- مقدمة عن هذا التقرير
- 1. جدول زمني للأحداث التي طبعت الواقع السكني بين تموز 2022 وحزيران 2023
- 2. عن البلاغات
- 3. انتهاكات الحق في السكن
- 4. الإخلاءات بأنماط مستجّدة
يوّثق هذا التقرير البلاغات التي تلقّاها “مرصد السكن” بين أوّل كانون الثاني من عام 2022 حتى آخر أيّار من عام 2023. في هذه الفترة تسارعت الأحداث خصوصاً على الصعيد السياسي والاقتصادي، وكان لها تأثيراتٍ اجتماعية مباشرة لاسيما على قطاع السكن. وقد ظهر ذلك بوضوح من خلال غزارة البلاغات التي تلقّاها المرصد، حيث وصل إلى المرصد 563 بلاغاً. غير أننا لم نقم بمتابعة كافة هذه الحالات، أو إدخالها إلى قاعدة البيانات الخاصة بالمرصد أو شملها في هذا التقرير وذلك لعدم إمكانية متابعة القضايا التي تحتاج لدعم خارج نطاق عملنا1 إنّ “مرصد السكن” يختصّ بمتابعة البلاغات الطارئة لحماية السكان من ممارسات التهديد والإخلاء والتي تستوجب تدخّلاً قانونياً، كشفاً إنشائياً ودعماً في الجهود المحلّية والتحرّكات الهادفة للضغط نحو كسب حقوق سكنية، ولا يتضمّن مساعدات مالية أو توفير السكن البديل.. بالتالي، تابع المرصد 154 بلاغاً من مجمل الحالات التي تلقّاها. ومن بين هذه البلاغات تمّ تحليل الظروف السكنية لـ 99 حالة. نتيجةً لذلك، نركّز في هذا التقرير على العلاقة بين الأحداث المتسارعة وعدد البلاغات التي تمّ رصدها، والتي فاقت بشكلٍ ملموس الأعداد المرصودة في التقارير السابقة. من خلال جدولٍ زمنيّ تفصيليّ وقراءة معمّقة للبلاغات، يشير التقرير إلى أنماط مستجدة من الإخلاءات والهشاشات السكنية، المتمثلة بتهديد سلامة سكان المباني المتصدّعة جراء زلزال تركيا، تهديد سكن اللاجئات\ين السوريات\ين نتيجة تقليص الدعم، الإخلاء التعسّفي المرتبط بالحملة التحريضية ضدّ اللاجئات\ين السوريات\ين، إخلاءات متفرقة بقيادة البلديات، وتفاقم الإخلاء الجماعي والتشرّد الناتج عن الإخلاء، وذلك نتيجة التحوّلات الاقتصادية.
١. جدول زمني للأحداث التي طبعت الواقع السكني بين تموز 2022 وحزيران 2023
يلخّص الجدول الزمني أعلاه مجموعة من الوقائع الملحوظة الحاصلة في الفترة الممتدّة من تموز 2022 حتى حزيران 2023، والتي يمكن توزيعها كما يلي: الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، الحملات التحريضية ضدّ اللاجئات\ين السوريات\ين، إضافةً إلى أحداث أخرى محلية وخارجية متعلّقة بقضية اللاجئات\ين السوريات\ين، أبرزها تقليص المساعدات النقدية من الـWFP والـUNHCR، حملة نقابة المالكين ضدّ المستأجرين القدامى لترسيخ اللغط القائم حول احتساب مدة السنوات التمديدية الـ9 لقانون الإيجارات من سنة 2014 وبالتالي تحرير عقود الإيجارات القديمة مع نهاية سنة 2023، وأخيراً أحداث متعلّقة بارتفاع بدلات الإيجارات وكلفة خدمات السكن مع بدء احتساب الضرائب وتعرفة فواتير الخدمات الأساسية على أساس سعر صرف منصة صيرفة.
وإذا ما وضعنا هذه الأحداث بحسب تسلسلها الزمني جنباً إلى جنب مع أعداد البلاغات التي وصلتنا شهرياً، نلاحظ مباشرةً أنّ أعداد البلاغات قد ارتفعت بشكلٍ ملحوظ في شباط 2023، وبلغ عددها 145 بلاغاً، وذلك بعد مرور شهر على توقف المساعدات النقدية من برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة (WFP) والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) لعدد من عائلات اللاجئات\ين السوريات\ين، ما ساهم في الحدّ من قدرتهم على تغطية الحدّ الأدنى من النفقات الأساسية، ومن بينها السكن. كما زادت البلاغات في شهر شباط، بعد الزلزال المدمّر الذي ضرب جنوب تركيا والشمال السوريّ، والهزّات الأرضية الإرتدادية التي شعر بها القاطنون على الأراضي اللبنانية يومي 6 و20 شباط وما بعدهما، حيث رصدنا عدداً من البلاغات المتعلّقة بوجود مبانٍ متصدعة وغير آمنة إنشائياً، ممّا دفع بعض سكانها إلى الخروج من المنازل إلى أجلٍ غير مسمّى، دون وجود بدائل سكنية مضمونة.
انخفضت البلاغات في شهر آذار إلى 101 بلاغ بالرغم من أنّها بقيت متفوّقة بشكلٍ كبير على شهري كانون الأوّل من عام 2022 (15 بلاغاً) وكانون الثاني من عام 2023 (16 بلاغاً)، حيث كان معدّل البلاغات مماثل للمعدّل الشهري في التقارير السابقة. مرّةً أخرى، وفي بداية شهر نيسان، عادت أعداد البلاغات وارتفعت بشكلٍ ملموس، ووصلت إلى 227 بلاغاً. ثمّ عادت وانخفضت في شهر أيّار لتصل إلى 59 بلاغ. وقد كان واضحاً أنّ سبب ارتفاع الأرقام، يتعلّق بالحملة التحريضيّة التي نفذتها الجهات الرسمية ضدّ اللاجئات\ين السوريات\ين والتي ترافقت مع عمليات المداهمة الأمنية والترحيل القسري التي قامت بها الجهات الأمنية في مختلف أنحاء البلاد منذ بداية نيسان، إضافةً إلى الحملات الإعلامية التي ركزّت على التأثير السلبي للاجئات\ين السوريات\ين على لبنان ووضعت على كاهلهم مسؤولية الانهيار الاقتصادي والأزمات التي طالت قطاع الكهرباء، السكن، المياه، والنفايات، إلخ. كما تزايدت في كل هذه الفترة الإخلاءات الجماعية التي طالت مبانٍ بكاملها. وساهمت عوامل أخرى في زيادة تكاليف السكن، ممّا أدّى إلى ارتفاع إضافيّ في أعداد البلاغات.
٢. عن البلاغات
من بين البلاغات الـ 563 التي تلقاها “مرصد السكن” في الفترة التي يغطيها هذا التقرير، قمنا بتوثيق ومتابعة 154 حالة2تنوّعت مصادر البلاغات التي تلّقها المرصد، وهي: 135 عبر الخط الساخن، 6 عبر فريق المرصد على الأرض، 6 عبر مجموعات/أفراد متعاونين مع المرصد، 3 عبر مواقع التواصل الإجتماعي، 3 عبر استمارة تبليغ الكترونية، و1 عبر البريد الالكتروني للمرصد.، بلغ عدد الأفراد المتأثرين فيها 777 شخصاً. وقد طالت هذه التهديدات بشكلٍ خاص العائلات (145 عائلة3 114 عائلة نواة و31 عائلة موسعة.)، ما انعكس بشكلٍ مباشر على الفئات العمرية المتأثّرة بالتهديدات بحيث بلغت نسبة الأطفال دون 3 سنوات والأولاد بين 3 و17 سنة حوالي الـ 50.96% من مجمل الأفراد المتأثرين، مقابل 46.84% للبالغين بين 18 و64 سنة و2.2% للمسنين فوق 64 سنة. ومن بين الفئات الأكثر هشاشة التّي تمّ رصدها، ثمة 26 شخصاً من ذوي الاحتياجات الخاصة (3.35%) و66 شخصاً من ذوي الأمراض المزمنة (8.5%). كذلك، تمّ رصد 42 امرأة تعيش وحدها أو مع أولادها (5.4%)، و5 حالات لأمهات قاصرات، و39 حالة لأولاد دون الـ 15 سنة يعملون (5%).
فيما خصّ التوزيع الجغرافي للبلاغات فقد جاءت النسبة الأعلى من بيروت بمعدل 14.9%، وقد جاءت طرابلس في المرتبة الثانية بعد بيروت، بنسبة 13.6%، في ظلّ ورود بلاغات متعلّقة بتهديدات انهيار مبانٍ سكنيّة بعد زلزال تركيا، إضافةً إلى وجود حالات إخلاء جماعي.
بعد بيروت وطرابلس، وصلتنا، بنسبٍ بارزة، 7 بلاغات في كلٍّ من الشياح وبرج حمود، إضافةً إلى 6 بلاغات من برج البراجنة. وقد توزّعت البلاغات بشكلٍ متفرق بين الأقضية اللبنانية، وكان أبرزها في زحلة (28 بلاغ)، بعبدا (17 بلاغ)، المتن (15 بلاغ)، عكار (12 بلاغ) والمنية-الضنية (9 بلاغات). وقد كانت البلاغات الآتية من خارج بيروت وجبل لبنان ذات أغلبية من الجنسية السورية. بينما انقسمت البلاغات من بيروت وجبل لبنان بين الجنسية السورية واللبنانية.
ونظراً للإجراءات المختلفة التي طالت اللاجئات\ين السوريات\ين، إن كان بسبب تقليص الدعم المقدّم من المنظمات الدولية أو بسبب الحملة التحريضية ضدّهن\م، وخلافاً للتقرير السابق، جاءت النسبة الأعلى للحالات المتأثرة من الجنسية السورية (66.88%)، تليها الحالات المبلّغة من اللبنانيين/ات (29.87%).
بالنسبة لطريقة الوصول إلى السكن، فقد بلغت نسبة البلاغات المتعلّقة بإيجارات جديدة 83.1%، وهو النوع الأكثر انتشاراً في هذا التقرير كما في التقارير السابقة. بينما توزّعت النسبة الباقية على الإيجار القديم (5.8%)، ملك (4.5%)، إيجار في مخيمات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (3.9%)، إضافةً إلى سكن مقابل عمل، وإيواء مؤقت لدى معارف. وبينما تعيش معظم الحالات في شقة أو بيت مخصص للسكن (84.4%)، قد نجد حالاتٍ تقطن في أماكن غير مخصصة للسكن أبرزها مستودع (5.8%) أو خيمة غير ثابت (4.5%).
٣. انتهاكات الحق بالسكن
اعتماداً على 99 حالة تمّ توثيق ظروفها السكنية بحسب المعايير والخصائص التي وضعتها لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
أمن الحيازة القانوني
مازال انتهاك معيار أمن الحيازة القانوني مستمراً بمعدلات مرتفعة (74.22% في التقرير السابق، 87.88% في هذا التقرير). فقد بلغت نسبة المستأجرين ذوي العقود الشفهية 65.66%. وفي 45.45% من الحالات، يطلب المؤجر الإخلاء قبل انقضاء مهلة العقد. في الوقت ذاته، تفاقمت نسبة الحالات التي تواجه زيادات مستمرة لبدلات الإيجار وعلى نحو غير معقول، نتيجةً لرفع سعر الصرف من 1,507 إلى 15,000 ألف ليرة لبنانية وبدء اعتماد سعر منصّة صيرفة، بحيث يواجه 56.57% من المستأجرين تغييراً في سعر الإيجار المحدد في العقد أو المتفق عليه عند الاستئجار. بالمقابل، يواجه 37.37% مضايقات أو ممارسات تعسفية، كما تمّ تقييد حرية 4.04% من المبلّغين عبر استخدام المسكن.
الصلاحية للسكن
على إثر الزلزال الذي ضرب تركيا في شباط 2023، وتضاعف الحالات التي بلّغت عن سكنها في مبانٍ غير آمنة إنشائياً نتيجةً لهذا الزلزال، كان لا بدّ من ارتفاع مدى انتهاك معيار صلاحية السكن من 65.6% بحسب التقرير السابق، إلى 87.88% في هذا التقرير. بالفعل، كانت نسبة الحالات التي تسكن في مبنى غير آمن إنشائياً 44.44%. كما ترتفع بشكل ملفت نسبة الحالات التي تسكن في وحدة سكنية غير مجهزة ضدّ النش ويتفشى فيها العفن والحشرات (71.72%). كذلك، يسكن 39.39% من الحالات في وحدة سكنية مكتظة، حيث يُجبر المزيد من الأفراد على مشاركة السكن ليتمكّنوا من تحمّل المصاريف. ويتعرّض محيط السكن المباشر لـ 37.37% من الحالات لخطر من الملوثات4 بالقرب من إحدى الصناعات التي تشكل خطراً على السلامة العامة، أو بسبب تكدس النفايات بشكل دائم أو متكرر بالقرب من المسكن أو بسبب وجود مولدات كهرباء في الجوار..
القدرة على تحمّل التكاليف
ارتفعت نسبة انتهاك هذا المعيار من 67.5% في التقرير السابق، إلى 93.94% في هذا التقرير، في ظلّ ارتفاع تكاليف السكن على أنواعها من قيمة بدلات الإيجار وصولاً إلى الخدمات الأخرى المتعلقة بالسكن، ونتيجة للدولرة التي لحقت كافة القطاعات الاقتصادية. فقد بلغت نسبة المبلّغين الذين يدفعون نصف مدخولهم أو أكثر للسكن 50.51%. وقد صرّح 46.46% من المبلغين عن عدم قدرتهم على تحمل نفقات السكن بشكل منتظم. بينما اعتمد 65.66% على أساليب غير ملائمة لهم لتأمين كلفة السكن. وتتقاطع هذه الأرقام، مع أرقامٍ أخرى لدراسات اجتماعية/ اقتصادية. فبحسب موقع صفر، “يرزح ثلاثة أرباع الأسر تحت ثقل الفقر المتعدد الأبعاد الذي لا يقتصر على الدخل وإنّما يطال الصحة والتعليم والسكن والعمل”. بما ينبئ بأزماتٍ متفاقمة تطال قطاع السكن دون أن تقف عنده.
توافر الخدمات والمرافق والبنى التحتية
يفتقد المبلّغون للحد الأدنى من المقومات والخدمات الأساسية التي تجعل المنازل قابلة للسكن. فلا تتوفّر عند 70.71% من المبلغين الطاقة اللازمة للطهي والتدفئة والإنارة، ويفتقد 26.26% منهم إلى التدفئة. أمّا فيما يتعلّق بتوفّر المياه، فقد بلغت نسبة الحالات غير الموصولة بشبكة مياه الدولة 23.23%، ويفتقر 13.13% منهم للمياه الصحية أو النظيفة. بينما صرّحت 12.12% من الحالات عن الافتقار إلى مصادر بديلة عندما لا تتوفر مياه الدولة. يُضاف إلى ذلك، وجود حالات تفتقد إلى الأثاث البسيط (28.8%)، أو التجهيزات لتخزين المأكولات أو طهيها (14.14%).
الموقع
تبيّن نسب الانتهاك الحاصل على صعيد هذا المعيار، والتي يتعلّق معظمها إمّا بالسكن في مواقع معرّضة للتلوّث والمخاطر الطبيعيّة، أو لمواقع يتمّ فيها تشويه علاقة السكان بمحيطهم، وجود عدد من الإشكاليات المتعلقة بتنظيم استخدام الأراضي5 إن كان من ناحية السماح بالبناء في منطقة معرضة للمخاطر الطبيعية، أو وضع مرافق ملوّثة كالمطامر والمعامل بالقرب من المناطق السكنية والاستمرار باستخدمها دون مراعاة المعايير الصحية اللازمة، أو اعتماد سياسات لتصنيف الأراضي وتحديد استثمارات تساهم بتدمير البيئة العمرانية في المناطق التراثية أو غير التراثية لمصلحة تجار البناء والمطورين العقاريين.. فقد بلغت نسبة المبلّغين الذين يقع مكان سكنهم ضمن منطقة ملوّثة أو خطيرة6 موقع يعرّض سكانه للخطر بسبب عوامل طبيعية (وقوعه بمحاذاة البحر/النهر معرض للطوفان، وقوعه على جرف معرّض للانهيار… )، أو بسبب سوء التنظيم (على طريق سريع دون ولوج آمن، في المحيط الحيوي للمطار)، أو بسبب وجود مصادر ملوّثة (معمل توليد كهرباء، مطمر، مقلع، كسارة، أو غيرها). 38.38%. بينما يسكن 36.36% من الحالات المبلّغة في أحياء يتم فيها تشويه علاقة السكان بمحيطهم، يشمل ذلك الأحياء التي تتعرّض للهدم أو المضاربة العقارية أو لمشاريع كبرى7 إن كان بسبب وجود مباني مهجورة أو خالية، أو مشروع تطوير عقاري يهدد المنطقة، أو مشروع عام/ مخطط رسمي، أو موجة شراء عقارات، أو وجود/ حصول عمليات هدم. ، وهو ما يدمّر النسيج العمراني، وينبئ بموجات إخلاء قد تتفاقم مستقبلاً في هذه الأحياء.
الملائمة من الناحية الاجتماعية والثقافية
ما زال انتهاك هذا المعيار يشهد نسباً مرتفعة للغاية (96.3% في التقرير السابق، 93.94% في هذا التقرير). ما يبيّن وجود خلل بنيويّ فيما يتعلّق بالحقّ في حرية التعبير عن الهوية الثقافية والاندماج الاجتماعي، الحقّ في حرية تكوين الجمعيات أو اللجان المحلية، والحقّ في المشاركة في اتخاذ القرارات العامة، وهي حقوق مرتبطة مباشرةً بالحقّ في السكن اللائق. هكذا، عبّر 82.8% من المبلغين عن أنّهم غير قادرين على الانخراط في إطار تنظيمي محلي8 لعدم وجود لجان مبنى أو حيّ أو عدم إمكانية الانخراط في هذه اللجان إن وُجدت.، ولم يستطع 19.19% منهم نسج علاقات ودية مع المحيط. كما صرّح 69.7% منهم عن عدم القدرة على المشاركة في التمثيل المحلي9 بسبب “نظام القيد” المتّبع في لبنان حيث ترتبط المسارات التمثيلية الرسمية في لبنان بمكان القيد لا مكان السكن وتسديد الضرائب..
تلبية الحاجات
فيما خصّ تلبية احتياجات كبار السن والمعوّقين، فقد بلغت نسبة الأشخاص معوّقين حركياً المتأثّرين بالتهديدات على مستوى السكن، والذين يسكنون في مسكن غير ملائم لحركتهم 30%. كما أكدّ 10% منهم أنّهم تعرّضوا للتمييز خلال عملية البحث عن السكن. بالمقابل، اعتبر 55.56%، من كبار السن المتأثّرين بالتهديدات على مستوى السكن، أنّهم يسكنون في مسكن لا يتلاءم تماماً مع احتياجاتهم، حيث يكون المبنى غير مجهّز بمصعد أو درج ملائم لحركة المسنّين. فغالباً ما لا يؤخذ بالحسبان التنوّع في احتياجات الناس ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السنّ، خصوصاً في المباني القديمة وفي المناطق التي تتّصف ببيئة مبنية متدهورة.
٤. الإخلاءات بأنماط مستجّدة
توثّق بلاغات مرصد السكن حجم الإخلاء ونطاقه. نبدأ أوّلاً بتحليل كمّي لها، ثم ننتقل إلى تحليلها بشكل معمّق وفقاً للأنماط الرئيسية المرصودة للإخلاءات التي جاءت نتيجةً للأحداث المتسارعة التي استعرضناها في الجدول الزمني.
قد قمنا بتتبّع 99 طلب إخلاء، 95 منها لحالات جديدة و4 منها لتهديدات سابقة. في المقابل، تمّ رصد 24 حالة إخلاء منفّذ، 6 منها لبلاغات جديدة و18 منها لتهديدات السابقة. تعتبر هذه الأرقام مرتفعة جداً مقارنةً بالتقرير السابق حيث بلغ عدد الإخلاءات المنفّذة 13 حالة، مع العلم أنّ التقرير السابق وثّق الحالات على امتداد 9 أشهر مقابل 6 أشهر لهذا التقرير. ما يشير إلى تفاقم تدريجيّ في حالات الإخلاء المنفّذة. يُذكر أيضاً أنّ 12 حالة من الحالات المهدّدة، كانت قد واجهت إخلاءات سابقة خلال السنة الفائتة.
جاءت النسبة الأعلى من طلبات الإخلاء من خلال طلب إخلاء شفهي في 82 حالة، مقابل 16 حالة كان فيها طلب الإخلاء مكتوباً، مع وجود دعوى قضائيّة واحدة. في حين يعتبر القانون أن الإجارة تنتهي حتماً عند حلول أجل العقد دون الحاجة إلى الإنذار أو طلب التخلية، عندما يكون العقد ذو تاريخ وأجل محدد بشكل واضح وصريح. وفي حال العقد غير محدد المهلة، كالعقد الشفهي-كما هو الحال بالنسبة 65.66% من مجمل الحالات المرصودة التي تمّ تحليل ظروفها السكنية – يتحتّم على المؤجّر إبلاغ المستأجر برغبته في إنهاء العلاقة التأجيرية بالإنذار قبل انقضاء مدّة العقد، وإلّا ظلّ العقد يتجدّد بنفس الشروط10 موجبات وعقود مادة 592. كما يتوجّب على المؤجّر إمهال المستأجر مدّة مقررة عرفاً لا تقل عن شهرين تسري من تاريخ طلب التخلية، من حيث أفضليّة -بالنسبة للمالك كالمستأجر- أن يكون الإنذار مكتوباً.
وفيما كانت الجهة الطالبة للإخلاء في معظم الحالات متمثلة بالمالك (72 حالة)، برزت البلدية كجهة رسمية طلبت الإخلاء في ثلاثٍ من الحالات، وهو ما سنتناوله بالتفصيل لاحقاً. وفي هذه الحالات الثلاث كانت البلدية هي أيضاً الجهة التي بعثت الإنذار الخطيّ، مع العلم أنّه لا يمكن للبلدية طلب الإخلاء وتنفيذه إلا في حالاتٍ محدودة للغاية ينصّ عليها القانون. كما رُصدت حالة واحدة كانت فيها الجهة الباعثة للإنذار الخطي متمثلة بمخفر بالرغم من كون المخافر جهة غير صالحة للتدخل في النزاعات المدنية.
ونعود هنا ونأكّد أن الجهة الصالحة لإصدار وتنفيذ قرارات الإخلاء هي المحاكم المدنية.
وقد ترافقت طلبات الإخلاء في العديد من الحالات مع ممارسات تعسفية مختلفة، أبرزها التعدي اللفظي (5 حالات)، أو التعدي الجسدي أو التهديد به (4 حالات)، عرض المؤجر للوحدة على مستأجرين جدد (4 حالات)، التهديد برمي الممتلكات خارج المنزل أو الحجز عليها (3 حالات)، رفض تسلم الإيجار، الكسر أو دخول المنزل عنوة (حالتين)، قطع الخدمات(حالتين)، وغيرها؛ أو حتّى عدّة ممارسات تعسفيّة معاً، وهو ما يطال عادةً الفئات الأكثر هشاشةً.
يُذكَر فيما خصّ الحالات المرصودة التي نُفّذ فيها الإخلاء، إجبار بعض العائلات التي تمّ إخلاؤها على التشتّت واضطرارها للتوزّع بشكلٍ مؤقت عند عددٍ من الأقارب أو الأصدقاء. كما يُذكر تعرّض ثلاث حالات للتشرّد على إثر الإخلاء وحالة واحدة اضطرت على الانتقال إلى ملجأ أو مأوى تابع لمؤسسة. كذلك لم تستطع سوى 6 حالات أن تنتقل ضمن الحي نفسه، بينما أُجبرت الحالات الأخرى على الإنتقال إمّا إلى حيّ آخر ضمن المدينة ذاتها (13 حالة)، أو إلى خارج المدينة ضمن الضواحي (4 حالات) أو حتّى إلى قرى أبعد (حالة واحدة). تظهر هذه الأرقام أنّ معظم الحالات التي يتمّ إخلاءها لا تستطيع البقاء في الحيّ نفسه، ما يساهم في معظم الأحيان في قطع علاقاتها الإجتماعية والاقتصادية مع الحيّ الذي سكنته سابقاً. كما نشهد بشكلٍ متزايد حالات من الإخلاء التي تؤدي إلى تشرّد، وهو ما سنتناوله بالتفصيل فيما بعد.
كما ذكرنا سابقاً، سنركّز فيما يلي على 5 أنماط رئيسية للإخلاءات، إضافةً إلى تدخلات “مرصد السكن” في كلٍّ منها.
٤٫١. زلزال تركيا وتداعياته على المباني المتصدّعة
يشمل هذا التقرير الفترة التي تلت الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، والذي كانت له تداعيات على لبنان، وبالتالي على الأبنية المتصدّعة والبنى التحتية المهملة في عدد من المناطق اللبنانية، أبرزها مدينة طرابلس. فقد فاقم الزلزال خطر انهيار المباني، ليضع آلاف السكّان تحت تهديد الإخلاء والتشرّد.
وصل إلى “مرصد سكن” بلاغات حول مبانٍ غير آمنة إنشائياً قبل حدوث الزلزال، كما وصل بلاغات عن سكان غادروا منازلهن/م في مدينة طرابلس بعده، وهن/م خائفات/ون من العودة إلى منازلهن/م علّها تكون غير آمنة إنشائياً. كما انتشرت أخبار عن وجود مبانٍ متصدعة في مناطق متعددة كالنبعة وغيرها.
بلغ عدد الحالات التي تمّ متابعتها، وهي متعلّقة بمبانٍ غير آمنة إنشائياً، 14 بلاغاً أغلبها من طرابلس11 12 حالة من طرابلس، حالة واحدة من الميناء وحالة واحدة من المنية.. يقع العديد من هذه المباني في محيطٍ متدهور12 في زقاق مهمل، بالقرب من أبنية متصدعة أو قديمة أو معرضة للانهيار، أو ملاصقة لمبنى تمّ هدمه، إلخ.، وقد تمّ تشييدها في فتراتٍ مختلفة، غير أنّ معظمها بني قبل عام 197513 تمّ بناء مبنيين قبل عام 1920، 5 مبانٍ بين عامي 1920 و1955، 3 مبانٍ بين عامي 1955 و1975، مبنى واحد بين عامي 1975 و1990، مبنيين بين عامي 1990 و2010، ومبنى واحد بين بعد عام 2010.. تعرّضت أكثرية هذه المباني (10 مبانٍ) لضرر سابق بسبب سنوات الحرب والمعارك. كما لم تطَل أياً منها أي عملية صيانة، ترميم، أو تدعيم إنشائي سابقاً. يتمثّل الخطر الإنشائي الذي يهدّد هذه المباني بوجود نش وتسرب للمياه (6 حالات)، أو ضرر في الأسقف (9 حالات)، أو ضرر في الحيطان والجسور الحاملة، والأعمدة (9 حالات)، أو ضرر في درج المبنى (6 حالات)، إلخ. كما تبيّن وجود مبناً يعاني من هبوط أو ميلان في بعضٍ من عناصره.
تفضحُ هذه الانهيارات المتكرّرة والمترافقة مع تهجير السكّان وتزايد أعداد المباني غير الآمنة إنشائياً، تقاعس الدولة اللبنانية عن تأمين بيئةٍ عمرانيةٍ آمنةٍ للعيش، وعن متابعة موضوع السلامة العامة في البناء، كما تُظهر كيف أن السكّان الأكثر هشاشة هم ضحية الأطر التي ترعى المشهد العمراني عموماً، والشروط السكنية بوجهٍ خاص (للمزيد عن الانهيارات المتكرّرة لمباني طرابلس يُرجى الاطلاع على: طرابلس «مدينة أثرية» على حساب سكانها، طرابلس ومبانيها المهدّدة: نقابة المهندسين تقدّم توصيات، فهل تبقى حبراً على ورق؟، البلدية كانت تعلم: عن مسؤوليات الجهات الرسمية بعد انهيار مبنى في طرابلس). فمن ناحية الإجراءات الرسمية المتّخذة بعد الزلزال، تواصل وزير الداخلية مع البلديات لإعلان حالة طوارئ وإجراء مسح بالأضرار الناتجة عن الزلزال على أن يتم العمل على تدعيمها. كما أصدر رئيس مجلس الوزراء الخطة الاستباقية الوطنية خلال الكوارث والأزمات، التي بقيت فعلياً حبراً على ورق.
مع اشتداد الانهيار الاقتصاديّ في لبنان، والذي تتضاعف تبعاته على الفئات الأكثر هشاشةً، يتدهور وضع المساكن بشكلٍ مستمرّ، وتتناقص القدرة على ترميمها وتصليحها. يطرح هذا الواقع إشكالية متعلّقة بتدهور البيئة العمرانية وقدرة المباني المتصدّعة أصلاً على تحمّل تبعات الكوارث الطبيعية، وما لذلك من عواقب على حياة قاطنيها وتهديد لهم في ظلّ عدم توفّر سكن بديل، وفي ظلّ وجود قوانين للسلامة العامة لا تلحظ الأبنية القديمة والأحياء التاريخية، وتُبقي مسؤوليات الصيانة والترميم ضبابية.
تدخّلات المرصد
بعد انهيار مبنى في طرابلس في أواخر شهر حزيران من السنة الفائتة، وصل عدد من التبليغات14 إن كان ذلك عبر الخط الساخن وعبر نزول فريق المرصد على الأرض لرصد هذه الحالات. إلى “مرصد سكن” حول مبانٍ غير آمنة إنشائياً، تزايد عددها بعد حصول الزلزال. فكان لا بدّ من التأكّد من سلامة هذه المباني، ومن كونها آمنة للسكن ولا تشكل خطراً على حياة قاطنيها. نتيجةً لذلك، قام المرصد بالتنسيق مع مهندس\ة إنشائي\ة لإجراء مسح إنشائي لهذه المباني، بحيث قام\ت المهندس\ة بزيارة هذه المباني لتنفيذ الكشف الفني الأوّلي عليها، للتحقّق من سلامتها – وهو كشف بصري لتحديد الوضع والحاجة إلى كشوفات أخرى. وتمّ إصدار تقارير تشمل فهماً لمدى سلامة المباني، والحلول الممكنة و/أو التوصيات و/أو الإرشادات للدعم الإنشائي، تراعي مبدأ الحفاظ على المباني وتأهيلها، بدلاً من هدمها في حال كانت غير آمنة. وذلك انطلاقاً من قناعة مفادها أنّ كل مبنى قابل للتأهيل، مع مراعاة العوامل المادية والعمرانية والاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى تلك السياسية المتمثّلة بغياب البدائل في حال الهدم. تعتبر هذه التقارير التي يتمّ إرسالها إلى القاطنين في هذه المباني، أساساً تسمح لهم بالدفاع عن سلامتهم، عبر الضغط على الجهات المعنية.
في هذا الصدد، يُذكر أيضاً إنشاء “لجنة الحق بالسكن في طرابلس” المؤلفة من المتضررين والناشطين المحليين، على إثر اجتماع سابق للزلزال لسكان بلّغوا عن مشاكل إنشائية تعاني منها مساكنهم في أحياء ضهر المغر والميناء. تعمل هذه اللجنة، التي لا تزال في طور النمو وتطوير برنامج عملها واستراتيجيتها، على متابعة العمل على قضية تدهور البيئة المبنيّة في الأحياء التاريخية لطرابلس وسُبُل مساءلة الجهات المعنية.
٤٫٢. تقليص الدعم للاجئات\ين السوريات\ين وتهديد سكنهم
أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR، في تقريرٍ صادرٍ في شهر أيلول 2022 عن نقص حاد في التمويل، أوقفت على ضوئه دعمها لـ 63,883 أسرة سورية ابتداءاً من كانون الثاني 2023، ، فيما الدعم مازال مستمرّ لـ 208,166 أسرة وأُدرجت 21,682 أسرة جديدة لم تكن تتلّقى الدعم سابقاً. يأتي هذا النقص، بحسب المفوضية، نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة النزوح المتعلّقة بها، إضافةً إلى سيطرة طالبان عام 2021 على أفغانستان والفيضانات المدمرة التي ضربت في باكستان، وأخيراً الزلزال المفجع الذي ضرب تركيا.
وقد لمسنا وبشكل مباشر تداعيات توقّف هذا الدعم، حيث وصل إلى مرصد السكن بين 24 شباط و24 آذار 2023، 146 بلاغاً15 لم تدخل كافة هذه البلاغات إلى قاعدة البيانات الخاصة بالمرصد، ولم يتمّ شملها وتحليلها في الأجزاء السابقة من هذا التقرير لعدم إمكانية متابعة القضايا التي تحتاج لدعم خارج نطاق عملنا، كما ذكرنا سابقاً.، بينها 88% لأسر سورية بلّغت عن عدم قدرتها على دفع الإيجار و/أو عن كونها مهددّة بالإخلاء. وقد توزّعت البلاغات بين محافظات جبل لبنان (39.5%)، البقاع (17%)، الشمال (16.2%)، بعلبك الهرمل (10.8%)، وعكار (7.7%)، وسجّلت منطقتي برج حمود والنبعة (17%) تليهما مدينة طرابلس (9.3%) النسب الأعلى من البلاغات، وهي مناطق مهمّشة أصلاً، وتأوي حالياً السكان من ذوي الدخل المحدود والطبقة العاملة من جميع الجنسيات. وقد ذكر بعض منهم أن سبب هذه الهشاشة السكنيّة المستجدة هو توقّف الدعم الذي تتلقاه الأسر من المفوضية، والذي كان يساهم في تغطية الحدّ الأدنى من نفقات الأسر الأساسية، ومن بينها السكن.
مع اشتداد الأزمة الاقتصادية، يساهم قرار من هذا النوع بتدهورٍ إضافيّ في حياة الأسر السورية ويزيد من تهميشها، ويعرّضها إلى الفقر المدقع والعوز، ويهدّد أمنها الغذائي والسكنيّ، ويعرّضها للمزيد من الاستغلال؛ مع العلم أنّ تسعة من 10 لاجئات\ين يعيشون أصلاً في فقر مدقع، وأنّ 96% منهم يعانون من انعدام الأمن الغذائي وهن\م غير قادرين على الوصول إلى الخدمات الأساسية.
وفي ظل تغيّر العلاقات بين الدول الذي بات واضحاً مع استعادة سوريا عضويتها في جامعة الدول العربية ومؤتمر بروكسل السادس حول “دعم مستقبل سوريا والمنطق” الذي ينظمه الاتحاد الأوروبي، وتبدّل الصراعات الإقليمية ليصبح أحدها أقلّ أهمية من غيرها بالنسبة للدول الكبرى، نشهد في الوقت عينه، كيف تنخفض قيمة حياة الناس وحقوقهن\م، في عين المنظمات الدولية.
تدخّلات المرصد
لم يكن التدخل القانوني لدعم اللاجئين السوريين المبلّغين، والذي اتّخذ بمعظمه شكل إعطاء المشورة القانونية، كاف بحد ذاته، نظراً للظروف الصعبة التي يمر بها أصحاب هذه الحالات من إنعدام للأمن الغذائي والمالي إضافةً للسكني، الأمر الذي استوجب قيام المرصد بإحالة العدد الأكبر من الحالات إلى جمعيات تقدّم أنواع أخرى من الدعم (مادي، طبّي، غذائي)، توازياً مع تقديم الدعم القانوني. حوالي 54٪ من المبلغين فقط طلبوا الحصول على الدعم القانوني، وقد عاد حوالي 41٪ منهم ورفضوا أدوات المرصد القانونية، مشككين بقدرتهم من الاستفادة من نفس الضمانات والحماية التي يقدمها القانون للمستأجرين اللبنانيين، مفضّلين أن يتم إحالة ملفاتهم إلى جمعيات أخرى تقدم مساعدة مالية. كمّا عبّر معظمهم عن تخوّف من ردّة فعل المؤجر، في حال لجوئهم للقانون.
أمّا الدعم القانوني، فقد ارتكز بشكل أساسي على تعريف المبلّغين بحقوقهم كمستأجرين، وإرشادهم حول كيفيّة توثيق إيجاراتهم وضمانها، والتأكيد بأن غياب العقد المكتوب لا يجيز للمؤجر تعديل الإيجار بشكل فردي وطلب الإخلاء دون اتباع الإجراءات القانونية اللازمة.
شجّع المرصد المبلّغين على تفاوض جماعياً مع جيرانهم الذين يواجهون نفس التهديدات من نفس المؤجر، ونجح السكّان في التوصّل إلى حل وسطي مع المالك، يرضي الطرفين.
وفي الحالات التي استوجبت تدخّل المرصد المباشر، جرى التفاوض مع المالكين إمّا عن طريق محامٍ متطوع في لجنة المحامين للدفاع عن الحق بالسكن، أو من قبل عامل\ة ميداني\ة، ونجح المرصد في عدد من الحالات بوقف الإخلاء وإمهال المستأجر مدّة معقولة لتأمين كسر الإيجار المتوجب عليه، أو حتى إقناع المؤجر بالتنازل عن جزء من الدين المتوجب له مقابل تسديد الجزء الثاني .
٤٫٣. الحملة التحريضية ضدّ اللاجئات\ين وإخلاء محافظ بيروت لمبنى الدنا
منذ بداية العام الحالي ارتفعت نبرة الخطاب العنصري والحملات التحريضية ضدّ اللاجئات\ين السوريات\ين والتي يعتبرها البعض جزءاً من سياسة الابتزاز التي تعتمدها السلطة اللبنانية مع المجتمع الدولي للمطالبة بزيادة الدعم المالي خصوصاً بعد تقليص الدعم النقديّ للاجئات\ين السوريات\ين الذي أشرنا له سابقاً.
تقوم السلطات اللبنانية، بشكل يومي وكجزء من هذه الحملة الممنهجة، – كما كان واضحاً في الجدول الزمني الوارد في بداية هذا التقرير – بالتعدي على حقوق اللاجئات\ين المكانية، من خلال فرمانات منع التجول وحملات تعداد اللاجئات\ين في الأحياء التي أطلقتها العديد من البلديات بتكليف من وزارة الداخلية، والتي ساهمت في تقييد حركتهن\م، وتهجيرهن\م من منازلهم، أو الذهاب إلى مدارسهن\م، واستكمال حياتهن\م بشكل طبيعي، كما من خلال تغيير مكان عيشهن\م وترحيلهن\م من لبنان إلى سوريا.
هذا وقد دفعت العنصرية تجاه السوريات\ين في لبنان، نائب القوات اللبنانية فادي كرم، إلى اقتراح قانون معجّل مكرّر يرمي إلى “منع أي شكل من أشكال الدمج أو الإندماج الظاهر أو المقنّع للنازحين السوريين الموجودين في لبنان جرّاء الثورة السورية”. وقد مارست وزارة الداخلية ضغوطات مستمرة على مفوضية اللاجئين لتقديمها المعلومات عن اللاجئات\ين في لبنان.
وأخيراً، تظهر مداهمات شرطة البلدية والقوى الأمنية، لبيوت أو مخيمات يسكنها اللاجئات\ون، وطردهن\م منها، في خرق فاضح للحق في السكن، بما أن الحجة القانونية لهذه المداهمات وممارسات الطرد، مبنية على جنسية السكان أو حالتهن\م القانونية. ففي 19 أيار، حصلت مداهمة برئاسة محافظ بيروت شخصياً وبمؤازرة من فوج حرس بلدية بيروت، لمبنى في منطقة النويري- المزرعة، أجرى فيها إخلاءاً لسكان مبنى بكامله (“مبنى الدنا”) واضعاً عليه الأختام، بحجّة أن المبنى “مُستثمرٌ دون ترخيص ومشغول من قبل أشخاص من التابعية غير اللبنانية، ولا يستوفي شروط السلامة العامة والحماية من المخاطر والحريق والشروط الصحية، ممّا يشكّل ضرراً وإزعاجاً كبيراً وخطراً داهماً على المحيط والجوار.” علماً بأن لا أحد ممّن كانوا يسكنون المبنى من عائلات أو عمّال سوريون شباب، يملكون بديلاً لمساكنهم.
وإذا ما نظرنا إلى في تفاصيل هذه الحالة والإشكاليات العديدة المتعلّقة في الحجج الباطلة التي اعتمد عليها المحافظ (للمزيد حول تفاصيل القرار وإشكالياته يُرجى الاطلاع على: محافظ بيروت يُخلي ويشرّد سكّاناً خلال جولته الاستعراضية)، بدا واضحاً أنّ المحافظ قد ارتكب عدّة مخالفات بقراره إغلاق “مبنى الدنا” وانتهك بوضوح مرسوم السلامة العامة، وقانون البناء، وآليات الإخلاء المحدّدة فيه وغيرها من المراسيم، وشرّد السكان بقرار جائر دون سابق إنذار، ودون منحهم أي مهلة، أو إعطائهم ولو فرصة لاستلام أمتعتهم الشخصية التي حُجزت داخل المبنى بعد إغلاقه بالشمع الأحمر، بتصرّف ميليشياوي أكثر منه قانونياً.
يشير هذا القرار بوضوح إلى التمييز العنصري ضد السوريات\ين وانتهاك حقّهم في السكن، في خطوة تُضاف إلى الحملة التحريضية الواسعة التي من شأنها تحميل السوريين كامل المسؤولية تجاه الأزمة التي نعيشها.
تدخّلات المرصد
على أثر انتشار خبر إخلاء مبنى “الدنا”، سارع أحد العاملين الميدانيين في المرصد للنزول إلى منطقة المزرعة-النويري، حيث قام بمقابلة عدد من سكّان الحي، كصاحب الدكّان المجاور للمبنى والناطور. كان معظم سكّان المبنى قد غادروا المنطقة بالفعل، لكن الباحث الميداني تمكّن من تحديد موقع اثنين من مستأجري المبنى، وكانا قد اتّخذا مأوى مؤقت في سوبر ماركت قريب. لم يكن لدى الشابات أي معلومات عن موقع باقي المستأجرين، ولا كيفية التواصل معهم، لكنّهما أكّدا أنّ معظم سكّان المبنى كحالتهما، ليس لديهم سكن بديل يمكن اللجوء إليه، وأن الإخلاء تم بشكل تعسفي من دون السماح لهم بأخذ ممتلكاتهم . كما بلّغانا بأن البلدية كانت تخطّط في ذلك اليوم لعقد اجتماع مفتوح مع سكان مبنى الدنا للسماح لهم باستعادة ممتلكاتهم وأوراقهم الثبوتية المحجوز عليها. واعتبر المستأجرون أن معظم سكان المبنى لن يحضروا الاجتماع لأنهم يخشون المزيد من التدابير الأمنية من قبل البلدية، خاصةً التوقيف أو الترحيل. بالمقابل، لم تجرِ البلدية الإجتماع من أساسه، وأهملت تحديد موعد آخر له.
وعند مراجعة قرار الإخلاء، تبيّن أن المحافظ انتهك فعلياً المراسيم الثلاث الذين استند عليهم، و هي مراسيم متعلّقة بالمؤسسات المصنّفة خطرة، ومضرّة بالصحة، ومزعجة. فمن جهة، إنّ عمل سكان مبنى الدنا في تجميع البلاستيك والتنك في إحدى المساحات المشتركة في المبنى، لا يرتقي إلى مستوى عمل مؤسّسة، مخزن أو محل صناعي ليكون مشمولاً بأحكام هذه المراسيم. وإن افترضنا خلاف ذلك، يعطي المرسوم للمحافظ صلاحية إيقاف عمل المخزن أو المؤسسة، لا إخلاء السكّان. كما يفرض المرسوم آلية محددة للإنذار وإعطاء مهلة قبل إتخاذ أي قرار بإيقاف العمل، في حين لم يتمّ إنذار أيّاً من مالكَي المبنى وكذلك أياً من السكان قبل عملية إقفال المبنى بالشمع الأحمر، ولم يتمّ إعطاءهم أية مهلة.
ومن جهة أخرى، بالنسبة لحجة المحافظ بوجوب الإخلاء لعدم استيفاء المبنى شروط السلامة العامة والحماية من المخاطر والحريق، فإن المادة الثامنة عشر من قانون البناء الذي يستند إليه مرسوم السلامة العامة، تجيز للبلدية الإخلاء فقط في حال كان البناء في حالة تُنذر بانهياره وتشكّل خطراً، وكان المالك قاصراً عن القيام بواجباته في صيانة المبنى وتدعيمه. و يجب أن يسبق قرار الإخلاء عدد من الإجراءات كالحصول على تقرير من مهندس خبير يؤكد خطورة وضع المبنى، وإبلاغ مالك المبنى وسكّانه مسبقاً بقرار الهدم ومنحهم مهلة تتراوح بين خمسة عشر يوماً وشهرين من تاريخ الهدم والإخلاء، وغيرها من الإجراءات المتعلقة بالإنذار والتبليغ التي لم يلتزم المحافظ القيام بها قبل اتخاذ قرار إخلاء مبنى الدنا.
بناءً على ما تقدّم نسعى حالياً إلى الطعن بقرار المحافظ.
٤٫٤. إخلاءات متفرقة بقيادة البلديات
بالإضافة إلى حالة إخلاء مبنى الدنا بشكل تعسفي من قبل محافظ بيروت، رصدنا 3 حالات لإخلاءات أو تهديدات بالإخلاء بقيادة مباشرة أو غير مباشرة من قبل سلطة محلية (البلدية). وقد طالت مستأجرين/ات لبنانيين/ات أو عائلات لاجئين/ات سوريين على حدّ سواء.
نذكر من بينها حالة غسان (لبنانيّ الجنسيّة) الذي سكن مع عائلته في منزلٍ لمدّة سنة ونصف مقابل عمله كناطور للمبنى الذي سكن فيه، دون حصوله على أجر مقابل عمله. قرر سكان المبنى طرده واستعانوا بالبلدية لتهديده وإعطائه مهلة شهر للإخلاء، وذلك بعد إجباره على توقيع تعهّد بالإخلاء. أمّا رياض، وهو لاجئ سوريّ، وبسبب رغبة مالك المنزل الذي سكن فيه لمدّة 11 سنة بترميمه بهدف تأجيره كـ”شاليه” نظراً لقربه من الشاطئ، فقد اضطرّ رياض للانتقال والسكن مع عائلته في مسكن جديد تعود ملكيته للمالك نفسه. بعد انتقاله إلى المبنى، تلقى رياض إشعاراً بالإخلاء بأسرع وقت ممكن من قبل البلدية – بالرغم من كون البلدية جهة غير صالحة لطلب الإخلاء – بسبب متأخرات متوجبة على المبنى للبلدية.
لكن الحالة الأبرز بين هذه الحالات كانت حالة ليليانا. بعد أن تهجّروا في خضم معارك الحرب الأهلية من صيدا عام 1987، سكن أهل ليليانا بشكل غير رسمي بيتاً في العقار 712 في منطقة الرميل العقارية، وذلك بعد أن استملكته البلدية عام 1975. بعد تفجير المرفأ، وجدت ليليانا نفسها وعائلتها مشرّدين من البيت الذي سكنوه، بفعل مشروع “إعادة تأهيل 11 مبنى في منطقة الرميل”، حيث انتقلت حوالي 25 عائلة (102 فرد) من مساكنها جرّاء أعمال الترميم. يقع المشروع ضمن 9 عقارات في منطقة الرميل العقارية، 8 مبانٍ منها مُستَملكة من قبل بلدية بيروت لتمرير أوتوستراد فؤاد بطرس.
بالرغم من تأكيد القائمين على المشروع على حقوق السكان بالعودة والسكن اللائق، وبعد سنتين على انطلاق المشروع وافتتاحه رسمياً في 7 أيلول 2022، تفاجأت ليليانا بقرار البلدية بمنعها من العودة إلى بيتها، إغلاقه بالشمع الأحمر تحت طائلة الملاحقة الجزائية، وذلك بسبب عدم حمل ليليانا وعائلتها سنداً رسمياً بالحيازة.
تُعتبر البلديات فاعلاً أساسياً في التنمية المحلية، ويقع ضمن صلاحياتها تحسين نوعية الحياة وتأمين الخدمات لسكانها والحفاظ على حقوقهم وصون المصلحة العامة ضمن نطاقها البلدي. بعكس ذلك، تقوم بعض البلديات بتسهيل عمليات إخلاء السكان وإخراجهم من مساكنهم ضمن مبانٍ عامة أو خاصة، إن كان بهدف تنفيذ مشروع سياحيّ محتمل وتحقيق مكاسب مالية أو لأسبابٍ أخرى، مستغلةً بذلك السلطة التي تتمتع بها لتهديد السكان بشكلٍ عام وترهيبهم، وأولئك الأكثر هشاشةً (سياسياً، اقتصادياً، إجتماعياً) بشكلٍ خاص.
تدخّلات المرصد
قام المرصد بنشر رسالة مفتوحة إلى الجهات المعنيّة بمشروع إعادة التأهيل، تضمّنت عريضة موجّهة إلى محافظ بيروت، نظّمتها ليليانا ووقعّها كل من مختار منطقة الرميل وجيرانها، تُأكّد “على ضرورة عودة كل من كان يقطن الشقق بشكل طبيعي ومستمر منذ زمن، منعاً لتشريد الأهالي وتغيير النسيج الاجتماعي للحي بعد الفاجعة الكبيرة”. وحدّدت الرسالة سلسلة من التوصيات لناحية مقاربة مشاريع إعادة التأهيل والإعمار والترميم، طالبت بتوضيح تاريخ العودة للسكان وتاريخ الانتهاء الكامل من الترميم، وضرورة تأمين سكن بديل للعائلات التي لم تستطع العودة حتى الآن ووضع إطار لتحديد أسعار الإيجارات والحد من زيادتها بعد انتهاء إعادة الإعمار، بالإضافة إلى تخصيص المباني التي تم ترميمها والتي كانت شاغرة قبل التفجير، للسكن الميسّر. وبشكل عام، طالبت أن يضمن أصحاب مشاريع إعادة التأهيل عودة السكان بعد انتهاء الأعمال.
واجتمع محامٍ من لجنة المحامين للدفاع عن الحق بالسكن وليليانا، واتفقا على تقديم كتاب للمحافظ يتم إرفاقه بجميع المستندات من إفادات سكن وشهادات لمختار المحلّة، وراعي الأبرشيّة وسكّان الحي، لإثبات إشغال ليليانا لبيتها منذ عام 1987، والمطالبة بالسماح لها بالعودة إليه بأسرع وقت ممكن. كما يعمل المرصد على التنسيق مع الجمعيات المعنية بمشروع إعادة التأهيل لحثها على دعم قضية ليليانا، والضغط على البلدية للتراجع عن قرارها.
٤٫٥. ثمان مبان مهددة بالإخلاء الجماعي
تبيّن لنا من خلال الحالات المرصودة، تزايداً في عدد الإخلاءات الجماعية. فقد تابعنا 8 حالات لمبانٍ يُهدّد كافة سكانها بالإخلاء. وقد كانت أولى هذه الحالات في مبنى يقع في رأس الدكوانة، حيث تبلّغ المستأجرون (إيجار جديد) في بداية عام 2023، قرار المالك برفع قيمة بدلات الإيجار إلى 150$ تُدفع نقداً (فريش). وقد رضخ 10 من بينهم لهذه الشروط، ما دفع المالك إلى إرسال إنذارات بواسطة كاتب العدل للمستأجرين الذين رفضوا الشروط الجديدة، يطالبهم فيها بالإخلاء. ثمّ عاد وادعى عليهم أمام قاضي الأمور المستعجلة، طالباً إلزامهم بإخلاء المأجور تحت طائلة الغرامة الإكراهية.
وفي مبنى في منطقة الشياح، يتعرّض سكان من المستأجرين القدامى لتهديداتٍ بالإخلاء، حيث تلّقت 30 شقة من أصل 36 إنذاراً خطيّاً من قبل محامي المالك يطالبهم فيه بدفع مبالغ تصل إلى 5000$ نقداً، زاعماً أنهم تخلّفوا عن دفع بدلات الإيجارات لمدّة 5 سنوات.
في الشياح أيضاً، يواجه مستأجرون في مبنى “هند” التهديد بالإخلاء الجماعي، بعد وفاة المالك الذي كان يدير المبنى. مالكو المبنى هم ستّة أخوة، تكفّل أحدهم بمتابعة شؤون السكّان وإدارة الإيجارات، ويعاونه محامٍ. عند وفاته، اختلف المالكون حول كيفية إدارة المبنى، وولّوا صيانته واستلام الإيجارات لعامل إسمه حسين (إسم مستعار). وهو معروف كأحد زعران الحي، ومدعوم من أحد الأحزاب السياسية المعروفة. بدأ حسين بافتعال المشاكل مع سكان المبنى لفرض سلطته عليهم. يتولى حسين أيضاً إمضاء العقود مع السكان بالنيابة عن المالكين دون وكالة قانونية، ويؤجّر شققاً غير صالحة للسكن. في بداية السنة الحالية، تدخلّ المحامي ليطلب رفع الإيجارات لجميع المستأجرين. ثمّ عاد وتراجع عن قراره وأبلغ السكّان بوجوب الإخلاء وطلب منهم التوقيع على تعهّدات. كما تبيّن أن حسين قد وعد المالكين بجلب مستأجرين قادرين على دفع إيجارات أعلى. رفض أغلب المستأجرين التوقيع، فتمنّع المحامي من تسلّم الإيجارات من السكان، وأرسل إنذارات إخلاء إلى جميع المستأجرين بواسطة الدرك. وقد تبيّن لاحقاً أن الإخوة على خلاف حول كيفية إدارة المبنى، وقد اتّفقوا على إخلائه وترميمه، ليتم من بعدها إجراء حصر الإرث، فيتمكن كل وريث من إدارة القسم الخاص به.
هكذا أيضاً، يتعرّض المستأجرون من الجنسية السورية في مبانٍ في طرابلس والميناء ومخيم البداوي بشكلٍ جماعي لتهديدات بالإخلاء بسبب عدم قدرتهم على دفع بدلات الإيجارات التي ارتفعت بشكلٍ متكرر في السنوات الأخيرة، إلى أن تمّ دولرتها بشكل كامل.
وأخيراً، في محلة الرملة البيضاء، يقف مبنى “كوجاك-جابر” المعروف بواجهته المزيّنة بفتحات دائرية مميّزة، بانتظار الهدم من قبل المالك الجديد للعقار الذي يتطلّع للتّخلص من هذا التراث المعماري الحداثي بهدف التطوير العقاري. في العام 2021، عُرض المبنى للبيع في حين كانت لا تزال تسكنه 12 عائلة. واليوم، تمّت عملية بيع المبنى إلى مالك جديد، لم يتمّ التأكّد من هوّيته بعد، إذ لا تزال عمليات القيود العقارية مستمرّة، إنّما يُشاع أنه مطوّر عقاري ذو نفوذ، يريد هدم المبنى بالكامل بعد أن أخلى معظم السكان من شققهم ويفاوض العائلات الخمس المتبقية على الإخلاء. بالإضافة إلى كونه جزءاً من الذاكرة البصرية للمدينة، فإن هذا المبنى يحوي منزل المفكّر الماركسي حسين مروه ومنزل ابنته هناء التي كانت تساعد في أبحاثه، وأصبحت هي وعائلته الشاهد على كتاباته واستشهاده في هذا المنزل. وهو ما يذكّرنا بدور وزارة الثقافة والبلدية، بالحفاظ على بيوت المفكّرين\ات كجزء لا يتجزّأ من الذاكرة الثقافية الفكرية والتحررية للمدينة. بذا، يعتبر مبنى كوجاك-جابر اليوم، أحد رموز العمارة الحداثية في بيروت، ومنزل أحد مفكّري المنطقة التحرريين، وسكّانه عرضةً لتهديد جديّ.
من ناحية أولى، تلقي هذه الأمثلة الضوء على المشاكل العديدة لنظام الإيجارات المعتمد حيث يبرز فشل القانون بضمان استدامة الإيجار، وفي وضع سقف لقيمته أو آلية لرفعها بشكل تدريجي ومدروس. من ناحية ثانية، تبرز إشكالية مصير المستأجرين القدامى في ظلّ غياب الوضوح فيما يتعلّق برفع ضبط الإيجارات. كما تبرز مجدداً سياسة الهدم المعتمدة، والتي باتت تُؤدي إلى خسارة فادحة ليس فقط لقاطني هذه المباني، ولكن أيضاً للمجتمع بأكمله، خسارةً مرتبطة بماضي المدينة وبالحق في تشكيل الذكريات الفردية والجماعية.
تدخّلات المرصد
على الرغم من تشابه الظروف التي أدّت إلى تهديد السكان في هذه المباني بالإخلاء، إلا أن المرصد لم يستطع تبنّي استراتيجية واحدة لجميع هذه الحالات.
فحقيقة أن معظم السكان في مبنى رأس الدكوانة كانوا لا يزالون ضمن السنوات الثلاث الأولى من عقود الإيجار الخاصة بهم، كان لصالحهم، ومكّنهم من تأمين انتصارات في المحكمة، حيث استحصلت لجنة المحامين للدفاع عن الحق بالسكن على حكم صادر عن قاضي الأمور المستعجلة يؤكد على: حق المستأجر بتمديد الإجارة السكنية حكماً لثلاث سنوات وبنفس الشروط، عدم أحقية تعديل بدل الإيجار خلال مدة الثلاث سنوات بصورة انفرادية من قبل المالك، ووجوب اللجوء إلى القضاء العادي في النزاعات القائمة حول قيمة الإيجار وأي حجج ومطالب أخرى تتعلّق بتفاصيل العقد وشروطه. ودفع هذا الحكم المالك إلى التنازل عن باقي الدعاوى المرفوعة بوجه سكّان المبنى، والعودة إلى طاولة التفاوض للبحث في حلول توافقيّة.
بالمقابل، لم يجرِ تدخّل المرصد في حالة مبنى هند في الشياح بنفس السلاسة، حيث أن حلول أجل عقود أكثرية السّكان دفعهم للرضوخ لبعض شروط المالكين لتأمين تمديد إيجاراتهم. كما وأنّ غياب الوحدة والتضامن بين المستأجرين صعّب إمكانية تنسيق أي خطوات جماعية لمواجهة تهديدات المالكين ومضايقاتهم. فضلاً عن تعدّد المالكين واختلافهم بالرأي حول مصير المبنى، منع أي مفاوضات جديّة وفعّالة بينهم والسكّان.
٤٫٦. التشرّد الناتج عن الإخلاء: قصة وديعة
تلقّى مرصد السكن في منتصف الشهر الأوّل من السنة الجارية بلاغاً حول تهديدٍ بالإخلاء وجب التوقّف عنده إذ إنّه أودى إلى حالة تشرّد، في الوقت الذي يشكل فيه التشرد انتهاكاً جسيماً للحقّ في السكن. وقد طالت هذه الحالة وديعة، صاحبة “سناك دي دي” في شارع الخازنين.
عاشت وديعة، وهي أرملة تبلغ من العمر 63 سنة وتخضع لعلاج من مرض السرطان، تفجير المرفأ وتدميره محلّها حيث كانت تعمل وتسكن لمدّة 4 سنوات، والذي تمكّنت من ترميمه وإعادة تشغيله بمساعدة من الجمعيات وبعض الجيران والزبائن. لكنّها اضطرّت إلى إخلاء “سناك دي دي” في أول شهر شباط، بسبب عدم تحمّلها مضايقات المالكة رغم مواظبتها على دفع الإيجار بشكل منتظم ودون تأخير.
أدّى إخلاء وديعة إلى تشرّدها، حيث باتت وأغراضها تحت الجسر المواجه لشارع الاستقلال في مار مخايل، بعدما انقطع مدخولها نتيجة إقفال محلّها. بعد مضي أسبوعين على تشرّدها، أمهلها فوج حرس بيروت، التابع لمكتب المحافظ، 24 ساعة لنقل أغراضها من تحت الجسر.
أمّا الآن، وبعد انتقالها للإقامة في مسكن مؤلّف من غرفة صغيرة مع مطبخ ضيّق وحمام، تواجه وديعة بعض من المشاكل مع المالكة والجيران، ما قد يعرّضها مرّةً جديدة للتشرّد. كما تجدر الإشارة إلى أنّ وديعة كانت قد تعرّضت للتشرّد في مرحلة سابقة من حياتها، وذلك بعد وفاة زوجها وقبل قدومها إلى شارع الخازنين.
تُعبّر حالة وديعة، التي تجد نفسها عرضةً للتشرّد بشكلٍ متكرر، عن غياب حماية الحق بالسكن والسماح بتشريد السكان الأكثر تهميشاً إن كان بسبب خلفياتهن\م الاجتماعية، الثقافية، الجندرية أو الدينية المختلفة أو بسبب افتقادهن\م للامتيازات الاجتماعية والاقتصادية والقانونية. كما تُظهر تصرّف بلدية بيروت التي لا تسمح للمواطنات\ين بالاستفادة من الأماكن العامة، من خلال طردها المستمر للأفراد اللواتي والذين يلجؤون إلى المجال العام، محاولةً إخفاء مظاهر التشرّد ونفي وجود المشكلة، بدلاً من إيجاد حلول جدية ومستدامة لها، وبدائل سكنية لمن يُجبرن على التشرّد. ولن تكون هذه الحالة فريدة من نوعها، فالأزمة الاقتصادية الحالية المستفحلة ستُسفر بلا شكّ عن تفاقم حالات التشرّد، وبالتالي ستكوت الأرصفة والجسور المأوى الأخير حين تغيب الأطر التي تحمي الحق في السكن.
تدخّلات المرصد
في حالة وديعة، وفي غياب الآلية القانونية التي تسمح لها الطعن بإخلائها القسري من بيتها، ارتكز عمل المرصد في الفترة الأولى على تأمين التغطية الإعلامية لقصّة وديعة، وحشد الجيران والناشطين حول وديعة منعاً لأي محاولات لطردها من الحيّز العام. تعاطف العموم بشكل كبير مع قصّة وديعة، وبادر الكثيرون لزيارتها تحت الجسر حيث اتخذت مأوى مؤقت، ولتنظيم جمع التبرعات لها، كما تشكّلت لجنة من بعض الناشطين والمهتمين بقضيّة وديعة عملت على التنسيق مع الجمعيات والأفراد الذين صرّحوا عن امتلاكهم أو معرفتهم بمساكن بديلة متاحة. ولربما ساهم كون وديعة شخصية معروفة، بفعل السناك التي كانت تديره ويتردد عليه الكثيرون، بدفع العموم إلى الاهتمام بقضية التشرد هذه، في حين يتم تجاهل قضايا التشرّد عادةً.
استمرّت حالة تشرّد وديعة حوالي الشهرين قبل أن يتمكّن أحد الجيران من إيجاد سكن بديل يلائمها. تابع محامي لجنة الدفاع عن الحق بالسكن انتقال وديعة لسكنها الجديد وتأكّد من حصولها على عقد إيجار عادل. في آواخر شهر أيار، وجدت وديعة محلاً للاستئجار وتمكّنت من استئناف عملها التجاري.
يعمل مرصد السكن على توثيق حالات تهديد السكن، وبناء تضامن جماعي ودعم الحق في السكن للجميع دون تمييز، كما يضغط نحو سياسات سكنية دامجة.
بلّغ/ي عن انتهاك حقك بالسكن الآمن واللائق والمستدام عبر على الرقم 81017023، أو عبر البريد الالكتروني: info@housingmonitor.org.
قائمة بالمراجع والملاحظات
- 1إنّ “مرصد السكن” يختصّ بمتابعة البلاغات الطارئة لحماية السكان من ممارسات التهديد والإخلاء والتي تستوجب تدخّلاً قانونياً، كشفاً إنشائياً ودعماً في الجهود المحلّية والتحرّكات الهادفة للضغط نحو كسب حقوق سكنية، ولا يتضمّن مساعدات مالية أو توفير السكن البديل.
- 2تنوّعت مصادر البلاغات التي تلّقها المرصد، وهي: 135 عبر الخط الساخن، 6 عبر فريق المرصد على الأرض، 6 عبر مجموعات/أفراد متعاونين مع المرصد، 3 عبر مواقع التواصل الإجتماعي، 3 عبر استمارة تبليغ الكترونية، و1 عبر البريد الالكتروني للمرصد.
- 3114 عائلة نواة و31 عائلة موسعة.
- 4بالقرب من إحدى الصناعات التي تشكل خطراً على السلامة العامة، أو بسبب تكدس النفايات بشكل دائم أو متكرر بالقرب من المسكن أو بسبب وجود مولدات كهرباء في الجوار.
- 5إن كان من ناحية السماح بالبناء في منطقة معرضة للمخاطر الطبيعية، أو وضع مرافق ملوّثة كالمطامر والمعامل بالقرب من المناطق السكنية والاستمرار باستخدمها دون مراعاة المعايير الصحية اللازمة، أو اعتماد سياسات لتصنيف الأراضي وتحديد استثمارات تساهم بتدمير البيئة العمرانية في المناطق التراثية أو غير التراثية لمصلحة تجار البناء والمطورين العقاريين.
- 6موقع يعرّض سكانه للخطر بسبب عوامل طبيعية (وقوعه بمحاذاة البحر/النهر معرض للطوفان، وقوعه على جرف معرّض للانهيار… )، أو بسبب سوء التنظيم (على طريق سريع دون ولوج آمن، في المحيط الحيوي للمطار)، أو بسبب وجود مصادر ملوّثة (معمل توليد كهرباء، مطمر، مقلع، كسارة، أو غيرها).
- 7إن كان بسبب وجود مباني مهجورة أو خالية، أو مشروع تطوير عقاري يهدد المنطقة، أو مشروع عام/ مخطط رسمي، أو موجة شراء عقارات، أو وجود/ حصول عمليات هدم.
- 8لعدم وجود لجان مبنى أو حيّ أو عدم إمكانية الانخراط في هذه اللجان إن وُجدت.
- 9بسبب “نظام القيد” المتّبع في لبنان حيث ترتبط المسارات التمثيلية الرسمية في لبنان بمكان القيد لا مكان السكن وتسديد الضرائب.
- 10موجبات وعقود مادة 592
- 1112 حالة من طرابلس، حالة واحدة من الميناء وحالة واحدة من المنية.
- 12في زقاق مهمل، بالقرب من أبنية متصدعة أو قديمة أو معرضة للانهيار، أو ملاصقة لمبنى تمّ هدمه، إلخ.
- 13تمّ بناء مبنيين قبل عام 1920، 5 مبانٍ بين عامي 1920 و1955، 3 مبانٍ بين عامي 1955 و1975، مبنى واحد بين عامي 1975 و1990، مبنيين بين عامي 1990 و2010، ومبنى واحد بين بعد عام 2010.
- 14إن كان ذلك عبر الخط الساخن وعبر نزول فريق المرصد على الأرض لرصد هذه الحالات.
- 15لم تدخل كافة هذه البلاغات إلى قاعدة البيانات الخاصة بالمرصد، ولم يتمّ شملها وتحليلها في الأجزاء السابقة من هذا التقرير لعدم إمكانية متابعة القضايا التي تحتاج لدعم خارج نطاق عملنا، كما ذكرنا سابقاً.