قد يبدو لنا أن لبنان أخذ الآثار الضارة1“الآثار الضارّة للتغيير المناخي” تعني التغييرات التي تطرأ على البيئة الطبيعية أو الحيوية من جراء التغيير المناخي والتي لها آثار ضارة كبيرة على تكوين النظم الايكولوجية الطبيعية أو مرونتها أو إنتاجيتها أو على عمل النظم الاقتصادية – أو الاجتماعية على صحة الإنسان ورفاهه. الناتجة عن التغيير المناخي2“التغيير المناخي” هو تغيير يُعزى بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى النشاط البشري الذي يفضي إلى تغيير في تكوين الغلاف الجوي العالمي، بشكل يسمح بحبس الحرارة ممّا يؤدّي إلى تغيير طويل الأمد ولا تراجع عنه، بدرجات حرارة الأرض. العالمي والتغييرات الضرورية للحد منها، على محمل الجد. فقد أظهر لبنان التزاماً بالعمل البيئي الدولي من خلال تصديقه على اتفاقيات المناخ الرئيسية والموافقة على الانضمام إلى جميع بروتوكولات اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيير المناخ والمتعلقة بالاحتباس الحراري، وأعدّ أربعة تقارير وطنية بشأن تغيير المناخ، آخرها في عام 2022. وامتثالاً لأحكام اتفاق باريس، ومن أجل التخفيف من انبعاثات3“الانبعاثات” تعني إطلاق غازات الدفيئة و/أو سلائفها في الغلاف الجوي على امتداد رقعة معينة وفترة زمنية محددة. الغازات الدفيئة4“غازات الدفيئة” هي العناصر الغازية المكوِّنة للغلاف الجوي، من مصادر طبيعية وبشرية، والتي تمتص الأشعة دون الحمراء وتعيد بث هذه الأشعة.، وبالتالي تقليص مخاطر التغيير المناخي، وضع لبنان ضمن مساهمته المحدّدة وطنياً لحشد التمويل الدولي، أهدافاً لخفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 15% كهدف غير مشروط، و30% كهدف مشروط بدعم دولي بحلول عام 2030. وفي عام 2020، قام لبنان بتحديث مساهمته، وطرح هدفاً طموحاً لتخفيف الانبعاثات، يتمثّل في خفض الانبعاثات بنسبة 20% كهدف غير مشروط بحلول عام 2030، مع طرح أهداف واضحة خاصة بكل قطاع، وتوفير مزيد من الوضوح بشأن المبادئ والأولويات التوجيهية للتكيّف في لبنان. بالإضافة إلى ذلك، وبين عامي 2019 و2022، صدرت أربعة قوانين متعلّقة بموافقة لبنان على إتفاقيات وبروتوكولات مرتبطة بالتغير المناخي.
مع ذلك، تزايدت الكوارث المتعلقة بالمناخ في لبنان منذ عام 2010، بما في ذلك موجات الجفاف الشديدة وحرائق الغابات والفيضانات وموجات الحر. وقد تنامى، على سبيل المثال، عدد حوادث الفيضانات في عام 2015 بثلاثة أضعاف عمّا كان عليه في عام 2010 (MoE/UNDP/GEF، 2022). وعند النظر إلى الآثار السلبية للتغيير المناخي في لبنان، يبدو أن هناك فجوات هائلة في معالجتها والتخفيف منها (Mitigation) أو التكيّف معها (Adaptation)، أبرزها من خلال التجاهل المزمن لمساهمة قطاع البناء والتوسّع العمراني النيوليبرالي في التغيير المناخي.
عامةً، غالباً ما يُنظر إلى التغيير المناخي باعتباره مسألة بيئية بحتة، في حين أنها قضية تقاطعية تطال جوانب ومستويات مختلفة. يؤثّر التغيير المناخي على حياة الناس عامة، ويتجلّى تأثيره على الحياة الحضرية في ارتفاع منسوب سطح البحر وتكثيف الظواهر الجوية المتطرّفة التي تؤثّر على سبل عيش الإنسان والبيئة المبنية. في المقابل، يُعتبر التوسع العمراني وقطاع البناء من أبرز المساهمين في التغيير المناخي، حيث أنهما من أكبر القطاعات الاستخراجية للموارد الطبيعية، ويؤدّيان إلى إزالة الغابات وانجراف التربة تدمير طبقاتها المختلفة وفقدان الموائل الطبيعية وزيادة استهلاك الطاقة للتبريد والنقل. وفيما تركّز الأبحاث على الساحات الخضراء أو الحرجية والأجسام المائية، تشير التقديرات إلى أن المدن، على الرغم من أنها تشغل 3% من مساحة اليابسة العالمية فقط، مسؤولة عن 70% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية (UNFCCC، 2020)، بالأخصّ من خلال قطاع البناء. تحديداً، تعتبر البيئة المبنية مسؤولة عن حوالي 42% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية السنوية. ومن بين إجمالي هذه الانبعاثات، تعتبر عمليات البناء مسؤولة عن ما يقرب 27% سنوياً، بينما تأتى النسبة المتبقية من الانبعاثات (15%) عن عمليات إنتاج أربع من مواد البناء وهي الأسمنت، والحديد، والفولاذ، والألمنيوم. ومن المعروف أن إنتاج الأسمنت يُعدّ مصدراً رئيسياً لانبعاثات غازات الدفيئة، حيث يمثّل حوالي 8% من جميع هذه الانبعاثات.
عند النظر إلى التغيير المناخي، فإنّه أصبح من المهم وضع المدن في قلب النقاش البيئي والتركيز على عملية إنتاج البيئة المبنية وعمل قطاع البناء والتي غالباً ما تقودها السياسات المبنية على تكريس الملكية الخاصة وتسليع الأرض، وبالتالي تجريد الأرض من قيمتها الاجتماعية والبيئية، ومساهمة كلّ ذلك في التغيير المناخي. بذا، يتمحور هذا المقال حول عملية إنتاج البيئة المبنية وقطاع البناء في السياق اللبناني وتداعيات هذه العملية على البيئة. نبدأ أوّلاً بإعطاء لمحة حول التزامات لبنان الرئيسية تجاه التغيير المناخي، لننتقل بعدها إلى استعراض للسياسات والتشريعات المعتمدة التي سيطرت على القطاع العقاري وبالتالي على قطاع البناء، ونبيّن عواقبها وتناقضها مع الالتزامات المناخية للبنان. لنركّز أخيراً على قطاع الإسمنت وتطوّره التاريخيّ تماشياً مع النمو العمراني النيوليبرالي الذي عرفه لبنان.
التزامات لبنان الرئيسية تجاه التغيير المناخي
نعرض أوّلاً بعض الاتفاقيات، والمعاهدات والبروتوكولات المتعلّقة بالبيئة والتغيير المناخي التي انضمّ إليها لبنان.
الالتزام | النوع | رقم التلفون | تاريخ انضمام لبنان |
اتفاقية برشلونة لحماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث | اتفاقية | المرسوم الاشتراعي رقم 126/1977 | 30 حزيران 1977 |
معاهدتين متعلقتين بطبقة الأوزون (اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون) | معاهدة | القانون رقم 253/1993 | 22 تموز 1993 |
بروتوكولين ملحقين باتفاقية حماية البحر المتوسط (بروتوكول بشأن حماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث من مصادر برية الموقع في أثينا، وبروتوكول بشأن المناطق المتمتعة بحماية خاصة في البحر الأبيض المتوسط الموقع في جنيف) | بروتوكول | القانون رقم 292/1994 | 22 شباط 1994 |
اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) | اتفاقية | القانون رقم 359/1994 | 1 آب 1994 |
اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي الموقعة في ريو دي جينيرو | اتفاقية | القانون رقم 360/1994 | 1 آب 1994 |
معاهدة بازل بشأن التحكم في حركة النفايات الخطرة عبر الحدود والتخلص منها | معاهدة | القانون رقم 387/1994 | 4 تشرين الثاني 1994 |
اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر الموقعة في باريس | اتفاقية | القانون رقم 469/1995 | 8 كانون الأول 1995 |
البروتوكول المتعلق بالنص الرسمي الخماسي اللغات لاتفاقية الطيران المدني الدولي والبروتوكول المتعلق بتعديل اتفاقية الطيران المدني الدولي (شيكاغو 1944) الموقعين في مونتريال | بروتوكول | القانون رقم 619/1997 | 28 شباط 1997 |
اتفاقية بشأن الأراضي الرطبة ذات الأهمية الدولية وخاصة بوصفها مآلف للطيور المائية | اتفاقية | القانون رقم 23/1999 | 23 شباط 1999 |
تعديلات كوبنهاجن المتعلقة ببروتوكول مونتريال | تعديل بروتوكول | القانون رقم 120/1999 | 25 تشرين الأوّل 1999 |
اتفاقية ستوكهولم للملوثات العضوية الثابتة | اتفاقية | القانون رقم 432/2002 | 29 تموز 2002 |
تعديلات بيجين المتعلقة ببروتوكول مونتريال | تعديل بروتوكول | القانون رقم 758/2006 | 11 تشرين الثاني 2006 |
بروتوكول كيوتو (KYOTO PROTOCOL) | بروتوكول | القانون رقم 738/2006 | 15 أيار 2006 |
اتفاقية لحماية البيئة البحرية والمنطقة الساحلية للبحر المتوسط وهي التعديلات التي طرأت على اتفاقية حماية البحر المتوسط من التلوث الموقعة في برشلونة | اتفاقية | لقانون رقم 34/2008 | 16 تشرين الأول 2008 |
تعديل الملحق B التابع لبروتوكول كيوتو | تعديل بروتوكول | القانون رقم 96/2010 | 6 آذار 2010 |
الاتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لعام 2001 التي حررت في لندن | اتفاقية | القانون رقم 141/2011 | 17 آب 2011 |
اتفاق باريس الملحق باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (PARIS AGREEMENT) | اتفاقية | القانون رقم 115/2019 والمرسوم رقم 5599/2019 | 29 آذار 2019 |
بروتوكول عام 1997 للاتفاقية الدولية لمنع التلوث من السفن، اتفاقية ماربول (MARPOL PROTOCOL 1997) | بروتوكول | القانون رقم 116/2019 | 1 نيسان 2019 |
تعديلات بروتوكول مونتريال حول حماية طبقة الأوزون من المواد المستنفدة لها | تعديل بروتوكول | القانون رقم 119/2019 | 1 نيسان 2019 |
بروتوكول بشأن المناطق المتمتعة بحماية خاصة والتنوع البيولوجي في البحر المتوسط | بروتوكول | القانون رقم 127/2019 | 30 نيسان 2019 |
يعتبر لبنان طرفاً في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخ (UNFCCC) منذ عام 1994 (القانون رقم 359/1994)، وصادق على بروتوكول كيوتو في عام 2006 (القانون رقم 738/2006) الذي أكّد فيه التزامه بخفض انبعاثات غازات الدفيئة والمساهمة في جهود التخفيف العالمية. علاوة على ذلك، عزّز تصديق لبنان اتفاق باريس الملحق باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (القانون رقم 115/ 2019 والمرسوم رقم 5599/ 2019) التزامه بمواءمة الإجراءات الوطنية المتعلّقة بالمناخ مع الهدف الطموح للاتفاق، المتمثّل في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري. عدا عن ذلك، لا يوجد تشريع رئيسي يعالج بشكل مباشر الإجراءات المتعلقة بالتغيير المناخي في لبنان، باستثناء المساهمة المحددة وطنياً (NDC)، على النحو الذي يمليه اتفاق باريس. وقد قدّم لبنان أول مساهمته المحددة وطنياً في عام 2015 والنسخة المحدثة في العام 2021.
وكما ذكرنا في مقدمة هذا المقال، في العام 2019 صدرت أربعة قوانين متعلّقة بموافقة لبنان على اتفاقيات وبروتوكولات متعلّقة بالتغيير المناخي5للمزيد حول القوانين الصادرة بين عامي 2019 و2022، اطلع/ي على التقرير التالي: أعمال المجلس النيابي من منظور العدالة المكانية: تقرير حول قوانين واقتراحات المجلس النيابي 2019-2022.. يتعلّق القانون الأوّل (القانون رقم 115) بالموافقة على إبرام اتفاق باريس الملحق باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ. ويُعتبر هدف اتفاق باريس توطيد الاستجابة العالمية للتهديد الذي يشكّله التغيير المناخي في سياق التنمية المستدامة، وجهود القضاء على الفقر، ممّا سيساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي تم اعتمادها في أيلول 2015، من خلال تثبيت تركيزات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي في فترة زمنية كافية تتيح للنظم الإيكولوجية أن تتكيّف بصورة طبيعية مع التغيير المناخي، وتضمن عدم تعرّض إنتاج الأغذية للخطر.
من بين الالتزامات التي تقع على لبنان بموجب هذا الاتفاق، وضع قوائم وطنية لحصر الانبعاثات البشرية المصدر من مصادر6“المصدر” يعني عملية أو نشاط يطلق غازاً من غازات الدفيئة أو الهباء الجوي أو سلائف غازات الدفيئة في الغلاف الجوي. جميع غازات الدفيئة، وإزالة مصارف7“المصرف” يعني عملية أو نشاط أو آلية تزيل غازات الدفيئة أو الهباء الجوي أو سلائف غازات الدفيئة من الغلاف الجوي. هذه الغازات، وإتاحتها لمؤتمر الأطراف؛ إعداد برامج تتضمن تدابير للتخفيف من التغيير المناخي، والتكيّف بشكل ملائم مع التغيير المناخي؛ تعزيز الإدارة المستدامة والعمل والتعاون على حفظ مصارف وخزانات8“الخزان” يعني عنصراً أو عناصر أي من مكونات نظام المناخ الذي تختزن فيه غازات الدفيئة أو سلائف غازات الدفيئة. جميع غازات الدفيئة، بما في ذلك الكتلة الحيوية والغابات والمحيطات، فضلاً عن النظم الإيكولوجية الأخرى البرية والساحلية والبحرية؛ تطوير وإعداد خطط ملائمة ومتكاملة لإدارة المناطق الساحلية، والموارد المائية والزراعة، ولحماية المناطق المتضرّرة بالجفاف والتصحّر وإنعاشها، وبالفيضانات؛ أخذ اعتبارات التغيير المناخي في الحسبان في السياسات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية؛ كما ينبغى إبلاغ مؤتمر الأطراف بالمعلومات المتّصلة بالتنفيذ. تضمن المنهجية التي تزيد من قدرات لبنان للتخفيف من انبعاثات غازات الدفينة المحلية، التكيّف بفعالية مع التغيير المناخي، والحصول على التمويل الكافي لتنفيذ استراتيجيات التخفيف والتكيّف.
أمّا القانون الثاني (القانون رقم 116)، فهو متعلّق ببروتوكول عام 1997 للاتفاقية الدولية لمنع التلوّث من السفن، المعروف باسم اتفاقية ماربول (MARPOL PROTOCOL 1997). وهي اتفاقية تضع قواعد لانبعاثات أكاسيد الكبريت والنتروجين من المواد الناجمة عن تشغيل السفن، وتحرّم أيضاً إطلاق العوادم التي تستنفذ الأوزون بطريقة متعمّدة، كالهالون والكلور والفلور كربون. الأمر الذي يتعيّن معه على السفن أن تستخدم الأجهزة التي تحدّ من إطلاق أكسيد الكبريت أو تقوم بتنقية العادم منه.
يتعلّق القانون الثالث (القانون رقم 119) بالانضمام إلى تعديلات بروتوكول مونتريال حول حماية طبقة الأوزون من المواد المستنفدة لها الموضوعة في الاجتماع الثامن والعشرين للأطراف لبروتوكول مونتريال المنعقد في كيغالي – رواندا عام 2016، والتي تقوم على الخفض التدريجي لاستهلاك مركبات الهيدروفلوروكربون9مركبات هيدروفلوروكربون HFCs هي مركّبات عضوية تحتوي، بالإضافة إلى الكربون، على عنصري الهيدروجين والفلوريد؛ وتعد أكثر أنواع مركبات الفلوريد العضوية شيوعاً. تستخدم بكثرة في تكييف الهواء وفي تركيب المواد المثلجة. على الرغم من أن مركبات الهيدروفلوروكربون لا تسبب نضوب طبقة الأوزون مثلما تفعل مركبات كلوروفلوروكربون أو هيدروكلوروفلوروكربون، إلا أنها تساهم في الاحترار العالمي. وإنتاجها، ممّا ينتج عنه إمكانية تجنّب ما يصل إلى 0.5 م من الاحترار بحلول نهاية هذا القرن. إن انضمام لبنان لتعديل كيغالي، سيسمح له بالاستفادة من المنافع (دعم مالي وفني) التي تنتج عن هذا التعديل، وستكون فرصة لاستقطاب مشاريع جديدة مموّلة من قبل صندوق متعدّد الأطراف، بحسب الأسباب الموجبة لهذا القانون.
وأخيراً، انضم لبنان أيضاً من خلال القانون رقم 127 إلى بروتوكول بشأن المناطق المتمتّعة بحماية خاصة والتنوع البيولوجي في البحر المتوسط المنبثق عن اتفاقية برشلونة وتعديلاتها10صدّقت الحكومة اللبنانية على تعديلات اتفاقية برشلونة بموجب القانون 34 بتاريخ 16/10/2008، إلا أن الحكومة اللبنانية لم تكن قد انضمت بعد إلى بروتوكول المناطق المتمتعة بحماية خاصة والتنوع البيولوجي في البحر المتوسط المعدل.. من خلال التعديل الذي طرأ على بروتوكول المناطق المتمتعة بحماية خاصة والتنوع البيولوجي الذي كان يقوم على إنشاء المناطق المحمية البحرية، تمّ التركيز على حماية التنوع البيولوجي وأنواع الحيوانات والنباتات المهدّدة بالإنقراض في منطقة المتوسط. فمن خلال البروتوكول القديم، كان يتم إنشاء محميات تتمتّع بحماية خاصة (SPA)11مناطق تتميز بالقيمة البيولوجية والايكولوجية، وبالاختلاف الوراثي للأنواع وتشكل منطقة مناسبة لتكاثر هذه الأنواع ولتوالدها وتوفر مواطن لها، وأيضاً تتميز بكونها مواقع بحرية ذات أهمية خاصة من الناحية العلمية أو الجمالية أو التاريخية أو الأثرية أو الثقافية أو التربوية. فقط، أمّا من خلال البروتوكول الجديد أصبح بالإمكان إنشاء محميّات تتمتع بحماية خاصة ذات أهمية متوسطية (SPAMI)12مناطق تتميز بأهمية في صيانة مكونات التنوع البيولوجي في البحر المتوسط أو تحتوي على نظم ايكولوجية محددة لمنطقة البحر المتوسط أو موائل للأنواع المهددة بالانقراض، أو ذات أهمية خاصة على المستويات العلمية أو الجمالية أو الثقافية أو التربوية..
بحسب الأسباب الموجبة لقانون رقم 127، تتلخّص فوائد انضمام لبنان لهذا البروتوكول في تفعيل المحافظة على الأنواع البحرية الموجودة في لبنان والمدرجة على لوائح البروتوكول المتعلقة بأنواع الكائنات البحرية المهدّدة بالانقراض وتلك التي يجب تنظيم استخدامها13يتواجد في المياه الإقليمية اللبنانية 37 نوع من الكائنات البحرية المدرجة في الملحق رقم 1 للبروتوكول المتعلق بقائمة الأنواع المهددة بالإنقراض، و13 نوع من أنواع الكائنات البحرية المدرجة في الملحق رقم 2 للبروتوكول المتعلق بقائمة الأنواع التي يجب تنظيم استخدامها. ، وذلك من خلال التعاون المتوسطي ومن خلال جلب الدعم التقني والمالي الإقليمي. كما أن انضمام لبنان إلى هذا البروتوكول سيخوّله إنشاء محميات تتمتّع بحماية خاصة ذات أهمية متوسطية، وسيساهم في تفعيل تنفيذ لبنان لبرامج ونشاطات علمية وثقافية وتربوية ذات أهمية إقليمية متوسطية، خاصةً أن محمية جزر النخيل الطبيعية في الميناء – طرابلس ومحمية شاطئ صور الطبيعية قد تم تصنيفهما كمحميات تتمتع بحماية خاصة ذات أهمية متوسطية ضمن إطار هذا البروتوكول14يتعين على لبنان بموجب هذا البروتوكول حظر إلقاء أو تصريف النفايات والمواد الأخرى التي من المحتمل أن تعوث بطريقة مباشرة أو غير مباشرة سلامة المناطق المتمتعة بحماية خاصة، كما وتنظيم وحظر صيد الأسماك أو حصاد النباتات أو تدميرها، من بين أمور أخرى، على أن تأخذ عند صياغة التدابير الوقائية، الأطراف المعيشية التقليدية والأنشطة الثقافية للسكان المحليين بعين الاعتبار.، إضافةً إلى أن وزارة البيئة في لبنان تسعى حالياً إلى إنشاء محميات ساحلية وبحرية جديدة يمكن تصنيفها لاحقاً من قبل البروتوكول كمحميات تتمتع بحماية خاصة ذات أهمية متوسطية.
أمّا في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين (COP 28) الذي عُقد في كانون الأوّل من العام 2023، فقد أطلق وزير البيئة ناصر ياسين، “صندوق استثمار لبنان الأخضر” Green Investment Facility، الذي يهدف إلى دعم انتقال الاقتصاد اللبناني نحو مستقبل بيئي مستدام عبر توجيه الاستثمارات بشكل استراتيجي إلى ستة قطاعات أساسية: الطاقة المتجددة، والنقل المستدام، وإدارة النفايات الصلبة، ومعالجة المياه المبتذلة، والزراعة، وحماية الغابات. يسعى هذا الصندوق الى جذب استثمارات القطاع الخاص مع عائد الاستثمار، وسيبدأ العمل به في الربع الأول من هذا العام. كما وافق لبنان على عدد من تعهدات هذا المؤتمر، ولعل أبرزها تحالف الشراكات المتعددة المستويات ذات الطموح العالي (Coalition for High Ambition Multi-level Partnerships – CHAMP) وهي مبادرة تحالف أقرتها 63 دولة، تهدف إلى تعزيز التعاون بين الحكومات الوطنية والإقليمية والمحلية في التخطيط، لتمويل استراتيجيات المناخ وتنفيذها ورصدها. في المقابل، فلطالما بقيت المدن على هامش مؤتمرات قمة الأمم المتحدة للمناخ، على الرغم من أن المدن مسؤولة عن 70% من انبعاثات غازات الدفيئة في العالم. بذا، يهدف تحالف CHAMP إلى وضع المدن في قلب خطط المناخ الوطنية المقبلة للبلدان، من خلال تعزيز دور السلطات المحلية وتمكينها من المساهمة في تعزيز المساهمات المحددة وطنياً للتخفيف من انبعاثات غازات الدفيئة، قبل انعقاد الدورة الثلاثين لمؤتمر الأطراف في عام 2025.
وبالرغم من التزامات لبنان المختلفة بشأن التغيير المناخي، وتوقيعه على عددٍ من الاتفاقيات والبروتوكولات، فقد ساهمت السياسات والتشريعات التي سيطرت على القطاع العقاري وعلى قطاع البناء، بآثار مدمّرة وعواقب سلبية على البيئة وعلى التغيير المناخي، وهو ما سنتوسّع به فيما يلي.
السياسة العقارية: سياسة استغلال وتدمير على حساب البيئة
إن المفهوم الليبرالي السائد للملكية الخاصة، والذي يتم تشريعه من خلال الأنظمة القانونية في جميع أنحاء العالم منذ بداية القرن العشرين، يسمح للأفراد باستخدام الأراضي ويعطيهم الحق بالموارد والسيطرة عليها واستغلالها، معطياً بذلك الأولوية للمصلحة الفردية على حساب الحق العام والمقاربة التشاركية الجماعية للموارد، حتى على المدى البعيد، مضحّياً بحقوق الجماعات والأفراد بالحقوق الأساسية والموارد واستدامتها. وقد أدّى تبنّي هذا المفهوم إلى تغيير كافة مكونات الحياة الاجتماعية الحديثة وأنماط المعيشة، ممّا أثّر على حزمة من حقوق الإنسان. وهو ما يعتبر أيضاً أحد العناصر المعقّدة التي تُساهم في التغيير المناخي الناتج عن النشاط البشري (Babie,P.، 2010).
تُشير العديد من المؤلّفات والنقاشات بشأن التغيير المناخي إلى أنه يمكن للسياسات والمؤسسات وأنظمة الإدارة المصمّمة بشكل جيد أن تلعب دوراً هاماً في التكيّف مع التغيير المناخي والتخفيف من آثاره. ممّا يُظهِر أيضاً بأن هذه العملية مستحيلة دون جسم مركزي يديرها ويحرص على حفظ التوازن والعمل نحو استرجاع حقوق الجماعات الأكثر تأثّراً، والتأكّد من استدامة السياسات والمبادرات بهدف حفظ البيئة ومكوّناتها. وتشمل هذه السياسات تلك المتعلّقة باستخدام الأراضي، والتي يمكن أن توفّر الموارد وتسمح باستدامتها للأجيال والأجناس الأخرى، وتعزّز القدرة على الصمود الاجتماعي، وتدعم التعافي البيئي. لكن، في الواقع، يقع قسمٌ كبيرٌ من الأراضي على الصعيد العالمي تحت سيطرة القطاع الخاص لناحية الملكية، وتتمتّع الملكية الخاصة بالحماية الدستورية في معظم الدول، ممّا يُشكّل تحدياً كبيراً لتنفيذ هذه السياسات.
ففي لبنان، على سبيل المثال، تمّ تقويض التخطيط المكاني عبر اتّباع سياسة عقارية قائمة على نظام الملكية الخاصة، أي مصممة لمصلحة أصحاب الأراضي والمضاربين والمصالح المالية الشخصية. وقد تسبّب هذا الواقع في تدمير مباشر لأغلب مكوّنات البيئة.
تطوّرت هذه السياسة العقارية إثر الدمار المتكرّر للعاصمة بيروت وإعادة الإعمار الذين حددا تاريخها الحديث: الدمار خلال الحرب الأهلية (1975-1990)، وإعادة الإعمار في التسعينيات، والتوسّع عبر فقاعة الإسكان (2005-2010)، والدمار نتيجة تفجير المرفأ عام 2020. وأدّت طفرة البناء الناتجة عن الدمار والإعمار، في ظلّ وجود طبقة من النخب السياسية والتجارية المرتبطة بشكلٍ وثيق باللوبي العقاري، إلى تحويل قطاع البناء إلى بوتقة فاسدة تنصهر فيها السياسة والتجارة. وقد باتت مساهمة تجارة العقارات والخدمات المرتبطة بها وأنشطة البناء تتجاوز 20% من مجمل الناتج المحلي.
ففي بداية التسعينات، سعى لبنان إلى خلق مشاريع إعادة إعمار واسعة النطاق، زاعماً عودته إلى التزامه الليبرالي السابق للحرب الأهلية، من خلال تدخّل الدولة المحدود والخجول في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية. وفي محاولة لجذب النخب المالية الدولية، تركّزت معظم التدخّلات على التحسين المترف للبنية التحتية المادية في مناطق محدّدة، بالإضافة إلى إعادة الإعمار على نطاق واسع لمركز العاصمة فقط. وعملت الحكومات المتتالية على تسهيل شروط عمل المستثمرين المحليين والأجانب في العقارات، فزادت النسب المسموح فيها للبناء (المرسوم 2791/1992)، وأنشأت مؤسسة “إيدال” عام 1994 وهي إطار مؤسساتي للاستثمار العقاري، من شأنه تقديم الحوافز للمستثمرين وخفض الضرائب على الاستثمار. في ظل هذه الإجراءات والقرارات التحفيزية للمقاربة التجارية للعقارات، ارتفعت الأسعار وسيطر تجّار البناء على عملية إنتاج المباني في بيروت. وزاد من الحوافز إلغاء قانون ضبط الإيجارات في العام 1992 للعقود الجديدة، وباتت السياسة الإسكانية الوحيدة المتاحة هي سياسة التمليك من خلال القروض. كما تمّ إقرار قانون بناء جديد في العام نفسه يسهّل شروط عمل المستثمرين في العقارات ويزيد النسب المسموح فيها للبناء. وترافق ذلك مع منع الحكومة اللبنانية عام 1993 استيراد الإسمنت من الأسواق الخارجيّة، بذريعة حماية استثمارات مصانع الإسمنت في لبنان لزيادة قدراتها الإنتاجية. أمّا عام 2001، فقد تمّ إنشاء «المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان».
ومن ممارسات تجار البناء خلال التسعينيّات، تعلّم النظام الحاكم دروساً طبّقها في قانون بناء جديد أصدره سنة 2004، وفيه تغيّر الإطار التنظيمي للبناء في لبنان إلى حدٍّ كبير باتجاه تشجيع تداولٍ أكثر كثافةٍ لرأس المال في قطاع العقارات. فقد تدخّلت في صياغة القانون جمعية أسّسها تجّار البناء، وعدّلت مسودّته ليلبّي احتياجاتهم الفورية في إنتاج وإستثمار أبنيةٍ أعلى وأكثر، إذ ضاعفت عامل الإستثمار السطحيّ والعام، واستثنت العديد من المساحات من عامل الإستثمار. وفي مناطق الأطراف غير المنظّمة والتي لا يلبّي قانون البناء احتياجاتها، شهدنا كثافة تعاميم صادرة عن وزارة الداخلية تجيز للناس البناء دون الحصول على رخص، وقد صدرت هذه التعاميم غير القانونية بالعشرات منذ عام 2004.
استمرّ النهج نفسه معتمداً منذ ذلك الحين إلى اليوم. فبالرغم من الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان، رصدنا بين عامي 2019 و2022 – في مقابل القوانين التي صدرت في السنوات الأخيرة والتي ترمي إلى إنشاء محميات طبيعية، وبالرغم من توقيع لبنان على اتفاقيات بشأن حماية البيئة وحماية التنوع البيولوجي، والتغيير المناخيّ في عام 2019 – عدّة قوانين تنقُض المبادئ الأساسية للاستدامة والحقّ في البيئة السليمة بشكل صارخ. فبدلاً من حماية الأراضي الزراعية، والأحراج، والشواطئ والحيوانات والأعشاب والحشرات، وجميع عناصر النظام البيئي، واستخدامها وإدارتها بشكلٍ مستدام، تحجّجت هذه القوانين المدمِّرة بحماية الملكية الفردية وتحفيز الواقع الاقتصادي والتنمية في ظلّ النظام الاقتصادي الريعي القائم الذي لا يلتقي مع الحقوق البيئية، بل يتعارض معها.
صدّق البرلمان على قانونين متعلّقين بقطاع البناء، فيما طُرح 11 اقتراحاً ذو صلة، يتعلّق إمّا بتسوية مخالفات البناء، أو بإعفاءات وتسهيلات للبناء، أو يسمح بزيادة استثمارات للبناء. وقد جاءت هذه القوانين وغيرها لتهدّد مناطق حرجيّة تارةً، على مثال اقتراح قانون يرمي إلى تنفيذ الاستملاكات المتعلقة بأوتوستراد (خلدة – الضبية – العقيبة) وملحقاته، والذي يمرّ في مناطق حرجيّة ويساهم في تدميرها كما يساهم في تقسيم البلدات التي يمرّ فيها وفي زيادة نسب التلوّث والأمراض لقرب مسار السيارات من الوحدات السكنيّة، بالإضافة إلى ضرره على المستوى البيئيّ، بحيث أنّه لا يحترم أياً من المعايير البيئية كما أنّه لم يمر أيضاً في لجنة البيئة؛ أو يساهم في زيادة التلوث (تلوّث بصريّ وسمعيّ أو تلوّث الهواء) تارةً أخرى أسوةً بإقتراح تعديل المادة 66 من القانون رقم 144 (قانون الموازنة) الذي يسمح بإضافة طابقٍ جديدٍ على الأبنية الموجودة أو المُستحدثة في كلّ المناطق اللبنانية بشكلٍ عشوائي، ما يزيد الكثافة والاكتظاظ السكاني، والتلوّث، ويشوّه البيئة المبنية في المدن والبلدات والقرى، ويولّد ضغطاً إضافياً على الموارد وشبكات البُنى التحتية والمواصلات، وينتج عنها مشاكل وتداعياتٍ كثيرةٍ عمرانيةٍ وبيئية، دون إجراء أيّ دراسةٍ واقعيةٍ لآثاره المُحتملة؛ واقتراح تمديد العمل للمرّة الثالثة بالقانون رقم 402/1995 الذي يسمح بمضاعفة عامل الاستثمار في مشاريع الفنادق في مختلف المناطق اللبنانية لمدّة 5 سنوات إضافية، وهو ما يؤثّر بشكلٍ خاص على العقارات الموازية للشاطئ؛ واقتراح قانون إعفاء بعض رخص البناء من الرسوم وفقاً لتصاميم نموذجية أو السماح للمهجرين بالبناء ضمن عقار لا يستوفي الشروط القانونية أو إعطاء رخص بناء للمناطق الواقعة بالشيوع – وهي المناطق البعيدة عن المدن الرئيسية – التي تسهّل جميعها البناء في المناطق الريفية ولا يراعي معالم البيئة الطبيعية؛ ومنها ما يتعدّى على المفهوم الأوسع للبيئة السليمة، ولا يمكن حصره فقط بالقطاع الزراعي أو البيئي البحت كاقتراح قانون دمج الأراضي الأميرية بالأراضي الملك واقتراح قانون معجّل مكرّر حول الضم والفرز في منطقتي الهرمل ويونين العقاريتين في محافظة بعلبك الهرمل اللذان يضحّيان بالأراضي الزراعية خصوصاً في منطقة البقاع الشمالي.
وتتجاهل جميع هذه القوانين الحق في بيئة سليمة، الوارد ضمن الخطة الوطنية لحقوق الإنسان. فبحسب هذه الخطة، يقتضي الواقع عدم الخضوع بشكل مطلق للمصالح الإقتصادية وبشكل أبرز للضغوطات المالية التي قد يمارسها أصحاب المصالح لتجنّب تطبيق أنظمة بيئية معيّنة أو معايير بيئية وكلّ ما من شأنه أن يؤدّي إلى تفاقم التلوث البيئي، وبالتالي التأثير على صحة الأفراد وحياتهم.
شركات الإسمنت: لاعب أساسي في تدمير البيئة والتغيير المناخي
إن ارتباط الاقتصاد اللبناني ارتباطاً وثيقاً بقطاع البناء والعقارات، كما وضّحنا أعلاه، يحتّم استهلاك الإسمنت كأحد المواد الأساسية في أعمال البناء والتشييد، فأي زيادة في عدد رخص البناء وورش البناء تؤدّي إلى ارتفاع الطلب على هذه المادة. ولتلبية هذا الطلب، يعتمد السوق اللبناني بشكلٍ كاملٍ على الإنتاج المحلّي من الإسمنت.
يُعدّ الإسمنت ثاني أكثر المواد استخداماً في العالم بعد الماء، وتترك صناعة الإسمنت بصمة كربونية هائلة، مع تسبّبها بـ 8% من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون على صعيد العالم، ممّا يتخطّى ضعف الانبعاثات الناتجة عن أنشطة الطيران والشحن15بحسب معهد الأبحاث والدراسات “تشاتام هاوس”.. إذ تعتمد صناعة الإسمنت على خطوات تتضمّن خلط الحجر الجيري المُستخرج من المقالع مع مواد أخرى وطحنها، ثَم وضع المزيج داخل أفران ذات درجة حرارة عالية لإنتاج مادة الـ«كلنكر» (Clinker). وخلال هذه العملية يصدر الكربون مرتين، الأولى خلال تسخين الخليط داخل الأفران باستعمال الوقود الأحفوري البتكوك (Petcoke) للوصول إلى درجة الحرارة المرتفعة تلك، والثانية أثناء تكوّن الـ«كلنكر»، إذ يتمّ ذلك عبر تفاعل كيميائي ينتج عنه غاز ثاني أوكسيد الكربون. ويعتبر هذا الغاز غازاً دفيئاً، إن زاد تركيزه في الغلاف الجوّي يكون مسبّباً رئيسياً للاحتباس الحراري والتغيير المناخي. في لبنان، في إطار البلاغ الوطني المُرتبط باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغيير المناخي، صرّحت الدولة أن القطاع الصناعي اللبناني بثّ عام 2019 حوالي 3250 جيغا غرام من ثاني أوكسيد الكربون، مع مساهمة صناعة الإسمنت بنسبة كبيرة تساوي 41% من هذه الانبعاثات16الحصة الثانية بعد استهلاك غازات الفلور أو استخدام مركبات تحتوي على عنصر الفلور (58%).، وتطرّقت إلى أهمية خفض هذه النسبة عبر إجراءات تقنية تُطبّق خلال عملية التصنيع. ولكن لم يتمّ التطرّق، بأي شكل من الأشكال، إلى التأثيرات البيئية المدمّرة لصناعة الإسمنت خارج نطاق عملية التصنيع.
في لبنان، يعتمد إنتاج الإسمنت على بنية احتكارية أو كارتيل، بكل ما للمصطلح من معنى، مؤلّف من ثلاث شركات هي: «شركة الترابة الوطنية» (السبع)، التي تسيطر على أكبر حصة سوقية مع 41.7% من إجمالي مبيعات الإسمنت، و«شركة الترابة اللبنانية» (هولسيم) التي تشكّل المرتبة الثانية بحصّة 36.9% من المبيعات، و«شركة ترابة سبلين» التي تستحوذ على حصة سوقية قيمتها 21.4% من المبيعات17مبيعات العام 2013 (بحسب تقرير BlomInvest Bank)..
تاريخياً، تم إنشاء أولى هذه الشركات، شركة هولسيم، عام 1931 أي في ظلّ الاستعمار الفرنسي، بعد أن أسّسها المطران أنطوان عريضة والبطريركية المارونية18في العام 1931 أصبح المطران عريضة بطريركاً، وأوصى قبل وفاته بإعطاء أسهمه في الشركة لصالح البطريركية المارونية. المرجع: بولس صفير، «نبذة تاريخية مستندة إلى المراجع والوثائق الأولية: بكركي في محطاتها التاريخية 1703-1990»، منشورات معهد التاريخ في جامعة روح القدس، 1990. احتلّ معملها جزءاً من ساحل شكا – الهري (شمال لبنان)، وارتفع إنتاجها بشكل سريع، من حوالي 49 ألف طن في العام 1938 وصولاً إلى 100 ألف طن سنة 194019المصدر: مسعود ضاهر، «لبنان: الاستقلال، الصيغة والميثاق» دار الفارابي، بيروت، طبعة ثالثة 2016، صفحة 69. وبعد حوالي العقدين، تم إنشاء معمل آخر لصناعة الإسمنت على ساحل المنطقة ذاتها، تابع لشركة السبع التي أسّستها عائلات صحناوي وعسيلي وضومط. في ذلك الوقت، لم يكن هناك وزارة تصميم ولا قانون للتنظيم المدني ولا أنظمةً لاستخدامات الأراضي في المنطقة حيث تقع الشركتان، أو حتى على الصعيد الوطني. فكانت التشريعات الوحيدة القائمة عند تأسيسهما تتعلّق بتنظيم قطاع المقالع والكسارات (1935) وبتطبيق أحكام على صناعة الإسمنت (1938). إنّما الرؤية المطلوبة أو التنظيم اللازم لتوجيه استخدامات الأراضي ولاختيار مواقع إقامة المنشآت الصناعية، كان غائباً. وبسبب ارتكاز الاقتصاد اللبناني، حينها كما اليوم، على الاحتكارات وخدمة مصالح الفاعلين الاقتصاديين وأبرزهم أصحاب شركات الإسمنت ممّن لديهم روابط قوية مع السلطات السياسية والدينية، توسّعت أعمال شركتي الإسمنت بشكل كبير. تمّ ذلك من خلال ممارسات سمحت بها الدولة اللبنانية، مثل منح ترخيص نقل الترابة عام 195620خلافاً لأحكام مرسوم 1938.، وإشغال أملاك عامة بحرية21خلافاً لقانون 1925 تحديد الأملاك العامة.، وتأسيس مكتب جمركي ومرافئ مستقلة للتصدير (1967)، واستثمار نهر الجوز ونبع الجرادي. كما غضّت الدولة النظر عن ممارسات أخرى مثل استخراج المواد الأولية من بلدات قضاء الكورة المجاورة دون تراخيص. إذ ترافق افتتاح معملَي صناعة الإسمنت في شكا والهري مع استخراج مادة الصلصال من سهل الكورة الزراعي عبر حفر حُفر بمساحة تصل إلى مليون متر مربع وعمق ٢٠ متر، ومع إنشاء مقلعين غير مرخّصين لاستخراج الحجر الجيري، في كلٍّ من بلدات كفرحزير وبدبهون، وهما مقلعان يرتبطان عملياً وتشغيلياً بالمعامل عبر أحزمة ناقلة. وفي حين توقّفت أعمال الاستخراج من السهل في الثمانينات، ظلّ مقلعا كفرحزير وبدبهون يتمدّدان تدريجياً ودون قيود. وكانت منهجية شراء الأراضي عاملاً أساسياً في تمدّدهما وسيطرة الشركات على مصير المنطقة ومواردها22منذ البداية، استفادت الشركات من الحرمان التي كانت تعاني منه القرى الصغيرة في المنطقة. كان من السهل عليها إغراء مالكي الأراضي في القرى المهمشة لبيع العقارات والدفع نقداً، مما مكّنها من تأمين مصدر التربة لسنوات طويلة بأسعار زهيدة. وكانت تراكم عقارات أخرى بشكل استراتيجي، بحيث تعزل أراضٍ لا تملكها، وتحاصرها مثل الجُزر في وسط نطاق توسّع المقلع..
خلال التسعينات وبعد انتهاء الحرب الأهلية، شهد لبنان موجة إعادة إعمار واسعة، رافقها ردم للبحر، وقادت العملية في وسط العاصمة بيروت شركة سوليدير العقارية. أدّى ذلك إلى زيادة الطلب على مواد البناء كافّة وخصوصاً الإسمنت. فقامت الحكومة بدعم الشركات المُحتكرة لتزيد أرباحها، تحت غطاء دعم الإنتاج الصناعي اللبناني، عبر إصدار قرار منع استيراد الإسمنت من الأسواق الخارجية عام 1993، ما أدّى إلى زيادة سعر الطن بشكلٍ متكرّر. ثمّ قامت، في العام 1997، ودعماً لزيادة إنتاج الشركات، بإصدار قرار لا سابق له، يعلن تخصيص بلدة بدبهون وتصنيفها واعتمادها منطقةً خاصةً لمقالع شركات الترابة لمدة عشر سنوات. قام هذا القرار الوزاري – “بشخطة قلم” – باستباحة بلدةٍ بكاملها ووضع أرضها وهوائها وبيوتها ومستقبل أهلها تحت سيطرة المقالع. وعندما اتخذت المديرية العامة للتنظيم المدني ومجلسها الأعلى قراراً ينظّم المقالع في بدبهون ويحدّ من توسّعها23 بحسب مقابلة أجريناها مع مصدر في مديرية التنظيم المدني (طلب عدم ذكر اسمه)، تمّ تصنيف المنطقة المقلوعة على أنها منطقة “حماية”.ويقول المصدر “حماية مش يعني محمية. ما منعنا فيها إقامة مقالع أو منشآت. هيي أصلاً فيها مقالع. نحنا اعتبرنا أنه المقالع ما بقى فيها تتوّسع وتمتد بشكل عشوائي. ضروري يكون مفروض عليها شروط بيئية وحدّ للتوّسع لأن المناطق الموازية إلها عم تموت. فيكي تقولي أنه بمثابة buffer zone عنده شروط عشان ما تصير كل أملاك الشركة مقالع”.، قامت «شركة الترابة الوطنية» (السبع) بالإدّعاء على الدولة أمام مجلس الشورى لإبطال قرار المجلس الأعلى، وربحت الدعوى. وكان هذا أكبر دليلٍ على أنّها الأقوى نفوذاً في الدولة اللبنانية. ولكن هل هي أيضاً الأكثر تدميراُ للبيئة والأكثر تأثيراً على التغيير المناخي؟
في الواقع، تستخرج شركات الإسمنت اللبنانية 3 ملايين أمتار مكعّبة من البحص والرمل كحدّ أدنى سنوياً، ممّا يعني أنها تحوّل سنوياً 50 هكتاراً من الأراضي والجبال إلى مقالع. ويجتاح مقلع بدبهون المرتبط تشغيلياً بشركة السبع، على سبيل المثال، أكثر من كيلومتراً مربعاً من الأراضي الزراعية والجبال الصخرية التي جُرفت حتى تحت مستوى البحر، فيُشكّل ربع مساحة البلدة. على الصعيد الوطني، تمّ قلع أكثر من 15 مليون متراً مربّعاً من الأراضي حتى عام 2022، أي ما يعادل 75% من مساحة بيروت تقريباً. وتشير الدراسات إلى أن مستحقّات خزينة الدولة من التشغيل غير المنظّم للمقالع، بالإضافة إلى تكلفة التدهور البيئي، لا تقلّ عن 2.39 مليار دولار أمريكي24 بحسب دراسة نشرتها وزارة البيئة في لبنان وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العام 2022 حول التحديات البيئية والخسائر الاقتصادية بسبب سوء إدارة قطاع المقالع في لبنان. اطّلع/ي على الدراسة هنا.. إذ تسبّب عملية القلع والاستخراج تغييراً جذرياً في طبيعة الأرض الجيولوجية والمورفولوجية، ما يغيّر مسارات الرياح ويؤثّر على مخزون المياه الجوفية، ويقتل الحيوانات والنباتات والحشرات المتواجدة فيها، كما يدمّر موائلها وأماكن حصولها على الغذاء. كما يؤدّي القلع إلى الدمار المباشر وغير المباشر للنُظّم الإيكولوجية للمنطقة ككلّ، ويضعفها ممّا يسهّل اجتياح الأمراض للحيوانات والحشرات والنباتات. فاقتلاع الصخور والأتربة والرمول يزيل الغطاء النباتي، وينشر الغبار المشبّع بالمواد الجسيمية والمعادن ما يخنق الأشجار والنباتات والحشرات. وتلعب شاحنات النقل التابعة للشركات دوراً كبيراً في نشر الغبار أثناء تنقّلها يومياً بين المقلع والمصنع. في الكورة (شمال لبنان)، أدّت كثافة الغبار إلى خفض إنتاجية أشجار التين التي كانت تشتهر بها بلدة شكّا تاريخياً. ولم ينحصر تأثير المقالع على المناطق المتاخمة لها، بل تعدّاها. إذ أثبتت الدراسات أن هناك ارتفاعٌ في نسبة المعادن الثقيلة كالرصاص في أشجار الزيتون القريبة من مقلَعي كفرحزير وبدبهون، وحتى في الأشجار البعيدة الموجودة في سهل الكورة الزراعي. هذا ولا يقتصر ضرر القلع على البيئة والطبيعة، بل يمتدّ إلى المنازل والبنى التحتية، إذ تتسبّب المتفجّرات المستخدمة في تشقّق المنازل وخزانات المياه وتصدّع طبقات الأرض، ما يؤدي إلى زحزحة الأراضي الزراعية والمناطق السكنية. كما يرتفع منسوب الضوضاء الناتج عن عمليات القلع والكسارة، ما يزعج السكان ويؤثّر على حياتهم اليومية.
وبالإضافة إلى القلع، إن لممارسات شركات الإسمنت الأخرى تأثيرات مباشرة على البيئة أيضاً، فتقوم شركَتي هولسيم والسبع بتلويث مياه البحر عبر تخزينها الـ«كلنكر» في الهواء الطلق بالقرب من الشاطئ، وتفريغها الـ«بتكوك» بالقرب منه، وتسريبها النفايات السائلة التي تنتجها مباشرةً إلى مياه البحر، ما يؤدّي إلى تسميم المياه ممّا يقضي على الثروة السمكية والأعشاب البحرية، وبالتالي إلى تدهور قطاع صيد الأسماك. كما تقوم الشركات بتشويه الشاطئ الطبيعي وتغيير ملامحه نتيجة سرقة الرمول، وبناء الحواجز البحرية، وإغلاق المنافذ المؤدّية إلى البحر.
وفي المرحلة اللاحقة لإنتاجه، من المهم النظر إلى استخدام الإسمنت وتأثيره كمادة على التربة. فالإسمنت مادّة كتيمة للمياه، لا تسمح بترشّحه إلى باطن الأرض. بمعنى أنّه يشكّل مادّة عازلة، واستخدام كميّة أكبر منه للبناء وتغطية مساحات أكبر من الأراضي، يؤدّي إلى تشكيل مساحات أكبر من الأراضي المعزولة عن المياه والتي تضطرب فيها دورة المياه الطبيعية وتمنعها من العودة إلى باطن الأرض.
بموازاة التغاضي عن مختلف أوجه التدمير البيئي المباشرة الناتجة عن عمل شركات الإسمنت، تبقى الدولة اللبنانية غائبة عن رصد أسباب إعاقة التقدّم في مجال مكافحة التغيير المناخي وتدمير البيئة. ومن أبرز هذه الأسباب، التي لم يتمّ رصدها والتطرّق إليها، اعتماد شركات الإسمنت الغسيل الأخضر. إذ تمارس شركات الإسمنت هذا التكتيك الخادع لتضليل السكان وصانعي السياسات على حدّ سواء، مروّجةً لنفسها على أنها صديقة للبيئة. فتستعمل الإعلانات معتمدةّ على ما تسمّيه «سياسة المسؤولية الاجتماعية» لهذا الغرض. وتقوم هذه السياسة على دعم السلطات المحلية، كبلديات الهري وشكّا وبلديات أخرى متضرّرة من ممارساتها، من خلال توفير التمويل لمشاريع البنى التحتية25ساهمت شركة السبع، على سبيل المثال، بـ: تمويل شراء وتركيب مُولّد كهربائيّ لتوفير الطاقة الكهربائيّة لأكثر من 400 منزل في شكّا؛ دعم شركة بلدة برغون لتنفيذ مشروع توسيع الطرقات في البلدة عام 2015؛ إنشاء خزّان مياه الشفة لبلدة الهري عام ٢٠١٥، الخ. والمهرجانات26قامت شركة السبع، على سبيل المثال، بـ: رعاية مهرجانات البترون الدولية إبتداءً من عام ٢٠١١؛ دعم بناء مسرح مهرجان أنفه السنويّ؛ رعاية مهرجان شكّا السنويّ الفنيّ والرياضيّ الذي ينظّمه مجلس إنماء شكّا بالتعاون مع البلدية؛ رعاية احتفال تكريم الطلّاب المتفوّقين في الامتحانات الرسمية في شكّا؛ تكريم إعلاميّي الشمال عام 2017؛ الخ. والبرامج البيئية27قامت شركة السبع، على سبيل المثال، بـ: تدشين مشروع “الحزام الأخضر” عام ٢٠١٢؛ تقديم “جبل زكرون” الذي تملكه لأبناء بلدة زكرون عام ٢٠٠٩، من أجل الاستفادة منه عن طريق تشحيل الأشجار لصناعة الفحم؛ إطلاق مبادرة Fruitful Gift وتوزيع ٩٠٠٠غرسة أشجار مُثمرة على أهالي شكّا, أنفه والكورة لزراعتها؛ المساهمة في زراعة ١٠٠ شجرة في بلدة اجدبرا الشمالية؛ المساهمة في إعادة تحريج أحد المواقع في قرية حدشيت في كل من الأعوام ٢٠١٣، ٢٠١٤ و٢٠١٥، الخ.، وتقدّم الدعم المالي للمدارس ودور العبادة28قامت شركة السبع، على سبيل المثال، بـ: تقديم هبة مالية لمدرسة أنفة الرسمية لتنفيذ أعمال إنشائية وترميم عام 2009؛ ترميم وتكريس دير سيدة الناطور عام ٢٠١٣؛ دعم نشاطات المخيّم الصيفيّ في مدرسة الهري الرسميّة. والأندية الرياضية المحلية وتعاونيات الصيادين والمزارعين29قامت شركة السبع، على سبيل المثال، بـ: تقديم هبة مالية 6 مرات لتعاونية الصيّادين في شكّا لشراء المُعدّات؛ تجديد التراخيص اللازمة لمراكب صيّادي الأسماك في أنفه لسنة ٢٠١٥ بالتعاون مع وزارة الأشغال العامّة والنقل، وتنظيم حفل غداء لهم؛ دعم نادي سبيد بول شكّا، ونادي شكّا الرياضي، ونادي الشبيبة الرياضي، ونادي الانطلاق-أنفه للفوليبول، لتأمين المعدّات والبدلات وتغطية مصاريف التدريب وتأهيل الملاعب؛ رعاية أكاديميّة السبع الصيفية الذي ينظّمها نادي شكّا الرياضي، الخ.، الخ. وترافق هذه السياسة عملية استمالة مزارعين وصيادين عبر دعوتهم للعمل لديها وإغرائهم بأن الوظيفة ثابتة بمعاش ثابت، مما شجع الكثيرين على ترك الصيد أو الزراعة، وبات العامل يجلب ابنه ليعمل مكانه. فصار للشركات جمهور يشجّعها، وكسبت فرصة لإسكات المعارضين.
إعادة النظر في النظام الاقتصادي لمكافحة التغيير المناخي
في لبنان، حيث تسود سياسة عقارية تحكمها أحقية الملكية الخاصة وتضع المصلحة الفردية فوق المصلحة العامة، نجد أنفسنا أمام وصفة لكارثة بيئية تتجلّى بشكل رئيسي في التوسع العمراني النيوليبرالي الذي لا ينظر إلى عواقب البناء على الحياة، وفي سيطرة الشركات الكبرى التي تستفيد من نفوذها الاقتصادي والسياسي ومن دعم الدولة، لتستنزف بشكلٍ مفرطٍ الموارد الطبيعية، وتترك بصمةً كربونيةً هائلة، وقرى ومدناً يصعب العيش فيها، ونُظُماً بيئية غير قادرة على الشفاء والتعافي. واللافت هو التناقض الصارخ بين السياسات والتشريعات والممارسات القائمة، وبين التزامات لبنان الدولية تجاه البيئة والمرتبطة بالتغيير المناخي. ففي الوقت الذي يوقّع فيه لبنان على اتفاقيات دولية تلزمه بخفض انبعاثات غازات الدفيئة، نجد غياباً تاماً لرؤيةٍ شاملةٍ تعترف بالعلاقة الوثيقة بين قطاع البناء والتمدّد العمراني والبيئة والمناخ. فمن ناحية، نرى تشريعات تُسنّ وتُطبق تُشجّع على المزيد من البناء، وتُسهّل استغلال الموارد الطبيعية حتى استنفاذها، دون رادع. ومن ناحية أخرى، نرى غياباً لرصد أسباب إعاقة التقدّم في مجال مكافحة التغيير المناخي وتدمير البيئة.
لتحقيق الالتزامات الدولية تجاه التغيير المناخي ولعب دورٍ فاعلٍ في تقليص آثاره محلياً وعالمياً، بات من الضروري إعادة النظر بشكل جذري في النظام الاقتصادي القائم في لبنان، كأن يُبنى هذا النظام على أسسٍ متينةٍ تُعطي الأولوية للاقتصادات المحلية، وتكسر احتكارية الريع العقاري والقطاعات المرتبطة به كصناعة الإسمنت، وتقوّي نفوذ الدولة وأدوات التخطيط المكاني في مواجهة نفوذ اللاعبين الاقتصاديين كملّاك الأراضي الكبار، وتجّار البناء والمطوّرين العقاريين وشركات الإسمنت.
المراجع:
- 1“الآثار الضارّة للتغيير المناخي” تعني التغييرات التي تطرأ على البيئة الطبيعية أو الحيوية من جراء التغيير المناخي والتي لها آثار ضارة كبيرة على تكوين النظم الايكولوجية الطبيعية أو مرونتها أو إنتاجيتها أو على عمل النظم الاقتصادية – أو الاجتماعية على صحة الإنسان ورفاهه.
- 2“التغيير المناخي” هو تغيير يُعزى بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى النشاط البشري الذي يفضي إلى تغيير في تكوين الغلاف الجوي العالمي، بشكل يسمح بحبس الحرارة ممّا يؤدّي إلى تغيير طويل الأمد ولا تراجع عنه، بدرجات حرارة الأرض.
- 3“الانبعاثات” تعني إطلاق غازات الدفيئة و/أو سلائفها في الغلاف الجوي على امتداد رقعة معينة وفترة زمنية محددة.
- 4“غازات الدفيئة” هي العناصر الغازية المكوِّنة للغلاف الجوي، من مصادر طبيعية وبشرية، والتي تمتص الأشعة دون الحمراء وتعيد بث هذه الأشعة.
- 5للمزيد حول القوانين الصادرة بين عامي 2019 و2022، اطلع/ي على التقرير التالي: أعمال المجلس النيابي من منظور العدالة المكانية: تقرير حول قوانين واقتراحات المجلس النيابي 2019-2022.
- 6“المصدر” يعني عملية أو نشاط يطلق غازاً من غازات الدفيئة أو الهباء الجوي أو سلائف غازات الدفيئة في الغلاف الجوي.
- 7“المصرف” يعني عملية أو نشاط أو آلية تزيل غازات الدفيئة أو الهباء الجوي أو سلائف غازات الدفيئة من الغلاف الجوي.
- 8“الخزان” يعني عنصراً أو عناصر أي من مكونات نظام المناخ الذي تختزن فيه غازات الدفيئة أو سلائف غازات الدفيئة.
- 9مركبات هيدروفلوروكربون HFCs هي مركّبات عضوية تحتوي، بالإضافة إلى الكربون، على عنصري الهيدروجين والفلوريد؛ وتعد أكثر أنواع مركبات الفلوريد العضوية شيوعاً. تستخدم بكثرة في تكييف الهواء وفي تركيب المواد المثلجة. على الرغم من أن مركبات الهيدروفلوروكربون لا تسبب نضوب طبقة الأوزون مثلما تفعل مركبات كلوروفلوروكربون أو هيدروكلوروفلوروكربون، إلا أنها تساهم في الاحترار العالمي.
- 10صدّقت الحكومة اللبنانية على تعديلات اتفاقية برشلونة بموجب القانون 34 بتاريخ 16/10/2008، إلا أن الحكومة اللبنانية لم تكن قد انضمت بعد إلى بروتوكول المناطق المتمتعة بحماية خاصة والتنوع البيولوجي في البحر المتوسط المعدل.
- 11مناطق تتميز بالقيمة البيولوجية والايكولوجية، وبالاختلاف الوراثي للأنواع وتشكل منطقة مناسبة لتكاثر هذه الأنواع ولتوالدها وتوفر مواطن لها، وأيضاً تتميز بكونها مواقع بحرية ذات أهمية خاصة من الناحية العلمية أو الجمالية أو التاريخية أو الأثرية أو الثقافية أو التربوية.
- 12مناطق تتميز بأهمية في صيانة مكونات التنوع البيولوجي في البحر المتوسط أو تحتوي على نظم ايكولوجية محددة لمنطقة البحر المتوسط أو موائل للأنواع المهددة بالانقراض، أو ذات أهمية خاصة على المستويات العلمية أو الجمالية أو الثقافية أو التربوية.
- 13يتواجد في المياه الإقليمية اللبنانية 37 نوع من الكائنات البحرية المدرجة في الملحق رقم 1 للبروتوكول المتعلق بقائمة الأنواع المهددة بالإنقراض، و13 نوع من أنواع الكائنات البحرية المدرجة في الملحق رقم 2 للبروتوكول المتعلق بقائمة الأنواع التي يجب تنظيم استخدامها.
- 14يتعين على لبنان بموجب هذا البروتوكول حظر إلقاء أو تصريف النفايات والمواد الأخرى التي من المحتمل أن تعوث بطريقة مباشرة أو غير مباشرة سلامة المناطق المتمتعة بحماية خاصة، كما وتنظيم وحظر صيد الأسماك أو حصاد النباتات أو تدميرها، من بين أمور أخرى، على أن تأخذ عند صياغة التدابير الوقائية، الأطراف المعيشية التقليدية والأنشطة الثقافية للسكان المحليين بعين الاعتبار.
- 15بحسب معهد الأبحاث والدراسات “تشاتام هاوس”.
- 16الحصة الثانية بعد استهلاك غازات الفلور أو استخدام مركبات تحتوي على عنصر الفلور (58%).
- 17مبيعات العام 2013 (بحسب تقرير BlomInvest Bank).
- 18في العام 1931 أصبح المطران عريضة بطريركاً، وأوصى قبل وفاته بإعطاء أسهمه في الشركة لصالح البطريركية المارونية. المرجع: بولس صفير، «نبذة تاريخية مستندة إلى المراجع والوثائق الأولية: بكركي في محطاتها التاريخية 1703-1990»، منشورات معهد التاريخ في جامعة روح القدس، 1990
- 19المصدر: مسعود ضاهر، «لبنان: الاستقلال، الصيغة والميثاق» دار الفارابي، بيروت، طبعة ثالثة 2016، صفحة 69
- 20خلافاً لأحكام مرسوم 1938.
- 21خلافاً لقانون 1925 تحديد الأملاك العامة.
- 22منذ البداية، استفادت الشركات من الحرمان التي كانت تعاني منه القرى الصغيرة في المنطقة. كان من السهل عليها إغراء مالكي الأراضي في القرى المهمشة لبيع العقارات والدفع نقداً، مما مكّنها من تأمين مصدر التربة لسنوات طويلة بأسعار زهيدة. وكانت تراكم عقارات أخرى بشكل استراتيجي، بحيث تعزل أراضٍ لا تملكها، وتحاصرها مثل الجُزر في وسط نطاق توسّع المقلع.
- 23بحسب مقابلة أجريناها مع مصدر في مديرية التنظيم المدني (طلب عدم ذكر اسمه)، تمّ تصنيف المنطقة المقلوعة على أنها منطقة “حماية”.ويقول المصدر “حماية مش يعني محمية. ما منعنا فيها إقامة مقالع أو منشآت. هيي أصلاً فيها مقالع. نحنا اعتبرنا أنه المقالع ما بقى فيها تتوّسع وتمتد بشكل عشوائي. ضروري يكون مفروض عليها شروط بيئية وحدّ للتوّسع لأن المناطق الموازية إلها عم تموت. فيكي تقولي أنه بمثابة buffer zone عنده شروط عشان ما تصير كل أملاك الشركة مقالع”.
- 24بحسب دراسة نشرتها وزارة البيئة في لبنان وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العام 2022 حول التحديات البيئية والخسائر الاقتصادية بسبب سوء إدارة قطاع المقالع في لبنان. اطّلع/ي على الدراسة هنا.
- 25ساهمت شركة السبع، على سبيل المثال، بـ: تمويل شراء وتركيب مُولّد كهربائيّ لتوفير الطاقة الكهربائيّة لأكثر من 400 منزل في شكّا؛ دعم شركة بلدة برغون لتنفيذ مشروع توسيع الطرقات في البلدة عام 2015؛ إنشاء خزّان مياه الشفة لبلدة الهري عام ٢٠١٥، الخ.
- 26قامت شركة السبع، على سبيل المثال، بـ: رعاية مهرجانات البترون الدولية إبتداءً من عام ٢٠١١؛ دعم بناء مسرح مهرجان أنفه السنويّ؛ رعاية مهرجان شكّا السنويّ الفنيّ والرياضيّ الذي ينظّمه مجلس إنماء شكّا بالتعاون مع البلدية؛ رعاية احتفال تكريم الطلّاب المتفوّقين في الامتحانات الرسمية في شكّا؛ تكريم إعلاميّي الشمال عام 2017؛ الخ.
- 27قامت شركة السبع، على سبيل المثال، بـ: تدشين مشروع “الحزام الأخضر” عام ٢٠١٢؛ تقديم “جبل زكرون” الذي تملكه لأبناء بلدة زكرون عام ٢٠٠٩، من أجل الاستفادة منه عن طريق تشحيل الأشجار لصناعة الفحم؛ إطلاق مبادرة Fruitful Gift وتوزيع ٩٠٠٠غرسة أشجار مُثمرة على أهالي شكّا, أنفه والكورة لزراعتها؛ المساهمة في زراعة ١٠٠ شجرة في بلدة اجدبرا الشمالية؛ المساهمة في إعادة تحريج أحد المواقع في قرية حدشيت في كل من الأعوام ٢٠١٣، ٢٠١٤ و٢٠١٥، الخ.
- 28قامت شركة السبع، على سبيل المثال، بـ: تقديم هبة مالية لمدرسة أنفة الرسمية لتنفيذ أعمال إنشائية وترميم عام 2009؛ ترميم وتكريس دير سيدة الناطور عام ٢٠١٣؛ دعم نشاطات المخيّم الصيفيّ في مدرسة الهري الرسميّة.
- 29قامت شركة السبع، على سبيل المثال، بـ: تقديم هبة مالية 6 مرات لتعاونية الصيّادين في شكّا لشراء المُعدّات؛ تجديد التراخيص اللازمة لمراكب صيّادي الأسماك في أنفه لسنة ٢٠١٥ بالتعاون مع وزارة الأشغال العامّة والنقل، وتنظيم حفل غداء لهم؛ دعم نادي سبيد بول شكّا، ونادي شكّا الرياضي، ونادي الشبيبة الرياضي، ونادي الانطلاق-أنفه للفوليبول، لتأمين المعدّات والبدلات وتغطية مصاريف التدريب وتأهيل الملاعب؛ رعاية أكاديميّة السبع الصيفية الذي ينظّمها نادي شكّا الرياضي، الخ.
كتلتا المستقبل والمقاومة تسهّلان البناء في المناطق الريفية من دون معالجة حاجات السكن
اقتراح قانون إعفاء بعض رخص البناء من الرسوم وفقًا لتصاميم نموذجية
أحيل الى لجان الادارة والعدل والمال والموازنة والاشغال العامة في 10/6/2020.