بعد مرور حوالي أربعة أشهر على وقف إطلاق النار، ومع بدء عودة السكان إلى القرى الحدودية ومحاولتهم استعادة حياتهم، حضرت دوريات لقوى الأمن الداخلي إلى ميس الجبل وكفركلا وشقرا لتسطّر محاضر ضبط بحق من شرع في إعادة بناء منزله، حيث كشفت دورية على خمس ورش بناء في الحي الغربي في ميس الجبل وقامت بتسطير محاضر بحق سكان يشيدون منزلاً بمساحة 80م² في قطعة أرض يملكونها تزيد مساحتها على ثلاثة دونمات وطلبوا وقف الورشة إلى حين الاستحصال على التراخيص اللازمة للبناء من التنظيم المدني والدوائر العقارية، بعد ورود وثيقة من جهاز فرع المعلومات تفيد بتشييد بناء مخالف. وتكرر المشهد نفسه في محلة هورة بين كفركلا ودير ميماس، حيث شرع أحد السكان بتشييد غرفة ومطبخ وحمام بجانب منزله المدمّر قبل أن توقف القوى الأمنية الورشة. بينما أشارت مصادر من البلديات الجنوبية أنّ هذه الحالات كانت تحاول أن تبني بيوتها في مشاعات الدولة، ما استدعى تدخّل الدولة من أجل منع هذه الأفعال.
بالرغم من أنّ مدى انتشار وتكرار هذه الممارسات غير واضح حتى الآن، لكن السكان أعربوا عن قلقهم حيال آلية إعادة الإعمار لاسيما في القرى الحدودية غير الممسوحة، وفي البيوت القديمة التي ليس فيها رخص أو سندات ملكية، ومصير الأبنية التي سُوّيت بالأرض، سواء أكانت مرخّصة أم مخالفة، أو مشيّدة على الأملاك العامة. ويحاول رؤساء البلديات تبديد هذه المخاوف، مؤكدين أنّ الأبنية التي تهدمت ستُعاد كما كانت، حتى وإن لم تكن مرخّصة، إذ يُفترض أن يصدر قانون خاص من مجلس النواب يسمح بترخيصها ضمن إطار إعادة الإعمار.
في هذا السياق، ورد ضمن توصيات “مؤتمر إعادة الإعمار خطة أو قرار” الذي نظّمته نقابة المهندسين في بيروت رابطة المهندسين الأخصائيين في التنظيم المدني ضمن التوصيات المتعلّقة بالتنظيم والتخطيط العمراني “التأكيد على تطبيق القوانين المرعية الإجراء في عملية إعادة الإعمار (قانون التنظيم المدني وقانون البناء وقانون تنظيم مهنة الهندسة وقانون البلديات)”، كما و“عدم اعتبار المخالفات الواقعة على الأملاك العامّة حقوقاً مكتسبة”.
من هنا، تبرز أكثر فأكثر إشكالية وجوب الحصول على رخص البناء لإعادة البناء، كما وإشكالية إعادة بناء المباني المخالفة أو تلك المشيّدة على الأملاك العامة، التي قد تشكّل حالياً جزءاً من العوائق التي تقف أمام العودة السريعة للسكان بالأخصّ في القرى الحدودية، حيث ما زالت الانتهاكات الإسرائيلية مستمرة، مدمرةً حتى البيوت الجاهزة المؤقتة. فالتحديات التي يفرضها تطبيق القوانين المرعية الإجراء على غرار قانون البناء وقانون الملكية، تبدأ من حيث أن هذه القوانين لا تتعاطى مع خصوصيّات المناطق المدمرة وتنوّعها العمراني، بالأخصّ في المدن القديمة والنسيج التاريخي في البلدات الجنوبية. إذ أن إعادة البناء في هذه المناطق سوف تتطلّب رؤية محلية لإعادة البناء، خاصة وأن قانون البناء لا يعترف بخصوصية المدن القديمة وهندستها المعمارية، وهو ما ينطبق أيضاً على إعادة البناء في المناطق التي تضمّ عدداً من الأراضي الأميرية، أو في المناطق غير الرسمية المبنية على ملك الغير إمّا الخاص أو العام، ما يطرح بالتوازي إشكالية المناطق غير الرسمية ومصيرها في ظلّ الدمار الهائل الذي طالها، وبشكل مختلفٍ تماماً عمّا حصل في حرب تموز 2006.
وكانت الحكومة قد صادقت سابقاً على “مشروع قانون يرمي إلى إعادة إعمار الأبنية المتهدّمة بفعل العدوان الإسرائيلي على لبنان” الذي يقوم على إلغاء التعقيدات الإدارية والرسوم المالية لتمكين المواطنين من إعادة بناء منازلهم من دون رسوم أو تراخيص. بالرغم من تركيز القانون على إعمار المباني فقط وتجاهله للتعافي الشامل للمناطق والبلدات المتضررة، يعتبر البعض أنّه يتعيّن على البرلمان، منذ بداية عملية إعادة الإعمار، أن يقرّ مثل هذا القانون الذي يسمح بإعادة بناء القرى التي بُنيت قبل صدور قانون البناء، والتي تحتاج لإقرار استثناء يسمح بإعادة بنائها بالشكل الذي كانت عليه وبما يناسب سكانها ويحافظ على طابعها من دون الالتزام بقانون البناء؛ كذلك بالنسبة للمباني المدمّرة التي بُنيت بمخالفات.
بالإضافة إلى ذلك كلّه، فإن العودة والإعمار اليوم، خاصة في القرى الحدودية هو موقف وعمل سياسي، أوّلاً لحاجة السكّان لبيوت تأويهم وتحميهم وتؤمّن لهم حقّهم بالعودة إلى أرضهن\م والبقاء فيها والصمود؛ وثانياً لأن تفريغ القرى الحدودية هو الهدف الواضح والمُعلَن للعدو الصهيوني والذي يسعى إليه كل يوم في قصفه المستمرّ لهذه القرى، من خلال منعه الناس من العودة. ممّا يعني بأن مسؤولية الدولة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، هي تسهيل عملية إعادة الإعمار وتنظيمها، بما يحفظ حق الناس بالسكن وحاجاتهن\م والخصوصية العمرانية للمناطق، في إطار مقاومة الاحتلال، لا تركهم وحدهم مقابل آلة القتل الإسرائيلية. بالتالي، يجدر على أيّ نهج أو توصيات متعلّقة بإعادة الإعمار أن تكون محلية، ومنبثقة من خصوصيّات المناطق وإشكالياتها وحاجات سكانها من خلال مشاريع ذات رؤى ومقاربات محليّة، تأخذ بعين الاعتبار كلّ حي وبلدة ومدينة، وتسهل العودة السريعة للسكان إلى قراهم وبلداتهم، وتجعلهم قادرين على إعادة البناء والصمود دون تعقيدات إدارية، وتسمح للجميع بالعودة إلى الأمكنة التي لطالما سكنوا فيها.
مشروع قانون إعادة الإعمار يكرر إخفاقات الماضي:
ليس بإعمار المباني فقط نحيي بلدات مدمّرة
بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان حيّز التنفيذ في 27 تشرين الثاني، عقدت حكومة تصريف الأعمال جلسةً وزاريّة في 7 كانون الأوّل استثنائياً في مدينة صور، وأقرّت "مشروع قانون يرمي إلى ...