النائب قاسم هاشم يطرح تعديلاً لقانون الإعمار لدمج الأشخاص ذوي الإعاقة:

خطوة إيجابية بحاجة للمتابعة والاستكمال

المصدر: اقتراح قانون يعدّل المادة 12 من القانون 22/2025 ومقابلة أجريت مع سيلفانا اللقيس، رئيسة الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيًا، بتاريخ 6 تشرين الأول 2025.

بعد مرور أكثر من عامين على العدوان الإسرائيلي، ومع بدء النقاشات حول إعادة الإعمار وإزالة الركام، لا يمكن التغافل عن إشكاليات القانون رقم 22 الصادر في تموز 2025 والذي منح المتضررين من الحرب إعفاءات من الضرائب والرسوم، وسهّل منح تراخيص البناء. كان الهدف المعلن من القانون تسريع عملية الإعمار وتمكين الناس من العودة إلى منازلهم، الاّ أن النص يغفل جوانب جوهرية في إعادة الإعمار والتعافي والتي قمنا بتفنيدها في تعليقٍ سابق، ومن ضمنها أن تكون عملية الإعمار دامجة تأخذ في الحسبان الأشخاص ذوي الإعاقة، الذين يشكّلون وفق الإحصاءات أكثر من 15% من السكان.

هذا الإغفال، الذي وصفته رئيسة الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيًا سيلفانا اللقيس بأنه “تكرار لنهج الدولة في تجاهل الإعمار الدامج”، دفع الاتحاد إلى التحرك الميداني والمؤسساتي عبر حملة “عمّر للكل”، التي أطلقت سلسلة من الاتصالات والزيارات إلى الجهات المعنية بمسار رخص البناء وإعادة الإعمار، من نقابة المهندسين إلى المديرية العامة للتنظيم المدني، ومجلس الجنوب، ومجلس الإنماء والإعمار، وصولًا إلى وزارات الداخلية والبلديات والشؤون الاجتماعية وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (UN-Habitat).

الرسالة التي وجّهها الاتحاد في حزيران 2025، عقب صدور القانون، لم تكتفِ بالنقد بل قدّمت اقتراحًا عمليًا بسيطًا: إضافة عبارة واحدة إلى المادة الثانية عشرة من القانون، تنصّ على “وجوب مراعاة المعايير الدامجة المتعلقة باحتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة” ضمن شروط إعادة الإعمار. هذه العبارة، رغم بساطتها، تحمل دلالات عميقة، إذ تُحوّل “الإعمار” من مجرد عمل هندسي إلى حقّ إنساني في الوصول والمشاركة.

وبعد أسابيع قليلة من حملة الاتحاد، تقدّم النائب قاسم هاشم باقتراح تعديل القانون نفسه في 24 تموز 2025، متضمّنًا العبارة عينها تقريبًا، وبأسباب موجبة مطابقة لتلك التي وردت في رسالة الاتحاد والتشديد على أنه لا يجوز حرمان فئة من المجتمع من بيئة هندسية سليمة تحترم حاجاتهم.

ورغم أنّ الاتحاد لم يتلقّ تأكيدًا رسميًا بكون التعديل نتيجة مباشرة لضغطه، إلا أنّ لقيس تعتبر أنّ ذلك “دليل على أن الجولة أثمرت”، مشيرةً إلى أن المقترح قد يكون وصل إلى النائب عبر إحدى الجهات الرسمية التي التقاها الاتحاد خلال جولاته. يتم مناقشة المقترح حاليا في لجنة الادارة والعدل بانتظار تحويله إلى الهيئة العامة.

ما المطلوب لتطبيق هذا التعديل؟

من هنا تظهر أهمية الضغط بشكل جماعي لإقرار هذا التعديل كخطوة أولى نحو تكريس عملية إعمار دامجة وعادلة. ولضمان تطبيق التعديل في حال إقراره، لا بدّ من توافر آليات تنفيذ واضحة ومتابعة مؤسسية مستمرّة. فإدراج المعايير الدامجة في النص القانوني يجب أن يُترجم إلى إجراءات رقابية ملزمة في كل مراحل التخطيط والتنفيذ والترخيص. وهنا تبرز الحاجة إلى جهة إشراف رسمية، سواء عبر لجنة متخصصة ضمن وزارة الأشغال أو من خلال وحدة متابعة داخل مجلس الإنماء والإعمار -والتي يرجّح أن تكون الجهة المشرفة على إعادة الإعمار- تكون مسؤولة عن التدقيق في التصاميم والمشاريع للتأكد من التزامها بالمعايير الدامجة، بالتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية واتحاد الأشخاص ذوي الإعاقة. كما من المهم أن تلعب البلديات ونقابة المهندسين دوراً في إرساء الالتزام بالمعايير الدامجة. ومن دون هذه المنظومة التنفيذية والرقابية، يبقى التعديل خطوة رمزية غير قادرة على إحداث التغيير المطلوب في الواقع العمراني. 

نحو تغيير في العقلية المؤسسية

لكن السؤال الأساسي يبقى: لماذا لا تزال سياسات الإعمار في لبنان، بعد كل ما مرّ به البلد من حروب وكوارث، عاجزة عن استيعاب مفهوم الإعمار الدامج؟

منذ حرب تموز 2006 إلى تفجير مرفأ بيروت عام 2020، تكرّرت الأخطاء نفسها. ولم يراعِ قانون إعادة الإعمار بعد حرب تموز الذي صدر متأخراً عام 2014، المعايير الدامجة أيضاً، فيما أظهر تقرير تدقيقي أعدّه الاتحاد بعد انتهاء الإعمار أنّ المدارس والمراكز الصحية وحتى المراكز الرسمية الجديدة بُنيت من دون تجهيزات تتيح الوصول إليها. وفي تجربة 2020، ورغم وجود إطار دولي تنسيقي (3RF)، غير أنّه “لم تُضبط المشاريع ولم يكن هناك سياسة واضحة تفرض الدمج، حتى من الجهات المانحة كالبنك الدولي”، كما تقول لقيس.

إنّ هذا التكرار ليس تفصيلًا إداريًا بل يعكس سياسة الإعمار في الدولة اللبنانية، التي ما زالت ترى في البناء فعلًا تقنيًا منفصلًا عن العدالة الاجتماعية. فحين يُستثنى ذوو الإعاقة من التصميم الهندسي للمدارس والمنازل والمراكز العامة، يُعاد إنتاج الإقصاء ذاته الذي يواجهونه في السياسة والعمل والتعليم والمجتمع ككل.

من هنا، يشكّل اقتراح تعديل المادة الثانية عشرة فرصة حقيقية لتصحيح هذا المسار. فإدراج “المعايير الدامجة” في النصوص القانونية لا يعني تعطيل الإعمار أو تعقيده، بل يُعيد تعريفه كعملية مجتمعية تشاركية، تضمن سلامة كل الفئات وتستند إلى القانون 220/2000 والمرسوم التطبيقي 7194/2011 اللذان يشكلان الإطار العام والضمانة القانونية المحلية لحقوق ذوي الاعاقة والاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي وقعها لبنان والتي تعد ضمانة دولية لحقوق هذه الفئة وتهدف الى تعزيز وحماية وكفالة تمتّع جميع الأشخاص ذوي الاحتياجات الإضافية تمتعاً كاملاً على قدم المساواة مع الآخرين بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية وتعزيز احترام كرامتهم.

لكن هذه الفرصة قد تضيع إن بقيت مقاربة الدولة شكلية أو ظرفية. فالإعمار الدامج ليس بندًا إضافيًا في دفتر الشروط، بل هو تغيير في العقلية المؤسسية، يتطلّب تدريب البلديات والمهندسين/ات، وتأسيس وحدة دائمة للدمج الهندسي ضمن الهيئات المشرفة على إعادة الإعمار مثل مجلس الانماء والاعمار، كما يقترح الاتحاد. كما يحتاج إلى ضغط حقيقي على الجهات المانحة الدولية التي ما زالت تموّل مشاريع من دون الالتزام بهذه المعايير.

في النهاية، وكما شدّدت لقيس، “الإعمار الدامج ليس مطلب فئة صغيرة، بل ضرورة وطنية”. فكلّ منزل أو مدرسة أو طريق غير مهيّأة هي مساحة جديدة للعزل والإقصاء. وفي بلدٍ يعيش على إعادة بناء نفسه مرارًا بعد كل عدوان أو انفجار، يصبح الإعمار الدامج شرطًا من شروط البقاء والكرامة، لا ترفًا هندسيًا.

وعليه، فإنّ تعديل المادة الثانية عشرة اليوم ليس فقط تصحيحًا قانونيًا، بل خطوة باتجاه عدالة عمرانية حقيقية، تُعيد تعريف الحق في المدينة على قاعدة المساواة في الوصول والاستخدام. فالإعمار الذي لا يشمل الجميع، هو في الحقيقة إعادة إنتاج للدمار نفسه، ولكن هذه المرة بأدوات رسمية.

إعادة الإعمار والتعافي ممارسات مكانية وحراك اجتماعي لبنان