لم يكن احتلال صور أطفال يسبحون في بركة لشاشات الأخبار أمراً غريباً في الأسابيع الأخيرة الماضية، فالحملة الإعلامية المنظَّمة لتشجيع العنصرية والكراهية ضد اللاجئات\ين السوريين، تعتبر وجودهم في المكان العام بحدّ ذاته، تهديداً. فقد عملت القنوات اللبنانية المحلية بشكل مباشر على اعتبار حقوق اللاجئات\ين السوريين الاقتصادية الاجتماعية وبالأخص المكانية، مسألة تنتقص من حقوق اللبنانيين. وترافقت هذه الحملة، مع هجمة السلطات اللبنانية لترحيلهن\م، على الرغم من دعوات المنظمات الدولية لوقف عمليات الترحيل غير القانونية للاجئات\ين السوريين في لبنان. وتستمرّ السلطات اللبنانية اليوم بمداهمة بيوتهن\م وخيمهن\م واعتقالهن\م وترحيلهن\م، في واقع سوري سياسي أمني يشجّع تعرّضهن\م للاعتقال والتعذيب والاضطهاد من قبل السلطات السورية عند عودتهن\م.
نتيجةً لهذه الحملة الممنهجة إذاً، تقوم السلطات اللبنانية كل يوم، بالتعدي على حقوق اللاجئات\ين المكانية، من خلال تقييد حركتهن\م، وتهجيرهن\م من منازلهم في ممارسات تحدّ من إمكانية ممارسة أعمالهن\م، أو الذهاب إلى مدارسهن\م، واستكمال حياتهن\م بشكل طبيعي، كما من خلال تغيير مكان عيشهن\م من لبنان إلى سوريا، وهو أمر لا يرغبون به، وقد يشكّل خطراً على حيواتهن\م. وقد تمّ توثيق حالات ترحيل لأفراد من عائلات أو عودة الأطفال إلى منازلهن\م من مدارسهن\م ليجدوا أهلهن\م قد تمّ ترحيلهن\م، في الوقت الذي أشار فيه تقرير لمنظّمات دوليّة، بينها هيومن رايتس ووتش، إلى أن أعداداً كبيرة من الذين تمّ ترحيلهم، اعتقلوا من قبل النظام السوري ولم يُعرف عنهم شيئاً. وقد شملت الترحيلات مناطق بشامون، برج حمّود، جونية وكسروان ومخيّمات في غزّة البقاعية والقرعون، واعتقال الأفراد والعائلات بشكل اعتباطي شمل حتى ممّن يحملون إقامات صالحة وملفات في مفوضية الأمم، في ظل تآمر البعض كمخبرين للجيش عن مكان سكن السوريين.
وقد نتج عن هذه الحملات، ممارسات اجتماعية سامّة وتعدّيات جسدية في بعض الأحيان، بحيث يتم التهجّم على اللاجئات\ين في الشارع أو في أحياء سكنهن\م بشكل مستمر، ممّا أصبح يشكّل تهديداً مستمراً على حياتهن\م ويفقدهن\م الشعور بالأمان حتى في بيوتهن\م.
وقد استخدمت السلطات أدوات مختلفة وغير مباشرة للتمهيد لحملات الترحيل المباشرة، بداية من فرمانات منع التجول التي أطلقتها العديد من البلديات، والضغوطات المستمرة التي تمارسها وزارة الداخلية على مفوضية اللاجئين لتقديمها المعلومات عن اللاجئات\ين في لبنان، هذا بالإضافة إلى إطلاق ما يُعرَف ب”الحملة الوطنية لتحرير لبنان من الاحتلال الديموغرافي السوري” في محاولة واضحة للتعدي على الحقوق المكانية للاجئات\ين السوريين في لبنان.
وقد عمدت الدولة في هذا الإطار، ومن خلال قرارات محافظ بيروت الغريبة، إلى منع اللاجئات\ين من دخول حرش بيروت، وتحديد ذلك بيومي الإثنين والثلاثاء، وهو أمر غير قانوني، من حيث أن المساحات العامة مفتوحة للجميع وفي كل الأوقات بموجب القانون.
بالإضافة إلى مداهماتها منازل لاجئات\ين سوريات\ين، وتوقيف أفرادٍ وعائلات بأكملها بشكل تعسّفي في مركز الشرطة التابع للبلدية، حيث تم مصادرة أوراقهن\م الثبوتية، ثم تمّ الضغط عليهن\م للتوقيع على تعهّد غير قانوني بالعودة إلى سوريا، مقابل استرجاع أوراقهن\م، كما فعلت بلدية الدكوانة.
هذا وقد دفعت العنصرية تجاه السوريات\ين في لبنان، نائب القوات اللبنانية فادي كرم، إلى اقتراح قانون معجّل مكرّر يرمي إلى “منع أي شكل من أشكال الدمج أو الإندماج الظاهر أو المقنّع للنازحين السوريين الموجودين في لبنان جرّاء الثورة السورية.” من الغريب أن تتقدّم السلطة ذاتها التي قضت السنين الأخيرة تستجدي الأموال الطائلة من المانحين الأجانب تحت خانة “الدمج”، باقتراح رفضٍ لهذا الدمج؛ وهو اقتراح إن عبّر عن شيء، فهو يعبّر عن هلع من اللاجئات\ين.
وفي موازاة ذلك، يُكلّف اقتراح القانون هذا “وزارة الداخلية-المديرية العامة للأحوال الشخصية- بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية ومنظّمات المجتمع الدولي، إجراء إحصاء دقيق لأعداد النازحين السوريين، ومتابعة هذا الإحصاء دورياً، حتى عودتهم إلى الأراضي السورية، وقيدَهُم أصولاً.” بذا، وبعد تسعين سنة من نسيانها لهذا الدور، تضع الدولة اللبنانية جهودها اليوم، في إحصاء اللاجئين السوريين -بهدف إقصائهم وتغذية العنصرية- بدلاً من أن تقوم بإحصاء السكان عامةً بهدف معرفة حاجات الناس والمناطق، فيما يفيد السياسات العامة وتخطيط الأراضي وتنظيمها. وتُعتَبر ممارسات السلطات هذه تجاه السكان السوريات\ين والتعدّي عليهن\م طرداً تعسّفياً، وهي بالتالي تُخلّ بمعاهدات واتفاقيات حقوق الإنسان التي وقّع عليها لبنان وضمنّها في دستوره.
كما عمدت عدة بلديات -وهي غائبة تماماً عن القيام بدورها التنموي- إلى اجتهاد قوانين تمنع تأجير السوريات\ين في أحياء ومناطق معينة، من خلال منع التأجير بشكل مباشر، أو فرض مسوحات للسكان لتعداد اللاجئات\ين في الأحياء، وغيرها من الممارسات التي تصب في خانة التضييق على الحق في الوصول إلى السكن. من الملفت في هذا السياق، وفي مسألة التعداد، أن وضع أكثرية اللاجئات\ين في لبنان هو “غير قانوني”، ممّا يجعل عملية التعداد أداة قانونية وغير مباشرة للطرد ولإقصائهن\م من الأحياء.
من الملفت أيضاً انطلاق الدعوات لإنشاء لجان الأحياء، وهو مطلب نعمل لأجله منذ زمن، بهدف تشكيل مستوى جديد من التمثيل وتشجيع النشاط السياسي البيئي المديني على مستوى الحي. إلّا أن هذه الدعوات تأتي من منطلق تشكيل نوع من الشرطة المدنية التي ستعمل على ملاحقة اللاجئات\ين وترهيب الناس، في دورها كمخبر للسلطات.
وأخيراً، تظهر مداهمات شرطة البلدية والسلطات اللبنانية، لبيوت يسكنها اللاجئات\ون، وطردهن\م منها، في خرق فاضح للحق في السكن، بما أن الحجة القانونية لهذه المداهمات وممارسات الطرد، مبنية على جنسية السكان أو حالتهن\م القانونية. ففي 19 أيار، حصلت مداهمة برئاسة المحافظ شخصياً، لمبنى في منطقة النويري- المزرعة، أجرى فيها إخلاءاً لسكان مبنى بكامله (مبنى الدنا) واضعاً عليه الأختام، بحجّة أن المبنى “مُستثمرٌ دون ترخيص ومشغول من قبل أشخاص من التابعية غير اللبنانية، ولا يستوفي شروط السلامة العامة والحماية من المخاطر والحريق والشروط الصحية، ممّا يشكّل ضرراً وإزعاجاً كبيراً وخطراً داهماً على المحيط والجوار.” علماً بأن لا أحد ممّن كانوا يسكنون المبنى من عائلات أو عمّال سوريون شباب، يملكون بديلاً لمساكنهم.
وظهرت، نتيجةً لهذه الممارسات، هشاشة سكنية حادة بين اللاجئات\ين السوريين في الفترة الأخيرة، خاصة وأن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR كانت قد أعلنت في تقريرٍ صادرٍ في شهر أيلول 2022 عن نقص حاد في التمويل، فأوقفت على ضوئه دعمها لـ 63,883 أسرة سورية ابتداءاً من كانون الثاني 2023. وقد بدأنا نلمس وبشكل مباشر تداعيات توقّف هذا الدعم، حيث وصل إلى مرصد السكن في استوديو أشغال عامة بين 24 شباط و24 آذار 2023، 146 بلاغاً متعلّقاً بانتهاكات الحقوق السكنية، بينها 129 بلاغ، أي نسبة 88%، لأسر سورية بلّغت عن عدم قدرتها على دفع الإيجار و/أو عن كونها مهددّة بالإخلاء.
أتت النسب الأعلى من البلاغات من مناطق مهمّشة أصلاً تأوي حالياً السكان من ذوي الدخل المحدود والطبقة العاملة من جميع الجنسيات. وقد ذكر بعض منهم أن سبب هذه الهشاشة السكنيّة المستجدة هو توقّف الدعم الذي تتلقاه الأسر من المفوضية، والذي كان يساهم في تغطية الحدّ الأدنى من نفقات الأسر الأساسية، ومن بينها السكن.
بينما يختفي السوريون بعد اجتيازهم الحدود اللبنانية، تستمرّ السلطات اللبنانية والإعلام بدعواته لإلغاء حقوقهن\م المكانية في لبنان، عبر إخلائهن\م من بيوتهن، وإخفائهن\م من الفضاء العام، ومنع حقهن\م بالحركة والتنقل، ومحو وجودهن\م من المدينة، في تعدّ صارخٍ على العدالة المكانية في لبنان.
اقتراح القوات اللبنانية ضدّ اللاجئين والمهاجرات: منع التأجير أداة جديدة ضمن الحملة التحريضية
مع تصاعد الحملة الميليشياوية الواسعة التي تشنّها الدولة وأحزابها منذ فترة، لتهجير اللاجئات\ين السوريات\ين، بعد تجريمهم ورمي كل الاتهامات الممكنة عليهن\م، وفي 23 أيار 2024، تقدّم النائب ملحم رياشي، عضو تكتل الجمهورية القوية، …