باختصار، ما هو القانون المقترح؟
يقضي القانون رقم 328 بتعليق المهل القانونية والقضائية والعقدية من 8 تشرين الأول 2023 حتى 31 آذار 2025، نتيجة الأحداث الاستثنائية التي شهدها لبنان منذ الثامن من تشرين الأوّل 2023 والتي حالت دون ممارسة الدولة والمواطنين لحقوقهم في خلال هذه المهل، ويهدف، بحسب أسبابه الموجبة، إلى حماية هذه الحقوق في ظلّ هذه الظروف الطارئة. يشمل التعليق جميع المهل الممنوحة لممارسة الحقوق العامّة والخاصة، بما في ذلك المهل الشكلية والإجرائية والمدنية والتجارية، إلّا أنّه يستثني في المادة الثانية منه مهل أساسيّة أبرزها المهل الواردة في قانون الايجارات الصادر بتاريخ 9/5/2014 وتعديلاته. وينصّ القانون على استمرار عمل النقابات والتعاونيات حتى انعقاد جمعيّاتها العادية، كما يسمح للأطراف بالتنازل الخطي عن مفعول التعليق، ويمنح الحق بإعادة المحاكمة إذا لم يُراعَ التعليق.
ما هي الأسباب الموجبة التي يذكرها القانون؟
- الأحداث الاستثنائيّة التي شهدها لبنان منذ الثامن من تشرين الأوّل 2023، والتي اتّصفت في ظروفها وحيثيّاتها بالخطيرة، ممّا حال بفعل القوّة القاهرة المتأتّية عنها دون ممارسة الدولة والمواطنين لحقوقهم في خلال المهل القانونيّة والقضائيّة والعقديّة.
- وبما أنّ صون حقوق المواطنين وحمايتها، مكرّس دستوريا، ممّا يقضي توفير الظروف الملائمة لتمكينهم من ممارستها في كل حين.
- وأسوة بما حصل في مراحل سابقة من تاريخ البلاد في ظروف مماثلة، ولا سيّما مؤخرا بموجب القانون رقم 160/2020.
- وبما أنّ بعض القوانين الخاصّة قد مدّدت تعليق المهل إلى آجال تتجاوز الـ 31 آذار 2025.
أيّ نواب اقترحوا القانون؟
توالت أربعة اقتراحات لهذا القانون، والقانون الصادر اعتمد على الاقتراح الذي قدّمه النائب إبراهيم كنعان، مع تعديلات بسيطة. والإقتراحات الأربعة تقدّمت تباعا عبر كلّ من:
- النائب جورج عدوان: حيث قدّم اقتراح القانون بصفة معجّل مكرّر في تاريخ 24/10/2024 تحت عنوان: اقتراح قانون يرمي إلى تعليق المهل
- النائبة بوليت يعقوبيان: حيث قدّمت اقتراح القانون بصفة معجّل مكرّر في تاريخ 6/11/2024 تحت عنوان: تعليق المهل القانونية والقضائية والعقدية بسبب العدوان الاسرائيلي على لبنان
- النائب إبراهيم كنعان: حيث قدّم اقتراح القانون بصفة معجّل مكرّر في تاريخ 12/11/2024 تحت عنوان: تعليق المهل القانونية والقضائية والعقدية من تاريخ 8 تشرين الأول 2023 ولغاية 31 آذار 2025
- النواب وضاح الصادق, مارك ضو وميشال الدويهي (كتلة تحالف التغيير): حيث قدّموا اقتراح القانون بصفة معجّل مكرّر في تاريخ 20/11/2024 تحت عنوان: تعليق المهل القانونية والقضائية والعقدية
النوع
قانون أقرّ بعد اقتراحه بصفة معجّل مكرّر
الفاعلون
كافّة أشخاص الحقّين العام والخاص، المحاكم اللبنانية، النقابات والجمعيات والتعاونيات، المستأجرين والمالكين.
المناطق المتأثرة
كافّة المناطق اللبنانية
في ظلّ الأزمات المتكرّرة التي واجهها لبنان، لطالما اعتمدت الدولة اللبنانية تشريعات تعليق المهل القانونيّة والماليّة والقضائيّة، باعتبارها وسيلة لمعالجة التداعيات المباشرة لهذه الأزمات، وأداة قانونيّة تهدف إلى حماية حقوق الأفراد والمؤسسات في مواجهة الظروف الاستثنائية التي تخرج عن السيطرة، كقانون تعليق المهل 160/2020 الذي أقرّ أوّل جائحة كورونا على إثر إعلان التعبئة العامة. واليوم، تعود الدولة لاعتماد النهج نفسه استجابةً للأوضاع الطارئة الناتجة عن العدوان الإسرائيلي على لبنان منذ تشرين الأول 2023، عبر إقرار قانون جديد لتعليق المهل القانونية، القضائية، والعقدية للفترة الممتدة من 8/10/2023 وحتى 31/3/2025، حيث نشر في الجريدة الرسمية في 5/12/2024 وأصبح ساري المفعول.
إلّا أنّ سريان القانون بات معلقاً، بحيث قدّم تكتّل لبنان القوي (التيار الوطني الحر) طعناً به أمام المجلس الدستوري يوم الخميس في 19 كانون الأوّل 2024. وعلّق على ذلك النائب سيزار أبي خليل1المصدر: “التيار” يقدم طعناً في قانون تعليق المهل القانونية “أنّ القانون خالف النظام الداخلي لمجلس النواب واتّسم بالغموض (….) وهذا الغموض يؤدي إلى استنسابية قضائية، يضرب المساواة الدستورية، ويخلق تعارضاً بين المواد والأسباب الموجبة إضافة إلى الخلط بالمفاهيم”.
بمعزل عن الدافع الحقيقي وراء الطعن، الذي لا يزال يحتاج إلى تحقيقاً، نقدّم في هذا النص تعليقاً على القانون المقرّ، كاستراتيجيّة معتادة تعتمدها الدولة اللبنانية في أوقات الأزمات، وتقييم استدامته وفعاليّته في معالجة الأزمات على المدى البعيد، خصوصا بعد التجارب السابقة المماثلة. ويركّز التعليق على تمديد مهل عقود الإيجارات، وعلى تقييم مدى فعاليته في معالجة تداعيات الحرب الإسرائيلية على الحق في السكن. فخلال الحروب، لا يواجه الأفراد والجماعات المتضرّرة مشاكل وتحديات إنسانية خطيرة فحسب؛ بل غالباً ما يتعرّضون لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في السكن. في سياق لبنان حيث يتم تسليع السكن وحيث تتشكّل السياسات العامة في خدمة المصالح الخاصة، تستمرّ الانتهاكات الضخمة للحق في السكن الملائم. لذا، على أهمية تمديد عقود الإيجارات في سياق هذا القانون كأداة عمليّة لردع الإخلاء، تبقى هذه الخطوة ناقصة في ظل غياب الإجراءات الموازية من قبل الدولة لضمان الحق في السكن خلال الحرب وما بعدها، انطلاقاً من واجبها الدستوري.
وصف القانون ومساره
بدءً من 24 تشرين الأول 2023، أيّ بعد حوالي أسبوعين من بدء الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان، توالت اقتراحات القوانين لتمديد المهل، كان أوّلها اقتراح النائب جورج عدوان. لكنّ لم يبتّ به حتى الآن، شأنه شأن الإقتراحات الأخرى التي تقدّمت تباعاً، بعد التصعيد الإسرائيلي في 23 أيلول 2024، من كلّ من النائبة بولا يعقوبيان في 6 تشرين الثاني 2024، ومن ثمّ النائب إبراهيم كنعان في 12 تشرين الثاني 2024، وأخيراً من كتلة تحالف التغيير (وضاح الصادق، مارك ضو وميشال الدويهي) في 20 تشرين الثاني 2024. وتجدر الإشارة إلى أنّ القانون الصادر الآن اعتمد على الاقتراح الذي قدّمه النائب إبراهيم كنعان، مع تعديلات بسيطة، من بين الاقتراحات الأربعة التي اندرجت على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء تاريخ 28 تشرين الثاني 2024.
بالنظر إلى الاقتراحات الأربعة، والمقدّمة جميعها بصفة معجّل مكرّر، نرى أنّها اعتمدت إلى حدّ كبير نصّ القانون السابق الذي أُقرّ أوّل جائحة كورونا (160/2020) مع تعديلات تتناسب والسياق الحالي للبلد، كما تشابهت فيما بينها بالأسباب الموجبة عبر تناول الظروف الصعبة والاستثنائيّة التي تمرّ بها البلاد، سواء أكانت نتيجة الأوضاع الاقتصادية أو الحرب، بحجّة عدم إمكانيّة ممارسة المواطنين لحقوقهم ضمن المهل القانونية، وأبرزت الحاجة الملحّة إلى تعليق المهل كوسيلة لحماية حقوق المواطنات\ين والمحافظة على العدالة، المكرّسة دستورياً.
أمّا في الإختلافات، فلعلّ الأبرز هو اختلاف الفترة الزمنيّة2تحدّدت مهلة التعليق في اقتراح جورج عدوان من 31 آذار 2022 حتى 30 حزيران 2024. أما في اقتراحي بولا يعقوبيان ابراهيم كنعان فقد نصتا على فترة تمتد من 8 تشرين الأول 2023 إلى 31 آذار 2025. في حين أن اقتراح كتلة تحالف التغيير اقتصر على الفترة بين 20 أيلول 2024 و19 آذار 2025. التي ستحكم هذا القانون، كما يبرز عدم استثناء اقتراح كتلة تحالف التغيير للمهل الواردة في قانون الإيجارات القديمة كما ورد في الاقتراحات الأخرى3لمعرفة تفاصيل الفروقات بين الاقتراحات الأربعة, يمكن مراجعة نصوص كل اقتراح على موقع المرصد البرلماني للمفكرّة القانونية, كما يمكن قراءة هذا المقال أيضا: اقتراحا قانون لـ “تعليق المهل” بفعل الحرب: خطر إطالة التعدي تحت غطاء حفظ الحقوق.
بالنظر إلى القانون المقرّ، فهو أتى ليعلّق حكماً سريان جميع المهل القضائية أمام جميع المحاكم اللبنانية على اختلاف أنواعها ودرجاتها، بين تاريخ 31 آذار 2022 وتاريخ 30 حزيران 2024. كما يعلّق – بين تاريخ 8 تشرين الأوّل 2023 و31 آذار 2025 – سريان جميع المهل القانونيّة والعقديّة الممنوحة لأشخاص الحقين العام والخاص بهدف ممارسة الحقوق على أنواعها، سواء أكانت هذه المهل شكلية أو إجرائيّة أو جمركية أو امتدّ أثرها إلى أساس الحق، بما فيها عقود الإيجارات، إلّا أنّه يستثني في المادة الثانية منه مهل أساسيّة4المهل الثانية التي يستثنيها غير الإيجارات القديمة: المهل القضائية التي يترك القانون للقاضي أن يقدّرها، المهل الممنوحة من الادارة أو المحددة من قبلها تبعا لسلطتها الاستنسابية، مهل الإسقاط ومرور الزمن والترك وإخلاء السبيل في القضايا الجزائية، على أن تبقى المهل المحددة لممارسة الحقوق الشخصية معلقة فيها، جميع المهل القانونية والمهل المتعلقة بانعقاد الهيئات العامة للنقابات والتعاونيات التي تم عقدها قبل صدور هذا القانون، المهل المتعلقة بشؤون العائلة من نفقة ووصاية ومشاهدة وسواها. أبرزها المهل الواردة في قانون الايجارات الصادر بتاريخ 9/5/2014 وتعديلاته، مما سوف نتطرق إليه في الأقسام اللاحقة.
إشكاليّات القانون من ناحية مضمونه العام
إنّ إقرار هكذا قانون ولمرّة أخرى كاستجابة مستنسخة لظروف قاهرة مختلفة – على أهميته – يطرح إشكاليّات عدّة سواء أكان على صعيد نصّ وشكل القانون نفسه أو على صعيد فعاليّته، خصوصاً من بعد تجربة القوانين المماثلة السابقة ودون أخذ ما آلت إليه الأمور بعين الاعتبار.
في مضمونه العام، يتميّز هذا القانون عن القوانين السابقة بفصل المهل القانونية والعقدية عن المهل القضائية، بحيث أنّ المهل القانونية والعقدية عُلّقت بين 8 تشرين الأول 2023 و31 آذار 2025، بينما علّقت المهل القضائية بين 31 آذار 2022 و30 حزيران 2024. فبالنسبة للمهل القانونية والعقديّة، يُفهم تاريخ 8 تشرين 2023 بارتباطه بفتح جبهة الاسناد، غير أنّ العدوان الإسرائيلي وتداعياته بقيت محصورةً حتى تاريخ 23/9/2024 في بعض المناطق، كالجنوب والنبطية، حيث كان من الأفضل – بحسب المفكرة القانونية – اعتماد تعليق المهل جزئياً في المناطق المتضررة من الأعمال الحربية، مع إبقائها سارية في المناطق الأخرى حيث استمرّت الحياة بشكل شبه طبيعي، نظراً لما يترتّب على تعليق المهل من آثار سلبية على الحقوق5بالاستناد إلى مقال المفكرة القانونية: اقتراحا قانون لـ “تعليق المهل” بفعل الحرب: خطر إطالة التعدي تحت غطاء حفظ الحقوق.
من ناحية أخرى، أيضاً بحسب المفكرة القانونية، يستعيد القانون الكثير من أحكام قوانين تعليق المهل السابقة من دون تقييم مفاعيلها السلبية، وبخاصة لجهة عدم استثناء المهل المتعلقة بالأملاك العامة. إنّ عدم استثناء المهل القانونية لتسوية التعديات على الأملاك العامة (كالأملاك البحرية والنهرية) قد يحوّل المهلة إلى وسيلة لتأبيد الاعتداءات، كما حدث سابقاً في حالة تمديد تسوية مخالفات إشغال الأملاك البحرية، ما يعرّض الملكيّة العامة للإستباحة.
كما أنّ القانون لا يستثني “المتعاقدين مع الدولة لاستئجار أبنية أو إدارة مرافق عامّة، ممّا قد يؤدّي إلى انعكاسات سلبية على الخزينة العامة ومخطّطات إدارة الأملاك والمرافق العامّة. وهنا يجدر التنبيه إلى أنّ أصحاب الامتيازات (وضمناً كازينو لبنان وشركة طيران الشرق الأوسط) كانوا استفادوا من قوانين تمديد المهل لتمديد التعاقد معهم انطلاقاً من قوانين تعليق المهل السابقة6المصدر ذاته.”
وأخيراً، لم ينصّ القانون بوضوح على شمول الإيجارات ضمن تعليق المهل، بل أشار فقط إلى استثناء الإيجارات القديمة منها، الأمر الذي يفسح مجالاً للتأويلات ويفتح جدلاً واسعاً. كما أنّه حتى في إشاراته الى استثناء الإيجارات القديمة، تجدر الإشارة الى استعمال المشرّع لكلمة “تعديلاته” الواردة إلى جانب عبارة “القانون الصادر في 9/5/2014″، الأمر الذي يدفعنا إلى التفكير بأنّ التعامل مع قانون 2017 على أساس أنّه تعديل وليس قانوناً جديداً يحلّ محل السابق. هذا التفصيل يستدعي الانتباه لأنه قد يؤثّر على كيفية تطبيق القانون على القضايا الحاليّة، وإذا ما يجب احتساب مهلة إسقاط المستأجر من حق التمديد القانون انطلاقاً من قانون عام 2014 وليس من قانون عام 2017. وبالفعل يكون المشرّع أثار لغطاً حينما أقر قانون الإيجارات تاريخ 9/5/2014 ومن ثم عاد وأقرّ قانوناً جديداً في عام 2017، أعاد بموجبه نشر كامل النص القانوني للقانون الصادر عام 2014 بالإضافة إلى تعديلاته، ما أدّى إلى وقوع خلافات عديدة بين المالكين والمستأجرين حول أي من القانونين هو المستوجب تطبيقه. فمن جهة اعتبر المالكون أن القانون الصادر عام 2017 هو قانون تعديلي للقانون الصادر عام 2014 الذي بقي سارياً بكافة أحكامه باستثناء المواد التي تمّ تعديلها، ومن جهة أخرى فسّر المستأجرون القانون الصادر عام 2017 على أنه قانون جديد ويسري بكافة أحكامه خاصّة، وأن المشرّع أقرّ القانون بكافة مواده؛ وهو ما فسّر على أنه لو أراد المشرّع فقط تعديل بعض المواد القانونية من قانون 2014 لكان اكتفى بإقرار المواد المعدّلة فقط دون نصّ القانون بكامله. إلا أنه، ومع إقرار قانون تعليق المهل، يتبيّن بأن المشرّع أراد توضيح اللغط الذي تسبّب به عند إقراره للقانونين المشار إليهما أعلاه، بحيث اعتبر أن قانون الإيجارات الصادر عام 2014 هو القانون الأساسي الذي يرعى العلاقة التأجيرية بين المستأجرين القدامى والمالكين وبأن القانون الصادر 2017 هو مجرد قانون تعديلي وبالتالي لا يسري سوى بالمواد التي حملت تعديل دون غيرها من المواد المتبقية. إلا أن المشرّع يكون مرة أخرى قد امتنع عن تسمية الأشياء بأسمائها. إذ أنّه وبدل أن يحدد بصورة واضحة القانون الواجب التطبيق على العلاقة التعاقدية بين المالك والمستأجر، عمد مرة جديدة بصورة ملتوية تحمل الكثير من التأويل والتفسير للمحاكم، إلى تفسير القوانين بصورة استنسابية.
تساؤلات حول تمديد مهل عقود الإيجارات
في المادة الثانية منه، علّق القانون الصادر كافّة المهل العقدية واستثنى بصورة محدّدة تلك المنصوص عليها في قانون الإيجارات 9/5/2014. بمعنى آخر، من المفترض أن يشمل قانون تعليق المهل ضمنياً عقود الإيجارات بشكل عام، باستثناء تلك الخاضعة لقانون 9/5/2014. أيّ أنه خلال فترة تمديد المهل القانونية والقضائية، لا يمكن للمالك أن يرفع دعوى إخلاء ضد المستأجر، وأنّ المهلة التي يحقّ للمستأجر البقاء خلالها في المنزل ، تمدّد لفترة موازية لمدة التعليق، وكذلك بالنسبة للإخلاء.
بدايةً، فإنّ الضبابية المتعمّدة في النص فيما إذا كانت الإيجارات مشمولة بتعليق المهل أم لا، تدل على أنّ المشرّع يتجنّب الإشارة الصريحة إلى هذا الموضوع خوفاً من ردود فعل المالكين النافذين. كما أنّ عدم ذكر الإيجارات بشكل صريح يجعل من تطبيقه وفهمه أكثر تعقيداً، ويقلّل من فعاليّته كأداة عمليّة يمكن أن يستند إليها المستأجرون للدفاع عن حقوقهم في السكن ومنع الإخلاء. إلا أن تأكيد المشرّع على استثناء المهل المنصوص عنها في قانون الإيجارات تاريخ 9/5/2014 من قانون تعليق المهل، دون أن يلحظ بقية عقود الإيجار، يُبين بأن نيّته اتّجهت بصورة غير مباشرة إلى تعليق جميع عقود الإيجار المتبقية باستثناء الإيجارات العقود الخاضعة لقانون 9/5/2014.
كما يطرح الموضوع إشكالية استحقاق بدلات الإيجار بالنسبة للشقق المتضرّرة وللمناطق التي شهدت نزوحاً وتهجيراً، خصوصاً إذا طُلب تسديد البدلات دفعة واحدة، وهو ما يصعب فعله على ذوي الدخل المحدود في ظل الظروف الحاليّة.
بالإضافة الى ذلك، نطرح أيضاً تساؤلاً أساسياً يتعلّق بمدى جدوى هذا التمديد – على أهميته – في ظل غياب إجراءات أخرى تضمن الحق في السكن في سياق تداعيات الحرب الهائلة على الناس ومداخيلها وسكنها. لا سيّما أنّ القانون يذكر في أسبابه الموجبة أن “صون حقوق المواطنين وحمايتها مكرّس دستورياُ، ممّا يقتضي توفير الظروف الملائمة لتمكينهم من ممارستها في كل حين.”
عادةً، تهدف قوانين تمديد المهل إلى حماية حقوق الأفراد والمؤسسات ومنع ضياعها، نتيجة عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها في الوقت المحدد بسبب ظروف خارجة عن إرادتها. في المقابل، يعطي فرصة للدولة لإدارة الأزمة بحيث من المفترض أن يوفّر لها الوقت اللازم لاتخاذ إجراءات إصلاحية تعالج جذور المشكلة وتخفف وطأة الأزمة.
إلّا أنّ تطبيق قوانين تعليق المهل في لبنان كشف عن فجوات كبيرة خلال الممارسة في السنوات السابقة، حيث أخفقت الدولة اللبنانية في إدارة كلّ الأزمات التي مرّت على لبنان ولم تقم بأي خطوات جادة لإدارة هذه الأزمات أو تقديم حلول ملموسة، لا سيّما في ظل الأزمة الاقتصادية والتي ما زلنا نعيش تداعياتها حتى يومنا هذا. ففي حالة تمديد المهل على القروض على سبيل المثال، انتهت فترة تعليق المهل دون أي تغيير إيجابي، حيث كان من المفترض أن يمنح التمديد المقترضين فرصة للتعافي المالي، لكنّ غياب أي إجراءات إصلاحيّة موازية جعل الوضع أكثر تعقيداً. فالأشخاص الذين عجزوا عن سداد القروض عام 2019 وجدوا أنفسهم ملزمين بالسداد في عام 2021، ولكن في ظل انهيار أكبر للعملة وارتفاع أكبر لتكاليف المعيشة.
أمّا اليوم، فيأتي صدور هذا القانون في سياق الاعتداء الاسرائيلي على لبنان وتداعياته على السكان، بين نزوح وتهجير، وتكبّد خسائر بشريّة ومادّية، لا سيّما خسارة الناس أشغالها ومصادر رزقها ومساكنها. فبحسب تقرير البنك الدولي7المصدر: حقائق حول الخسائر البشرية والمادية في لبنان وإسرائيل، إنّ تكلفة الأضرار التي لحقت بالمساكن في لبنان تقدر بنحو 2.8 مليار دولار مع تدمير أكثر من 99 ألف وحدة سكنية جزئيّاً أو كليّاً. كما قدّر الأضرار التي لحقت بالزراعة بنحو 124 مليون دولار وخسائر تزيد على 1.1 مليار دولار، بسبب فوات الحصاد نتيجة تدمير المحاصيل والثروة الحيوانية ونزوح المزارعين. وبشكل عام قدّم البنك الدولي في تقرير صدر في 14 نوفمبر/تشرين الثاني تقديراً أوّليًّا للأضرار والخسائر التي لحقت بلبنان بنحو 8.5 مليارات دولار. ومن المتوقّع أن ينكمش الإنتاج المحلي الإجمالي الحقيقي للبنان بنحو 5.7% في عام 2024، مقارنة بتقديرات النمو قبل الصراع البالغة 0.9%8 مرفق: تقرير البنك الدولي.
من ناحية أخرى، بحسب أبحاثنا السابقة والتي أُجريت كجزء من عملنا على حماية الحق في السكن وتعزيزه، إنّ سوق الإيجارات في لبنان لطالما شهد تفاوتاً كبيراً في الأسعار دون أي منطق واضح. وقد أبقت الحرب الحاليّة على هذا الوضع، حيث وجدنا أنّ أسعار الإيجارات خلال الحرب تضخّمت بنسب وصلت في بعض المناطق اللبنانية إلى 650% في أوائل العام 2024. أمّا بعد التصعيد الإسرائيلي، فقد تراوحت بدلات الإيجار للشقق والمنازل بين 100 و3800 دولاراً9بالاستناد إلى مقالنا: الإيجار في زمن النزوح: استنزاف لمدّخرات الناس. وهو ما تزامن مع إنهيار للعملة اللبنانيّة وفقدان الناس قدرتها على تأمين الحد الأدنى من العيش الكريم والحقوق الأساسية كالحق في السكن والأمن والأمان، خصوصاً في ظلّ الأزمات. فعلى الرّغم من محاولة الدولة اللبنانيّة التحرّك بوجه هذه الأزمات المتتالية، لا سيّما خلال الحرب الأخيرة، ابتداءاً من إصدار خطّة الطوارئ، ثمّ إعلان مصرف لبنان10أعلن مصرف لبنان بعد جلسته المنعقدة في 25 أيلول 2024 أنه ” بالنظر إلى الظروف الطارئة التي تمرّ بها البلاد، قرر المجلس المركزي الطلب إلى المصارف التسديد، استثنائياً ولمرة واحدة، مبلغ يساوي ثلاثة دفعات شهرية في بداية شهر تشرين الأول المقبل، لكافة المستفيدين من التعميمين الأساسيين رقم 158 و 166.” تسديد 3 دفعات شهريّة استثنائياً، وصولاً إلى قانون تعليق المهل هذا، إلّا أنّها كلّها إجراءات متفرّقة وقصيرة الأجل لتلبية احتياجات شرائح محدّدة من السكان، بدل العمل على نهج شامل يتناول جميع شرائح المجتمع لمعالجة القضايا المختلفة بشكل مستدام.
فعلى أهميّة تمديد المهل العقدية للإيجارات، والتي يمكن من خلالها الحدّ من الإخلاء، لا بدّ من أن يترافق هذا القانون مع إقرار سلسلة سياسات رسميّة أخرى تضبط الإيجارات – لا سيّما في حالات الطوارئ – وتحرّرها من تسلّط السوق العقاري.
استثناء الإيجارات القديمة
كما تظهر إشكالية إضافية تكمن في استثناء الإيجارات القديمة والتمييز بين المستأجرين، خاصّة وأنّ المستأجرين القدامى هم الأكثر هشاشة في هذه الفترة. في ظلّ العدوان الإسرائيلي وما خلّفه من تدمير كبير للمساكن، من المتوقّع أن يزداد الضغط على المخزون السكني المتبقّي، سواء من قِبل الذين دُمّرت منازلهم أو من غير القادرين على العودة إلى بيوتهم في الجنوب أو مناطق أخرى. هذه الفئات ستتنافس على المساكن المتبقية، ما سيؤدي إلى ارتفاع في الأسعار. المستأجرون القدامى، ومعظمهم من كبار السن ممّن تآكلت مداخيلهم مع الوقت نتيجة الأزمات الاقتصادية المتتالية، لن يكونوا قادرين على مواجهة هذا الارتفاع في الأسعار مقارنةً بالفئات الأخرى الباحثة عن السكن. سيُضعف هذا التفصيل حقوق المستأجرين ويزيد من الاحتقان بين الأطراف المختلفة. أمّا قانون الإيجارات الجديد لعام 2014 والمعدل عام 2017، فلم يُطبّق بالشكل المطلوب. كما أن الفترة التي كان من المفترض أن تكون انتقاليّة لضمان حقوق المستأجرين والمالكين وتحقيق إخلاء عادل وفق معايير القانون لم تُنفّذ كما يجب. وأخيراُ، لم يتمّ إنشاء الصندوق المخصّص لدعم المستأجرين، كما لم تُشكَّل اللجان المسؤولة عن إدارة هذا الملف.
ثمّ توالت الأزمات لتفاقم الوضع تعقيداً وهشاشة، فيما لم يأخذ المشرّع هذه التطورات بعين الاعتبار، وأقرّ القانون نفسه وكأنّ شيئاً لم يحصل.
الخاتمة
سواء أكان على صعيد نصّ وشكل القانون نفسه أو على صعيد فعاليّته، خصوصاً من بعد تجربة القوانين المماثلة السابقة، حيث وجد الأفراد والمؤسّسات أنفسهم أمام التحديات ذاتها إن لم تكن أسوأ مع انتهاء فترة التعليق. وعلى الرغم من أنّه تبيّن من القانون المذكور بأنّ نيّة المشرّع قد شملت تمديد عقود الإيجارات في سياق هذا القانون كأداة عملية للدفاع عن الحق في السكن وردع الإخلاء، إلّا أنّه كان من الأجدر أن يذكر القانون هذا الأمر بصورة صريحة وواضحة لعدم الوقوع فيما بعد في لغط عند تفسير النص. فالنص القانوني الذي اعتمده المشرع يفتقر إلى الوضوح، الأمر الذي سوف يجعل من تطبيقه وتفسيره أكثر تعقيدًا، ويزيد من التباس، ويقلّل من فعاليّته كأداة يمكن أن يستند إليها المستأجرون للدفاع عن حقوقهم.
كما أنّ استثناء الإيجارات القديمة من نطاقه يترك فجوة كبيرة ويُبقي شريحة واسعة من السكان خارج إطار الحماية القانونية المنشودة، ويزيد من التفاوت الاجتماعي، خصوصاً بين المستأجرين القدامى وغيرهم من الفئات المستأجرة، حيث يعرّض الطبقات الأكثر ضعفاً ليكونوا هم الأكثر تضرّراً من غياب أي حماية فعلية لهم، في حين تستفيد بعض الفئات الأخرى من تمديد المهل. والأهمّ من ذلك، هو أن هذا القانون يُمثّل مجرّد خطوة جزئية تبقى ناقصة في ظل غياب سياسات شاملة لمعالجة الأزمة السكنية الحادة التي تفاقمت بفعل الحرب. وبالتالي، يظل هذا القانون قاصراً عن تقديم حلول جذرية للأزمة القائمة.
المراجع:
- 1
- 2تحدّدت مهلة التعليق في اقتراح جورج عدوان من 31 آذار 2022 حتى 30 حزيران 2024. أما في اقتراحي بولا يعقوبيان ابراهيم كنعان فقد نصتا على فترة تمتد من 8 تشرين الأول 2023 إلى 31 آذار 2025. في حين أن اقتراح كتلة تحالف التغيير اقتصر على الفترة بين 20 أيلول 2024 و19 آذار 2025.
- 3لمعرفة تفاصيل الفروقات بين الاقتراحات الأربعة, يمكن مراجعة نصوص كل اقتراح على موقع المرصد البرلماني للمفكرّة القانونية, كما يمكن قراءة هذا المقال أيضا: اقتراحا قانون لـ “تعليق المهل” بفعل الحرب: خطر إطالة التعدي تحت غطاء حفظ الحقوق
- 4المهل الثانية التي يستثنيها غير الإيجارات القديمة: المهل القضائية التي يترك القانون للقاضي أن يقدّرها، المهل الممنوحة من الادارة أو المحددة من قبلها تبعا لسلطتها الاستنسابية، مهل الإسقاط ومرور الزمن والترك وإخلاء السبيل في القضايا الجزائية، على أن تبقى المهل المحددة لممارسة الحقوق الشخصية معلقة فيها، جميع المهل القانونية والمهل المتعلقة بانعقاد الهيئات العامة للنقابات والتعاونيات التي تم عقدها قبل صدور هذا القانون، المهل المتعلقة بشؤون العائلة من نفقة ووصاية ومشاهدة وسواها.
- 5بالاستناد إلى مقال المفكرة القانونية: اقتراحا قانون لـ “تعليق المهل” بفعل الحرب: خطر إطالة التعدي تحت غطاء حفظ الحقوق
- 6المصدر ذاته
- 7
- 8مرفق: تقرير البنك الدولي
- 9بالاستناد إلى مقالنا: الإيجار في زمن النزوح: استنزاف لمدّخرات الناس
- 10أعلن مصرف لبنان بعد جلسته المنعقدة في 25 أيلول 2024 أنه ” بالنظر إلى الظروف الطارئة التي تمرّ بها البلاد، قرر المجلس المركزي الطلب إلى المصارف التسديد، استثنائياً ولمرة واحدة، مبلغ يساوي ثلاثة دفعات شهرية في بداية شهر تشرين الأول المقبل، لكافة المستفيدين من التعميمين الأساسيين رقم 158 و 166.”