الإخلاء الجماعي: النمط الأبرز في بلاغات مرصد السكن

التقرير الدوري | حزيران - كانون الأوّل 2023

يوثّق هذا التقرير البلاغات التي تلقّاها “مرصد السكن” بين أوّل حزيران وآخر كانون الأول من عام 2023. في هذه الفترة تلقى المرصد 345 بلاغاً، بينها 143 حالة تمّ تلقيها خلال شهر آب وحده و84 حالة في شهر تموز وكانت أغلبها بلاغات صادرة عن لاجئات/ين سوريات/ين نتيجةً لاستكمال الحملات الأمنية التعسفية ومداهمات أماكن إقامتهن\م في مناطق لبنانية متعدّدة. وهو ما كنّا قد تناولناه في تقريرٍ تفصيلي رصد الممارسات التمييزية وحلّل التهديدات السكنية التي بلّغ عنها اللاجئين/ات السوريين/ات بين حزيران 2022 وتشرين الأول 2023. بالمقابل، انخفضت البلاغات بعد شهر تشرين الأوّل وبداية الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، ما قد يكون سببه الإنشغال بالحرب الدائرة في جنوب لبنان، ممّا أدّى إلى التخفيف النسبي لحدّة الحملة التمييزية ضدّ السوريين، أو أنّ الحالات التي تتعرّض لتهديدات سكنية تتردّد أو تمتنع عن التبليغ بسبب الاستنزاف الناتج عن الضغط والقلق من مجريات الأحداث وتوسّع نطاق الحرب. بكلّ الأحوال، لاحظنا من خلال الحالات المرصودة، ارتفاعاً ملحوظاً في التهديدات والإخلاءات الجماعية و\أو المتمركزة ضمن نطاق جغرافي معيّن والتي أثرّت بعددٍ ملموس من الأفراد. فبالرغم من انخفاض عدد البلاغات نسبةً للتقرير السابق، ارتفع عدد الأفراد المتأثرين بسبب هذه التهديدات والإخلاءات الجماعية. نتيجةً لذلك، يتمحور هذا التقرير بشكلٍ أساسي حول عمليات الطرد الجماعي أو عمليات الإخلاء المكثفة ضمن نطاق جغرافي محدد، وفقاً للحيّز المكاني التي حدثت فيه: المبنى، المخيم، والحيّ.

1- عن البلاغات

تلقّى مرصد السكن خلال الفترة التي يغطّيها هذا التقرير، والممتدة من حزيران إلى كانون الأول 2023، 345 حالة. من ضمن هذه الحالات، تمّ توثيق ومتابعة 265 حالة وتحليل المؤشرات السكنية لـ121 حالة، كما رصدنا تصعيدات طالت 404 من البلاغات السابقة.

بلغ إجمالي عدد الأفراد المتأثّرين ببلاغات الإخلاءات والتهديدات بالإخلاء التي تمّت متابعتها من قبل المرصد 2002 فرداً، من ضمنهم 1364 فرداً متأثراً وفقاً للحالات المبلغة، و638 فرداً إضافياً متأثراً بسبب التهديدات الجماعية على صعيد المبنى والمخيم على الأقلّ. وقد تأثرت بهذه التهديدات الفئات العمرية المختلفة على التوالي 43,9% للأولاد بين 3 و17 سنة، 22,9% للبالغين بين 18 و35 سنة، 21,7% للبالغين بين 36 و64 سنة1لم نستطع الحصول على الفئات العمرية لثلاث حالات من ضمن الحالات التي تابعها المرصد، بالتالي تعكس النسب المذكورة البيانات المتعلّقة بالفئات العمرية لـ 1352 فرداً وليس 1364 فرداً.، 9,3% للأطفال دون 3 سنوات وأخيراً 2,2% للمسنين أكبر من 64 سنة، خصوصاً وأنّ التهديدات تطال بشكلٍ أساسي العائلات. وقد بلغت النسبة الإجمالية للفئات الأكثر هشاشة أو الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة التّي تمّ رصدها، حوالي 23% من مجمل الأفراد المتأثّرين، ومن بينهم 104 من الأطفال العاملين وهم دون الـ15 سنة، 102 أشخاص يعانون من أمراض مزمنة، 77 امرأة تعيش وحدها أو مع أولادها، 23 شخص من ذوي الإعاقة، و5 عابرات/عابرون و مثليات/ي الجنس.

على الصعيد الجغرافي، وبشكلٍ غير مسبوق، وصلت إلى المرصد 86 حالة من برج حمود وهو ما سنتوسع بتحليله في الجزء الأخير من هذا التقرير، حيث نبيّن العلاقة ما بين العدد الملحوظ من البلاغات التي وصلت من هذه المنطقة وجنسيات المبلغات/ين والأسباب وراء الهشاشات السكنية والظروف العامة المحيطة بها، خصوصاً أنّ هذه المنطقة تأوي حالياً السكان من ذوي الدخل المحدود والطبقة العاملة، وتعاني من ظروف معيشية وعمرانية وبنى تحتية سيئة، كما أنها تحوي النسبة الأكبر من بلاغات غير اللبنانيين. بعد برج حمود، رصدنا 38 بلاغاً من برج البراجنة، و25 بلاغاً من بيروت الإدارية، بينها 9 بلاغات من منطقة المزرعة، و12 بلاغأ من مدينة طرابلس، و11 بلاغاً من الشياح، بينما توزّعت باقي البلاغات على المناطق اللبنانية المختلفة.

على صعيد الأقضية، نظراً لارتفاع عدد البلاغات في برج حمود وبرج البراجنة، جاءت النسب الأعلى من البلاغات من قضائي المتن (103 بلاغات) وبعبدا (57 بلاغاً)، تلتها بيروت (25 بلاغاً)، ممّا يعني أنّ حوالي 70% من مجمل البلاغات وصلت من بيروت الكبرى، حيث تتمركز فرص العمل، ويزداد الطلب على السكن بتكلفة منخفضة. ووزّعت البلاغات المتبقية على مختلف الأقضية الأخرى، أبرزها زحلة (15 بلاغاً)، البقاع الغربي (13 بلاغاً)، طرابلس (12 بلاغاً)، إلخ.

أمّا فيما خصّ توزيع البلاغات بحسب الجنسيات، جاءت النسبة الأعلى للحالات المتأثّرة من الجنسية السورية (73,2%)، تليها الحالات المبلّغة من اللبنانيين/ات (22,6%)، وتوزّعت النسبة المتبقّية على جنسيات أخرى مختلفة (4,2%). ويعود سبب ارتفاع نسبة الحالات من الجنسية السورية إلى الحملات الأمنية التعسفية والحملة التحريضيّة التي نفّذتها الجهات الرسمية والحملات الإعلامية ضدّ اللاجئات/ين السوريات/ين، والتي بدأت منذ نيسان 2023، والتي فصلناها بشكلٍ مستفيض في جدولٍ زمنيّ يوثّق القرارات الرسمية، ومشاريع القوانين، والمداهمات التي استهدفت اللاجئات/ين السوريات/ين (للمزيد من التفاصيل، الرجاء الاطلاع على الجدول الزمني). ومن بين الحالات التي طالت اللاجئات/ين السوريات/ين، نجد بعض التهديدات التي أثرّت على مخيمات، وهو ما سنتطرق إليه أيضاً في الجزء الأخير من هذا التقرير.

وبالنسبة لطريقة الوصول إلى السكن، فقد بلغت نسبة البلاغات المتعلّقة بإيجارات جديدة 92,8%، بينما توزّعت النسبة القليلة الباقية على الإيجار القديم (4,2%)، والإيجار في مخيمات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (1,5%)، إلخ. بينما تعيش معظم الحالات في شقة أو بيت مخصّص للسكن (86,8%)، قد نجد حالاتٍ تقطن في أماكن غير مخصّصة للسكن (13,2%). وهنا يجدر الإشارة إلى أنّه وبحسب بعض التعريفات الدولية للتشرّد، فإنّ التشرّد لا يقتصر فقط على غياب المأوى بشكله المادي، بل يتعدّاه إلى السكن في أماكن إقامة مؤقّتة كالمخيمات أو عند الأقارب، إضافةً إلى السكن في مساكن غير ملائمة وغير آمنة. بالتالي، يمكننا أن نعتبر أن السكن في أماكن غير مخصّصة للسكن، كالسكن في وحدة مستحدثة على السطح (9 حالات)، أو في أسفل الدرج (8 حالات)، أو السكن في خيم غير ثابتة (4 حالات)، أو مبنى مهجور (3 حالات)، أو في مستودع أو كارافان أو مستوعب، هو مظهر من مظاهر التشرّد، بالرغم من كونها حالات غير متعارف عليها كحالات تشرّد.

2- انتهاكات الحق في السكن

نحلّل انتهاكات الحق في السكن اعتماداً على 121 حالة تمّ توثيق ظروفها السكنية بحسب المعايير والخصائص التي وضعتها لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

أمن الحيازة

ارتفع انتهاك معيار أمن الحيازة مقارنةً بالتقرير السابق ليبلغ 92,56%، مع ارتفاع نسب كافة المؤشرات المتعلّقة به. فقد بلغت نسبة المستأجرين من ذوي العقود الشفهية 68,6%. كما واجهت الحالات المرصودة تغييراً في سعر الإيجار المحدّد في العقد أو المتّفق عليه عند الاستئجار بنسبة 66,12%، مع العلم أن هذا المؤشر هو أحد أبرز أسباب التهديد بالإخلاء وزيادة هشاشة المستأجرين، كما ذكرنا في الجزء الأوّل من التقرير. وفي 61,98% من الحالات، يطلب المؤجّر الإخلاء قبل انقضاء مهلة العقد. وتتعرّض 47,11% من الحالات لممارسات تعسّفية أو لمضايقات مختلفة بطبيعتها ووطأتها، بينما يتمّ أيضاً تقييد حرية المستأجرين باستخدام المسكن في 7,44% من الحالات.

صلاحية السكن

مازال انتهاك معيار صلاحية السكن مستمراً بمعدلات مرتفعة (87,88% في التقرير السابق، و90,91% في هذا التقرير). وكما ذكرنا في بداية التقرير، وبحسب بعض التعريفات الدولية للتشرّد، يمكن اعتبار بعض الحالات التي تسكن في مكان غير مخصص للسكن (16،53%)، أو تسكن في وحدة سكنية مكتظّة (34،71%)، حالات تعاني من التشرّد المستتر، على أن يكون المسكن غير ملائم للغاية. وقد تبيّن أيضاً أنّ أكثر من نصف الحالات المرصودة تعيش في وحدة سكنية غير مجهزة ضد النش وضد تفشي العفن والحشرات (76,03%)، ولا تحمي من ظروف الطقس (50,41%)، كما وتفتقد بعضها لصرف صحي ملائم (42,98%).

ولا يمكن هنا إلّا التركيز على إشكالية المباني غير الآمنة إنشائياً، إذ تتزايد نسبة الحالات التي تبلّغ عن كونها تعيش في مبنى غير آمن إنشائياً (58,33%). وقد اختلفت المخاطر الإنشائية المرصودة من بينها سقوط عناصر من المبنى مثل الشرفة أو غيرها (15 حالة)، أو وجود خطر من مبنى مجاور/ملاصق قد يقع (5 حالات) وقد تبيّن وجود مباني آيلة للسقوط بحسب مسح إنشائي (8 حالات). كما تقلق بعض الحالات من بعض العوامل والعلامات التي تبدو مهدّدة لسلامة المبنى كوجود تشقّقات (46 حالة)، أو حديد ظاهر (17 حالة)، أو حتى فيض المياه إلى داخل المبنى بشكل متكرر (22 حالة). وفي حال لم تتمّ معالجة هذه الإشكالية على نطاقٍ واسع فيما يتعلّق بالسلامة العامة، ستبقى سلامة السكان مهددة في هذه المباني وغيرها، وسيستمر تدهور البيئة العمرانية، ولن يكون انهيار مبنى المنصورية الانهيار الأخير الذي نشهده.

القدرة على تحمّل التكاليف

يتواصل انتهاك معيار القدرة على تحمّل التكاليف بنسب مرتفعة، وقد بلغت في الفترة التي يغطيها التقرير 93,39%. في التفاصيل، يعتبر 73،55% من الحالات أنّهم معرضون لخطر خسارة مساكنهم بسبب غلاء تكلفتها و37،19% منهم لا يستطيعون تحمل نفقات السكن بشكل منتظم، بحيث يجبر 61،16% من الحالات المرصودة على اعتماد أساليب غير ملائمة لهم لتأمين كلفة السكن. في معظم بلدان العالم، تعتبر التكلفة المقبولة للسكن 30% من قيمة الدخل، بالرغم من أنّ اعتماد هذه النسبة تنطوي على عدد من الإشكاليات. فقد تبيّن من خلال الحالات المرصودة أنّ 83,47% منهم تدفع أكثر من ثلث مدخولها للسكن (22,31% بين الثلث إلى النصف، 61,16% نصف أو أكثر)، وهو ما يُظهر بشكلٍ واضح أنّ هذه الحالات أصبحت تدفع ثمناً باهظاً لتغطية تكاليف السكن، ما يهدّد قدرتها المالية، الفردية أو الأُسرية، ويقوّض إمكانية تلبية الاحتياجات الأساسية الأخرى.

توافر الخدمات والمرافق والبنى التحتية

تفتقد العديد من الحالات للخدمات والمرافق والبنى التحتية الأساسية (76,03%)، فمنها من لا تتوفّر لديها الطاقة اللازمة للطهي والتدفئة والإنارة (52,07%)، وتفتقد للأثاث البسيط (36،36%)، وللتدفئة (25،62%)، وللتجهيزات لتخزين المأكولات أو طهيها (15،70%)، أو لا يمكنها الوصول إلى المياه بشكل كافٍ ومستمر (42,98%)، أو ليس لديها مياه صحية أو نظيفة (24،79%)، أو أنّ مسكنها غير موصول بشبكة مياه الدولة (19،83%) وشبكة الصرف الصحي(14،05%)، وقد لا تتوّفر لديها مصادر بديلة عندما لا تتوفّر مياه الدولة (20،66%).

الموقع

يُنتهك معيار الموقع وبنسبةٍ مرتفعة (90،91%)، بشكلٍ أساسي من خلال وقوع مكان سكن الحالات المرصودة ضمن منطقة ملوّثة أو خطيرة (59،5%) بما يشمل وقوع مكان السكن في موقع يعرّضه سكانه للخطر بسبب سوء التنظيم، كوقوع المساكن في برج البراجنة ضمن المحيط الحيوي للمطار، أو في منطقة قريبة من مصادر ملوّثة، كوقوع مكان سكن العديد من الحالات بجوار مطامر النفايات في برج حمود، الناعمة، طرابلس، وصيدا، أو وقوع المسكن في موقع يعرّض سكّانه للخطر بسبب عوامل طبيعية كوجود مخيمات للاجئات/ين السوريات/ين وغيرها من المساكن على ضفاف نهر الليطاني، ما يجعلها عرضةً للطوفان، ويعرّض السكان أيضاً للخطر كون النهر ملوّثاً. كما من خلال تشويه علاقة السكان بمحيطهم (35،54%)، ويشمل ذلك الأحياء التي تتعرّض للهدم، وجود مبانٍ مهجورة (الشياح، بيروت، طرابلس، برج البراجنة، إلخ)، أو وجود موجة شراء عقارات (بيروت، طرابلس، النقاش، أنطلياس، ضبية، إلخ) أو المضاربة العقارية من أفراد أو تلك التي تقودها مشاريع كبرى، وهو ما يدمّر النسيج العمراني، وينبئ بموجات إخلاء قد تتفاقم مستقبلاً في هذه الأحياء.

الملاءمة من الناحية الاجتماعية والثقافية

على مثال التقارير السابقة، ما زال هذا المعيار يشهد نسبةً عالية من الانتهاك، وقد بلغت 98,35%. بسبب عدم وجود لجان مبنى أو حيّ أو عدم إمكانية الانخراط في هذه اللجان إن وُجدت، لم تستطع 95،9% من الحالات الانخراط في إطار تنظيمي محلي، ولم تستطع 80،99% من الحالات المشاركة في التمثيل المحلي. كما لم تستطع 35،54% من الحالات نسج علاقات ودية مع المحيط، وقد كانت 70% من هذه الحالات غير لبنانية (من سوريا، العراق وساحل العاج). تواجه أيضاً 15،7% من الحالات مضايقات ناتجة عن تمييز، وتجابه 7،44% من الحالات عوائق في الوصول إلى الحيّز العام في منطقة سكنها أو استخدامه، أو تواجه قيود أمام ممارسة تقاليد مرتبطة بالثقافة أو الدين (4,13%).

تلبية الحاجات

بالنسبة لتلبية احتياجات كبار السن والمعوّقين، فقد بلغت نسبة الأشخاص معوّقين حركياً المتأثّرين بالتهديدات على مستوى السكن، والذين يسكنون في مسكن غير ملائم لحركتهم 25% (3 حالات من أصل 12 حالة). كما أكدّت النسبة ذاتها (25%) التعرّض للتمييز خلال عملية البحث عن السكن. بالمقابل، اعتبر 61,54% (8 حالات من أصل 13 حالة)، من كبار السن المتأثّرين بالتهديدات على مستوى السكن، أنّهم يسكنون في مسكن لا يتلاءم تماماً مع احتياجاتهم، حيث يكون المبنى غير مجهّز بمصعد أو درج ملائم لحركة المسنّين. كما بلغ 30،77% (4 حالات من أصل 13 حالة) منهم عدم توّفر مراكز خدمات ملائمة لهم في المناطق التي يقطنون فيها.

3- حجم الإخلاء ونطاقه

فيما يتعلّق بحجم الإخلاء ونطاقه، تظهر البلاغات تزايداً في التهديدات والإخلاءات الجماعية، بحيث رصدنا 146 طلب إخلاءٍ فردي و27 طلب إخلاء جماعي، كما تمّ رصد 29 إخلاءً منفذّاً على صعيد فردي و4 إخلاءات منفذّة على صعيد جماعي.

بحسب التقارير السابقة، يتمّ عادةً طلب الإخلاء شفهياً، وهو ما ينطبق على هذا التقرير، إذ بلغ عدد طلبات الإخلاء الشفهية 155 طلباً، بينما توزّعت الطلبات الأخرى على 21 طلب إخلاء مكتوب، 4 دعوى قضائية، وأمر قضائي بالإخلاء صادر عن دائرة التنفيذ، وهو ما يجب أن يحصل بعد مرور القضية من خلال المحكمة، إلّا أن هذا لم يحصل. وقد تمّ إرسال طلبات الإخلاء المكتوبة من قبل كاتب العدل (9 طلبات)، من قبل محامي (8 طلبات)، من قبل المالك (3 طلبات)، ومن قبل البلدية (طلب واحد). أمّا فيما خصّ الجهة التي تطلب الإخلاء فعادةً ما تأتي طلبات الإخلاء من قبل المالك (133 طلب)، الوكيل أو الوسيط مؤَجّر (46 طلب)، أو من قِبل جهة رسمية وفي هذه الحال البلدية (حالتين).

وقد كانت أسباب تهديد المستأجر تتعلّق بتهديد ناتج عن تكلفة السكن (137 حالة)، أو بسبب ممارسات أو ظروف ضاغطة غير متعلقة بكلفة السكن (134 حالة)، أو نتيجةً لهذين السببين معاً (95 حالة). تشمل الظروف الضاغطة الناتجة عن كلفة السكن وجود إيجار متراكم (105 حالة)، أو تعديل قيمة بدلات السكن الشهرية (84 حالة)، أو السببين السابقين معاً (52 حالة). من بين الحالات التي تعاني من تهديد ناتج عن تكلفة السكن، وصلت نسبة اللاجئات/ين السوريات/ين إلى حوالي 75% . بينما تشمل الظروف الضاغطة غير المتعلقة بكلفة السكن وبشكلٍ أساسي، المضايقات أو التعديات من المؤجر (58 حالة) أو من المحيط والجيران (11 حالة)، كما تتضمّن ظروف سكنية سيئة (53 حالة) وطلب فسخ العقد (60 حالة)، وقد طالت هذه الظروف اللاجئات/ين السوريات/ين بشكلٍ أساسي، لكن نسبة اللبنانيين الذين يعانون من الظروف نفسها كانت أيضاً ملحوظة.

وقد ترافقت طلبات الإخلاء في العديد من الحالات مع ممارسات تعسفية مختلفة، أبرزها التهديد بالاعتداء (17 حالة)، رمي الممتلكات خارج المنزل (17 حالة)، التهديد برمي الممتلكات خارج المنزل أو الحجز عليها (16 حالة)، رفض تسلم الإيجار (15 حالة)، التهديد بالدرك للإخلاء (13 حالة)، إرسال أشخاص للترهيب (10 حالات)، قطع الخدمات (10 حالات)، وغيرها من التعديات والممارسات التي عادةً ما تطال الفئات الأكثر استضعافاً خصوصاً الحالات من الجنسية السورية أو الجنسيات الأخرى (إثيوبيا، غانا، كينيا)، لكنها أيضاً طالت اللبنانيين وبشكلٍ ملموس.

وفيما خصّ الإخلاءات التي نُفّذت، فقد أدّت إلى إجبار المستأجرات\ين المتأثرات\ين إلى الانتقال خارج المدينة (7 حالات)، أو إلى الضواحي (3 حالات)، ما يساهم في معظم الأحيان في قطع علاقاتهن\هم الإجتماعية والاقتصادية مع الحيّ الذي سكنوه سابقاً، و قد يؤدي إلى تكبّدهن\م مصاريف إضافية للتنقلّ إلى العمل أو للوصول إلى الخدمات الأساسية. بينما استطاعت بعض الحالات البقاء ضمن المدينة نفسها، بينها 14 حالة انتقلت إلى حيّ آخر ضمن المدينة ذاتها، و7 حلات انتقلت ضمن الحي نفسه. كما أدّت 19 منها إلى حالات تشرّد، بينما استطاعت الحالات المتبقية (14 حالة) الدخول بعلاقة تأجيرية جديدة. يُذكر هنا، أنّ أبرز التوصيات الدولية للحدّ من التشرّد تتلّخص بالوقف الفوري لأي عملية إخلاء قد تؤدي إلى التشرّد. وقد توزّعت الحالات المشرّدة بين تشتّت أفراد عائلة عند عددٍ من الأقارب أو الأصدقاء، سكن 12 حالة عند أقارب أو أصدقاء، وهي تعتبر حالات من التشرّد المستتر، بينما لم تجد 4 حالات مكاناً تلجأ إليه غير الشوارع. في هذا السياق، أدّى الإخلاء الجماعي إلى تشرّد حالة من الحالات المذكورة أعلاه، لتسكن مع ابنتها على جانب الطريق بالقرب من خيمة تسكن فيها عائلة صديقتها، وهي تحاول اليوم إيجاد منزل يأويها دون نتيجة، بسبب ارتفاع بدلات الإيجارات. وقد جرى إخلاؤها من المبنى المؤلف من طابقين، والذي كانت تسكن في الطابق الأرضي منه في غرفة ومطبخ وحمام، في منطقة قب الياس. أمام سبب الإخلاء الأساسي، والذي ساهم في تهديد سكان آخرين في المبنى ذاته، فهو الخلاف حول حق الملكية والميراث بين الإخوة مالكي هذا المبنى.

كما ذكرنا في المقدمة، سنركّز في هذا التقرير على التهديدات والإخلاءات الجماعية و\أو تلك المتمركزة ضمن نطاق جغرافي، والتي ظهرت كنمط رئيسي في هذه الفترة.

4- تهديدات وإخلاءات جماعية و\أو متمركزة ضمن نطاق جغرافي

تُعرّف عمليات الإخلاء القسري بأنها الإزالة الدائمة أو المؤقتة للأفراد والأسر و/أو المجتمعات من المنازل و/أو الأراضي التي يشغلونها، دون توفير الأشكال المناسبة من الحماية القانونية أو غيرها من أشكال الحماية أو إمكانية الوصول إليها. وتشكّل هذه الاخلاءات انتهاكات جسيمة لمجموعة من حقوق الإنسان المعترف بها دولياً، بما في ذلك الحق في السكن اللائق.

من ضمن الحالات الموثّقة في هذا التقرير، رصدنا تهديدات جماعية و\أو متمركزة ضمن نطاق جغرافي. وقد طال الإخلاء القسري الجماعي بالفعل 377 فرداً، وفي أغلب الأحيان لم تترافق الإخلاءات بقرار قضائي وفقاً للقوانين المرعية الإجراء. نستعرض في هذا القسم هذه الحالات، ونرويها وفقاً للحيّز المكاني التي حدثت فيه: المبنى (26 مبناً، و325 فرداً متأثراً بالإخلاء)، المخيم (3 مخيمات، و52 فرداً متأثراً بالإخلاء)، الحيّ (86 حالة في برج حمود).

4.1. على صعيد المبنى: أمثلة من الحمرا وراس النبع

على صعيد المبنى حيث تم تهديد أو طرد كافة السكان، طالت التهديدات والإخلاءات الجماعية 26 مبنى. وقد حصل الإخلاء بالفعل في 3 من هذه المباني وطال 325 شخصاً على الأقلّ.

وقد تأثرّت بهذه التهديدات والإخلاءات الجماعية حالات من الجنسية اللبنانية والسورية على حد سواء (في 14 مبنى كانت الحالات المبلغة من الجنسية السورية، في 10 مبانٍ كانت الحالات المبلغة من الجنسية اللبنانية، وفي مبنيين كانت الحالات المبلّغة من جنسيات أخرى). كما أنّ معظم التهديدات طالت المستأجرات\ين من ذوي الإيجار الجديد (23 مبنى)، من ثمّ الإيجار القديم (مبنيين)، إضافةً إلى مبنى يتمّ إشغاله دون مسوّغ قانوني. عادةً ما يتعرّض المستأجرون الجدد للإخلاءات إمّا بسبب انتهاء مدّة العقد البالغ 3 سنوات فقط، أو بفعل عدم احترام المالك للمدة القانونية لعقد الإيجار ورغبته بفسخه، أو بسبب رغبة المالك تعديل قيمة بدلات السكن الشهرية، أو لأسبابٍ أخرى نفصلها فيما بعد، خصوصاً أنّ القانون لا يوفّر الحماية الكافية للمستأجرين ولاستدامة السكن. أمّا بالنسبة للإيجارات القديمة، فيتمّ الضغط على المستأجرين القدامى، ويُستخدم قانون الإيجارات الجديد لترهيبهم. ولطالما ساهم القانون الجديد في الإخلاء الجماعي للمستأجرين القدامى، وترك المتبقّين منهم للتساؤل عن مصيرهم عند انتهاء هذا القانون الذي يشوبه عددٌ من الإشكاليات، ومن أبرزها اللغط القائم حول انتهاء مدة السنوات التمديدية الـ 9 للقانون في أواخر عام 2023. وفيما خصّ الإشغال دون مسوّغ قانوني، فقد تمّ إشغال المبنى المذكور خلال الحرب الأهلية، ويعود سبب التهديد الحالي إلى انتقال ملكية المبنى إلى رجل مدعوم حزبياً، يحاول تقديم مبالغ مالية زهيدة للتعويض وإرهاب السكان لإخلائهم.

بالنسبة للحجج التي تُعطى من قبل المالك للإخلاء، فعادةً ما لا يأبه المالك بإعطاء حجةً لطلب الإخلاء، وهو الحال في 20 مبنى من المباني المرصودة، بينما ادّعى المالك في 3 من المباني أنّ استرداد المأجور هو لدواعي عائلية، أو بسبب انتهاء العقد (3 مبانٍ). أمّا الأسباب الحقيقية وراء تهديد المستأجر أو الاستضعاف المرافق للتهديد والإخلاء، فقد كانت مختلفة، إنما غالبيتها ناتجة عن تكلفة السكن و\أو ممارسات ضاغطة غير متعلقة بكلفة السكن، بما يشمل ظروف سكنية سيئة، مضايقات وتعديات من المحيط والجيران، مضايقات وتعديات من المؤجر، وغيرها. يُذكر هنا، أنّ أغلب الحالات التي تكون الهشاشة السكنية فيها مرتبطة بالإيجار المتراكم عادةً ما تكون من الجنسية السورية، بينما تعديل قيمة بدلات السكن الشهرية يطال الجميع على حدّ سواء. كذلك، تطال الممارسات والظروف الضاغطة غير المتعلقة بكلفة السكن الحالات من مختلف الجنسيات.

ويجدر الإشارة أيضاً أنّ التهديد بالإخلاء قد ترافق بممارسات تعسفية أو ضاغطة طالت 8 مبانٍ. شملت هذه الممارسات استقدام الدرك للإخلاء، إرسال أشخاص للترهيب، تعدٍ جسدي ، دخول المنزل عنوة أو بالقوة، تعدي لفظي، تهديد بالاعتداء، رفض تسلّم الإيجار، رفض الإعتراف بالإيجار المدفوع، تهديد بالدرك للإخلاء، تهديد برمي الممتلكات خارج المنزل، رمي الممتلكات خارج المنزل، وقطع الخدمات. وقد كانت الحالات المبلّغة عن هذه الممارسات بأغلبها لبنانية (ضمن 5 مبانٍ).

فيما يتعلّق بالتوزيع الجغرافيّ لهذه البلاغات، فقد جاءت بمعظمها من برج حمود (8 مبانٍ) وقد كانت الحالات المبلغة في 7 من هذه المباني من الجنسية السورية (بينها عائلة مختلطة سورية – أثيوبية)، ثمّ الشياح (3 مبانٍ) حيث كانت الحالات المبلّغة من الجنسية اللبنانية، وبرج البراجنة (مبنيان) وقد كانت الحالات المبلغة فيها من الجنسية السورية. وقد تعرّضت 6 مبانٍ في بيروت الإدارية لتهديداتٍ وإخلاءات. نلاحظ إذاً أنّ أغلب المناطق التي تطالها الإخلاءات الجماعية على صعيد المباني تقع ضمن بيروت الكبرى حيث تترّكز فرص العمل، وبالتالي يرتفع الطلب على المساكن الميسّرة التكلفة، خصوصاً للعاملات\ين من الفئات الاجتماعية المفقّرة من لبنانيين ومن لاجئات/ين سوريات/ين، وهي مناطق ذات كثافة سكنية مرتفعة (برج حمود، الشياح، برج البراجنة، حارة حريك). يؤدي ارتفاع الطلب على المساكن ورغبة المالك بتحقيق أرباح أعلى من الإيجارات إلى زيادة الإخلاءات، خصوصاً بسبب عدم القدرة على مواكبة الارتفاعات المستمرة والملحوظة للإيجارات. ينطبق ذلك أيضاً على الأحياء ضمن بيروت الإدارية التي تشهد مضارباتٍ عقارية. نذكر هنا أننا سنتعمّق في الجزء الأخير من هذا التقرير في تحليل التهديدات والإخلاءات الجماعية على صعيد منطقة جغرافية أو حي، والتي طالت على وجه الخصوص منطقة برج حمود.

نركّز فيما يلي على المباني التي نُفّذ فيها الإخلاء وبالتحديد على مبنى يقع في الحمرا ومبنى الآغا في راس النبع.

بالنسبة للمبنى الأوّل، فهو مبنى مؤلف من 4 طوابق و8 وحدات سكنية، يسكنها 7 مستأجرات/ين جدد، ومستأجر/ة قديم/ة. وقد طال التهديد 4 وحدات سكنية، وتمّ إخلاء 3 وحدات من ضمنها.

أمّا سبب الإخلاء فهو تهديد المحامية المسؤولة عن المبنى برفع الإيجار أو الإخلاء وذلك على إثر انتهاء مدّة العقود للإيجارات الجديد. من بين الحالات التي تمّ إخلائها، نذكر عائلة لبنانية مؤلّفة من 4 أفراد، إضافةً إلى أولاد أحد أفراد العائلة الذين يأتون إلى البيت خلال العطل كونهم يعيشون في مدرسة داخلية بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية لهذه العائلة، بالرغم من أن كلّ أفرادها يعملون لكن مداخليهم منخفضة جداً. بعد انتهاء العقد بينهم وبين المحامية التي تدير المبنى، لم يستطيعوا تحمل الكلفة الجديدة للإيجار التي تمّ فرضها والتي بلغت 250 دولار أميركي، بدلاً من مليون و400 ألف ليرة لبنانية التي شكلّت قيمة بدل الإيجار الشهري لمدة 3 سنوات.

أرسلت المحامية العديد من الإنذارات لهم ولم يتم الرد عليها، إلى أن وصلهم طلب إخلاء وتسليم من دائرة التنفيذ، وقد قام المختار ومأمور التنفيذ بزيارة المنزل لتنفيذ الإخلاء. أخلت هذه الحالة واستأجرت شقة جديدة في المنطقة نفسها. وقد أخلت حالتان بيتاهما في الظروف نفسها.

في حالة هذا المبنى، قد يبدو أنّه تمّ اتباع الإجراءات القانونية اللازمة للإخلاء، من إرسال الإنذارات والالتزام بالمهلة المقرّرة عُرفاً للإخلاء، واللجوء للقضاء لتنفيذ الإخلاء، كما لم يتمّ طلب الإخلاء إلّا بعد انتهاء ثلاثة سنوات وهي مدّة العقد القانونية، لكنّ المحامية كانت قد مارست شتى أنواع المضايقات على المستأجرين خلال هذه الفترة.

فقد تابعت لجنة المحامين للدفاع عن الحق بالسكن قضية هذا المبنى منذ عام 2021، حين بلّغ أحد السكان المرصد عن محاولة المالك إخلاء المستأجرين جماعياً بسبب رفضهم زيادة الإيجار التي حاول فرضها عليهم، في حين لم تتجاوز عقود معظمهم مدّة السنة. حينها نصحت اللجنة السكان بإداع بدلات الإيجار بشكل جماعي أمام كاتب العدل.

لم تمنع هذه الخطوة محامية المالك من مضايقة المستأجرين بشكل مستمر خلال السنوات التي تلت، ما دفع عدداً منهم للإخلاء. إذ بقي المرصد على تواصل مع إحدى المستأجرين، وهي سهى، وساعدها في عدة مناسبات في تقديم شكاوى ضد المالك والتفاوض مع محاميته. خلال تلك الفترة، كان المستأجرون قد توقفوا عن تنسيق خطواتهم في مجابهة المالك، بسبب خلاف وقع بين البعض منهم، ولرضوخ بعضهم الآخر لشروط المالك بعد ضغط المحامية المتواصل عليهم.

عند تلقي التبليغ بصدور قرار للإخلاء من دائرة التنفيذ، استنتج محامي اللجنة أنّ عقد الإيجار يجيز للمالك اللجوء مباشرة إلى دائرة التنفيذ، لوجود بند فيه يحوّله (أي العقد) إلى سند تنفيذ عند انقضاء مدّة الإجارة. ليكون بالتالي المالك قد استغّل ثغرة قانونية لتنفيذ الإخلاء دون اللجوء إلى المحكمة.

بالمقابل، تمكن المحامي من تقديم اعتراض أمام محكمة الأساس لوقف التنفيذ بعد إثبات أنّ مدة الثلاثة سنوات للعقد لم تنقضي وتمكّن من إبطال قرار رئيس دائرة التنفيذ.

أمّا بالنسبة للحالات الأخرى، لم يتمكن المحامي من إتخاذ نفس الإجراء، لمرور مهلة العشرة أيام الممنوحة قانوناً للاعتراض. فحاول المحامي تقديم كتاب يطلب فيه من دائرة التنفيذ استمهال العائلة حتى تتمكن من تأمين سكن بديل، إنما تمّ رفض الطلب. واضطرّت العائلة الإخلاء بالتاريخ المحدد في قرار الإخلاء الصادر.

بكلّ الأحوال، تبقى الإشكالية الأساسية في صلب القانون المعتمد لتنظيم العلاقة التعاقدية في إطار الترتيبات السكنية، وهو قانون الموجبات والعقود الذي يقوم على مبدأ تحرير الإيجارات، ولا يضع أي ضوابط على المالك عند تحديد قيمة الإيجار والحدّ الأقصى لزيادته عند نهاية العقد، والتي من المفترض أن ترتبط بمعدلات الأجور ومعدّل التضخم وغيرها من المعايير، خصوصاً في سياق الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان ووقوع نسبة كبيرة من سكانه تحت خطّ الفقر. كما لا يُعطى المستأجر مهلةً كافيةً لإيجاد مسكن بديل، ولا يلحظ القانون طريقة لحمايته من مضايقات المالك ما قد يدفعه للإخلاء. إنّ إعطاء الأولوية في هذا القانون لأهداف نقدية واقتصادية بحتة كان أثرها تجريد الأرض من دورها الاجتماعي وتكريسها لخدمة مصالح راس المال وتشجيع المضاربة العقارية، ما يجعل الوصول إلى السكن اللائق والمستدام أكثر صعوبةً لشريحةٍ واسعة من المجتمع اللبناني.

أمّا فيما خصّ المبنى الثاني الذي نُفِّذ فيه الإخلاء في أيلول الماضي دون قرار قضائي، وهو مبنى الآغا في راس النبع، فقد طال الإخلاء أكثر من 300 قاطن/ة سوري/ة – بينهم نسبة كبيرة من الأطفال – لأسبابٍ تمييزية بحتة والتي تلخّصت في شكاوى تقدّمت بها جهات في الحيّ إلى مالك المبنى، مفادها أن هؤلاء السوريين يرمون القمامة في الشارع ويتسبّبون بتدهور الحيّ. وقد تزامن هذا الإخلاء الجماعي مع الحمالات التحريضيّة ضدّ اللاجئات\ين السوريات\ين، التي سبق وذكرناها أعلاه، والذي كانت السبب لتنفيذ أنماط مختلفة من الإخلاءات والتهديدات.

ومن الملفت أنّ هذا هو المبنى نفسه الذي كانت قد وجّهت “رابطة أهالي راس النبع الاجتماعية” بشأنه كتاباً إلى بلدية بيروت في عام 2020 تطالبها بإخلاء “البؤرة الوبائية” فوراً ونقل سكان المبنى إلى مخيّماتٍ تأويهم، وذلك بعد اتخاذ وزارة الصحة والقوى الأمنية إجراءات لتطويق المبنى بهدف الحجر الصحي خلال كورونا. ولم تقف الرابطة عند هذا الحدّ، بل طالبت أيضاً بإخلاء أربع مبانٍ أخرى في راس النبع يقطنها عمالٌ أجانب. (لقراءة مقال استديو أشغال عامّة الذي يغطّي ما حصل في المبنى عام 2020 انقر/ي هنا).

في التفاصيل، كان وكيل المبنى قد أعطى السكان مهلة 15 يوماً للإخلاء، وعندما تواصل أحد السكان مع صاحب المبنى للاعتراض على هذه المهلة القصيرة، قيل له أنّ المالك قد أعلم الوكيل منذ ثلاثة أشهر لتبليغ السكان بالإخلاء. بحسب سكان الحيّ، لم يبلّغ الوكيل السكان حينها، لكي يستفيد من مردود بدلات الإيجار عن الأشهر الإضافية، لأن الوكيل يتقاضى “كوميسيون”، عمولة على الإيجارات.
يعكس ما حصل في مبنى الآغا ظاهرة التحيّز العنصري والطبقي تجاه اللاجئين السوريين، بدايةً من تصويرهم على أنهم المسبّب الرئيسي لتراكم النفايات في الحي ونشر فيروس كورونا، ومن ثمّ استغلالهم والتلاعب بمصيرهم من قبل الوكيل، وصولاً إلى إخلائهم بشكلٍ جماعيّ وقسريّ من المبنى من دون حكم قضائي.

4.2. على صعيد مخيم: تهديدات ومداهمات لمخيمات البقاع

بلغت نسبة حالات الاخلاءات والتهديدات بالإخلاء المرصودة التي طالت اللاجئات/ين السوريات/ين حوالي 70% من مجمل الحالات. تعكس هذه النسبة نتائج الحملات الأمنية التعسفية ومداهمات أماكن إقامة اللاجئات\ين السوريات\ين والحملة التحريضيّة التي نفّذتها الجهات الرسمية والحملات الإعلامية ضدّهم، والتي شهدناها منذ نيسان 2023.

في هذا السياق، رصدنا ثلاث تهديدات بالإخلاء تطال مخيمات في محافظة البقاع، قضائَي زحلة والبقاع الغربي، منها ما جاء على صعيد كامل المخيم، ومنها ما طال عائلات محددة ضمن المخيّم.

أمّا بالنسبة لأسباب هذه التهديدات، فتؤكد الأمثلة الثلاث التي نستعرضها فيما يلي أن قرارات الدولة وممارساتها الأمنية توسّع الشرخ الاجتماعي والعزلة بين اللاجئين السوريين وتشجع على معاملتهم كدخلاء وكمصدر تهديد أمني وديموغرافي، وتُنتج المزيد من مظاهر التمييز والعنصرية والعنف، والانتهاك لحق اللاجئين في الحصول على السكن الآمن والملائم. كما تقلّل الممارسات المتّبعة في الحالات الثلاث من احترام التعبير عن الهوية الثقافية والاندماج الاجتماعي، تمهيداً لتجريمهم وترحيلهم.

عام 2000، وصل عامر (وهو من الجنسية السورية) إلى مخيم في بلدة المنصورة في البقاع الغربي، واستأجر خيمة خشب، “تنكية”، وضَمَنَ الأرض المحيطة بها لزراعتها مقابل مبلغ يُدفع لصاحب الأرض التي تقع على ضفاف نهر الليطاني. خلال هذه الفترة الممتدة على حوالي 23 سنة، أجرى عامر تعديلات وتحسينات على الخيمة الموجودة التي يسكنها لتلائمه وتلائم حاجات عائلته الموسعة التي تسكن معه، وتتألّف من والديه، وأخوه، زوجته وأولاده التسعة الذين تتراوح أعمارهم بين السنتين إلى 12 سنة، إضافةً إلى أخته وزوجها وابنتها البالغة من العمر السنتين الذين يسكنون في خيمة متاخمة. فقد قام بتوسيع الخيمة من حوالي 40 متر مربع (8×5 م) إلى 195 متر مربع (13×15 م). وقد ارتفعت قيمة الإيجار تدريجياً لتصبح اليوم 1400 دولار أمريكي تدفع بالليرة اللبنانية كبدل إيجار الخيمتين، و70 دولار أمريكي كبدل إيجار مساحة الأرض التي يزرعها ويعتاش منها.

بعد عام 2011، ومع بداية اللجوء السوري إلى لبنان، لجأت العديد من العائلات إلى هذه المنطقة، وتمركز جزء منهم على الأرض نفسها، واستأجروا مساحة لبناء خيمهم، كما تمّ توفير إمدادات كهرباء ومياه للخيم الجديدة، مقابل 70 دولار أمريكي شهرياً. بذا، تحولت الأرض إلى مخيم يضمّ 25 خيمة و30 عائلة سورية.

اليوم، وبعد 23 سنة من السكن المتواصل على هذه الأرض وزراعتها، تواصل المالك مع عامر طالباً منه إخلاء الخيمتين لأنه يريد استعادتهما في ظل النزوح من الجنوب هرباً من الاعتداءات الإسرائيلية وأعطاه مهلة يوم واحد فقط للإخلاء.

عموماً، وبسبب عقود الإيجار الشفهية التي تشكّل نسبتها حوالي نصف البلاغات التي يتلقّاها المرصد، غالباً ما يجد المستأجرون أنفسهم غير قادرين على إثبات شروط عقودهم وأحكامها، ما يضعهم في موقف أكثر استضعافاً ويعرّضهم للإخلاء التعسفي، كإعطاء يوم واحد للإخلاء، خلافاً للقوانين.

في ظل غياب الحماية السكنية للفئات المُستضعفة والتهجير الناتج عن الاعتداءات الاسرائيلية المستمرة على الأراضي اللبنانية، يصبح العمل على خطة إيواء جدية وعادلة من قبل الدولة اللبنانية أساساً لتأمين الحق في السكن للجميع.

في مخيم آخر في البقاع وضمن منطقة بر الياس وعلى ضفاف نهر الليطاني أيضاً، رصدنا تهديداً بالإخلاء يطال كامل المخيّم الذي يضمّ 21 عائلة. ويعود سبب هذا التهديد إلى رغبة مالك الأرض التي أقيم عليها المخيم باسترجاعها، وهو يطالب الجمعيات التي عملت في المخيم وساهمت ببنائه (أعمال الردم وإمدادات الكهرباء وبناء الوحدات السكنية وغيرها من الأعمال) بدفع مبلغ وقدره 20 ألف دولار أمريكي، كما يقوم بابتزاز الجمعيات ليسمح للعائلات اللاجئة بالبقاء فيه أو إيجاد بديل سكني لجميع السكان، دون الموافقة على أي نوع من المفاوضات أو الوساطة.

يتابع المرصد هذه القضية منذ تشرين الأول 2021، والملفت أن التهديد بالإخلاء يتكرّر كل شتاء، وهو ما يمكن أن يكون قرارٌ استراتيجيٌ من المالك، كي يجعل تهديداته بالإخلاء تبدو أكثر حدّة وخطورة. وعلى الرغم من بذل المرصد عدّة جهود للتوسط مع المالك، كان رده دائماً بأن ليس لديه أي نية جديّة للإخلاء، وأن كل ما يسعى إليه في الواقع هو الدعم المالي من الجمعيات. وحتى يومنا هذا، ورغم رفع الإيجارات بشكل دوري، لم يتم تنفيذ أي عمليات إخلاء، إنما يبقى التهديد قائماً، على اعتبار إبقاء المخيّم على الأرض قد يناسب المالك في عملية الابتزاز هذه.

على خلاف الحالة السابقة التي لم ينفّذ فيها الإخلاء حتى تاريخه، داهم الجيش اللبناني في أيلول 2023 مخيّماً في منطقة قب الياس تمّ إنشاؤه عام 2014، ويتألّف من 49 خيمة. وقد قام الجيش بإزالة 6 خيم مانعاً السّكان من إخراج مقتنياتهم وفرشهم، كما قام بتكسير بعض الأجهزة الكهربائية وشاشات التلفاز ومرطبانات المونة. وقد تمّت هذه المداهمة على خلفيّة إشكال فردي حصل بين شخص سوري الجنسيةّ والشاويش، وهو صاحب نفوذ معروف في المنطقة. بلّغ الشاويش عن هذا الإشكال، ما تسبّب بتنفيذ المداهمة وإخلاء العائلات من المخيّم وعدم السّماح لهم بإعادة بناء الخيم مجدّدا، مستغلّين القرار الرسمي الصادر عن وزير الداخلية والبلديات بشكل مجحف وعشوائي.

تقيم العائلات حالياً لدى أصدقاء لها ضمن المخيّم نفسه، وقد تواصلت مع وكالة الأمم المتّحدة التي أرسلت لهم قسم الحماية وأخذت بعض المعلومات، دون الحصول على رد. وقد أخبرهم الضابط المسؤول أنه لا يمكنهم إعادة بناء الخيم بالرغم من تدخّل أحد النافذين اللبنانيين في المنطقة. كما يُذكر أنّه بعد أيلول 2023، تمت مداهمة المخيّم مرتين في كانون الأوّل وكانون الثاني، دون تهديم خيم إضافية.

تعتبر هذه الممارسات التعسفية والعنصرية انتهاكاً لحقوق الإنسان من خلال هدم الخيم وجرفها، مصادرة الممتلكات، أو تطبيق الإخلاء القسري والترحيل التعسفي، بالاضافة إلى تنفيذ الاعتقالات، وفرض بعض البلديات منع التجول والإخلاء القسري الجماعي لكل من لا يملك سند إقامة كفيل أو ملف أمم.

وبينما تواجه عائلات اللاجئات/ين السوريات/ين تهديدات تتعلّق بالسكن من البلديات والمؤسسات العسكرية، تساهم الحملة التمييزية أيضاً في تفاقم عمليات الإخلاء التعسفي من قبل أصحاب الأراضي اللبنانيين – كحالتي المنصورة وبر الياس. بالرغم من حاجة هذه البلدات إلى عمالة سورية لرعاية الأراضي الزراعية، إلا أن تعاطي السكان والنظام السائد يميّز ضدهم ويعاملهم بشكل غير عادل.

كما يجدر الذكر أن غالبية السوريات/ين في المنطقة يعيشون في مساكن مكتظّة وغير مخصصة للسكن، في خيم أو تخشيبات لا تقيهم البرد والرطوبة والحر والمطر والريح أو غير ذلك من العوامل التي تهدّد الصحة، وخصوصاً من الفيضانات والأمطار والسيول الجارفة نتيجة زيادة وتيرة وشدة الأحداث المناخية المتطرّفة بسبب وقوع لبنان في إطار المنطقة السّاخنة التّي تعيش مغبة التغيير المناخيّ المباشر. كما ويعيش بعضهم على ضفاف نهر الليطاني الذي يعاني من التلوّث المزمن الناتج عن الاعتداءات المتنوعة والمختلفة بطبيعتها ودرجات خطورتها. هذا كله أدّى إلى تحويل مجرى نهر الليطاني إلى مساحة موبوءة بالأمراض تؤثر على كافة الساكنين حوله ومن ضمنهم اللاجئات/ين السوريات/ين.

4.3. ضمن نطاق جغرافي: بلاغات متمركزة في برج حمود

تباعاً، وفي الإطار الزّمني نفسه لهذا التقرير، تلقّى مرصد السّكن، وبشكل ملفت، حالات عدّة أتت متمركزة ضمن نطاق جغرافيّ واحد، حيث أتت النّسبة الأكبر من هذه البلاغات من نطاق بلدية برج حمّود، وبلغت 86 بلاغاً من أصل 265 أي ما يعادل تقريباً 32.5% من مجمل البلاغات. 12 منها يواجهون تهديداً جماعياً ويتوزّعون على 8 مبان مختلفة، أمّا الحالات المتبقيّة (74) فقد بلّغ سكّانها عن تهديد طال وحدتهم السكنية فقط. 90% منهم هم من الجنسية السورية مقابل 8% من الجنسية اللبنانية وحالة واحدة أرمنية وأخرى أثيوبية.
تتعرّض كلّ البلاغات لتهديد خسارة مسكنها لكن 62.8% منها تلقّت طلبات مباشرة بالإخلاء. وتعود أسباب التهديد هذا بنسبة 100% إلى تكلفة السكن، إذ أنّ 82.6% من المستأجرات\ين يعانون من تراكم الإيجار عليهم، بينما بلّغ 59.3% منهن\م عن تعديل قيمة بدلات سكنهم الشهرية، كما أنّ 41.8 % يعانون من السببين معاً. وبالإضافة إلى تهديدات الأعباء السكنية، تواجه نصف هذه الحالات (نسبة 52.3%) تقريباً، ممارسات ضاغطة إضافية لا تتعلّق بكلفة السكن. إذ بلّغ 32.6% عن سكنهم في ظروف سكنية سيّئة، و 19.7% يواجهون مضايقات من المؤجّر أو من المحيط المباشر، حيث رافقت 16.3% من البلاغات ممارسات تعسّفية، كقطع الخدمات والتعدّي الجسدي واللفظي والحجز على الممتلكات والأوراق الثبوتية وغيرها. ومن أجل فهم هذه البلاغات بشكل أعمق وتحليل الأسباب والظروف المختلفة المقابلة لها، تمّ تحديد موقع2لم نستطع الحصول على موقع دقيق لـ 6 بلاغات. كلّ منها على الخريطة المرفقة أعلاه، منها بحسب وصف أصحاب هذه الحالات أو من خلال تقنيات إحداثيّات الموقع على خرائط غوغل.

بالنظر إلى الخريطة المرفقة أعلاه، نلاحظ أنّ 7 من أصل 8 حالات من التهديد الجماعي على صعيد مبنى في المنطقة التي تقع فوق شارع الإستقلال تحديدا بين أحياء الدّورة، ومرعش، وهي في غالبيتها من الجنسية السورية ما عدا حالة لبنانية واحدة. والملفت أنّ الحالة اللبنانية الوحيدة المبلَّغ عنها من هذه المنطقة تتعرّض للتهديد بالإخلاء الجماعي كونها من المستأجرين القدامى. فلا عجب أنّ النسبة الأكبر من المبلّغين/ات عن التهديد الجماعي على صعيد مبنى هم سوريون وسوريات، نَظَراً للحملات التحريضية العنصرية التي تعرّضوا/ن لها خلال تلك الفترة الزمنية، والمستمرّة ليومنا هذا، والتي كرّستها بلدية برج حمّود بقراراتها الرسمية. فبعد حادثة الدورة في شهر تشرين الأوّل الفائت، والتي وقع ضحيّتها عمّال سوريون إثر إشكال فردي حصل بين أشخاصٍ لبنانيين، تطوّر إلى اعتداء جماعي وتحوّل فوراً إلى فرصة للنيل من اللاجئين/ات السوريين/ات، يومها، أطلقت عبر مكبّرات الصوت على الفور الدعوات لأبناء المنطقة للتجمهر في مواجهتهم/ن والمطالبة بإخراجهن\م من المنطقة، وتمّ الهجوم على بعض المحال التجارية التابعة للسوريين/ات في منطقة الدورة وتكسيرها، لتسجّل الأيام التالية لهذه الحادثة سلسلة من الاعتداءات العشوائية والمتفرّقة في شوارع وأحياء برج حمّود، نتيجة لكل هذا الحقن والتحريض. ثم تحرّك المخاتير في البوشرية موجّهين كتاباً إلى المديرية العامة للأمن العام طالبوا فيه بإقفال كافّة المحال التجارية غير الشرعية المشغولة من غير اللبنانيين/ات، بالإضافة إلى قيام مجموعة من الأشخاص المدنيين باقتحام عدد من الشقق في برج حمّود يقطنها سوريات/ون، بعد خلع أبوابها وضرب قاطنيها وتخريب محتوياتها وممتلكاتهم. لعلّ المشترك بين الحالة اللبنانية والحالات السورية المبلّغ عنها، هو غياب السياسات العادلة التي تضمن حقوق جميع فئات المجتمع بالسكن والحماية والأمان. فمن جهة، يتمّ تحميل أعباء الأزمات المتتالية التي نمر بها إلى الفئات المتضرّرة منها وبالأخصّ الفئات الأكثر استضعافاً وتهميشاً، إذ يحمَّل اللاجئون/ات السوريون/ات مسؤولية الأزمة الإقتصادية اللبنانية. كما هي حال الإيجارات القديمة، بحيث يحوّل الصراع إلى مستأجر-مالك في ظلّ غياب سياسات سكنية عادلة تضمن حقوق الجهتين، لنلاحظ دائماً تنصّل كافة السلطات اللبنانية الرسمية والمحلية من كافة مسؤوليّاتها المباشرة والحقيقية واستغلال المسؤولين والنافذين للأزمات لتأجيج الصراع بين مختلف فئات المجتمع من أجل الحفاظ على استمراريتهم ومصالحهم الخاصة.

بالعودة إلى الخريطة3المراجع: حدود النبعة: UN Habitat and Urban Lab| استخدامات الأراضي: دراسة قامت بها شركة APEC في آب 2009: Bourj Hammoud Brief City Profile| المعالم: الصور الجوية على خرائط غوغل.، يُظهر التوزّع الجغرافي للبلاغات، عدم تلقّي المرصد أي بلاغ من المنطقة الصناعية القريبة من المطمر، مقابل بلاغات معدودة من أحياء برج حمّود المتعدّدة الوظائف بين سكن، تجارة وخدمات، كما ومن الأحياء التي تعتبر في طور التطوير حيث المباني جديدة ومتباعدة، بينما تتمركز معظم البلاغات في المناطق الأكثر كثافة، عمراناً وسكّاناً. كما تتكثّف بشكل أساسي في حي النبعة، الحيّ الذي تحوّل من حقول زراعية خصبة في عشرينيات القرن الماضي إلى منطقة حضرية شديدة الفقر والكثافة في يومنا هذا. وما هو ورود العدد الأكبر من البلاغات من هذا الحي إلّا تأكيدٌ على أنّ الجماعات الأكثر هشاشة هي الأكثر عرضة لتهديد خسارة مسكنها وأمنها ومخاطر هذه الخسارة. بيد أنّ التطوّر التاريخي العمراني والديمغرافي للنبعة4مرجع تاريخ النبعة: تقرير Neighbourhood profile & strategy Nabaa Bourj Hammoud, Lebanon :UN Habitat   على مدى أكثر من قرن يشهد أنها لطالما كانت ملجأ وملاذاً5مرجع: مقال في جريدة المدن: برج حمود الملاذ “التاريخي” للاجئين والمهجّرين: ماذا نفعل بالسوريين؟ لمختلف الفئات العاملة على مرّ التاريخ. فقد شهدت النبعة أوّل موجة من النمو الديموغرافي عام 1915 حيث لجأ إليها الأرمن عندما هُجّروا هرباً من الإبادة التركية ومجازرها، ثمّ استقبلت موجة من الجنوبيين بعد الاعتداء الصهيوني على الجنوب اللبناني ونكبة فلسطين عام 1948، بالإضافة إلى ما شكّلته العاصمة في منتصف الخمسينات من عامل جذب للنزوح من الأرياف باتّجاهها. ثمّ لاحقاً، وإبّان الحرب الأهلية اللبنانية ومع الإجتياح الإسرائيلي (1975-2006) شهدت النبعة تهجيراً لمعظم السكان الشيعة، ومع بداية إعادة الإعمار، استقطبت فئة جديدة من المهاجرين وهم العمّال الأجانب من مختلف الجنسيات الآسيوية والإفريقية، ثمّ مؤخّراً وفي عام 2011 مع اندلاع الحرب السورية، شهدت النبعة وفود العديد من السوريين/ات الباحثين/ات عن ملجأ، ولا يزال الحي إلى اليوم يأوي الوافدين الجدد من خلفيات عرقية ودينية وطائفية متنوّعة وخصوصاً من ذوي الدخل المحدود. لقد أثّرت هذه التدفّقات الديموغرافية على مرّ السنين على التنوع السكّاني في النبعة، ممّا ساهم في تنوّع التقاليد الاجتماعية والثقافية واللغات والمستويات التعليمية والانتماءات السياسية، كما ونجم عن هذا التنوّع الديمغرافي المكتظّ في هذا الحيّز الجغرافي الضيّق الكثير من التحدّيات والأزمات وعلى عدّة مستويات. فبحسب الحالات المبلّغة من النبعة، استطعنا الحصول على بعضٍ المؤشرات السكنيّة لـ 17 حالة، منها 16 من الجنسية السورية وواحدة لبنانية. تبيّن أنّهم كلّهم من ذوي الدخل المنخفض وغير الثابت، يدفعون بأغلبهم 50% أو أكثر من قيمة مدخولهم على الإيجار، ويسكن 30% منهم في وحدات غير مخصّصة للسّكن (أسفل الدرج أو في وحدة مستحدثة على السطح) ويسكن 88% منهم في ظروف سكنية سيّئة وفي وحدات لا يدخلها النور والهواء وتعاني من الرطوبة والنش والعفن وتدخلها الحشرات والقوارض، ويعاني 59% منهم من مشاكل في الصرف الصحي و حوالي 88% منهم يواجهون صعوبة في الوصول للمياه والكهرباء نتيجة عدم استيعاب البنية التحتية مع زيادة الضغط على إمدادات المياه والكهرباء. كما تمّ التبليغ عن 3 مبان آيلة للسقوط بحسب مسح إنشائي. وبلّغ البعض أيضاً عن عدم شعورهم بالأمان في مكان سكنهم وتعرّضهم للتحرّشات والمضايقات بسبب التمييز على أساس الجنسية والجندر والطبقة الاجتماعية خصوصاً من السوريين والنساء والفتيات، كما بلّغ البعض الآخر عن عدم قدرتهم على ممارسة تقاليدهم الثقافية أو الحضارية أو الدينية دون قيود كالطبخ التقليدي، والإحتفال بأعياد، والتكلّم باللغة الأمّ أو بلهجة مختلفة، كما عن انتهاك حقّهم في التواجد واستخدام الحيّز العام.

ففي ظل الغياب التام للدولة وللدعم الحكومي والبلدي لتأمين متطلبات الأمن والسلامة والحماية والخدمات والبنى التحتية الأساسية للمجتمع المحلّي، يزداد التنافس بين السكان على السكن والخدمات. كما يؤدّي إلى سيطرة أحزاب مهيمنة وتشكيل عصابات، الأمر الذي يفاقم الشعور بعدم الأمان عند النساء خاصة.

إنّ سياسة تهميش النبعة وغياب التخطيط والسياسات التنظيمية اللازمة، جعل منها منطقة محاصرة للفئات الفقيرة من ذوي الدخل المحدود، وأدّى إلى فصلها إجتماعياً، ثقافياً، وإقتصادياً عن الأحياء المجاورة لها وباقي المدينة، وجعل من البنى التحتية للمواصلات، الحدود الفاصلة -كما هو حال جسر برج حمود أو شارع الأستقلال- الأمر الذي يوضّح تمركز بلاغات التهديد السكنية فيها.

يعمل مرصد السكن على توثيق حالات تهديد السكن، وبناء تضامن جماعي ودعم الحق في السكن للجميع دون تمييز، كما يضغط نحو سياسات سكنية دامجة.

بلّغ/ي عن انتهاك حقك بالسكن الآمن واللائق والمستدام  عبر واتساب على الرقم 81017023، أو عبر البريد الالكتروني: info@housingmonitor.org.

المراجع:

  • 1
    لم نستطع الحصول على الفئات العمرية لثلاث حالات من ضمن الحالات التي تابعها المرصد، بالتالي تعكس النسب المذكورة البيانات المتعلّقة بالفئات العمرية لـ 1352 فرداً وليس 1364 فرداً.
  • 2
    لم نستطع الحصول على موقع دقيق لـ 6 بلاغات.
  • 3
    المراجع: حدود النبعة: UN Habitat and Urban Lab| استخدامات الأراضي: دراسة قامت بها شركة APEC في آب 2009: Bourj Hammoud Brief City Profile| المعالم: الصور الجوية على خرائط غوغل.
  • 4
    مرجع تاريخ النبعة: تقرير Neighbourhood profile & strategy Nabaa Bourj Hammoud, Lebanon :UN Habitat  
  • 5
    مرجع: مقال في جريدة المدن: برج حمود الملاذ “التاريخي” للاجئين والمهجّرين: ماذا نفعل بالسوريين؟
السكن الشياح برج البراجنة برج حمود بعبدا طرابلس قضاء البقاع الغربي قضاء بعبدا قضاء زحلة لبنان محافظة البقاع محافظة جبل لبنان محافظة شمال لبنان
 
 
 

مبنى الآغا في راس النبع

إخلاء جماعي لـ ٣٠٠ قاطن\ة يبرز مدينة الإقصاء

في أيلول الماضي، تم إخلاء أكثر من 300 قاطناً سورياً – بينهم نسبة كبيرة من الأطفال – من مبنى الآغا في رأس النبع، بسبب شكاوى تقدّمت بها جهات في الحيّ إلى مالك المبنى، …

راس النبع في زمن كورونا

من يتكلّم باسم الحيّ؟

يوم 16 أيار، استيقظنا في حيّ راس النبع على مشهد تطويق مبنيَين سكنيَين لم أكن أعرف شيئًا عنهما سوى تفاعلي مع الأولاد الذين كانوا يلعبون دومًا على الرصيف المقابِل لهما. يومها، سألتُ سكان ...

أوضاع سكن السوريات/ين في لبنان: تقاطع السلطة والأمننة والهشاشة القانونية

رصد ودراسة حالة بين حزيران 2022 وتشرين الأول 2023

منذ نيسان 2023، شهدنا تصاعداً في الحملات الأمنية التعسفية ومداهمات أماكن إقامة اللاجئين السوريين في مناطق لبنانية متعدّدة، ممّا أدّى إلى الاعتقال التعسفي والترحيل القسري للعديد من اللاجئين. في هذا السياق، قام ستوديو …

كيف نقرأ تحوّلات السكن في ظلّ الأحداث العامة؟

التقرير الدوري | كانون الأوّل 2022 - أيّار 2023

يوّثق هذا التقرير البلاغات التي تلقّاها “مرصد السكن” بين أوّل كانون الثاني من عام 2022 حتى آخر أيّار من عام 2023. في هذه الفترة تسارعت الأحداث خصوصاً على الصعيد السياسي والاقتصادي، وكان لها …