السلامة العامة في الأبنية والمُنشآت. لكنّه يبقى خطوة ناقصة، إن من ناحية المضمون أو من ناحية التطبيق، كونه يشكّل جزءاً من إطار تشريعي وسياسي أوسع قائم على تداخل إشكالي في المسؤوليات وعدم وضوح في تحديدها، وعلى إنتاج آليات لا تضمن التطبيق الفعلي. كذلك لناحية عدم لحظ الأبنية القائمة قبل تاريخ الصدور، وبالتالي يُبقي على آلاف المباني القديمة والأحياء التاريخية دون آلية لتأمين السلامة فيها، أو لناحية الاستناد على قانون البناء الذي يُبقي مسؤوليات الصيانة والترميم ضبابية ويعزّز سياسات الهدم والتهجير.

فبالرغم من أن المدن اللبنانية التي نعيش فيها تاريخية وقديمة، وأن المساكن الرئيسية التي تقع ضمن أحياء سكنية يزيد عمرها عن 25 سنة تُشكّل 84.4 % من المساكن الرئيسية على مستوى لبنان، لا يلحظ المرسوم وتعديله إلزامية تطبيق شروط السلامة العامة وأصولها على الأبنية القائمة قبل تاريخ صدورهما – أي الأبنية القائمة التي يزيد عمرها عن 18 عاماً. بالتالي، يُبقي المرسوم على النسبة الأكبر من أبنية لبنان السكنية وغير السكنية في خانة “غير المطابقة” لشروط السلامة العامة، أي يُبقيها ومُستخدميها ومن حولهم عُرضةً للتدهور أو الانهيار أو لمخاطر الزلازل والحرائق وغيرها. كما لم يحدّد المرسوم التعديليّ الذي صدر عام 2012، أيّة مهل أو تفاصيل لبدء العمل بـالتدقيق الفنّي الإلزامي بالنسبة للأبنية القائمة، إنّما ربط ذلك بقرار يصدر عن وزير الأشغال العامّة والنقل بعد صدور مرسوم ملحق بناءً على اقتراح الوزير ذاته، يقضي باعتماد مقاييس ومواصفات خاصّة وملائمة. ولم يصدر الوزير أيّ قرار لغاية اليوم.

كما لا يتطرّق المرسوم لأهمية صيانة هذه الأبنية القائمة وترميمها إلّا من خلال تحميل مالك العقار (أو جمعية المالكين) في بناءٍ قائمٍ مسؤولية الحفاظ على متانته وصيانته الدورية وفقاً لأحكام قانون البناء رقم 646/2004 في المادّة 18 منه (للمزيد أنظر/ي إلى 3. ضبابية مسؤولية الصيانة والترميم).

وفي حال زيادة مساحات مبنيّة على أبنية قائمة، يخضع البناء للتدقيق الفنّي الإلزامي فقط إذا كان ينتمي إلى إحدى الفئات التي حدّدها المرسوم حسب نوع الإشغال وحجم البناء (مساحته، إرتفاعه، عدد الطوابق السفليّة، إلخ). في هذه الحالة، يقتضي تضمين ملف رخصة البناء تقريراً صادراً عن أحد مكاتب التدقيق المرخّصة، يحدّد الإجراءات المعتمدة لتأمين شروط السلامة في متانة البناء ووقايته من الحرائق.

فيما يتعلق بالأبنية الجديدة، يكتفي مرسوم السلامة العامة بتحميل المسؤولية للمهندس\ة المسؤول\ة على تنفيذ مواصفات الوقاية من الحريق والزلازل وتطبيقها، في حال عدم خضوع المبنى الجديد لأي فئة من فئات التدقيق الفني الإلزامي. هذا ينطبق على الأبنية السكنية التي لا يتجاوز ارتفاعها 20 متراً، وهذا ما يجعل معظم المباني الجديدة غير متوافقة مع مواصفات السلامة العامة. بالإضافة إلى ذلك، يتساهل بعض المهندسين في تطبيق هذه الشروط خلال مرحلة التنفيذ نتيجة عدم وجود رقابة فعلية من البلديات والتنظيم المدني. أمّا بالنسبة للمباني الجديدة التي تخضع للتدقيق الفني الإلزامي، فإن تطبيق هذا التدقيق لم يحدث بين عامي 2005 و2012. لتغطية هذه الفترة، صدر قرار يلزم المهندس\ة المسؤول\ة عن تصاميم البناء بتقديم تعهّد مسجل لدى نقابة المهندسين بالالتزام بشروط السلامة العامة.

بالتالي، يتميّز المرسوم بضبابية وتقاعس يحولان دون تأمين سلامة الناس. بالنتيجة، يعيش سكان لبنان اليوم في بيئة عمرانية متردّية، ويجدون أنفسهم ضحايا الخلل التشريعي والتطبيقي، والإجراءات المتناقضة، أي بمقاربة الدولة المتساهلة بسلامة الناس والمنشآت.
ويمكننا أن نرى تأثير تدهور البناء نتيجة قصر قانون السلامة العامة لمعالجة إشكالية صيانة الأبنية القائمة قبل تاريخ صدوره، وعدم تحديده لأيّة مهل، تفاصيل، ومسؤوليات لبدء العمل بـالتدقيق الفنّي الإلزامي بالنسبة للأبنية القائمة، من خلال تكرّر حالات الانهيار في أحياء مدينتي طرابلس والميناء، حيث تكثر المباني القديمة والتاريخية الآيلة للسقوط والمأهولة بالسكان ويسوء وضع المنازل، وحيث تقع المباني على رؤوس قاطنيها، مع العلم المسبق للبلدية والسكان بعدم متانتها.

وهنا نذكر مثال مبنى سكني مؤلّف من ثلاثة طوابق والواقع في في حيّ ضهر المغر في القبة طرابلس، الذي انهار المبنى عام 2022، وراحت ضحيته رضيعة، نتيجة الإهمال من ناحية الترميم والتدعيم. فقد تُرك هذا المبنى للتدهور كونه بني قبل صدور المرسوم وخارج إطاره الزمني، ولم تتخذ أي جهة (المالك أو البلدية) أي إجراءات لترميمه. كما لم تُتخّذ أي إجراءات من ناحية تدهور البيئة المبنيّة في كافة أحياء طرابلس ومن ضمنها حي ضهر المغر الواقع في الجهة الشرقية من مدينة طرابلس القديمة على منحدرٍ يطلّ على نهر أبو علي. بذا، يتفاقم تدهور البيئة المبنية في مختلف الأراضي اللبناني بشكلٍ عام وفي طرابلس بشكلٍ خاص، في ظلّ غياب خطط الترميم والتأهيل وكنتيجة مباشرة للسياسات المجتزأة والأطر القانونية القائمة، ما يساهم عاجلاً أم آجلاً بارتفاع وتيرة الانهيارات الكلّية أو الجزئية للأبنية.

مبنى ضهر المغر

ثانياً، المباني المشيّدة في غياب أطر الرقابة

كما ذكرنا أعلاه، ووفقاً لإدارة الإحصاء المركزي، إنّ 84.4 % من المباني السكنية في لبنان قد بنيت قبل عام 2005 – أي قبل تاريخ صدور مرسوم السلامة العامة – بأكثر من سبع سنوات. وبحسب البنك الدولي، فإن 25% من مباني بيروت يزيد عمرها على 50 عاماً، وكذلك 17% من مباني الشمال، و16% من مباني الجنوب، و15% من مباني الجبل. والعديد من هذه المباني ليست مقاومة هيكلياً للزلازل ولا تتماشى مع أنظمة السلامة.

بعد انتهاء الحرب الأهلية في لبنان، شهدت البلاد مرحلة إعادة بناء واسعة النطاق، بحيث حلّت مرحلةٌ نيوليبرالية واسعة النطاق شهدت تكريس استثمارات ضخمة، وسادت البلدَ سياساتُ بناء رفعت أسعار العقارات والشقق، عملت خلالها الحكومات المتتالية على تسهيل شروط عمل المستثمرين وعلى زيادة النسب المسموح بها للبناء – كما في المرسوم 2791/1992 – مما أثّر بشكل مباشر على مهنة الهندسة وأخضعها لتطور السوق العقاري وأخضع الجسم الهندسي لسلطة تجار البناء، في ظلّ غياب أطر الرقابة حتى عام 2005 مع صدور مرسوم السلامة العامة. ممّا يشير إلى أن دولة ما بعد الحرب الأهلية وضعت الاستثمار بما يعنيه من تسليع للأرض في أعلى سُلّم أولوياتها، وضحّت في سبيله بسلامة المنشآت والأحياء.

في الفترة هذه، لم يكن هناك أي إجراءات للتدقيق الفني، ولم يشرف أحدٌ يومها على تفاصيل السلامة في رخص البناء، ولم يتمّ تقييم المعايير التي اعتمدها المهندسين. إنّ تداعيات هذا الخلل بالإضافة إلى غياب إطار السلامة العامة يؤثّران بشكل كبير على المباني التي شُيّدت بعد 1990 نتيجة فورة العمران، وحيث أصبح المهندسون مرتبطين بشكل كبير بالمتعهّدين، وحيث أصبح واقع الجسم الهندسي مرتبطاً بالسوق ورأس المال.

بالتالي، أنتجت حقبة الفورة في قطاع البناء وإعادة الإعمار آلاف المباني المشيّدة دون مراقبة، ودون مراعاة لقواعد البناء والسلامة العامة التي حدّّدها مرسوم السلامة، إضافةً إلى آلاف المباني الأخرى دون رخص قانونية وأذونات رسمية، بنيت بقرار سياسي أو حزبي، لكسب ودّ الناخبين والموالين والمحازبين من خلال تمرير المخالفات والتغطية عليها. وقد تراكمت فوق هذه الأبنية إنشاءات أخرى، أو شهدت تحويل هيكلي، أو تغيير في توازن المبنى وتحميلها حملاً زائداً، ما ضاعف الأخطار.

ووفقاً لنقيب المهندسين السابق جاد تابت، الأولوية اليوم هي للمباني التي تمّ تشييدها منذ 1990 حتى صدور المرسوم -في الـ 2005، وهي ما يجب التطرّق إليه بشكل عاجل وطارئ، خاصة ما يتخطّى منها الثلاثة طوابق. بالتالي، يجب إرساء ورشة إعادة دراسة لهذه المباني، ويجب على وزارة الأشغال العامّة والبلديات أن تكون مسؤولة عن هذا الملف. كما يجب على البلديات أن تفرض على مالكي المباني التي أُنشئت بين 1990 و2005 أن يستصدروا دراسة لمتانة مبانيهم. “لا بد إنه ينفتح هالملف”، يُكمل تابت، “لأنه بيخوّف وعددهم (المباني)كبير كتير”.

فمثلاً بالنسبة لمجمّع يزبك السكني المتواجد في حي بدران في المنصورية، شُيّد وفقاً لرخصة بناء مقدّمة عام 1986 تبعتها تعديلات في 1987 ورخصة إسكان في 1990. عند تشييد المبنى المؤلف من سبعة طوابق، لم يكن هناك أية إجراءات تدقيق فني، ولم يتابع يومها أحدٌ في رخص البناء، كونه بُني قبل إقرار مرسوم السلامة العامة. في ذلك الوقت، أي قبل وجود إطارٍ قانونيٍ للسلامة العامة في لبنان، لم يتمّ التدقيق بالمعايير التي اعتمدها مهندسا المشروع اللذان كانا في الوقت ذاته مالكا العقار وصاحبا المشروع ولهما مصلحة مالية مباشرة.

أمّا بالنسبة لمبنى الريشاني الواقع في حي العين – الشويفات، فالمبنى المنهار كان واحداً من ثلاثة مبانٍ، يتألّف كلٌّ منها من ثلاثة طوابق، تمّ بناؤها عام 1995 على العقار 1629 (الشويفات – الأُمراء) دون فرز، ولم يحصل المالكون – وهم ثلاثة إخوة من عائلة الريشاني – على رخصة إشغال (رخصة سكن) لمبانيهم، ما يجعلها غير مؤهّلة للسكن. فرخصة الإشغال هي وثيقة رسمية تصدر عن البلدية، بعد كشف فني من التنظيم المدني، تثبت بأن البناء قد تم إنجازه وفقاً للمعايير والشروط المحدّدة في رخصة البناء وبحسب قانون البناء اللبناني. ولا يجوز السكن في البناء دون الحصول على رخصة الإشغال التي تؤكّد سلامة المبنى وحقيقة تنفيذ الإجراءات اللازمة لحمايته من أخطار قد تواجهه، وهو ما تجاهله مالكو المبنى، خاصةً وأنّهم أجّروا الشقق غير المطابقة للمعايير للعائلات المنكوبة واستخفّوا بسلامة الناس.

مبنى الريشاني


ثالثاً، الضبابية في مسؤوليات الصيانة والترميم

بالمبدأ، يجب فحص المباني التي يزيد عمرها عن 50 عاماً ويجب على الخبراء إجراء أعمال إعادة التأهيل بالشكل المناسب إذا لزم الأمر. وبحسب رئيس الجمعية اللبنانية للتخفيف من أضرار الزلازل، راشد سركيس، إنّ البناء بحاجة إلى صيانة دورية وكشف دوري (كل ثلاثة أو خمس سنوات) على متانته والتثبّت من أنّ التربة ثابتة ولا وجود لعناصر قد تزعزع قاعدته، والتحقّق من عدم وجود مسارب مياه أو أنهر بالقرب من المبنى، إضافةً إلى السهر على الحفاظ على نظافته وتفقّد أجزائه ومراقبة التفسّخات والتشقّقات التي تحصل، ومتابعة الأمر بجدية والتعامل معه على قدر كبير من المسؤولية وعدم التهاون في التصرّف المباشر حال بروز مشكلة ما. لكن، في لبنان، ليس هناك قانون يُلزم صاحب المبنى بالقيام بالصيانة الدورية.

في قراءة للأطر القانونية القائمة، إنّ مسؤولية الصيانة والترميم ممكن فهمها على الشكل التالي:

-بشكلٍ عام، تقع المسؤولية القانونية على عاتق مالك البناء، وفق أحكام المادة 133 من قانون الموجبات والعقود (القانون 0/1932)، الذي هو مسؤول عن الضرر الناشئ عن هبوط البناء أو تهدّم جانب منه حين يكون سبب هذا الحادث نقصاً في صيانة البناء أو عيباً في بنيانه أو قدماً في عهده. أماّ إذا كانت صيانة البنيان من واجب شخص غير المالك فتبقى التبعة ملقاة على كاهل المالك، وإنّما يحقّ له أن يُدخل ذلك الشخص في دعوى التبعة.

-كما يقع على عاتق المالكين صيانة المباني ضماناً لمتانتها وفقاً للمادة 18 من قانون البناء (رقم 646/2004) التي تفرض عليهم موجب تصوين عقاراتهم وترميم مبانيهم وتدعيمها وتقويتها وصيانتها وتأمين الاتزان والمتانة فيها حفاظاً على سلامة الشاغلين والجوار. وإذا تبيّن بنتيجة تقرير المهندس أنّ اتّزان البناء أو متانته مختلّان، على المالك أن يقوم بأعمال التشييد والتدعيم اللازمة، فعندما يظهر خطر انهيار في البناء، فإنّ المالك مجبور على أن يجري التدعيمات اللازمة دون إبطاء على نفقته ومسؤوليّته، وعلى أن يعلم البلدية أو المحافظ أو القائمقام عندما لا توجد بلدية، فوراً بذلك وهي بدورها تعلّم الإدارات الفنّية المختصّة بالأمر.

أمّا بالنسبة للإيجارات القديمة، يتحمّل المالك وفق المادة 46 من قانون الإيجارات التعديلي الصادر عام 2017 نسبة 20% من نفقات الخدمات المشتركة والصيانة بشرط أن لا تتجاوز مساهمته 5% من مجموع بدلات إيجار الأمكنة التي تستفيد من هذه الخدمات، ويوزّع الباقي على الوحدات التي يتألّف منها المبنى سواءً أكانت شاغرة أو مشغولة من المالك أو سواه، على أن تؤخذ في الاعتبار مساحة كلّ مأجور عند توزيع حصص المساهمة بين الشاغلين. كما يتحمّل المستأجر كامل نفقات الإصلاحات في الأجزاء الداخلية (غير المشتركة) للمأجور.

بالنسبة للمباني التراثية المسجلة على لائحة الجرد العام، تقع مسؤوليّة صيانة وترميم وتدعيم الأبنية على عاتق من يملكها، وفق قانون حماية الآثارنظام الآثار القديمة“. إنّ تسجيل المبنى على لائحة الجرد لكونه قيمة وطنيّة لا يساهم في تقديم أي مساعدة ماديّة للمالك للحفاظ على مبناه بحالة جيّدة1المادة 31 من “نظام الآثار القديمة” تنصّ أنّ المصاريف الناجمة عن الأشغال المتعلّقة بتمكين أو ترميم العقارات المقيّدة في الجرد العام أو المسجّلة كأبنية تاريخية يتحمّلها أصحاب هذه العقارات. وفي حال تمنّع أو تعثّر المالك عن القيام بالترميم، تفيد المادّة 32 من القانون أنّه على مديريّة الآثار أو البلدية القيام بذلك على أن تسترد النفقات من المالك، ويمكن للسلطة التي تحل محل صاحب الملك المتخلّف استرجاع المصاريف الحقيقية المنفقة مع إضافة 25% إليها وفقًا للقواعد النافذة في تحصيل الرسوم البلدية والأموال العموميّة..

بالنسبة لموجبات الإدارات الرسمية، أناطت المادة 74 من قانون البلديات (مرسوم اشتراعي 118/1977) برئيس السلطة التنفيذية في البلدية صلاحيّة هدم المباني المتداعية وإصلاحها على نفقة أصحابها وفقاً لأحكام قانون البناء. كما أنّ المادة 18 من قانون البناء أعطت البلديات صلاحيات واضحة تتعلّق بالسهر على ضمان متانة المباني، حيث يحقّ للبلدية أن تفرض على المالكين تصوين عقاراتهم لجهة الطريق وترميم مبانيهم، وإذا تمنّعوا عن ذلك يحقّ للبلدية بعد إنذارهم أن تقوم بالعمل المذكور على نفقتهم. وعندما ينذر مبنى أو جدران أو خلافه، بالانهيار ويشكّل بقاؤه خطراً ما ويهدد السلامة العامّة ولا يبادر المالك إلى القيام بواجباته، إمّا لأنّه لا يستطيع إجراء أعمال التقوية اللازمة، أو لأنّه يمتنع عن ذلك، يقتضي حينذاك تدارك خطر إنهيار المبنى “دون إبطاء” وهدم المبنى. ويمكن للبلدية المعنية إخلاء السكان من المبنى والمباشرة بتنفيذ الهدم على نفقة المالك. بذا، إذا كان المالك غير قادر على الترميم، ليس هناك مسؤولية لأي جهة للترميم.

بفعل الأزمة الاقتصادية، تتناقص قدرة الأفراد على إجراء الصيانة المطلوبة لحماية المباني وإطالة عمرها الافتراضي، حيث أن نسبة مرتفعة من مالكي المباني القائمة – القديمة على وجه الخصوص – غير قادرين على تنفيذ إجراءات الصيانة والترميم اللازمة بسبب محدودية قدراتهم المالية في سياقٍ اقتصاديٍّ متردٍّ، فضلاً عن تمنّع بعضهم طوعاً عن صيانة وترميم مبانيهم، نظراً لثقافة الهدم من أجل الاستفادة من بيع الأرض أو إنشاء بناء جديد، والتي عمّمتها الدولة. بالإضافة إلى الأسباب المادية، فإنّ البناء عادةً ما يُهمل إذا كانت تعود ملكيته إلى مجموعة من المالكين، في حين نفتقد في لبنان ثقافة صيانة المباني. من جهة أخرى، يحصر القانون دور البلدية بفرض ترميم واجهات المبنى على المالك، في حين يبقى دورها غامضاً لناحية فرض ترميم أجزاء أخرى من المبنى، ويقتصر تدخّلها على إرسال إنذارات إخلاء لشاغلي المبنى متبوعةً بتنفيذ الإخلاء وهدم المبنى دون تأمين حلول تقنية جدّية وبدائل سكنية، في تعزيزٍ واضحٍ لسياسات الهدم والتهجير. زيدي على ذلك أن البلديات متكاسلة في إجراء مسوحات للأبنية المتدهورة في نطاقها. كما أنّ ميزانية البلديات انخفضت في ظلّ الأزمة، ما يجعلها غير قادرة على تنفيذ أعمال الترميم على نفقتها إلى أن يسدد المالك هذه النفقات. بالتالي، إن لم يُرمّم المالكون لسببٍ أو لآخر، يبقى الأمن السكني مهدّداً في مختلف المناطق اللبنانية. وهو ما يعني أنّ الدولة وضعت الأمن السكني في لبنان بيَد من يستفيدون من أن تسلك مصلحتهم اتجاهاً معاكساً له.

وتشكّل قضية الترميم في حالة مبنى الفوال في طرابلس عام ٢٠١٩، مثالاً فاقعاً، بحيث تحرّك الشارع الطرابلسي غضباً نتيجة الكارثة التي وقعت بعد انهيار المبنى والذي أدّى إلى مقتل عبد الرحمن كاخية (٢١ عاماً) وشقيقته راما (١٨ عاماً). حصل الانهيار نتيجة سقوط سقف الطابق العلوي وتراكم الردم على سقف الطابق الأرضي، ما ولّد ضغطاً كبيراً عليه أدّى إلى انهياره على رؤوس قاطنيه. وبناءً عليه، أثُيرت قضية الترميم كمسألةٍ أساسيةٍ مرتبطة بهذه الكارثة، حيث قيل بأنّ رئيس بلدية المينا آنذاك، عبد القادر علم الدين، لم يمنح آل كاخية ترخيصاً لترميم المنزل، بعد أن قام ورثة البيت بإزالة الشبابيك والقنطرة في الطابق العلوي، ما أدّى إلى تسّرب كميةٍ كبيرةٍ من مياه الأمطار إلى سقف المنزل المصنوع من الخشب والتراب.

كما ظهرت هذه الإشكالية أيضاً بعد تفجير مرفأ بيروت، كَون التراخيص بشكلها الحالي عقبة أمام العودة السريعة. فقد برزت لدى قاطنات\ي المنطقة والعاملين فيها إشكالية الاستحصال على تراخيص ترميم المباني المتضررة إنشائياً من بلدية بيروت والحق الحصري للمالك دون سواه في تقديم طلب الترخيص للترميم، أو ضرورة إرفاق الطلب بموافقة خطيّة من المالك أو بقرار قضائي يسمح للمستأجر بالترميم. فبحسب قانون البناء، إن أشغال التدعيم التي تتناول الهيكل الأساسي لأي مبنى تخضع لرخصة ترميم إلزاميّة يطلبها المالك.

وفي حال تمنّع المالك عن الترميم أو منع المستأجر من تصليح الأضرار لسببٍ أو لآخر، يصبح المستأجر أمام خطرٍ جدّي. في حالات عدة، يضع الحق الحصري المُعطى للمالك دون سواه في تقديم طلب الترخيص للمباني التي تعاني من أضرار إنشائية، المالك في موقع السيطرة على مصير ترميم المبنى أو عدم ترميمه، حتى لو أراد القاطنون الترميم.

مبنى الفوال

رابعاً، هشاشة المباني في المناطق غير الرسمية في ظل تجاهلها

من بين المباني الأخيرة التي انهارت، نذكر انهيار جزء من مبنى المسلماني، الذي يقع في حارة عرسال في “الحيّ الغربي” الممتد بين مخيم شاتيلا والمدينة الرياضية. نما الحيّ الغربي في ستينيات القرن الماضي، وكان امتداداً مباشراً لمخيم شاتيلا، وتكوّن من برّاكيات وهياكل مؤقتة مبنية بشكل غير رسمي. وتوسّع الحيّ إلى حد كبير ابتداءً من عام 1975، حيث كان يأوي عدداً كبيراً من السكان الذين نزحوا كجزء من الهجرة الواسعة من الريف إلى المدن، والتي أجّجها الاجتياحان الإسرائيليان (1978 و1982) والاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان (1978). في عام 1993 كان الحي الغربي يضم 685 وحدة سكنية (4500 قاطن)؛ ويعتقد أن هذا العدد قد تضاعف بشكل كبير منذ ذلك الحين.

نظراً لأن عملية البناء تمّت بشكل تدريجيٍ وغير رسمي، تعاني مباني الحيّ الغربي اليوم من عدد من المشاكل الإنشائية، بالإضافة إلى منع السلطات عمليات الترميم والتأهيل وإدخال مواد البناء إليها، بذريعة أنّ هذه الأحياء “غير شرعية ومتعدية”.

مبنى المسلماني


الحي الغربي هو مثال ضمن أمثلة عديدة للأحياء غير الرسمية التي نشأت في لبنان، تحديداً في المدن الكبرى كبيروت وطرابلس وصيدا، قبل أربعينات القرن الماضي بفعل النزوح المتمثّل بموجات وصول الأرمن والسريان في العشرينات، ووصول اللاجئين الفلسطينيين بعد نكبة 1948. اتّسعت هذه المناطق مع وصول النازحين من الأرياف إلى المدن في الخمسينيات – لا سيّما بسبب تمركز الاقتصاد في العاصمة والمدن وتهميش باقي المناطق، ومع التهجير بعد كوارث طبيعية. وخلال الحرب الأهلية وجراء العدوان الإسرائيلي المتكرّر، توّسعت رقعة الأحياء غير الرسمية، فيما لم تتبلور أيّة معالجة لإشكالات السكن للفئات الأكثر احتياجاً.

عليه، مارس سكان هذه المناطق حقهم في التواجد في العاصمة عبر اللجوء إلى البناء أو الاستئجار أو التملّك بشكل غير رسمي في عقارات إمّا عامة أو خاصة لا تعود إليهم في السجلات الرسمية. وبالتالي استندت عملية البناء إلى العمران غير الرسمي الذي يتم تحديده من خلال المفاوضات وعمليات البناء العُرفية.

وقد أسهم غياب سياسة وطنية للأرض المتاحة بأسعار معقولة، بانتشار واسع لهذه المساكن والمناطق غير الرسمية في كافة المدن اللبنانية، وقد نُعتت بـ “أحزمة البؤس” و “المناطق غير الشرعية” كونها شيّدت خارج أطر قوانين البناء والتخطيط المستحدثة، وبالتالي تمت مقاربتها اجتماعياً وسياسياً من منطلق طبقي-أمني بحت، وأصبح “غياب شرعيتها” يحدّد بالنسبة للمجتمع لا الدولة فقط، حقّ سكّانها بالخدمات والبنى التحتية والأمن السكني. وفي العام 2018، قُدّرت نسبة سكان الأحياء غير الرسمية بـ61.1% من النسبة الإجمالية لسكان المدن في لبنان، حيث بدا أنّ الحلّ الوحيد المتاح للفئات الأقلّ دخلاً والأكثر هشاشة يتمثّل في اللجوء إلى السكن في الأحياء غير الرسمية.

إلى جانب تدهور البيئة العمرانية والبنى التحتية في هذه المناطق، يتمثّل التحدي الأكبر اليوم لهذه المناطق في تجنّب مسؤولية الدولة اتجاهها. من ناحية، هناك تعتيم على المناطق غير الرسمية وحجمها وواقع البنى التحتية فيها وأعداد الساكنين فيها وأوضاعهن\م الاجتماعية الاقتصادية، وكأن السلطة تعتبر أنّ سكانها لا يعانون من أيّ مشكلة. من ناحية أخرى، تتلاعب الأحزاب الطائفية بالسكان لتكريس الولاءات، فتصبح عملية الحصول على الخدمات أو زيادة البناء رهن العلاقات الزبائنية لا سيّما عند اقتراب الدورات الانتخابية.

أمّا بالنسبة للمخيمات الفلسطينية، فتنظر المنظمات الدولية والحكومة اللبنانية حالياً إليها على أنّها مساحات “غير رسمية”، ما يعني أن إدارتها وسلطتها لا تستجيب لسلطة الدولة اللبنانية وأن حاجاتها لا تخضع للقانون، وبالتالي فهي ليست من مسؤولية السلطات اللبنانية المحلية (البلديات) أو الوطنية. وقد كانت تجليّات هذا التهميش والإهمال ملحوظة على الواقع العمراني والبيئي في المخيمات والتجمعات الفلسطينية. وقد تمظهر العنف المكاني تجاه المخيمات عبر السنين من خلال تدهور أوضاعها على مستويات عدة، ومن خلال علاقتها بمحيطها، كما ومن خلال حياة الناس فيها.

إنّ الوضع العمراني في أي مخيم فلسطيني وفي الأحياء غير الرسمية عموماً يبدأ من وحداتٍ سكنية لا تدخلها أشعة الشمس وتعاني ضعفاً بالتهوئة، ولا ينتهي في مساكن مبنية على الشاطئ، تطوف موسمياً حين يجتاحها البحر، وتضرب الأمواج جدرانها الهشة وتدمّرها كل حين.

تشهد هذه المناطق إضافات متزايدة ومكثفة على مبانٍ قائمة، وتتمّ عمليات البناء من دون ترخيص وبالتالي من دون إشراف مهندس\ة يكون مسؤولاً على عمليّة البناء، أو زيادة طوابق على أبنية قائمة دون دراسة متانتها وتدعيمها، وسلامتها الهيكلية، وذلك لسد فجوة غياب الخيارات السكنية، ما يزيد من خطر الانهيار. والأهمّ من كل ذلك، لا تقرّ السلطات بوجود هذه المناطق، وبالتالي لا تضع ضمن تصوّراتها كيفية تأهيل البيئة العمرانية فيها لتصبح آمنة، صالحةً للسكن.

خامساً، البناء في مناطق معرضة للفيضانات وانجرافات التربة

تفاقمت الفيضانات في الآونة الأخيرة، نظراً للتوسع العمراني الذي كثّف العمران على الممرّ الطبيعي للسيول والأنهار الموسمية من جهة، وسمح بعزل التربة عن المياه من خلال مساحات متزايدة من الأسفلت والأسمنت، ما قلّص المساحات التي تستطيع امتصاص المياه. وقد سمح قانون البناء بتصميم المباني بشكلٍ تجاري لا يراعي موضوع تسرّب المياه وامتصاصها، ويسمح القانون بتلاصق المباني في الطوابق السفلية، مانعاً المياه من أن تجري بطبيعتها تحت الأرض. كما عمّمت السلطة ثقافة التزفيت بدلاً من الإبقاء على التربة أو استخدام البحص أو غيره من المواد العضوية غير العازلة للمياه. بالإضافة إلى ذلك، تمّ تصميم شبكات الصرف الصحي دون أخذ التوسع العمراني الكثيف بعين الاعتبار، وتمّ اعتماد نظام يجمع بين شبكة مياه الأمطار ومياه الصرف الصحي، فأصبحت كمية الصرف الصحي ومياه الأمطار تفوق قدرة الشبكة الموجودة، كما لم يسمح لنا ذلك بالاستفادة من مياه الأمطار أو بعودتها إلى دورتها الطبيعية.

ويتبيّن أن العمران قد تنامى في بعض المناطق المعرّضة أصلاً للفيضانات، والواقعة على مجارٍ شتوية، بالقرب من أنابيب الصرف الصحي، أو بالقرب من الأنهار. فقد حدّدت الخطة الشاملة المناطق الخاضعة لمخاطر الفيضانات وانزلاقات التربة ومبادئ استعمالات الأراضي فيها، لضرورة أخذ هذه المخاطر بالحسبان في مقاربة الحركة العمرانية وتوجيه استعمالات الأراضي، بحيث ينبغي اتخاذ احتياطات في المناطق المعرضة للمخاطر لتأمين سلامة العامة. غير أنّه عادةً ما لا يتمّ احترام توصيات الخطة الشاملة، بما فيها القواعد ومبادئ استعمالات الأراضي في المناطق المعرّضة للمخاطر الطبيعية، ويتمّ تصنيفها كمناطق سكنية، كما ولا يتمّ معالجة أوضاع المناطق القائمة أصلاً في هذه المناطق.

ومن جهةٍ أخرى، فإن فيضانات الأنهار تنتج عن عدم احترام مجاري الأنهر (كرمي النفايات أو البناء عليها أو سدّها)، وعدم صيانتها وجرف المجاري والمصبات بشكلٍ دوري، كما أن تصميم مجاري الأنهار دون اعتماد تصاميم ومواد (الأسمنت مثلاً، بدلاً من الحوض الطبيعي للنهر) تسمح بتسرب مياه النهر إلى التربة تفاقم إمكانية فيضانه، إضافةً إلى خلق مسارات مصطنعة للأنهار، وقتل الحياة البرية فيه وحوله، كما هو الحال بالنسبة لنهر بيروت.

كما تؤثّر كمية المياه التي تستقبلها الأنهار والبرك، على المنشآت المحيطة بها، مثل حيطان الدعم والأساسات الخاصة بالبناء، بحيث يمكن أن تؤدّي إلى تسرب المياه إلى أساسات وأعمدة البناء وإضعافها بسبب الاهتراء والرطوبة. كما يمكن أن يؤدي التعرض للمياه إلى تفاقم الأضرار التي لحقت بالمباني الواقعة في المناطق المعرضة لتآكل التربة.

سلطت حادثة انهيار مبنى “يزبك” في المنصورية الضوء على كون هذه المنطقة تقع في محيط وادي نهر بيروت وهي منطقة غنية بالمياه، وقد شُيّد عدد كبير من مبانيها على مجرى لمياه الشتاء.

فبالنسبة لمجمّع “يزبك” السكني المتواجد في حي بدران في المنصورية، أُنشأ وفقاً لرخصة بناء مقدّمة عام 1986 تبعتها تعديلات في 1987 ورخصة إسكان في 1990. وكان المهندسان إدمون يزبك وريشار حاموش (متوفي) مالكَي هذا العقار وصاحبَي المشروع بكامله. ينقسم المجمّع إلى 4 مبانٍ على العقار 1707، تتألّف جميعها من سبع طوابق. وشُيّد المجمّع على مجرى لمياه الشتاء، وبالتالي كانت الأبنية عرضة لتجمّعات مائية باستمرار، ولطالما امتلأ مرآبها بالمياه حد غرق السيارات. مما أدّى إلى تكسّر الأعمدة في الطابق السفلي بسبب شدّة الاهتراء نتيجة تجمّع المياه، وانهيار المبنى. نظراً لطبيعة الموقع وجغرافية محيطه، فإن ما يتبادر إلى الذهن على الفور هو كيفية إعطاء رخصة بناء لتصميم هندسي لا يتناسب مع خصائص المنطقة ولا يراعي متطلّبات السلامة فيها.

أمّا بالنسبة لمجمّع “ندى 3” الذي يقع أيضاً في المنصورية، فقد انهار الحائط الملاصق له، إثر السيول التي اجتاحت المنطقة. واضطرّ السكان لإخلاء منازلهم، خاصة وأن البلدية اكتفت بإرسال إنذار لهم لإخلاء المبنى، خوفاً من انقلاب المزيد من الصخور. يقع هذا المبنى بجوار شير لا يحمي المبنى من تساقط ترابه وصخوره سوى حائط عادي، تتساقط الصخور من ناحيته بشكل مستمر، وتؤدّي إلى أذى عَرَضي للشرفات. لكن هذه السنة، وفي ليلة الميلاد، سقطت صخرة كبيرة، دمّرت حائط غرفة نوم أحد الطوابق. ثم في أوّل كانون الثاني، سقطت صخرة كبيرة، دمّرت جزءاً كبيراً من الحائط المفترض أن يحمي المبنى.

وكان الوضع مماثلاً بالنسبة لمبنى الريشاني في حي العين – الشويفات، حيث تشير التقارير الأولية إلى أن سبب الانهيار يعود إلى سقوط صخور وتربة من جبل ترابي متاخم للمبنى. فقبل حوالي أسبوع من وقوع الحادث، بدأ الجبل الترابي بالانهيار، غير أن السكان، وهم حوالي 17 شخصاً من الجنسية السورية، لم يكن لديهم مكان بديل للانتقال إليه فاضطرّوا للبقاء فيه. ووفقاً لبلدية الشويفات، منذ حوالي الـ٥ سنوات، تداعى سور الدعم الخاص بالمبنى الملاصق للمبنى المنهار اليوم، بسبب سقوط أجزاء من الجبل. يومها تضرّر المبنى بشكل طفيف، ولكن لم يُخلَ أي من سكانه. وقد كشف خبير من قبل البلدية حينها على المباني، وأوصى بتدعيم السور المتداعي، وهو ما نُفّذ بالفعل. بالتالي، يشكلّ غياب التصنيف المناسب للأراضي جزءاً لا يتجزأ من المشكلة. فمن المفترض أن يكون لكل منطقة تصميم توجيهي، صادر عن المديرية العامة للتنظيم المدني بالتعاون مع البلدية، يحدّد تصنيفات الأراضي، آخذاً بعين الاعتبار المخاطر الطبيعية المحتملة، مثل وجود جبال، انحدار، تربة معرّضة للانزلاق أو أنهار معرّضة للفيضان، إلخ، سامحاً أم لا البناء فيها، ومحدّداً شكل البناء المفترض في علاقته مع الانحدار. إلّا أن المبنى المنهار في الشويفات يقع في منطقة مصنّفة “امتداد سكني” بحسب تصميم الشويفات التوجيهي، دون تحديد المخاطر فيها، ككونها منطقة جبلية فيها انحدار قوي.

المبنى D في مجمع يزبك

سادساً، إشكالية قوانين البناء وتصنيف المناطق

تساهم القوانين والتصاميم التوجيهية وتصنيفات المناطق المعمول بها، بتصعيب عمليات البناء أو الترميم في ظروفٍ معيّنة، كونها لم تتعامل بالشكل المناسب مع أنماط حيازة الأراضي المختلفة كالملكية بالشيوع، ومع الموروثات العُرفية المتفّق عليها اجتماعياً والتي توجّه أعمال البناء، ولم تراعي العوامل البيئية والطبيعة والمجتمع، أو لتعاملها مع المناطق التاريخية بشكلٍ استثنائي للغاية.

فهكذا، يصعّب قانون البناء، غير المراعي لاختلاف تكوين المناطق وتنوّع حاجات الناس، عمليات البناء وإمكانية إتباع مسار الترخيص القانوني إلى حدٍ كبيرٍ في العقارات المملوكة بالشيوع، حيث تقاسم الوَرَثة (الذي يمكن أن يصل عددهم الى أكثر من مئة شخص) تاريخياً العمار حُبياً دون معاملات اﻹنتقال والفرز ونقل الملكية، وقد يقوم البعض أحياناً ببيع حصتهم المفترضة دون أوراق2يرتبط الشيوع في لبنان ارتباطاً وثيقاً بالقوانين العُرفية التي تحدّد ممارساتٍ مساحيةً متفقًا عليها اجتماعيًا وتوجّه أعمال البناء من دون أن تمليَ شكل المبنى. وما زالت أحياء قديمة كثيرة ملتزمةً بالقانون العرفي (غير القانوني)؛ بينما تتبع توسّعاتُ المدينة القانونَ الحديث، وتكون هذه التوّسعات على أراضي ذات ملكيات مشتركة مثل “الخليط شريك” في بعلبك أو “القيراط” في الهرمل أو غيرها..

وبما أن الرخصة القانونية للعمار التي يحدّدها قانون البناء تتطلّب موافقة جميع الشركاء في العقار وهو أمر صار إتمامه مكلفاً مادياً، لجأت غالبية الناس إلى البناء دون رخص رسمية، ولجأوا في كثير من اﻷحيان (في السنوات العشر اﻷخيرة) إلى ما بات يُعرف بتحديد اﻷرض لدى كاتب العدل وليس في الدوائر العقارية.

لم يعالج المسؤولون والمديرية العامة للتنظيم المدني حاجة الناس إلى البناء بشكل متكامل عبر تصاميم توجيهية وقوانين بناء تراعي هذه الخصوصية وهو ما أدّى إلى البناء دون الحصول على رخص قانونية ودون الامتثال لمعايير السلامة العامة، وهو ما يؤدي تالياً إلى تدهور البيئة العمرانية وزيادة خطر انهيار المباني3طرح النائب السابق إيلي الفرزلي في عام 2022 اقتراح قانون لإعطاء رخص بناء للمناطق الواقعة بالشيوع ضمن شروط محددة، بحجة تفاقم النزوح نحو المناطق البعيدة عن المدن الرئيسية في ظلّ الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة وحيث أنّ الأراضي في هذه المناطق واقعة بشكلٍ لافت ضمن الشيوع. يُعتبر هذا الطرح من ضمن الإجراءات الاستثنائية التي تستعملها السلطة لمحاولة معالجة الإشكاليات الآنية، وأبرزها إشكالية قانون البناء، عبر تقديم الاستثناءات على شكل الخدمات بدلاً من تطوير القانون بهدف الاستجابة لحاجات الناس وتأمين حقوقهم..

من ضمن المباني المنهارة، نذكر مبنى أمهز، الذي يقع في شارع حميّة، بين حيّ بيت زعيتر وحيّ شبعا (أو حيّ الشبعاوية). وقد شُيّد هذا المبنى في منتصف التسعينيات على العقار رقم 1058 الشويفات – العمروسية، وتبلغ مساحته أكثر من 3500 متر مربع بقليل. وهو يشكّل مربعاً أُنشِئت عليه الكثير من الأبنية بدون ترخيص قانوني ومنها المبنى المنهار، نظراً لكون الملكية شيوع ولا يمكن الترخيص البناء عليها بحسب قانون البناء.

وبحسب المهندس راشد سركيس رئيس جمعية التخفيف من أخطار الزلازل، تبيّن أنّ عدداً من الأبنية التي بنيت على هذا العقار، والذي من المفترض ألا تُعطى تراخيص بناء بحسب قانون البناء كونها ملكية بالشيوع، قد أعطيت تراخيصاً استثنائية. النوع الأوّل من هذه التراخيص يندرج تحت ترخيص “بناء مهجّر” مع العلم أنّ مثل هذه التراخيص لا تنطبق شروطها على من حصل عليها ضمن العقار. أمّا النوع الثاني من الرخص فيندرج تحت اسم “ترخيص بالبناء” وله كشف فني وسُدّدت عليه الرسوم إلّا أنّ لا شيء يضمن أن يكون البناء مطابقاً لخرائط هذه الأبنية الموجودة في الملف، لأنّ الرخصة غير مسجّلة في نقابة المهندسين، وقد أخذت من مكان ما بين البلدية والتنظيم المدني. والنوع الثالث من الرخص تقع تحت مسمّى “وصل بالتصريح” والتي يؤكّد أنّها لا تُعطى للبناء بل للترميم.

مبنى أمهز


أمّا فيما خصّ تصنيف المناطق والأبنية التراثية، فتتعرّض الأبنية التراثيّة، ومنها الأبنية المسجّلة على لائحة الجرد والتي يُمنَع هدمها أو صيانتها دون موافقة مديريّة الآثار، إمّا للهدم من قبل المطوّرين العقاريين أو للإنهيار التلقائي نتيجة تصدّعها جرّاء غياب الصيانة أو تعمّد إهمالها، بسبب تخلّي أصحاب المُلك عن واجبهم في الاهتمام بعملية الترميم وصيانة المباني، وانعدام سياسة إعادة التأهيل، وتشجيع الدولة لثقافة الهدم بهدف الربح من خلال إنشاء بناء جديد أو بيع العقار. يُضاف إلى ذلك كثرة الورثة، ممّا يعيق اهتمام المالكين بمبانيهم، كلّ ذلك في ظلّ انكفاء الدولة عن مهمّتها في حماية الأبنية التراثيّة بالشكل المناسب وتعاملها مع المناطق التراثية باستهتار. فعادةً ما تشهد المباني التي تعتبر مبان تراثية حالة إهمال وتخريب تدريجي (إزالة الشبابيك، تفكيك القنطرة، زيادة الوزن على سقف الطوابق عبر تحويلها إلى مستودع…)، إلى حين تصدّعها بسبب تسرّب المياه إليها، لتنهار في ليلة ممطرة.

وتشكّل مقاربة الدولة المصدر الأساسي للأزمة، بحيث أنّها لا تعالج الموروث العمراني سوى من خلال تصاميم توجيهية قاسية تتبنّى المفهوم التقني للترميم، وتتعمّد نسيان المُركّب الاجتماعي للمدن والأحياء، وتتغاضى عن النظر إلى الموروث في تعريفه الواسع، كما تقاربه من منطلق الوحدة بدلاً من النسيج أو الحيّ أو مجموعة المباني والمساحات. فعبر تصنيف مناطق تتميّز بنسيج عمراني عضوي، مركب ومعقّد، كمناطق تراثية، تُوضع هذه المناطق تحت قوانين تنظيمية غير اعتيادية، ما يعيق التدخل الصحيح ويزيد من صعوبة الترميم فيها وزيادة الإضافات عليها بما يتناسب مع احتياجات السكان ومع معايير السلامة العامة ومع قوانين تسمح بالحفاظ على أصالة المبنى، في ظلّ غياب خطة تمويل متكاملة لأعمال الترميم من قبل السلطات العامة أو المديرية العامة للآثار.

في الواقع، إنّ التدابير والشروط الجمالية التي قد توضع لهذه المناطق – كما هو الحال في طرابلس، تتطلّب وقتاً وقدرات مادية غالباً ما تتجاوز إمكانيات معظم السكان أو\و المالكين المعنيّين، لا سيّما في ظل غياب خطة تمويل تسمح للسلطات المعنية بالتأهيل.

بالنسبة لمبنى الفوال الذي سبق وذكرناه، فهو يقع ضمن منطقة مصنفة تراثية بحسب التصميم التوجيهي لمدينة الميناء (المرسوم ١٦٣٥٣) الصادر في عام ٢٠٠٦. اقتصر هذا التصميم على تصنيف الأراضي وشروط البناء فيها، فيما خلا من أيّ رؤيةٍ تنمويةٍ، في ظلّ هيمنة ذهنية الريع العقاري على عملية تخطيط المدن. صنّف هذا التصميم المدينة التاريخية – حيث يقع مبنى الفوال – كمنطقةٍ تراثيةٍ ذات شروط تفصيلية غير اعتيادية وصارمة، حيث غيّر تصنيفها من “سكني” إلى “تراثي قديم ذي استخدام سكني”، وأضحى أيّ ترخيصٍ لأيّ عملٍ يُقام فيها يخضع لموافقة جهاز عُرف بـ”لجنة الآثار”، ومهمته قبول المشروع التمهيدي عند تقديم طلبٍ لإضافة بناءٍ أو لتنفيذ أعمال ترميم، قبل تحويله إلى باقي الإدارات. كما يُمنع تسوية مخالفات البناء أيّاً كان نوعها، ويفرض إزالة المخالفة في حال عدم امتثالها لأحكام النظام الحالي، ويفرض وضع دراسةٍ شاملةٍ للعقار عند التقدّم بطلب ترميمٍ أو تشييد بناءٍ جديد، ويضع شروطاً تفصيليةً صارمةً جداً عند طلب تشييد بناءٍ جديد، تمتدّ على صفحاتٍ عدّة. بذلك، يعيق هذا التصنيف التدخل في هذه المناطق ويزيد من صعوبة الترميم فيها، وهو ما يدفع السكان لتغيير المبنى أو الإضافة عليه دون مساعدة مهندسين\ات ودون رقابة تؤمّن سلامتهن\م وسلامة المبنى والمحافظة عليه، ما يساهم بخلق إشكاليات أدّت إلى تردّي أوضاع السكان والأحياء بدلاً من إعادة تأهيلها، وهو ما ساهم في انهيار مبنى الفوال. ينطبق الأمر نفسه على منطقة “تحت السباط” في طرابلس حيث ساهم تصنيفها التراثي، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، إلى إهمالها وتآكل المباني فيها وانهيارها.

خاتمة

من مجمّع يزبك ومجمّع الندى في المنصورية، ومبنى الريشاني في الشويفات، مبنى أمهز في صحراء الشويفات، مبنى الفوال في المينا، مبنى المسلماني في الحيّ الغربي، إلى مبنى المير في الزاهرية في طرابلس، ومبنى النشار في ضهر المغر في طرابلس، مبنى بيت ورد ومبنى الفرن اللبناني (مرهج) في الأشرفية، مبنى العنان في برج البراجنة، وأخيراً مبنى فسوح في الأشرفية، نتأكد من جديد أنّ حالات انهيار المباني ليست بفردية، وهي بذلك لا تستوجب حلولاً فردية. وبالرغم من أن تكرار حالات انهيار الأبنية التي لم تعد محصورة ضمن منطقة جغرافية واحدة، ليس هناك مسح شامل للأبنية المهدّدة حتّى اليوم. بذا، يعتبر الإجراء الأوّل الذي يجب اتّباعه هو تنفيذ مسح ميداني شامل لتحديد المباني المهدّدة والآيلة للسقوط، وهو ملفّ يجب على وزارة الأشغال العامّة والبلديات أن تكون مسؤولة عنه، وبالتالي، اتّخاذ التدابير الضروريّة على ضوء نتائج هذا المسح، توّفق بين السلامة العامّة وتأمين السكن اللائق للجميع.

وأخيراً، بعد أن أوضحنا بالتفاصيل العوامل التي ساهمت بشكل غير مباشر في تردي البيئة العمرانية في لبنان وتدهورها، والأسباب الرئيسية المباشرة التي أدّت إلى الانهيارات الأخيرة، والمسبّبات الكامنة في الأطر القانونية، وخللها، وأشرنا إلى المسؤوليات، كما وألقينا الضوء على مهنة الهندسة ودورها، وعلى الإطار القانوني الذي يرعى ممارستها، تقع المسؤولية اليوم علينا جميعاً وخصوصاً على الجسم الهندسي، لتسليط الضوء على الإطار القانوني ومن ضمنه قانون البناء ومرسوم السلامة العام لمعالجة الخلل فيهما، وطرح هذا الموضوع كجزءٍ من النقاش العام.

المراجع:

  • 1
    المادة 31 من “نظام الآثار القديمة” تنصّ أنّ المصاريف الناجمة عن الأشغال المتعلّقة بتمكين أو ترميم العقارات المقيّدة في الجرد العام أو المسجّلة كأبنية تاريخية يتحمّلها أصحاب هذه العقارات. وفي حال تمنّع أو تعثّر المالك عن القيام بالترميم، تفيد المادّة 32 من القانون أنّه على مديريّة الآثار أو البلدية القيام بذلك على أن تسترد النفقات من المالك، ويمكن للسلطة التي تحل محل صاحب الملك المتخلّف استرجاع المصاريف الحقيقية المنفقة مع إضافة 25% إليها وفقًا للقواعد النافذة في تحصيل الرسوم البلدية والأموال العموميّة.
  • 2
    يرتبط الشيوع في لبنان ارتباطاً وثيقاً بالقوانين العُرفية التي تحدّد ممارساتٍ مساحيةً متفقًا عليها اجتماعيًا وتوجّه أعمال البناء من دون أن تمليَ شكل المبنى. وما زالت أحياء قديمة كثيرة ملتزمةً بالقانون العرفي (غير القانوني)؛ بينما تتبع توسّعاتُ المدينة القانونَ الحديث، وتكون هذه التوّسعات على أراضي ذات ملكيات مشتركة مثل “الخليط شريك” في بعلبك أو “القيراط” في الهرمل أو غيرها.
  • 3
    طرح النائب السابق إيلي الفرزلي في عام 2022 اقتراح قانون لإعطاء رخص بناء للمناطق الواقعة بالشيوع ضمن شروط محددة، بحجة تفاقم النزوح نحو المناطق البعيدة عن المدن الرئيسية في ظلّ الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة وحيث أنّ الأراضي في هذه المناطق واقعة بشكلٍ لافت ضمن الشيوع. يُعتبر هذا الطرح من ضمن الإجراءات الاستثنائية التي تستعملها السلطة لمحاولة معالجة الإشكاليات الآنية، وأبرزها إشكالية قانون البناء، عبر تقديم الاستثناءات على شكل الخدمات بدلاً من تطوير القانون بهدف الاستجابة لحاجات الناس وتأمين حقوقهم.
 

كريستينا أبو روفايل

باحثة

كريستينا، معماريّة وباحثة حضريّة، حاصلة على ماجستير في الهندسة المعمارية (2015) وفي التخطيط المديني (2017) من الجامعة اللبنانية، كلية العمارة والفنون الجميلة. تعمل حالياً على مشاريع بحثية متنوعة مرتبطة بالقضايا العمرانية، الأملاك العامة وغيرها من المواضيع المتعلّقة بالحقّ في المدينة.

 

عبير سقسوق

مديرة تنفيذية ومسؤولة الأبحاث

تخرجت عبير كمهندسة معمارية في العام 2005، ثم حصلت على ماجستير في التخطيط المديني. هي عضو مؤسس في استوديو أشغال عامة. يشمل تركيز بحثها العلاقة بين العمران والقانون، الملكية والمساحات المشتركة، والحق في المدينة للمجتمعات المهمشة. كما تعمل عبر شراكات متعدّدة على تطوير الطرق التي تحفّز دور الجماعات المحليّة في تخطيط مستقبل مساحاتهم ومُدنهم وصياغته. هي أيضاً عضو في المفكرة القانونية (منذ 2014) وعضو مؤسس في مجموعة الدكتافون (منذ 2009).

 

تالا علاء الدين

باحثة و منسقة قسم الأبحاث

تالا، معماريّة وباحثة حَضرية. يركّز عملها على قضايا السكن والأرض في لبنان، ويشمل دراسة التصاميم التوجيهية الصادرة عن المناطق اللبنانية وتحليلها وانعكاساتها على حياة الناس اليومية، ورصد ممارسات المؤسسات المعنية بالتخطيط، والمناصرة لتفعيل الأدوات والمناهج التشاركية في التخطيط وإعادة الإعمار. حازت على شهادات التميّز الأكاديمي والمنح الدراسية من مؤسسة الحريري للتنمية البشرية المستدامة والجامعة اللبنانية الأميركية، وحصلت على ماجستير في الهندسة المعمارية من الجامعة اللبنانية، كلية العمارة والفنون الجميلة، الفرع الثاني (2017).

إدارة الأراضي والتنظيم المدني إعادة الإعمار والتعافي البنى التحتية السكن لبنان
 
 
 

انهيار المباني في لبنان

يصعب أن نتفاجأ اليوم من الانهيارات الحاصلة في المباني حول الأراضي اللبنانية، ونحن نعي كمية العوامل القانونية والمادية التي أضعفت بنيتها وزعزعتها، كما نعي غياب المبادرات الرسمية للتأكد من صحة المباني، الموجودة منها …

خمسة عوامل ساهمت في تدهور البيئة العمرانية في لبنان

مقدمة1- سياسة الهدم2- منطق الربح الذي يقود عمليات البناء3- غياب المقاربة الشاملة4- الحروب الداخلية، الاعتداءات الإسرائيلية، وتفجير المرفأ5- التغيير المناخي والظروف الطبيعيةخاتمة مقدمة بحسب الهيئة اللبنانية للعقارات، يوجد في لبنان ما لا يقلّ …

مرسوم السلامة العامة: لا ضمان لسلامة السكان ولا وقف لتدهور البيئة العمرانية

عُدّل بالمرسوم رقم 7964 المرعي الإجراء حالياً والصادر بتاريخ 7/4/2012.

طرابلس: مدينة أثرية على حساب سكانها

على الرغم من الدور الاقتصادي الذي نتوقّع أن تلعبه طرابلس بالنسبة لكامل شمال لبنان -دور نراه مرتقبٌ مثلاً في مقاربة كل من بعثة إيرفد والخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية- كونها المنفذ لسوريا الداخلية …

التغيير المناخي والسكن:

الأحياء المهمشة هي الأكثر تأثرًا

يَعِد التغيير المناخي بتغيير المواسم، ومناخ المناطق وأنماطه، حتى شكل الحياة التي نعرف. ونتيجةً لسيطرة النموذج الرأسمالي على الكوكب، ستؤثّر هذه التغييرات بالدرجة الأولى، على قدرة الناس على الوصول إلى الموارد وتأمين الأساسيات. …

ما بعد إنهيار المباني: ما مصير السكان المتضرّرين؟

مقدمة– مُعدلات مُرتفعة للمساكن غير الآمنة في بيانات مرصد السكن– من يتحمل مسؤولية توفير  السكن البديل لمتضرري إنهيارات المباني؟– مبنى المسلماني في حيّ عرسال، منطقة صبرا – مبنى أمهز في صحراء الشويفات– مجمّع يزبك …

دليل رخص البناء:

أنواع التراخيص ومساراتها وتوزيع المسؤوليات في ملف انهيار المباني

1- أنواع التراخيص وآلياتها يحدّد قانون البناء في المواد الأولى منه أنواع الأشغال التي تحتاج إلى رخصة بناء، لتكون الأعمال الإنشائية (فيها صبّ باطون) هي أعمال بحاجة إلى رخصة. مع العلم أنّ الأعمال …