في الأسبوع الماضي، انهار مبنى في حيّ ضهر المغر في القبة طرابلس، وراحت ضحيته رضيعة، فيما تستمرّ معاناة أمّها الجريحة في المستشفى. وقد ظهرت معلومات تدلّ على تقاعس البلدية عن تحمّل مسؤوليتها في متابعة قضية خطر انهيار المبنى من جهة، في تأمين سكن بديل للسكان من جهة، وفي تدعيم المبنى المتهالك بعد أن ضربت رافعتها أحد أعمدته من جهة أخرى. وقد خلق انهيار المبنى رعباً كبيراً عند سكان الحي، اللواتي والذين أصبحوا يشعرون بأنهم مهدّدون في أمانهم وسكنهم أكثر من أيّ وقت مضى. وهو شعور شرعي، خاصة في ظلّ تقاعس المؤسسات العامة المعنية في الكشف على المباني أو اتّخاذ الخطوات اللازمة لتأمين بديل. كما أن الخطر المُحدق بالناس لا يتعلّق بالمباني السكنية فقط، بل بالبنى التحتية أيضاً خاصة بعد سقوط أشرطة الكهرباء على الأرض في الحي منذ فترة، ممّا كان ليتسبّب بحريق.
وهذه ليست المرة الأولى التي يذهب فيها السكان ضحية هذا التقاعس، ولا المرة الأولى التي يخسرون فيها بيوتهم. عام ٢٠١٩، سقط مبنى الفوال في حي الأندلس في الميناء على رؤوس ساكنيه فمات أخ واخته. وفي عام ٢٠٢٠، انهار مبنى قديم بشكل جزئي في حي الزاهرية في طرابلس. وفي عام ٢٠٢١، سقطت شقيقتان ضحية انهيار شرفة مبنى سكني في منطقة القبة.
تشكّل هذه الحوادث منعطفاً آخر تُطرح فيه أهمية الحق بالسكن وقيمته وأولويته. ففي سياق اقتصادي متردٍ، واستحالة تغيير الناس سكنهم إن أصبحت بيوتهم الحالية في حالة متردية أو مهدّدة بالسقوط، يُصبح الخيار بين البقاء في البيت مع تحمّل أوضاعه المتدهورة، أفضل من البقاء في الشارع. بمعنى أن غياب البديل يصبح السبب الأساسي لبقاء السكان في بيوت متهالكة أو مهدّدة. قد تكون أسباب انهيار المباني تراكمات عدّة، لكن غياب بديل للسكان قبل الانهيار وبعده، أو تدهور نوعية البناء الرديئة، ما زال يهدّد السكان والأهالي، سواءً من يسكنون الأحياء الشعبية حيث تكثر المباني التاريخية أو الأحياء غير الرسمية حيث يسوء وضع المنازل يوماً بعد يوم. بذلك، يبدو واضحاً بأن السكان من محدودي الدخل يعيشون، على نحوٍ متزايدٍ، في ظروفٍ هشةٍ ومليئةٍ بالمخاطر.
إنطلاقاً ممّا تقدّم، جئنا كأفراد وهيئات مدنية وسياسية وقوى لنذّكر بالمسؤوليات التالية:
- تتحمّل الجهات الرسمية، لا سيما البلدية، مسؤولية حادثة ضهر المغر، نتيجة الإهمال من ناحية المتابعة والتدعيم، بحيث من واجبها فرض الترميم أو أخذه على عاتقها وتأمين سلامة السكان، وفق ما تحدّده المادة 18 من قانون البناء.
- يقع تأمين مساكن بديلة آمنة ومستدامة بشكل أساسي على البلدية، وفق قانون البلديات اللبنانية.
- على نقابة المهندسين المبادرة بالتحرّك، تماماً كما حصل في إطار تفجير مرفأ بيروت، فهي قادرة على أن تكون المحرّك والمحفّز على المسح والتقويم، وأن تضع خبرات مهندسيها بتصرّف البلدية، وتُصدِر تقارير لتوجيه أعمال البلدية في هذا السياق.
- إن صلاحية المباني للسكن هي أحد معايير الحق في السكن التي وضعتها لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والذي انضّم إليه لبنان عام 1972. حيث لا يكون السكن لائقاً إذا لم يضمن السلامة المادية للقاطنين، وكذلك الحماية من كل ما يهدّد الصحة ومن المخاطر البنيوية.
- من ناحية تدهور البيئة المبنيّة في الأحياء التاريخية، فإنّ التصاميم التوجيهية الراعية للمناطق التاريخية قد وضعت قيوداً صارمةً وتعجيزية ومكلفة على عمليات البناء والترميم في هذه المناطق، في ظل غياب اللجان التي تحدّدها هذه التصاميم والتي تضمّ ممثلين عن كل من البلدية، المديرية العامة للتنظيم المدني والمديرية العامة للآثار.
- غياب خطط تمويل متكاملة لأعمال ترميم وإعادة تأهيل الأحياء من قبل السلطات العامة، كما تغيب المقاربات الاجتماعية والاقتصادية لأحياء المدينة المتنوعة، حمايةً لنسيجها وحقوق سكانها في آن.
في هذا السياق، ندعو الجميع للانضمام في مبادرة للضغط على بلدية طرابلس، وبلدية الميناء، والمديرية العامة للتنظيم المدني، ووزارة الثقافة، ونقابة المهندسين لتحمّل مسؤوليتها فيما يتعلّق بتأمين سلامة السكّان والأمن السكني لهم، وذلك بشكل ملحّ.
وسيتم تسليم هذه الرسالة مع التواقيع للجهات المعنيّة والمتابعة والمناصرة تجاه حل هذه الأزمة في طرابلس.