أراضي الأوقاف الدينية في لبنان

بحث وكتابة: كريستينا أبوروفايل

وسط الانهيار الاقتصادي في لبنان والأزمات الأخرى المتتالية، تُطرح قضية “المُلكية” كمسألة جوهرية في نسج نظام العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، تؤطّرها الدولة عبر القوانين ممّا يضعها في صلب الصراعات الاجتماعية والعلاقة بين المجتمع والدولة1سمير العيطة، مراجعة كتاب/تقرير “الدولة، بين ملك أفراد وقضايا مجتمع”، 2022، متاح على: مراجعة كتاب/تقرير « الدولة، بين ملك أفراد وقضايا مجتمع » – مواطنون ومواطنات في دولة. من هذا المنظور، بدأنا بين عامي 2021 و2022 بحثاً معمّقاً عن أملاك الدولة العقارية في ظلّ تكاثر المقترحات التي تهدفُ إلى خصخَصتها بحجّة إنقاذ الدولة من الإفلاس. وكان لا بدّ لنا أن نستكمل هذا البحث بالنظر إلى أراضي الأوقاف الدينية التي لا يوجد أيّ مسحٍ لها ولا تخضع لأيّة ضريبة، رغم ضخامة حجمها ضمن مجمل الملكيّات.

لدى الأحزاب والمجموعات التقدميّة في جميع أنحاء العالم تاريخ طويل في تحدي الامتيازات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للسلطات الدينية، خاصةً بعد الأزمات السياسية أو الاقتصادية. أمّا في لبنان، وبالرغم من مرور أكثر من 5 سنوات على الانهيار الاقتصادي، ما زالت السلطات الدينية محيَّدة عن النقاش حول توزيع الخسائر. في الوقت الحالي، تسيطر السلطات الدينية في لبنان على أراضي وقف شاسعة وتدير مؤسسات تعليمية وصحية بارزة بقليل من الرقابة من قبل السلطات العامة. وعلى الرغم من تزايد الانتقادات التي تطال الإيرادات المفرطة للمؤسسات الدينية، نادراً ما يتم التطرق إلى تنظيم أوقافها.

وفي الوقت الذي يتحمل فيه المجتمع وحده، ولا سيما الفئات المهمّشة، عبء الأزمة الاقتصادية، تبرز الحاجة اليوم إلى مساءلة السلطات الدينية حول الثروة المجتمعية التي تديرها من خلال أراضي الأوقاف. فما هو حجم أراضي الأوقاف وأين تتركّز؟ ماذا يكشف تحليل توزيعها الجغرافي عن تاريخ الملكية في لبنان؟ مصلحة من تخدم أراضي الأوقاف الدينية؟ ما الذي يبرّر الإعفاءات الضريبية والمزايا التي تحظى بها؟ ما هو الإسهام العادل الذي يجب أن تقدّمه السلطات الدينية في مواجهة الأزمة الحالية؟ وما هو مستقبل هذه الأراضي كأصول مشتركة؟

انطلاقاً من هذه الأسئلة، يستعرض هذا الملف، المؤلف من جزئين، أراضي الأوقاف في القانون اللبناني وفي بيانات مديرية الشؤون العقارية، ويقدّم قراءة للثروة العقارية لثلاث طوائف (المارونية، الأرثوذكسية والسنية) ضمن نطاق بيروت الكبرى، بناءً على البيانات المتعلّقة بأراضي الأوقاف الدينية من مديرية الشؤون العقارية. ويقدّم خريطةً تفاعلية تبيّن توزيع هذه الأراضي مع كافة المعلومات المتوّفرة المتعلّقة بها. من خلال توفير هذه البيانات، يُتاح استخدامها كأداة فعّالة لتعزيز الشفافية والمساءلة المستقبلية، مما يدعم النقاشات والمناصرة حول قضايا العدالة الاجتماعية واسترجاع القيمة الاجتماعية لهذه الأراضي، وإظهار الدور المحوري الذي يمكن أن تلعبه إذا أُعيد النظر في دورها، وإلى صياغة سردية عامة حول الامتيازات المالية للسلطات الدينية، ووضعها في صلب النقاش الأوسع حول الانهيار الاقتصادي، كما وتسليط الضوء على الحاجة إلى تنظيمها وفرض الضرائب عليها.

اقرأ/ي أيضا:

المراجع:

الأملاك العامة الموارد الطبيعية قضاء بيروت لبنان محافظة بيروت محافظة جبل لبنان محافظة كسروان-جبيل