WhatsApp Image 2024-07-01 at 1.49.11 PM

اقتراح القوات اللبنانية ضدّ اللاجئين والمهاجرات: منع التأجير أداة جديدة ضمن الحملة التحريضية

تمّ تسجيل إقتراح القانون المعجّل المكرّر في 23/05/2024

باختصار، ما هو القانون المقترح؟

يحظُر اقتراح القانون على أي مالك، ولمدة خمس سنوات، تأجير أي مواطن من جنسية غير لبنانية دخل لبنان بصورة غير مشروعة ومن دون أوراق ثبوتية وإقامة رسمية صادرة عن المراجع المختصة. ويسري هذا المنع على كلّ أنواع العقارات سواء كانت مبنية أم أرضاً زراعية أو سليخ. يعاقَب المالك الذي يخالف أحكام المادة الأولى من هذا القانون بالحبس لمدة شهر مع غرامة قدرها مئتي مليون ليرة لبنانية. وتضاعف العقوبة في حال التكرار.

ما هي الأسباب الموجبة التي يذكرها القانون؟
  • لبنان هو بلد عبور وليس بلد لجوء وفقاً للاتفاقية المعقودة عام 2003 بين الدولة اللبنانية والمفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة؛
  • الغالبية العظمى من الأجانب، لاسيما السوريين منهم، المقيمين في لبنان، يحظون بصفة مقيمين غير شرعيين، وبالتالي يجب أن يخضعوا لقانون الخروج من لبنان الصادر في عام 1962 والذي ينص على ترحيل من ليس لديه إقامة؛
  • أعداد السوريين أو سواهم من ذوي الإقامة غير المشروعة، تتفاقم في ظلّ عدم تطبيق القانون والأنظمة والتعاميم التي حظرّت توقيع وتسجيل أي عقد إيجار لأي مواطن أجنبي غير مستوف الشروط المحددة، لاسيما شرط الإقامة المشروعة؛
  • قانون الإيجارات والقوانين ذات الصلة أوجبت على المالكين عدم تنظيم أي عقد إيجار إذا كان المستأجر غير مستوف الموجبات القانونية ومن بينها حصوله على الإقامة وأن يكون وجوده على الأراضي اللبنانية مشروعاً؛
  • عدد كبير من المالكين لا يلتزم بالتعاميم الإدارية الصادرة من وزير الداخلية ومحافظ بيروت والمديرية العامة للأمن العام وبلديات عدة، التي تؤكد على وجوب عدم تنظيم أي عقد إيجار للمقيمين السوريين في لبنان لا يمتلكون الإقامة المشروعة.
أي نواب اقترحوا القانون؟

ملحم رياشي

نوع القانون

اقتراح قانون معجل مكرر

الفاعلون

القوات اللبنانية، وزير الداخلية، محافظ بيروت، المديرية العامة للأمن العام، البلديات، مالكي الشقق والغرف المؤجرة

المناطق المتأثرة

كافة المناطق اللبنانية

لتحميل القانون

اقتراح قانون معجل مكرر يمنع مالكي الشقق والغرف المؤجرة تأجير أي مواطن مقيم في لبنان دون أوراق ثبوتية أو دخل إلى لبنان بصورة غير مشروعة تحت طائلة عقوبات وغرامات محددة

مع تصاعد الحملة الميليشياوية الواسعة التي تشنّها الدولة وأحزابها منذ فترة، لتهجير اللاجئات\ين السوريات\ين، بعد تجريمهم ورمي كل الاتهامات الممكنة عليهن\م، وفي 23 أيار 2024، تقدّم النائب ملحم رياشي، عضو تكتل الجمهورية القوية، باقتراح قانونٍ معجّل مكرّر “يمنع مالكي الشقق والغرف المؤجّرة تأجير أي مواطن مقيم في لبنان دون أوراق ثبوتية أو دخل إلى لبنان بصورة غير مشروعة تحت طائلة عقوبات وغرامات محددة”.

يحظُر هذا الاقتراح على أي مالك، ولمدة خمس سنوات، تأجير أي مواطن\ة من جنسية غير لبنانية دخل\ت لبنان بصورة غير مشروعة ومن دون أوراق ثبوتية وإقامة رسمية صادرة عن المراجع المختصة. ويسري هذا المنع على كلّ أنواع العقارات سواء كانت مبنية أم أرضاً زراعية أو سليخ. يُعاقَب المالك الذي يخالف أحكام هذا القانون بالحبس لمدة شهر مع غرامة قدرها مئتي مليون ليرة لبنانية. وتُضاعف العقوبة في حال التكرار. وبحسب القانون، على المؤجر أن يطبق هذه الأحكام وسائر المراسيم والقرارات والتعاميم الصادرة عن الوزارات المختصة، ويتعين عليه، رفعاً لمسؤوليته، وفي مهلة شهر من تاريخ نشر هذا القانون، إعلام البلدية الواقع في نطاقها عقاره المؤجر، بوجود مستأجر دخل لبنان بصورة غير مشروعة، وذلك بعريضة معفاة من أي رسم، تمكيناً للبلدية من اتخاذ الإجراءات المناسبة بحق المستأجر.

وبالرغم من أنّ الاقتراح لا يحدّد بشكلٍ واضح أنّ اللاجئات/ين السوريات/ين هم المستهدفون، إلاّ أنّ توقيته وأسبابه الموجبة تؤكّد أنّه ليس إلّا جزءاً من الحملات التحريضية المستمرة على اللاجئات/ين السوريات/ين. فقد ركّزت الأسباب الموجبة على “السوريين المقيمين في لبنان، سواء كانوا لاجئين أو عاملين أو نازحين”، وقد تمّ تبرير الطابع العاجل للقانون -الذي يفرض عقوبات جزائية استثنائية على المالكين- من خلال الضرورة القصوى “بما يخفّف من أضرار الإقامات غير المشروعة وتفاقمها وتكاثرها وعدم إمكانية وضع حدود لها”. من جهةٍ أخرى، لهذا القانون حتماً تداعيات ليس فقط على اللاجئات/ين السوريات/ين، لكن أيضاً على العمّال والعاملات الأجانب في لبنان واللاجئات/ين من جنسيات أخرى.

لا يشكلّ هذا القانون سوى استكمالاً للتعاميم الصادرة سابقاً عن بعض السلطات المحلية ضدّ اللاجئات/ين السوريات/ين بهدف تعزيز تطبيقها من جهة، وتوسيع نطاقها ليطال كافة الأراضي اللبنانية من جهةٍ أخرى، وبالتالي سيؤدي إلى موجات واسعة من الإخلاءات الجماعية والتشرّد والترحيل. من ناحية أخرى، يخرق هذا الاقتراح القانون الدولي لحقوق الإنسان، كما والقوانين اللبنانية. وهو ما سنتوسع في تفصيله فيما يلي.

أسباب موجبة متعددة الإشكاليات

جاء ضمن الأسباب الموجبة لهذا الاقتراح أنّ لبنان هو بلد عبور وليس بلد لجوء وفقاً الاتفاقية المعقودة عام 20031تجنب لبنان التصديق على اتفاقية اللاجئين لعام 1951، ونفذ بدلاً من ذلك اتفاقيات ظرفية مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. استجابةً لزيادة عدد اللاجئين العراقيين إلى لبنان في العام 2003، وقعت الحكومة اللبنانية مذكرة تفاهم مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أعلن فيها أنّ لبنان ليس بلد لجوء، بل مجرد بلد عبور لأولئك الذين يسعون إلى اللجوء في بلدان ثالثة. في العام 2011، عندما بدء اللجوء السوري إلى لبنان، لم يتّم تحديث مذكرة التفاهم هذه، وتُركت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين للعمل دون اتفاق رسمي مع لبنان. بين الدولة اللبنانية والمفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة، وأنّ الغالبية العظمى من الأجانب، لاسيما السوريين منهم المقيمين في لبنان، يحظون بصفة مقيمين غير شرعيين ولا يمتلكون أي إقامات صادرة وفقاً للقوانين ذات الصلة، وبالتالي يجب أن يخضعوا لقانون الخروج من لبنان كما هو حاصل في كلّ بلدان العالم، لأن أي مواطن أجنبي لا إقامة أو تأشيرة دخول لديه، يُرحل إلى بلده، وفقاً للقانون الصادر في العام 1962 الذي ينصّ على ترحيل من ليس لديه إقامة.

وتتطرّق الأسباب الموجبة أيضاً إلى قانون الإيجارات العام والقوانين ذات الصلة التي حدّدت أصول التأجير، وأوجبت على المالكين عدم تنظيم أي عقد إيجار إذا كان المستأجر غير مستوفٍ الموجبات القانونية المطلوبة ومن بينها، بالنسبة للمقيم الأجنبي، حصوله على الإقامة وأن يكون وجوده على الأراضي اللبنانية مشروعاً. كما أشارت الأسباب الموجبة إلى أن التعاميم الصادرة مؤخراً من قبل وزير الداخلية ومحافظ مدينة بيروت والمديرية العامة للأمن العام وبلديات عدة، والتي تؤكد على وجوب عدم تنظيم أي عقد إيجار للمقيمين السوريين الذين لا يمتلكون الإقامة المشروعة في لبنان، بقيت في أكثر الأحيان من دون تنفيذ فعلي بسبب عدم التزام عدد كبير من المالكين بها.

كما يبدو واضحاً من الأسباب الموجبة لهذا الاقتراح ومن كون هذا الاقتراح معجّل مكرّر، أنّ المشرّع يعتبر أنّ التعاميم التمييزية التي أصدرها وزير الداخلية والمديرية العامة للأمن العام وسلطات محلية عدة غير كافية لناحية التضييق على السوريين، ولا يتم تطبيقها بالكامل. من ناحية، فأن هذه التعاميم قد أدّت إلى عمليات إخلاء واسعة وجماعية في بعض المناطق اللبنانية، وقد ساهمت بشكل كبير في خلق جوّ من الترهيب. ومن ناحية اخرى، إنّ هذه التعاميم غير دستورية، وغير قانونية، وغير شرعية، لناحية التعدّي على الحقوق الأساسية للاجئات\ين في الحركة والتواجد في الحيّز العام والسكن والعمل، وتأليب المجتمع اللبناني عليهم، وخلق حدود مزيفة وغير قانونية بين المناطق والقرى والمدن، وفرض إخلاءات مبنية على جنسية الأشخاص دون إعطاء مهل منطقية لإيجاد مسكن بديل.

بالتالي، يسعى هذا الاقتراح إلى إضفاء الشرعية على التعاميم الصادرة سابقاً، وكذلك توسيع نطاق تطبيقها على كافة الأراضي اللبنانية، وضمن البلديات التي لم تُصدر حتى الآن مثل هذه التعاميم، عبر إلزام كافة المالكين عدم تأجير أي مواطن من جنسية غير لبنانية من دون أوراق ثبوتية وإقامة رسمية صادرة عن المراجع المختصة تحت طائلة العقوبات الجزائية الاستثنائية.

تداعيات الاقتراح على اللاجئين والمهاجرات

في حال إقرار هذا الاقتراح، ينبغي على المالكين الذين يؤجرون حالياً لاجئات/ين سوريات/ين، وفي مهلة شهر من تاريخ نشر هذا القانون، إعلام البلدية الواقع في نطاقها عقاره المؤجر، بوجود مستأجر دخل لبنان بصورة غير مشروعة، تمكيناً للبلدية من اتخاذ الإجراءات المناسبة بحق المستأجر. ما سيؤدي إلى إخلاءات جماعية على كافة الأراضي اللبنانية، دون أن يكون للاجئين مكان آخر للجوء إليه.

فبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، انخفضت نسبة اللاجئات/ين السوريات/ين الذين يحملون إقامة قانونية سارية بشكل كبير. ووفقاً لدراسة تقييم هشاشة اللاجئات/ين السوريات/ين لعام 2021 (Vulnerability Assessment of Syrian Refugees – VASyR)، إنّ 16% فقط من جميع اللاجئات/ين السوريات/ين الذين تزيد أعمارهم عن 15 عاماً يحملون تصريح إقامة مؤقتة سارية المفعول. وقد كانت معدلات تصاريح الإقامة منخفضة بشكل خاص بين الشباب (تحت سن 25 عاماً) والنساء، بسبب نقص الموارد المالية لدفع تكاليف تجديد الإقامة بالإضافة إلى تصاريح الإقامة غير القابلة للتجديد ومنتهية الصلاحية، نقص الوثائق، مطالبة المديرية العامة بوثائق أو رسوم إضافية بشكلٍ غير مبرر، وانعدام الثقة المتزايد عموماً تجاه الأمن العام، بالإضافة إلى حالات كثيرة ترفض فيها السلطات اللبنانية تجديد الإقامة أو تصحيح وضع اللاجئات\ين على الرغم من توفّر كل الوثائق والظروف المطلوبة لبقائهن\م في لبنان. هذه الإشكاليات كانت موجودة قبل بدء الحملات العنصرية على اللاجئات/ين السوريات/ين، وتفاقمت مع ازدياد التضييق على اللاجئات/ين، بحيث فرضت المديرية العامة للأمن العام تعقيدات إضافية تُصّعب على اللاجئات/ين السوريات/ين تسوية أوضاعهم أو تلزمهم تسوية أوضاعهم ومغادرة البلاد. في النهاية، يُترك أغلبية اللاجئات/ين السوريات/ين تحت التهديد المستمر بالترحيل، في حال تطبيق مثل هذا الاقتراح. فالأمن العام يتّبع استراتيجية تصعيب عملية الحصول على الإقامة الشرعية على اللاجئات/ين السوريات/ين من جهة، ويتمّ استغلال عدم الشرعية لإخلائهن/م وترحيلهن/م من جهةٍ أخرى.

لا يؤثر كلّ هذا على سكن اللاجئات/ين السوريات/ين فقط، بل كذلك على عملهن/م في الزراعة، كما على القطاع الزراعي بشكلٍ عام في لبنان وعلى السيادة الغذائية، ليبدو وكأن الدولة مستعدّة لأن تضحّي بإنتاجها الزراعي، على أن يبقى اللاجئات\ون في لبنان. ففيما يمنع القانون تأجير الأراضي الزراعية أو سليخ، ليس خفياً على أحد بأن أغلب العاملين في هذا القطاع هم للاجئات/ون السوريات/ون دون أوراق رسمية، خصوصاً مع انتشار العمالة غير النظامية في هذا القطاع، وازدياد أشكال الاستغلال فيه سيّما وأنّه لا يقع تحت حماية قانون العمل. ويقدِّر رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع، ابراهيم الترشيشي، أن نسبة السوريين العاملين في القطاع “تتجاوز الـ90% من مجمل اليد العاملة. والقطاع يعتمد عليهم بشكل كلّي“.

فتواجد السوريين في لبنان كجزء من القوة العاملة ليس أمراً مستجداً. فلطالما عمل هؤلاء في مختلف القطاعات وبشكل أساسي في القطاع الزراعي، سيّما في مناطق البقاع، حتى أصبحت الخيم التي يسكنون جزءاً لا يتجزّأ من المشهد العمراني للمنطقة. مع العلم أنّ 17% من اللاجئين السوريين يعيشون في مخيمات غير رسمية، حيث يدفعون الإيجار مقابل الخدمات والمرافق الأساسية، بحسب دراسة منظّمة العمل الدولية وفقاً لأرقام مأخوذة من تقييم هشاشة اللاجئات/ين السوريات/ين الذي أجرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العام 2017. وهو ما يؤكدّ إذاً، أن هذا الاقتراح سيؤثر على سكن اللاجئات/ين السوريات/ين وعملهن\م.

من جهةٍ أخرى، وبالرغم من أنّ هذا الاقتراح موجّه بشكلٍ واضح ضدّ اللاجئات/ين السوريات/ين في لبنان، إلّا أنّ مواده تشمل “أي مواطن من تابعية غير لبنانية دخل لبنان بصورة غير مشروعة ومن دون أوراق ثبوتية وإقامة رسمية صادرة عن المراجع المختصة”، وهو ما يمكن أن يكون له تداعيات ليس فقط اللاجئات/ين السوريات/ين، لكن أيضاً على العمّال والعاملات الأجانب في لبنان واللاجئات/ين من جنسيات أخرى، في ظلّ وجود حوالي 475 ألف فلسطيني، وأكثر من 12 ألف لاجئ/ة من دول أخرى، بالإضافة إلى 250 ألف عامل وعاملة مهاجر/ة من دول أفريقية وآسيوية في لبنان، والذين لا يمتلك عدد كبير منهم إقاماتٍ رسمية.

كما يضع هذا الاقتراح كل من هي\هو غير لبناني، تحت رحمة أصحاب الملك بشكل أكبر فأكبر، ليصبح صاحب الملك مُخبِراً لدى السلطات اللبنانية، قادراً على التبليغ عنهن\م حتى لأسباب شخصية، ممّا يسمح له باستغلالهن\م وووضعهن\م في تهديد مستمرّ.

أخيراً، يشكّل هذا الاقتراح ربطاً غير شرعيٍ بين جنسية اللاجئات\ين ووضعهن\م القانوني من جهة وحقوقهن\م الاقتصادية الاجتماعية من جهة أخرى، كما يفرض عقاباً لهن\م على بقائهن في لبنان. بمعنى أنّ الاقتراح بذاته يسعى إلى فرض ما يمكن أن نسمّيه تجريد اقتصادي اجتماعي على اللاجئات\ين السوريين. فبينما يعمل التجريد المدني على سلب الحقوق السياسية للأفراد والجماعات، يسعى هذا التجريد إلى منعهن\م من الوصول من الوصول إلى السكن، والانخراط في المجتمع والدراسة والعمل وبناء العلاقات الاجتماعية.

لا شرعية الاقتراح

نفنّد فيما يلي الإشكاليات الأساسية التي تجعل من هذا الاقتراح اقتراحاً غير قانوني كونه يخرق القانون الدولي لحقوق الإنسان بأكثر من طريقة، كما ويخرق الدستور والقوانين اللبنانية، بالرغم من الأسباب القانونية المحوّرة والمجتزأة الواردة ضمن أسبابه الموجبة.

  • لجهة غياب الأساس القانوني لوجوب عدم تأجير مستأجر غير حاصل على إقامة: ينصّ هذا الاقتراح على اتّخاذ إجراءات وعقوبات صارمة بحق المالكين الذين يعمدون إلى تأجير من لا يملك المستندات القانونية، ويتذرّع بقانون الإيجارات العام والقوانين ذات الصلة التي أوجبت على المالكين عدم تنظيم أي عقد إيجار إذا كان المستأجر غير مستوف الموجبات القانونية المطلوبة ومن بينها، بالنسبة للمقيم الأجنبي، حصوله على الإقامة. لكن، فعلياً ليس ما في قانون الإيجارات المحلي، ولا في القانون الدولي الإنساني ما ينصّ على وجوب الحصول على إقامة صالحة كشرط لحق الوصول إلى السكن. بذا لا أساس قانوني لمعاقبة المالكين الذين يؤجرون من لا يملك المستندات القانونية.

  • لجهة مخالفة لبنان للقانون الدولي فيما خصّ الترحيل القسري: كما ذكرنا سابقاً، سيؤدي هذا الاقتراح إلى موجة واسعة من الإخلاء، ولن يجد اللاجئات/ين الذين تمّ إخلائهم مكان آخر للجوء إليه، فهو يقوم على وجوب ترحيل أي مواطن أجنبي لا إقامة أو تأشيرة دخول لديه، ما يساهم بطريقةٍ أو بأخرى بترحيل اللاجئات/ين بشكلٍ قسري، نتيجة الضغوط المفروضة المتعلّقة بالسكن من جهة، ومن جهةٍ أخرى تعقيد عملية الحصول على الإقامة الشرعية وغياب أي آلية لضمان إصدار تصاريح الإقامة بشكل صحيح، ناهيك عن الحملة العنصرية الواسعة النطاق ضدّ اللاجئات/ين السوريات/ين والتي بدأت منذ أوائل عام 2023. 

    لم يصدّق لبنان على اتفاقية عام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين ولا بروتوكول عام 1967، تمامًا مثل معظم البلدان في الشرق الأوسط. كما لا يوجد في لبنان سوى قانون محلي واحد يتعلق باللجوء، وهو منحاز إلى حدّ كبير ولا يفي بمعايير الإجراءات القانونية الواجبة. بالرغم من ذلك، إن لبنان ملزم باحترام المبدأ القانوني الدولي المتمثل في عدم الإعادة القسرية، والذي يحظر على أي دولة ترحيل أي شخص إلى بلد يواجه فيه خطر الاضطهاد. فالدستور اللبناني، بما في ذلك قانون عام 1962 المذكور ضمن الأسباب الموجبة، يؤكّد على أولوية القانون الدولي على القانون المحلي. بالتالي يتناقض هذا الاقتراح مع التزام لبنان بالقانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يكرّس مبدأ عدم الإعادة القسرية. فلكي تكون العودة طوعية، يجب ألا يشعر اللاجئات/ين بالضغط للعودة نتيجة أي سياسة تقيّد حقوقهن/م، مما يؤثر في الواقع على قدرتهن/م على اتخاذ قرارات حرة. 

  • لجهة خرق مبدأ عدم التمييز المكرّس في القانون الدولي لحقوق الإنسان: يخالف هذا الاقتراح أيضاً مبدأ عدم التمييز المكرس في القانون الدولي لحقوق الإنسان، كونه يقوم على إلزام المالكين التبليغ بشكلٍ مباشر وسريع عن كلّ مستأجر/ة من التبعية غير اللبنانية دخل لبنان بصورة غير مشروعة – أي عن كلّ عائلة سورية في هذه الحال – تقطن لديهم، بما يعني أنّ التبليغ مرتبط بجنسية المستأجرين.  

  • لجهة مخالفة قانون الرسوم والعلاوات البلدية فيما خصّ معاقبة وتغريم المالكين: يخالف هذا الطرح قانون الرسوم والعلاوات البلدية رقم 60/88، حيث ينصّ القانون على وجوب التبليغ وتسجيل جميع عقود الإيجار لدى البلدية المعنية، كي يترتب على الشاغل – أي المستأجر – الضرائب والرسوم السنوية (رسم القيمة التأجيرية وغيرها من الرسوم البلدية). أمّا في حال عدم التسجيل، تقتصر عقوبة مالك العقار بإلزامه دفع رسم تسجيل عقد الإيجار مع غرامة توازي ضعفي قيمة هذا الرسم، وليس بالحبس لمدة شهر مع غرامة قدرها مئتي مليون ليرة لبنانية، كما ينصّ القانون المطروح. 

  • لجهة تجاوز صلاحيات البلديات: حددّ الاقتراح مهلة شهر لإعلام البلدية الواقع في نطاقها عقاره المؤجر بوجود مستأجر دخل لبنان بصورة غير مشروعة تمكيناً للبلدية من اتخاذ الإجراءات المناسبة بحقّ المستأجر. لكن لم يقدّم الاقتراح أيّ مبادئ توجيهية للإجراءات التي ستتخذها البلديات في هذا الصدد، ولم يقدّم ضمانات من شأنها أن تضمن امتناع السلطات المحلية عن الانخراط في ممارسات تمييزية، أو عن تنفيذ تدابير من شأنها أن تؤدي إلى انتهاكات حقوق الإنسان.

    يمكن التكهّن، انطلاقاً من التعاميم الصادرة سابقاً، أنّ البلديات ستقوم بإخلاء المستأجرين، ما يشكّل تجاوزاً لصلاحياتها، بحيث يقتصر حقها بطلب الإخلاء أولاً بحال تبيّن أن البناء أو جزءٌ منه ينذر بالانهيار (بعد القيام بسلسلة من الإجراءات التي تتعلق بتعيين مهندس خبير للكشف على المبنى وإصدار تقرير وغيرها). والحالة الأخرى التي يجوز فيها للإدارات المحلية الشروع في عمليات الإخلاء دون إذن بأمر من المحكمة، هي في حال توفّر ما يشار إليه قانوناً بـ “الظروف الاستثنائية”، التي تكتسب الحكومة خلالها، لأغراض الضرورة، صلاحيات تقع عادةً خارج نطاق اختصاصها القانوني. إنما بالإشارة إلى قرار مجلس الدولة الصادر في 8 شباط 2018 و القاضي بإلغاء توجيهات مديرية الأمن العام لسنة 2015، باعتبار أن “أزمة اللاجئين السوريين في لبنان لا تستوفي الشروط القانونية التي يمكن وصفها بـ “الظروف الاستثنائية” “، لا يمكن للسلطات العامة، وامتداداً للسلطات المحلية، التذرّع بالطابع الاستثنائي لأزمة اللجوء وتجاوز صلاحية السلطة القضائية لطلب الإخلاء دون أمر قضائي.

  • لجهة انتهاك حقوق الإنسان والإخلاء القسري: سيشكلّ الإخلاء انتهاكاً لحقوق السكان كونه سيؤدي إلى تشريد اللاجئات/ين السوريات/ين الذين تمّ إخلائهم أو ترحيلهم، بحيث شدّد القانون الدولي على أنه ينبغي ألا تُسفر عمليات الإخلاء عن تشريد الأفراد أو تعريضهم لانتهاك حقوق أخرى من حقوق الإنسان. ولا يذكر الاقتراح أي آلية للاعتراض أو الطعن بالإخلاءات (أو الترحيل) التي ستنجم من جراءه، ما يتنافى والقانون الدولي الذي أوجب على الدول توفير سبل التقاضي العادلة، وفرصة المثول أمام محكمة محايدة ومستقلة، والمساعدة القانونية للأطراف المتضررة عند اتخاذ قرارات الإخلاء، والتعويض لهم عند اللزوم. وهو ما نجده ضمن المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي انضم إليه لبنان. 

اقتراح لتأكيد تنفيذ التعاميم وتوسيع حملة الإخلاءات

في الختام، يعكس هذا القانون المقترح الذي يهدف إلى منع تأجير أي مواطن\ة من جنسية غير لبنانية دخل لبنان بصورة غير مشروعة ومن دون أوراق ثبوتية وإقامة رسمية صادرة عن المراجع المختصة، النهج المستمرّ والمتصاعد في التمييز ضدّ اللاجئات/ين السوريات/ين وانتهاك حقوقهم تماشياً مع الحملة الواسعة النطاق ضدّهن\م. وتكمن خطورته أيضاً بالتبعات التي يمكن أن يحملها على سكن اللاجئات\ين من جنسياتٍ أخرى والمهاجرات/ين والعمال الأجانب. ويأتي هذا الاقتراح استكمالاً للتعاميم الصادرة سابقاً ليؤكدّ تنفيذها ويوّسع حملة الإخلاءات الجماعية والترحيل التي بدأت في بعض المناطق اللبنانية. فقد تبيّن من خلال موجة من بلاغات الإخلاء والتهديد بالإخلاء التي تلقاها مرصد السكن خلال الفترة الممتدة بين 25 نيسان و6 حزيران 2024، وطالت السّكان السورييّن وأثّرت على 2500 شخصاً على الأقلّ، أولاً أنّ التعاميم هي المسبّب الأبرز للإخلاء، ثانياً، أنّ السلطات المحلية هي الجهة الأبرز المنذرة بالإخلاء، لا سيّما التهديدات الجماعية، ثالثاً، أنّ مهل الإخلاء المعطاة تشكلّ انتهاكاً لحقوق السكان، رابعاً، أنّ تهديدات الإخلاء تطال حتى الحالات التي بحوزتها إقامات أو مستندات قانونية. في النهاية، يتشابه هذا الاقتراح وهذه التعاميم بانتهاكها القوانين الدولية لحقوق الإنسان وبعض القوانين اللبنانية ذات الصلة.

المصادر

المراجع:

  • 1
    تجنب لبنان التصديق على اتفاقية اللاجئين لعام 1951، ونفذ بدلاً من ذلك اتفاقيات ظرفية مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. استجابةً لزيادة عدد اللاجئين العراقيين إلى لبنان في العام 2003، وقعت الحكومة اللبنانية مذكرة تفاهم مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أعلن فيها أنّ لبنان ليس بلد لجوء، بل مجرد بلد عبور لأولئك الذين يسعون إلى اللجوء في بلدان ثالثة. في العام 2011، عندما بدء اللجوء السوري إلى لبنان، لم يتّم تحديث مذكرة التفاهم هذه، وتُركت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين للعمل دون اتفاق رسمي مع لبنان.
السكن لبنان
 
 
 

السلطات المحليّة تعمّم اللاشرعية

رصد 15 تعميماً بخصوص السوريين بين 9 و24 نيسان 2024

بعد طلب الرئيس القبرصي من رئيسة المفوضية الأوروبية التوسط لدى السلطات اللبنانية كي توقف قوارب اللاجئين السوريين المتوجهة إلى قبرص، زارت أورسولا فون در لاين، رئيسة الإتحاد الأوروبي، بيروت الأسبوع الماضي برفقة الرئيس …

جدول زمني يوثّق القرارات الرسمية، ومشاريع القوانين، والمداهمات التي تستهدف اللاجئين السوريين

تزايدت خلال العام الماضي تصريحات مسؤولين لبنانيين تؤكّد انتهاء النزاع المسلح في سوريا، داعية اللاجئين السوريين إلى الخضوع لخطة “العودة الطوعية” التي اقترحتها الحكومة اللبنانية بنهاية عام 2022، في غياب أي مشاركة رسمية …

برج حمود بين التحريض الإعلامي وبيان البلدية وشهادات السكان

نتذكر جميعاً الفيديو الذي انتشر منذ حوالي الشهرين الذي يظهر مجموعة من اللبنانيين على دراجاتهم النارية، يوجّهون عبر مكبر صوت، “مهلة إنذار” للسوريين بإخلاء منطقة برج حمود، وهو ما انتشر بشكل واسع عبر …

إخلاء اللاجئات\ين السوريين:

خرق للحق في المدينة والسكن والتنقل واختيار مكان العيش

لم يكن احتلال صور أطفال يسبحون في بركة لشاشات الأخبار أمراً غريباً في الأسابيع الأخيرة الماضية، فالحملة الإعلامية المنظَّمة لتشجيع العنصرية والكراهية ضد اللاجئات\ين السوريين، تعتبر وجودهم في المكان العام بحدّ ذاته، تهديداً. …

تعميم بلدية سن الفيل يحرم الأطفال السوريين حقّهم في التعليم

في 25 حزيران 2024، أصدرت بلدية سن الفيل تعميماً ينصّ على اتّخاذ إجراءات مرتبطة بتواجد اللاجئين السوريين في نطاقها.هذا التعميم هو حلقة من سلسلة تعاميم تمييزية أصدرتها السلطات المحلية، بما في ذلك البلديات …