أبعد من الإسمنت

نحو رؤية تنموية بديلة لشكّا وبلدات الطوق

أيلول ٢٠١٩ – حزيران ٢٠٢٠

تحميل المنشور

بحث وإنتاج: مونيكا بصبوص، تالا علاء الدين، عبير سقسوق، نادين بكداش.
تصميم: عماد قعفراني
تعريب وتحرير لغوي: هاشم هاشم
تعريب تقرير لجنة التحكيم: ساسين كوزلي

هذا الكتاب نتاج مشروع بحثي أطلقه استديو أشغال عامة، في أيلول 2018، تحت عنوان “نحو ممارسة تشاركية في تنظيم الأراضي اللبنانية”. يشرح الكتاب الظلم المتعدّد الأوجه الذي يرزح تحته سكّان شكّا وقضاء الكورة، في شمال لبنان، منذ أكثر من نصف قرن، بفعل تواجد معامل صناعة الإسمنت ومقالعها غير المرخّصة في بلداتهم، ويدعو إلى مساءلة الأنماط المهيمنة على مجالي التنمية واستخدام الأراضي في لبنان.

يقدّم الكتاب مادة نقاش حول بدائل مجديةٍ تتحدّى الحجّة السائدة لصالح قطاع الإسمنت: دوره في التنمية الاقتصادية المحلية وحجمه في الاقتصاد الوطني، ونسعى من خلاله إلى وضع قضية المقالع والتنمية البديلة في شكا وبلدات الكورة في واجهة الخطاب العام.

في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، تلقّى استديو أشغال عامة دعوةً للتوقيع على عريضةٍ تطالب بمحاسبة المسؤولين عن التدمير الحاصل في الكورة في شمال لبنان نتيجة استخراج وصناعة الإسمنت. كانت تلك العريضة جزءًا من تاريخٍ نضالي طويلٍ بقيادة السكان والناشطات والناشطين المحلّيين، لمقاومة ظلمٍ متعدّد الأوجه يرزحون تحته منذ أكثر من نصف قرن. فعلى الرغم من الجهود الحثيثة المبذولة والمناصرة على المستوى المحلي، لطالما كانت الغلَبة لشركتَي الإسمنت اللتين تتمتعان بنفوذٍ سياسي واقتصادي مسلّمٍ به، على حساب كل المطالب الداعية إلى مساءلتهما. ونظرًا لغياب أيّ رؤًى كلّيةٍ ومستدامةٍ لتنمية المنطقة، تنجح الشركتان أيضًا في استقطاب الرأي العام عن طريق الترويج بدهاءٍ لأنشطتها كأنها ضروريةٌ لخير المنطقة، بينما في الحقيقة، قامت الشركتان بالاستيلاء على أراضٍ شاسعةٍ وتدميرها، وبثّ السموم والأمراض في المنطقة وإبادة كافة أشكال المعيشة الأخرى فيها. كان واضحًا لنا ضرورةَ الخطواتِ القانونية المُتخذة، رغم إدراكنا أنها لن تكون كافية. لذا، كان من المهم بالقدر ذاته طرحُ بدائل مجديةٍ قادرةٍ على تحدّي الحجّة السائدة لصالح قطاع الإسمنت: التنمية الاقتصادية. ففي نهاية المطاف، إحدى السّمات الأساسية للنظام السياسي اللبناني بعد الحرب الأهلية هي هيمنته على مخيّلتنا وعلى قدرتنا على تصوّر آفاقٍ مستقبليةٍ مغايرةٍ لواقعنا القائم.

بناءً على تجربته السابقة في تنظيم مسابقة فكّر إسكان، أطلق استوديو أشغال عامة مسابقة أبعد من الإسمنت الدولية في أيلول 2019، بالشراكة مع نقابَتي المهندسين في بيروت والشمال واتحاد بلديّات الكورة. دعت المسابقة إلى مراجعة أنظمة التنمية واستخدام الأراضي المهيمِنة التي تحكم المناطق اللبنانية، وإلى إعادة التفكير في إطار العمل المؤسّسي للتنظيم المديني. بتوجيهٍ من لجنةٍ متعدّدة التخصّصات ضمّت خبراء وناشطات وناشطين محليّين، مثّلت المسابقة دعوةً مفتوحةً للطلاب والمهنيّين والمهنيّات لإحداث التغيير المنشود عن طريق التعاون العابر للاختصاصات، من أجل صياغة مقترحاتٍ مستدامةٍ للتنمية تمنح الأولوية لحاجات المجتمعات المحلّية. ولتحقيق ذلك، طُوّر موجز المسابقة بعد سنةٍ كاملةٍ من البحث التشاركي في الكورة، وتضمّن مقابلاتٍ فرديةً مع المعنيّين وأصحاب المصلحة، ولقاءاتٍ عامةً بين المجتمع المحلّي وفئاتٍ اجتماعيةٍ متنوعةٍ أخرى، وبحثٍ معمّقٍ، وبناء التحالفات والنشر والتواصل على نطاقٍ واسع.

هكذا، شكّلت المسابقة منذ انطلاقها حتى ختامها استجابةً جذريةً لغياب الشفافية والمشاركة في عملية صنع القرار عمومًا، وفي التخطيط المديني خصوصًا. فلا يكتفي قانون التنظيم المدني في لبنان بعدم ذكر مشاركة المجتمعات المحلّية أو الفئات المتأثرة فحسب، بل إنّ المؤسّسة الرئيسة المسؤولة عن التخطيط، أي المديرية العامة للتنظيم المدني، تمنع صراحةً الشركات المتعهّدة من استشارة الناس. عمليًا، تمثّل المجالس البلدية الإطار التمثيلي المحلّي الوحيد في عملية وضع الخطط الشاملة. لكن من المعروف أن البلديات غالبًا ما تفتقر إلى الموارد وإلى القدرة على تمثيل كافة السكان نظرًا لعوامل اجتماعية وسياسية عديدة، لاسيما السكان مِن غير المقترعين وغير المالِكين. وفي ظلّ عدم مشاركة الفئات الأكثر تأثرًا بالسياسات والمشاريع المُنفّذة، استحالت دوائرُ صنع القرار مساحاتٍ تكنوقراطيةً يعمّها الفساد، وتحكمها المصالح الشخصية النخبوية، وتفلتُ باستمرارٍ من المحاسبة.

إن العمل لإرساء ممارساتٍ مساحيةٍ أكثر عدالة، يتطلّب استعادة أدوات التخطيط المديني كوسائل ديموقراطية للتفاوض على الحاجات والآمال المتنوعة في مجتمعاتنا المتعدّدة والمعقّدة. لذلك، علينا كباحثاتٍ وباحثين لحظ مواقعنا ضمن بُنى القوّة، وفتح باب عمليّات إنتاج المعرفة والتمثيل. كذلك، علينا كمهنّيين ومهنيّاتٍ عاملاتٍ في مجال العمران، استنباط طرقٍ تسمح للسكان بفهم وتقييم وصياغة السياسات التي تؤثّر في حياتهم وبيئاتهم. وتمثّل المسابقات المفتوحة أداةً تعمل على مستوياتٍ عدّة وتضفي أهميةً وطنيةً على مسائل مُغرِقة في المحلّية، مطلقةً نقاشاتٍ واسعةٍ بشأنها. هكذا، تسمح المسابقات لمروحةٍ واسعةٍ من الفئات الاجتماعية بالاستفادة من بروزِ قضيةٍ محدّدةٍ والزخم المُثار حولها.

في الواقع، يتجاوز نطاقُ المسابقات دوائرَ الخبراء والمهنيّات والمهنيّين، إذ غالبًا ما تكون جزءًا من استراتيجيةٍ أوسع تتضمّن المناصرة والحملات الترويجية، وتهدف إلى تحدّي الممارسات النخبوية في مجالَي التخطيط المديني والسياسات العامة.

هذا الكتاب مهدًى إلى النضال الوطني ضدّ منظومة احتكار القلّة للإسمنت، وتحديدًا إلى سكان شكّا وبلدات الطوق في الكورة.

إلى ذكرى الراحلين، وإلى النضال المستمر لتحقيق العدالة للأحياء، ومن أجل مستقبلٍ أكثر إنصافًا وأبعد من الإسمنت، نهدي هذا الكتاب.

مونيكا بصبوص

 

تالا علاء الدين

باحثة و منسقة قسم الأبحاث

تالا، معماريّة وباحثة حَضرية. يركّز عملها على قضايا السكن والأرض في لبنان، ويشمل دراسة التصاميم التوجيهية الصادرة عن المناطق اللبنانية وتحليلها وانعكاساتها على حياة الناس اليومية، ورصد ممارسات المؤسسات المعنية بالتخطيط، والمناصرة لتفعيل الأدوات والمناهج التشاركية في التخطيط وإعادة الإعمار. حازت على شهادات التميّز الأكاديمي والمنح الدراسية من مؤسسة الحريري للتنمية البشرية المستدامة والجامعة اللبنانية الأميركية، وحصلت على ماجستير في الهندسة المعمارية من الجامعة اللبنانية، كلية العمارة والفنون الجميلة، الفرع الثاني (2017).

 

عبير سقسوق

مديرة تنفيذية ومسؤولة الأبحاث

تخرجت عبير كمهندسة معمارية في العام 2005، ثم حصلت على ماجستير في التخطيط المديني. هي عضو مؤسس في استوديو أشغال عامة. يشمل تركيز بحثها العلاقة بين العمران والقانون، الملكية والمساحات المشتركة، والحق في المدينة للمجتمعات المهمشة. كما تعمل عبر شراكات متعدّدة على تطوير الطرق التي تحفّز دور الجماعات المحليّة في تخطيط مستقبل مساحاتهم ومُدنهم وصياغته. هي أيضاً عضو في المفكرة القانونية (منذ 2014) وعضو مؤسس في مجموعة الدكتافون (منذ 2009).

 

عماد قعفراني

مصمم

عماد حاصل على إجازة في التصميم الغرافيكي والتواصل البصري من الجامعة اللبنانية. تزدهر أعماله الفنية في مجالات متنوعة منها الرسم والتيبوغرافيا والتحريك والفيديو والموسيقى وغيرها.

 

نادين بكداش

مديرة تنفيذية ومسؤولة قسم التواصل و التصميم

نادين مصمّمة بصريّة وباحثة مدينيّة، وعضو مؤسس في استديو أشغال عامة. تلجأ الى أساليب متعددة الإختصاصات لمقاربة عمليات إنتاج الفضاء المديني، مستخدمة أدوات تمثيلية وبحثية في آن، كالخرائط، المرئيات والفيديو. كجزء من بحثها المرتكز على الحقوق السكنية والتحوّلات المدينية، نشرت بحث «سيادة الإخلاء: مستأجري لبنان من مواطنين إلى عقبات»، وأخرجت أيضاً فيلم «رسم خريطة شارع بيهم». تدرّس التصميم والتواصل البصري في الجامعة اللبنانيّة.

إدارة الأراضي والتنظيم المدني الموارد الطبيعية قطاع البناء الهري بدبهون ِشكا قضاء البترون قضاء الكورة لبنان محافظة شمال لبنان
 
 
 

مسابقة أبعد من الإسمنت: نحو رؤية تنموية بديلة لشكّا وبلدات الطوق

في ظلّ ظلمٍ متعدّد الأوجه يرزح تحته سكّان شكّا وقضاء الكورة منذ أكثر من نصف قرن بفعل تواجد معامل صناعة الإسمنت ومقالعها في أراضيهما، كان من المهمّ إطلاق نقاشٍ بشأن بدائل مجديةٍ تتحدّى …

مجلس الاستثناءات

تقرير حول قرارات "المجلس الأعلى للتنظيم المدني" 2019 - 2021

تحتلّ فكرة "غياب التخطيط" - وهي ما يستخدمه الفاعلون في النظام السياسي غالباً لإعادة التأكيد على "غياب الدولة" - كامل الصورة حينما يتمّ الحديث عن واقع المناطق والمدن في لبنان، كما تُستخدَم لتبرير التقاعس في إرساء ...

قطاع البناء في لبنان:

كيف يدمّر العمران النيوليبرالي البيئة

قد يبدو لنا أن لبنان أخذ الآثار الضارة1“الآثار الضارّة للتغيير المناخي” تعني التغييرات التي تطرأ على البيئة الطبيعية أو الحيوية من جراء التغيير المناخي والتي لها آثار ضارة كبيرة على تكوين النظم الايكولوجية …