تحت ذريعة «الظروف الراهنة التي يمرُّ بها لبنان»، وحجة «الحرص على المصلحة الوطنية العليا»، وجّه وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي، بتاريخ ٢ أيار ٢٠٢٣، كتاباً إلى المحافظين والقائمقامين والبلديات والمخاتير، في القرى والمدن التي يتواجد فيها لاجئات\ون سوريون، بهدف إطلاق حملة مسح وطنية لتعدادهم وتسجيلهم. يدعو الكتاب المعنيين لقيام بتسجيل كافة اللاجئات\ين المقيمين ضمن نطاق كلّ منها ومنحهم إفادات بذلك، وطلب عدم تنظيم أي معاملة أو إفادة وعدم تأجير أي عقار لأي لاجئ سوري قبل التثبّت من تسجيله لدى البلدية وحيازته على إقامة شرعية في لبنان، إضافةً إلى إجراء مسح ميداني لكافة المؤسسات وأصحاب المهن الحرة التي يديرها اللاجئون السوريون والتثبّت من حيازتها التراخيص القانونية.
بدلاً من إحصاء السكان عامةً بهدف معرفة حاجات الناس والمناطق، فيما يفيد السياسات العامة وتخطيط الأراضي وتنظيمها، يحصر كتاب الوزير المسح السكاني باللاجئين السوريين، ممّا يعكس رؤية السلطات اللبنانية لوجودهن\م كتهديد ديمغرافي أمني، ويشكّل خطوة مكمّلة لحملاتها لترحيلهن/م.
بالاستناد إلى توجيهات هذا الكتاب، أصدرت عدّة بلديات قرارات تقيّد حركة اللاجئين السوريين في نطاقها، وتمنعهن\م من استكمال حياتهن\م بشكل طبيعي. فعلى سبيل المثال، أصدرت بلديّة بزبدين (قضاء بعبدا) قراراً يلزم السوريّين المقيمين في البلدة الحصول على بطاقة تعريف خاصة – بمعزل عن سند الإقامة القانوني – تُصدرها البلديّة للسماح لهم بالاستمرار بالإقامة في البلدة، وهو ما يتعارض مع حق الإنسان في اختيار مكان سكنه\ا. كما منعت البلدية استعمال الدراجات النارية في أوقات محدّدة، مع العلم أنها الوسيلة الأبرز التي يعتمد عليها اللاجئون للتنقل كونها البديل الأرخص، في انتهاك واضح لحريّتهن/م بالتنقل. وقد أصدرت بلدية فرن الشباك – عين الرمانة – تحويطة الغدير قراراً مشابهاً، منعت فيه تجوّل الدراجات النارية في أوقات محدّدة وطلبت فيه من كافة المالكين تزويد البلدية بنسخة عن كافة أوراق المستأجرين السوريين، والتبليغ عن مكان عملهم، وعدم القيام بأي عمليات تأجير جديدة قبل إعلام البلدية، ما يعزّز البيروقراطية التي تؤدي إلى صعوبة وصول هذه الفئات المهمّشة إلى السكن أو تأخير وصولها إليه، ويُفاقم سلطة دوائر القرار ويجعلها مبنية على العلاقات الشخصية وتفشّي المحسوبيّات والزبائنية. ويُعيد قرار البلدية هذا – والذي يميّز على أساس الجنسية – إلى الأذهان ممارسات تمييزية مشابهة كانت تنتهجها بعض البلديات كمنع البعض من السكن ضمن نطاقها على أساس مذهبي أو طائفي أو طبقي، ولو كانوا من اللبنانيين.
وتقوم السلطة اليوم بتطبيق البيوبوليتيك أو السلطة\السياسة الحيوية (مفهوم لميشال فوكو) على حياة اللاجئات\ين السوريين في لبنان، من حيث فرض رقابتها على حياتهن\م، ومحاولة التصرف بها وبحركتها، لتضع نفسها في مصاف السلطة الناظمة لحياتهم اليومية.
على الأرض، أدّت هذه القرارات إلى مداهمات عنيفة نفّذتها شرطة البلدية وجهات أمنية وكّلتها السلطات، في أكثر من منطقة، لبيوت أو مخيمات يسكنها اللاجئات\ون، وطردهن\م منها، أو تهديدهن/م بإخلائها. فقد ورد إلى مرصد السكن مؤخراً، ٥ حالات لعائلات سورية هُدّدت بالإخلاء من مسكنها من خلال ممارسات وقرارات بلدية مشابهة لم تنحصر بالبلديتين المذكورتين، بل تخطّتها إلى بلديات أخرى، منها على سبيل المثال لا الحصر بلديات رحبة وتكريت في عكار، العبادية في بعبدا، بلديات الدكوانة والزلقا في المتن، وبلديات عاليه وزغرتا وبشري.
يشكّل قرار وزير الداخلية إذاً، وقرارات البلديات المستندة إليه – وهي جزءٌ من السياسات التي تتّبعها السلطات اللبنانية في التعاطي مع أزمة اللجوء السوري- تطبيقاً لمفهوم السلطة الحيوية، حيث تكون سلوكيات الأفراد – هنا اللاجئات\ين – وحياتهم بكل أبعادها خاضعة لسيطرة السلطة، وحيث يتم التعامل معهم على أنّهن\م مجرّد أرقام في التعداد السكاني. وإذ تتّسم سياسات السلطة الحيوية هذه بالسعي إلى إعادة تشكيل تركيبة المجتمع من خلال التحكم بمصير اللاجئات\ين وتحديد مكان إقامتهم وحركتهم ووظائفهم، فهي تتسبّب بالتضييق على الحق في الوصول إلى السكن وتنتقص من كرامة اللاجئين و الحقوق الأساسية للإنسان .