باختصار، ما هو القانون المقترح؟
يتضمّن القانون أربعة عشر مادة تتناول إعفاءات ضريبية مختلفة من ضريبة الأملاك المبنية، رسم القيمة التأجيرية، رسوم السير للمركبات الآلية المتضررة، ضريبة الدخل، إلخ. وقد خصّص مشروع القانون، في المادة الثانية عشر منه تحت عنوان “في معالجة أوضاع وحدات العقارات أو أقسامها المهدمة”، فقرات عدة تناولت مسألة الأبنية المدمرة أو المتضرّرة.
ما هي الأسباب الموجِبة التي يذكرها القانون؟
- نظراً للدمار الهائل الذي لحق بالمؤسسات والأبنية نتيجة الحرب الإسرائيلية على لبنان، ونظراً لعدد الشهداء الكبير الذين ارتقوا نتيجة تلك الحرب
- في ظلّ الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها لبنان، والتي زادت وطأتها بفعل تلك الحرب
- تحسساً مع ورثة الذين استشهدوا نتيجة الحرب
- تخفيفاً للأعباء على المتضررين بشكل مباشر من تلك الحرب
أيّ نواب اقترحوا القانون؟
مجلس الوزراء
النوع
قانون
الفاعلون
مجلس الوزراء، مجلس النواب، وزير المالية، دوائر التنظيم المدني في مراكز المحافظات والأقضية، الهيئة العليا للإغاثة، مجلس الجنوب، نقابة المهندسين.
المناطق المتأثرة
المناطق اللبنانية التي تضمّ أبنية متهدمة كلياً أو جزئياً جراء العدوان الإسرائيلي بالأخصّ محافظات الجنوب، النبطية، البقاع، والضاحية الجنوبية
بعد مرور أكثر من 7 أشهر على وقف إطلاق النار في لبنان، أقرّ مجلس النواب في جلسته في 30/6/2025 أوّل تشريع متعلّق بإعادة الإعمار على إثر الحرب الإسرائيلية على لبنان. وكان عدد من النواب قد تقدّم سابقاً بمجموعة من الاقتراحات المختلفة، بعضها تبنّى مضمون مشروع القانون الرامي إلى إعادة إعمار الأبنية المتهدّمة بفعل العدوان الإسرائيلي على لبنان والذي كانت حكومة ميقاتي قد اقترحته، ومنها ما يتعلّق بإعفاءات للسيارات التي أصبحت خارج الخدمة من جرّاء العدوان، بالإضافة إلى اقتراحات إعفاءات من الضرائب والرسوم المستحقة عن سنتي 2023 و2024. يأتي هذا القانون ليتضّمن أربعة عشر مادة تتناول المواضيع المطروحة في الاقتراحات السابقة من إعفاءات ضريبية مختلفة لصالح المتضررين/ات1على مثال ضريبة الأملاك المبنية، رسم القيمة التأجيرية، رسوم السير للمركبات الآلية المتضررة، ضريبة الدخل، إلخ.. وقد خصّص القانون، في المادة الثانية عشر منه تحت عنوان “في معالجة أوضاع وحدات العقارات أو أقسامها المهدمة”، فقرات عدة لمعالجة مسألة الأبنية المدمرة أو المتضرّرة جزئياً أو كلياً من الحرب. وقد صُنفت هذه الأبنية إلى خمس فئات وفق وضعيتها القانونية، وقد نصّ القانون على صيغ مختلفة لمعالجة كلٍّ منها.
كان القانون بصيغته الأساسية محصوراً بالمناطق التي تضرّرت من العدوان حتى تاريخ وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024، لكن تمّ إدخال تعديلاتٍ على القانون، من ضمنها اقتراح إزالة عبارة الحرب الإسرائيلية لتصبح الاعتداءات الإسرائيلية، وذلك حتّى تشمل الإعفاءات أيّ اعتداء لاحق ولا ينحصر بتاريخ وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني.
يُعتبر هذا القانون تطوّراً إيجابياً عن مشروع القانون السابق الذي طرحته حكومة ميقاتي والذي كان نسخة طبق الأصل عن قانون “إعادة إعمار الأبنية المتهدمة بفعل العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006” مع تعديلات طفيفة، والذي طرح تساؤلات حول قدرته على محاكاة السياق والواقع الحالي ومعالجته. ويأتي هذا التطوّر كون القانون الذي تمّ إقراره لا يضع كافة الأبنية وأقسامها المهدمة ضمن خانة موّحدة ويقترح سبل معالجة مختلفة لكلٍّ منها.
نعرض فيما يلي هذا القانون من حيث مضمونه ونركّز على المادة الثانية عشر منه المتعلّقة بالمباني المهدمة جزئياً أو كلياً. كما نورد إيجابياته بمقارنةٍ بينه وبين مشروع القانون السابق، ونستعرض إشكالياته من حيث المضمون. بالإضافة إلى ذلك، نستعيد سريعاً ما غاب عن القانون في معالجة إشكاليات إعادة الإعمار وذلك استناداً إلى تجارب إعادة الإعمار السابقة وهو ما أوردناه سابقاً ضمن تعليقنا على مشروع حكومة ميقاتي.
تصنيف الأبنية المتهدمة ومقاربات القانون لإعادة بنائها
كما ذكرنا في بداية هذا النصّ، يُصنّف القانون في المادة الثانية عشر منه “وحدات العقارات أو أقسامها المهدمة” إلى خمسة فئات وهي: 1- المباني المتهدمة التي كانت مشيّدة ضمن ملك صاحبها، 2- المباني المتهدمة التي كانت مشيّدة في ملك الغير، 3- المباني المتهدمة التي كانت مشيّدة أو معتدية على الأملاك العمومية، 4- المباني المتهدمة التي كانت مشيّدة ضمن المناطق المحرم فيها البناء، 5- المباني المتهدمة التي كانت مشيّدة في الأملاك الخصوصية للدولة أو البلديات، وينّص على سبل معالجة كلٍّ منها.
بالنسبة للفئة الأولى المتعلّقة بالبناء المتهدم الذي كان مشيداً في ملك صاحبه، يُرخص إعادة تشييده لإعادته إلى الحالة التي كان عليها إذا كان مشيداً وفقاً لقانون وأنظمة البناء المرعية الإجراء وقت البناء، أو إذا استحصل مالكه سابقاً على تسوية أوضاعه في حال كان البناء المتهدم مشيداً بشكلٍ مخالف، وذلك بعد إبراز ما يثبت إجراء التسوية. أمّا بالنسبة للبناء المتهدم الذي كان مشيداً في ملك صاحبه بشكلٍ مخالف، والذي لم يستحصل مالكه على تسوية أوضاعه، يُجاز إعادة تشييده لإعادته إلى الحالة التي كان عليها بعد الاستحصال على تسوية أوضاع المخالفات الواقعة2يتم تسوية أوضاع المخالفات وفقاً للأسس المعتمدة للأبنية المخالفة المنصوص عليها في القانون رقم 324 تاريخ 24/3/1994 وتعديلاته والقانون رقم 139 تاريخ 9/7/2019 المنتهي مفعوليهما..
كما تقع ضمن هذه الفئة الأبنية المتهدمة التي كانت مشيدة في ملك صاحبها قبل تاريخ 13/9/1971. بحسب القانون، يُجاز إعادة تشييدها لإعادتها إلى الحالة التي كانت عليها قبل التهديم. أمّا إذا كان البناء المتهدم مشيداً بجزء منه بعد تاريخ 13/9/1971 فيُطبق بشأن هذا الجزء أحكام البنود السابقة من هذه المادة، حسب مقتضى الحال.
وتذكر هذه الفقرة أنّ أحكام هذه المادة تُطبّق حتى لو كان البناء مملوكاً بالشيوع، كما تنصّ على تطبيق أحكام المرسوم الاشتراعي3رقم 88 تاريخ 16/9/1988. المتعلق بتنظيم الملكية المشتركة في العقارات المبنية فيما خصّ الأبنية المفرزة إلى حقوق مختلفة، وعلى وجوب مراعاة التراخيص والإجازات بإعادة البناء للقوانين والأنظمة المتعلقة بالسلامة العامة.
بالنسبة للفئة الثانية المتعلّقة بالبناء المتهدم الذي كان مشيداً في ملك الغير دون موافقة خطية، لا يُجاز إعادة تشييده لإعادته إلى الحالة التي كان عليها، إلّا إذا تمّ الاستحصال على حق البناء من مالك الأرض. وفي حال عدم موافقة مالك الأرض، يُعطى صاحب البناء المتهدم مساعدة مالية.
بالنسبة للفئة الثالثة المتعلّقة بالبناء المتهدم الذي كان مشيداً أو المعتدي على الأملاك العمومية، لا يُجاز إعادة تشييده إلا بعد إزالة التعدي. وإذا كان القسم الأكبر منه واقع على الأملاك العامة، لا يجوز إعادة تشييده ويُعطى صاحبه مساعدة مالية.
بالنسبة للفئة الرابعة المتعلّقة بالبناء المتهدم الذي كان مشيداً ضمن المناطق المحرم فيها البناء، كالصفة الأثرية أو لأسباب السلامة أو الصحة العامتين، سلامة الملاحة الجوية، إلخ، لا يجوز إعادة تشييده ويُعطى صاحبه مساعدة مالية.
بالنسبة للفئة الخامسة المتعلّقة بالبناء المتهدم الذي كان مشيداً في أملاك الدولة الخصوصية، بما فيها العقارات المتروكة المرفقة (المشاعات)، يُجاز إعادة تشييده لإعادته إلى الحالة التي كان عليها قبل التهديم بعد 1- موافقة مجلس الوزراء والسلطة المختصة على بيع الملك الخصوصي، 2- موافقة صاحب البناء على دفع الثمن، 3- وإجراء تسوية وضع البناء المخالف. في حال عدم توّفر هذه الشروط، لا يُجاز إعادة تشييده ويُعطى صاحبه مساعدة مالية.
ويحدد مقدار المساعدات المالية وشروط دفعها إلى مستحقها بمرسوم أو مراسيم تتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير المالية خلال مهلة حدها الأقصى ثلاثة أشهر من تاريخ نفاذ هذا القانون (أي تنتهي هذه المهلة في أوائل شهر تشرين الأوّل).
ويجدر الإشارة إلى أنّ المادة السابعة من هذا القانون تتطرّق لموضوع المسوحات وتنصّ على الطلب من الجهات المكلفة رسمياً وفق الأصول والتي تقوم بالمسوحات الميدانية، إنجاز تقاريرها بشأن الأضرار المباشرة والكلفة التقديرية لمعالجتها، على أن تُرفع النتائج إلى شركة خاصة يتمّ التعاقد معها لتتولى عملية تدقيق الملفات ورفعها إلى وزارة المالية التي تقوم بدورها ومن خلال لجنة تقنية تعمد إلى تشكيلها بالعمل على مقاطعة المعطيات مع المؤشرات الواردة في التقرير المشترك بين البنك الدولي والمجلس الوطني للبحوث العلمية الصادر في آذار 2025، إضافةً إلى تحديد معايير الاستفادة من الإعفاءات المقترحة في مشروع القانون والتي بموجبها يتمّ تنفيذ مشروع الإعفاءات. كما أعفى القانون المتضرّرين/ات من رسوم ترخيص البناء لإعادة إعمار الأبنية المهدّمة، ورسوم نقابة المهندسين.
لحظ إشكاليات الوصول إلى السكن في مقابل الثغرات في القانون
بمقارنةٍ سريعةٍ مع مشروع القانون السابق الذي طرحته حكومة ميقاتي، والذي لم يأخذ بعين الاعتبار السياقات المختلفة ذات الخصائص المتنوعة التي تعرّضت للعدوان، وأعطى حلّاً واحداً لإشكالياتٍ متشعّبة ومتباينة، ومنع إعادة البناء في الأملاك العامة وملك الغير، لحظ القانون الذي تمّ إقراره، كما ذكرنا أعلاه، خمس فئات من المباني. أخذ القانون بعين الاعتبار المباني المخالفة بالإشارة صراحة إلى وضعية هذه الأبنية وإلى ضرورة التعامل معها شأنها بذلك شأن الأبنية القانونية، ولحظ المباني التي كانت مشيّدة بملك الغير وعلى الأملاك العامة وأراضي الدولة الخصوصية، بما فيها الأراضي الأميرية، وبما يشمل المناطق غير الرسمية. كان واضحاً أيضاً أن المباني التي شُيّدت وفقاً لقانون وأنظمة البناء السارية وقت البناء لا تُعتبر مخالفة، حتى وإن أصبحت مخالفة لاحقاً بسبب تغيّر تصنيف الأرض أو عوامل الاستثمار بعد بنائها.
كما أخذ القانون بالحسبان الأبنية المتهدمة التي كانت مشيّدة في ملك صاحبها قبل تاريخ 13/9/1971، وهو ما يُفترض أن يشمل المباني التراثية (المصنّفة وغير المصنّفة) بالأخصّ في المدن القديمة التي بُنيت قبل صدور قانون البناء كما في بعلبك والنبطية، والنسيج التاريخي في البلدات الجنوبية، وسمح بإعادة بنائها كما كانت بما يمكن أن يناسب سكانها ويحافظ على طابعها من دون الالتزام بقانون البناء، خاصةً وأن قانون البناء لا يعترف بخصوصية المدن القديمة وهندستها المعمارية.
بالتالي، ذهب هذا القانون في اتّجاه مقاربة تلحظ إشكاليات الوصول إلى السكن بغض النظر عن ملكية الأرض، وقد وسّع مجال الاستفادة من إعادة إعمار المساكن بمقارنةٍ بينه وبين مشروع القانون السابق، إن كان من خلال السماح بإعادة البناء للمباني المخالفة، المبنية على الملك العام أو ملك الغير ضمن شروطٍ محددة، أو من خلال إعطاء مساعدة مالية في حال منع إعادة البناء. ومع أهمية هذا التوجه، يطرح القانون تساؤلاتٍ عدة، كما يتبيّن وجود عدّة ثغرات نظراً لاختلاف السياقات المحلية، ما قد يطرح إشكاليات عند التنفيذ، وهو ما سنتوّسع في شرحه فيما يلي.
تعقيدات الإطار المؤسسي للمسوحات
يطلب القانون من “الجهات” المكلفة رسمياً وفق الأصول التي تقوم بالمسوحات الميدانية – دون تحديدها – إرسال تقاريرها بشأن الأضرار والكلفة، تُرفع إلى شركة خاصّة لتدقيق الملفّات ورفعها إلى وزارة المالية. وهو أمر يُفترض أنّ الهيئة العليا للإغاثة ومجلس الجنوب في المناطق الجنوبية كُلف فيها، وحزب الله من خلال مؤسسة جهاد البناء يلعب دوراً بارزاً فيها دون أن يكون مكلفاً رسمياً. يطرح تعدّد الجهات والأطراف المشاركة في هذه العملية، تساؤلات متعلّقة بالتنسيق فيما بينهم، وحول اعتماد وحدة المعايير فيما يتعلّق بالمسح وتطبيقها على كافة الأراضي اللبنانية، بما يؤمّن المساواة بين المواطنات\ين. كما أنّ تعدّد الجهات التي تقوم بالمسوحات في المنطقة ذاتها بين مجلس الجنوب والهيئة العليا للإغاثة من جهة وبين جهاد البناء من جهةٍ ثانية – حتى لم يكن مكلّف رسمياً – قد يخلق إشكالياتٍ بين المتضررين/ات وبينهم وبين الجهات الموّكلة رسمياً أو بشكلٍ غير رسمي بالمسح في حال كانت نتائج المسوحات وتقدير كلفة الترميم والبناء مختلفة، خصوصاً إذا تمّ استخدامها لتحديد قيمة التعويضات وليس فقط لتنفيذ مشروع الإعفاءات، كما ينصّ القانون.
وهو ما حصل بالفعل في عيتا الشعب بعد حرب تموز 2006، حيث مُسحت الأضرار 3 مرات في البلدة من قبل 3 جهات مختلفة: مجلس الجنوب وجهاد البناء، وبسبب اختلاف النتائج، قام الفريق القطري – الجهة المانحة والممولة لإعادة إعمار عيتا الشعب – الذي لم يستطع التوفيق بين التقييمين بمسحٍ ثالث من خلال التعاقد مع شركة خاصة. وتم تجاوز البلدية في كل إجراءات التقييم والتعويض. كما خضعت التقييمات الثلاثة لممارساتٍ فاسدة وغياب الشفافية، فلم تُنشر التقارير بطريقة علنية. وكانت الطريقة الوحيدة للاطّلاع على نتائج التقييم، الاعتراض عليها أو محاولة تعديلها، من خلال الوساطات السياسية، أو العلاقات العائلية، أو الرشاوى، أو المصالح المشتركة مع فرق التقييم المختلفة.
ضبابية آليات الحصول على المساعدات وغياب التعويض العادل
فيما خصّ المساعدات المالية التي تُمنح لفئة من المتضرّرين/ات الذين لا يُجاز لهم إعادة بناء المباني المشيّدة على الأملاك العمومية، ملك الغير، أملاك الدولة الخصوصية أو ضمن المناطق المحرم فيها البناء، فقد استعمل القانون عبارة “مساعدة مالية” ولم يستخدم تعبير “تعويض”. والمساعدة المالية قد لا تكون تعويضاً كاملاً معادلاً للأضرار المادية والجسدية والمعنوية، بل قد تتّخذ طابع السلفة الوقتية أو المعجّلة وتهدف فقط إلى التخفيف من وطأة الكارثة، وقد لا تُحدّد على نحو يتناسب مع الغاية منها، أي ضمان استدامة حق السكن. كما يتوقّف الأمر على الموارد المالية التي قد يكون بمستطاع الدولة أن توفّرها لتأمين هذه المساعدات، مع العلم أنّ القروض المرصودة حتى الآن (قرض البنك الدولي بقيمة 250 مليون دولار) موجّهة بشكلٍ حصري لإزالة الردم وإعادة تأهيل البنى التحتية. ويبقى التمويل الخارجي بشكلٍ عام مرتبط بالشروط السياسية التي ستفرض على لبنان.
كما يطرح القانون تساؤلات حول الآليات المعتمدة للحصول على هذه المساعدات، والجداول الزمنية لتوزيعها بما يضمن المساواة والشفافية وأطر الوصول إلى المعلومات بين جميع المتضررين/ات، ويشمل الفئات الاجتماعية المختلفة من دون أي تمييز. وهو ما يفترض أن يتمّ تحديده بمرسوم أو مراسيم تتّخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير المالية خلال مهلة حدها الأقصى ثلاثة أشهر من تاريخ نفاذ هذا القانون.
فيما يتعلّق بالتعويضات الفعلية، لا يذكر القانون أنّه سيتمّ التعويض على المتضرّرين/ات (مالكين أو مستأجرين) إلّا في حال منعهم من إعادة البناء. بالتالي لا يضمن هذا القانون التعويض العادل والكامل عن جميع الأضرار والخسائر المادية والجسدية والمعنوية، المعادل للضرر لجميع المتضررين/ات.
خطر خصخصة أراضي الدولة
بالنسبة للفئة الخامسة المتعلّقة بالبناء المتهدّم الذي كان مشيّداً على أملاك الدولة الخصوصية، يقترح القانون معالجتها والسماح بإعادة البناء من خلال بيع هذه الأملاك مشترطاً موافقة مجلس الوزراء والسلطة المختصة وموافقة صاحب البناء على دفع الثمن. من جهة يعتبر ذلك تهديداً مباشراً لأملاك الدولة من خلال خصخصة أراضي الدولة، بالإضافة إلى أنّه خطر حقيقي في استغلال الدمار وإعادة الإعمار لتمكين البعض من الاستحواذ على المشاعات أو الأملاك العامة، ما لم توضَع إجراءات عملية صارمة تحول دون ذلك. من جهةٍ أخرى لا يوضّح النص كيفية تخمين أسعار هذه الأراضي وقدرة السكان على دفع ثمنها، علماً أن جزءاً كبيراً منهم قد يكون من الفئات المستضعفة التي لجأت إلى البناء على أراضي الدولة لعدم قدرتها على تأمين سكنها بطريقةٍ أخرى. ممّا لا يطرح فقط إشكالية مصير هؤلاء الأشخاص والخيارات المتاحة لضمان سكن بديل لهم، بل يثير أيضاً التساؤل حول ما إذا كانت الخصخصة مناورة لخلق عقبات أمام إعادة الإعمار وعودة السكان، خاصة وأن التكلفة المادية هي ثاني عقبة أمام الإعمار، بعد القصف الصهيوني المستمرّ.
وفي هذا الإطار، من غير الكافي الاكتفاء بمعالجة الأبنية المهدّمة على نحو فردي، بمعزل عن النسيج العمراني والاجتماعي الأوسع الذي تقع ضمنه. ففي العديد من الحالات، يقع المبنى المتضرّر ضمن حيّ متكامل تتشابه فيه طبيعة الأراضي، كأن تكون أراضي أميرية، حيث تتقاطع حقوق السكن والتصرّف بين السكان. وقد لا تكون المباني المجاورة قد تأثرت بشكل مباشر بالعدوان، لكنها تشارك الواقع القانوني والاجتماعي نفسه، الأمر الذي يستدعي تساؤلات حول مبدأ المعاملة بالمثل وحول احتمال إنتاج تفاوتات جديدة في الحقوق داخل النسيج العمراني الواحد.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الأراضي الأميرية هي أراضٍ يكون للدولة فيها حق ملكية الرقبة، فيما يمكن أن يجري عليها حق تصرّف، يُكتسب من قبل أفراد أو جماعات، بحسب القوانين والقرارات والأنظمة. يُخوّل حق التصرّف صاحبه حق استعمال العقار والتمتّع والتصرّف به ضمن شروط معينة محدّدة في القرار 3339/1930، ويخوّله الحق في جميع ما يُنتجه العقار، إذ له أن يغرس فيه ما شاء من الأغراس، وأن يبني فيه ما شاء من الأبنية، وأن يجري فيه حفريات، إلخ. انطلاقاً من ذلك، وفي حالة الأراضي الأميرية، يمكن أن تبقى ملكية الأرض للدولة، فيما يُحافظ الساكنون/ات على حق التصرّف بها.
ممّا يعني بأن إشغال سكّان المباني المهدّمة والتي كانت مبنية على أراضٍ تقع ضمن هذه الخانة، ليس بالضرورة مخالفاً للقانون، ولا حاجة للسكان بدفع تسوية أساساً، وبالتأكيد لا حاجة لهن\م بشراء الأرض، بمعنى أن خصخصة هذه الأراضي هي لزوم ما لا يلزم. كما يمكن تطبيق مبدأ مماثل على أنواع أخرى من أملاك الدولة الخصوصية، من خلال إنشاء مشاريع سكن عام تُبقي الأرض بيد الدولة وتمنح السكان المتضررين/ات أولوية السكن فيها.
ضمانات غير كافية للسلامة العامة
لم تحدّد النسخة الأولى من القانون آلية معينة للحصول على تراخيص بناء جديدة والجهة المسؤولة عن منح التراخيص. أمّا في النسخة الأخيرة المعدّلة في مجلس النواب والتي تمّ إقرارها، أُدخل تعديل يقضي بفتح مكاتب في الأقضية تقوم بمنح الرخص. وقد اعتمد القانون الآلية نفسها التي وردت ضمن مشروع قانون حكومة ميقاتي التي تقوم على فتح سجلات خاصة لدى دوائر التنظيم المدني في الأقضية والمحافظات لهذه التراخيص بناءً على إفادة من الهيئة العليا للإغاثة أو مجلس الجنوب، كلّاً ضمن نطاق صلاحياته، تُثبت واقع هذه الأبنية المتهدمة وحالتها من جراء العدوان الإسرائيلي، على أن تتولّى نقابة المهندسين المصادقة على إجراءات السلامة العامة من دون أية أعباء أو رسوم. وينصّ القانون على وجوب مراعاة التراخيص والإجازات بإعادة البناء للقوانين والأنظمة المتعلقة بالسلامة العامة عند إصدار التراخيص. تُعتبر هذه الآلية ملائمة من حيث تسريع وتيرة إعادة الإعمار وتأمين عودة سريعة للسكّان إلى منازلهم بعد الحرب.
لكنّ هذا التبسيط الإجرائي قد يفتح الباب أمام إشكالية جديدة تتعلّق بالتطبيق الفعلي للإجراءات المتعلقة بالسلامة العامة. فمن الجيد أن يكون لنقابة المهندسين دورٌ في المصادقة على هذه الإجراءات، لكنه يثير تساؤلات حول الحاجة الإضافية والماسة إلى الكشف الميداني على عملية البناء، كي لا يكون الالتزام بهذه الشروط حبراً على ورق في الرخص المقدمة دون تطبيقها فعلياً على أرض الواقع، وذلك في ظلّ الحاجة إلى البناء السريع. في حال التهاون في الالتزام بشروط السلامة العامة وغياب الرقابة على عملية البناء، تصبح هذه المباني في المستقبل أكثر عرضة للتصدّع أو الانهيار، سواء بسبب الظروف الطبيعية، أو الزلازل، أو الحروب، أو لأسباب أخرى. كما يثير التساؤلات حول قدرة نقابة المهندسين على مراجعة كافة الرخص المقدمة في فترة زمنية معقولة بما لا يعرقل عملية إعادة البناء نظراً لوجود حوالي 45,400 وحدة سكنية مدمرّة، 74،300 وحدة سكنية متضررة جزئياً بحسب تقديرات البنك الدولي.
تغييب المستأجر وتعقيدات الملكية بالشيوع
تنبثق عن هذا القانون إشكالية مشابهة للإشكالية التي برزت لدى قاطني المناطق المتضررة بعد تفجير مرفأ بيروت من المستأجرين، بحيث يذكر القانون صراحة فيما إذا كان بإمكان المستأجر الاستحصال على الترخيص مباشرة. ويبدو أنّ الحق الحصري يبقى بيد المالك دون سواه في تقديم الملف إلى الدوائر المختصة، ما يضع المالك في موقع السيطرة على مصير ترميم المبنى أو عدم ترميمه، حتى لو أراد القاطنون الترميم. وهنا نتكلّم عن مبانٍ تحتاج لأشغال تدعيم تتناول الهيكل الأساسي، كون القانون يتناول المباني المهدّمة جزئياً أو كلياً. ففي حال تمنّع المالك (أو أحد المالكين) عن الترميم أو منع المستأجر من تصليح الأضرار لسببٍ أو لآخر، يصبح المستأجر أمام خطر التهجير.
في هذا الإطار أيضاً، لم يتمّ طرح أي إجراء لتمديد عقود الإيجار، على غرار ما حصل بعد تفجير مرفأ بيروت ضمن قانون رقم 194/2020 “حماية المناطق المتضررة بنتيجة الانفجار في مرفأ بيروت ودعم إعادة إعمارها” الذي نصّ على تمديد العقود لمدة سنة واحدة في الأبنية المتضررة، مع العلم أن التمديد لسنة واحدة لم يكن كافياً والحاجة الفعلية تقضي بالتمديد طيلة فترة إعادة التأهيل والترميم، بما يحفظ حقّ المستأجر.
من جهةٍ أخرى، أعلن القانون صراحةً استفادة أي من المالكين بالشيوع من هذا الترخيص، لكنّه بقي مبهماً بشأن إمكانية طلب الترخيص من دون الاستحصال على موافقة أكثرية المالكين، وهو ما قد يطرح عدداً من الصعوبات بحسب المناطق والسياقات المختلفة وتعقيداتها. ينصّ القانون في حالات إعادة تشييد البناء المتهدم المفرز إلى حقوق مختلفة، تطبيق أحكام المرسوم الاشتراعي رقم 88/1983 المتعلق بتنظيم الملكية المشتركة في العقارات المبنية في المادة 36 منه التي تنصّ على ما يلي: “إذا تهدم البناء وكان هناك تعويض يغطي 60% على الأقل من نفقات إعادة بناء مماثل له، يمكن لجمعية المالكين أن تقرر إعادة البناء بأكثرية 75% على الأقل من أصوات المالكين ويخصص التعويض لهذه الغاية. وإذا رفض أحد المالكين الإذعان لقرار الجمعية، فهو ملزم ببيع حقوقه إلى باقي المالكين أو بعضهم، في حال موافقتهم على الشراء، بالثمن الذي تقرره محكمة البداية في غرفة المذاكرة بناء على استدعاء من رئيس الجمعية وبعد الاستماع لهما.” بالتالي، يقدم هذا القانون آلية قانونية لإجبار الأقلية على بيع حصصها في حال عدم موافقتهم على قرار الأغلبية بإعادة البناء، ممّا يسهل عملية اتخاذ القرار. ويظل التحدي الأساسي متمثلًا في إنشاء جمعية للمالكين إذا لم تكن موجودة، والاستحصال على التعويض الذي يغطي 60% على الأقل من تكاليف إعادة البناء، وموافقة أكثرية المالكين، وهي نقاط حاسمة لضمان انطلاق عملية الإعمار.
بين التطوّر الجزئي وغياب الرؤية الشاملة للتعافي
رغم التطوّر الذي يحمله القانون الجديد مقارنةً بالاقتراح السابق، إلا أنه لا يُقدّم مقاربة شاملة لإعادة الإعمار من منظور تعافٍ اجتماعي، اقتصادي وبيئي. فهو يختزل الإعمار في الجانب المادي، ولا ينظر إلى استعادة سبل العيش، والحركة الاقتصادية والبنية الاجتماعية، والشق البيئي. كما لا يتطرّق إلى خصوصيات المناطق المتضررة والحاجة إلى رؤية محلية لإعادة البناء تنظر إلى الحيّ أو المنطقة كوحدة متكاملة، ويعتمد مقاربة مركزية لا تنبع بالضرورة من الواقع المحلي. كذلك، لا يُميّز بين أنواع الدمار، سواء كان ناتجاً عن القصف المباشر، أو تدمير البنية التحتية، أو الإبادة البيئية باستخدام الفسفور الأبيض، أو الإبادة المكانية التي تعرّضت لها القرى الحدودية، مما يحدّ من قدرته على الاستجابة الفعالة.
لا يتطرّق القانون أيضاً إلى ضرورة الالتزام بالمعايير الدامجة المتعلقة باحتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة في إعادة الإعمار. ولم يُجر أي تعديلات على البناء. كما تزداد المخاوف حدة عند النظر في غياب أي إشارة إلى دور مديرية الآثار بالنسبة للمباني التراثية. ولم يتضمّن القانون ما يخص المباني ذات القيمة التراثية، لا من حيث الحماية، ولا من حيث إعادة الإعمار وفق معايير تحفظ هويتها المعمارية والعمرانية. أما في ما يتعلق بعودة السكان، فلا يوفّر القانون أي ضمانات للسكن البديل أو تعويض إعادة البناء والمدة الزمنية لها، ممّا لديه تأثير مباشر على إمكانية العودة. فخطر عدم عودة السكان يشكّل أحد أكبر التحديات في مرحلة ما بعد الحرب بالأخصّ في القرى الحدودية. كما يغفل عن ضبط سوق الإيجارات وتأمين السكن الانتقالي العادل.
ويغيب عن القانون تماماً أي معالجة لمسألة المضاربة العقارية، مما يفتح الباب لاستغلال الدمار كفرصة استثمارية على حساب السكان وحاجتهم إلى سكن ميسّر ومستدام. وأخيراً، من الواضح حتى الآن أن توجّه الدولة نحو مسارات تقوم على التمويل الخارجي لإعادة الإعمار وتثبيت النفوذ السياسي للأحزاب والتحكّم في اتخاذ القرارات. وهو ما أدّى سابقاً إلى توكيل عملية إعادة الإعمار لجهاتٍ خاصةٍ تمتلك رؤًى وأجنداتٍ واضحةً جرى فرضها على المناطق ممّا ساهم بتآكل الثقة بالدولة ودورها. وقد ساهم في إنتاج مناطق بأكملها ضمن معطيات سياسيةٍ واجتماعيةٍ قلّصت تنوّع النقاشات والأطراف المؤثرة في عملية الإنتاج المديني، ولم يُعطَ السكان الاستحقاق الكامل للمشاركة في عملية إنتاج أحيائهم.
في إطار إعادة الإعمار بعد تفجير مرفأ بيروت عام 2020، أصدر مجلس النوّاب في 16 تشرين الأوّل 2020 قانون “حماية المناطق المتضررة بنتيجة الانفجار في مرفأ بيروت ودعم إعادة إعمارها” (القانون رقم 194 / 2020). بالرغم من مخاطر هذا القانون وإشكالياته، بالإضافة إلى عدم تطبيقه بشكلٍ كامل، إلّا أنّه صدر سريعاً، بعد مرور أقلّ من شهر على التفجير، وتطرّق إلى في بنوده لقضايا أساسية لم يتناولها القانون موضوع تعليقنا منها تمديد عقود الإيجار لسنة واحدة بما حفظ حقوق المستأجر خلال هذه الفترة، بالإضافة إلى وضع قيود على التصرف وانتقال الملكية لمدة سنتين بما حدّ من المضاربة العقارية خلال هذه المدة. كما نصّ القانون على إنشاء لجنة تنسيقية لمسح الأضرار والإغاثة والتعويض تضمّ ممثل عن قيادة الجيش، وممثلين عن بعض الإدارات والمؤسسات العامة المعنية4وزارة الداخلية، محافظ مدينة بيروت وبلدية بيروت، وزارة الأشغال العامة، المديرية العامة للتنظيم المدني، وزارة المالية، المديرية العامة للشؤون العقارية، وزارة الثقافة، مجلس الإنماء والإعمار، المؤسسة العامة للإسكان، الهيئة العليا للإغاثة.، وممثل عن نقابة المهندسين في بيروت. وشدد القانون على حماية خاصة للأبنية ذات الطابع التراثي المتضررة. وهو ما يبيّن القصور على الصعيد الرسمي والتأخر في معالجة آثار الحرب الإسرائيلية الأخيرة والتمييز بين المواطنين/ات، وذلك بغض النظر عن اختلاف حجم الأضرار وامتدادها الجغرافي.
في النهاية، نعود ونؤكد على الحاجة إلى خطة شاملة لإعادة الإعمار ومبادئها بناءً على تجارب سابقة، بما يشمل: 1- ضمان تعويضات عادلة وفق آليات تسديد واضحة وشفافة؛ 2- إعطاء الأولوية لاستعادة الحياة الاقتصادية والاجتماعية؛ 3- اعتماد نهج محليّ لإعادة الإعمار، منبثق من خصوصيّات المناطق وحاجات سكانها، تأخذ بعين الاعتبار كلّ حي وبلدة ومدينة؛ 4- إحصاء الأنواع المختلفة من الدمار، لكي تستطيع أن تتعاطى معها بالشكل المناسب ليشمل ما هو أبعد من بناء المباني، ويتطرّق إلى استصلاح الأراضي الزراعية وتأهيل البنى التحتية؛ 5- تمكين كافة السكان من العودة الكريمة والسريعة، وضمان استدامة السكن العادل والميسّر خلال المرحلة الانتقالية؛ 6- اتخاذ إجراءات وتدابير عاجلة للحدّ من المضاربات العقارية؛ 7- وأخيراً التفكير في تمويل داخلي وإرساء أطر مشاركة واسعة في التخطيط والتنظيم والتنسيق والتنفيذ ضمن إطار عام لا مركزي لعملية إعادة الإعمار والتعافي. ومن دون اعتماد هذه الرؤية الشاملة، يبقى القانون الحالي خطوة جزئية غير كافية للانتقال نحو تعافٍ حقيقي ومستدام بعد الحرب.
المراجع:
- 1على مثال ضريبة الأملاك المبنية، رسم القيمة التأجيرية، رسوم السير للمركبات الآلية المتضررة، ضريبة الدخل، إلخ.
- 2يتم تسوية أوضاع المخالفات وفقاً للأسس المعتمدة للأبنية المخالفة المنصوص عليها في القانون رقم 324 تاريخ 24/3/1994 وتعديلاته والقانون رقم 139 تاريخ 9/7/2019 المنتهي مفعوليهما.
- 3رقم 88 تاريخ 16/9/1988.
- 4وزارة الداخلية، محافظ مدينة بيروت وبلدية بيروت، وزارة الأشغال العامة، المديرية العامة للتنظيم المدني، وزارة المالية، المديرية العامة للشؤون العقارية، وزارة الثقافة، مجلس الإنماء والإعمار، المؤسسة العامة للإسكان، الهيئة العليا للإغاثة.