انهيار سقف في حي الباشا:

غياب الخيارات السكنية الآمنة يقتل السكان

المصدر: خبر نشره موقع الـ LBCI بتاريخ 28 حزيران 2024

هزّت حادثة مأساوية حي الباشا في بيروت ليلة الجمعة 28 حزيران، إثر انهيار سقف شقة على عائلة سورية مكوّنة من أم وثلاثة أطفال، حوالي الساعة العاشرة والنصف مساءً. وأدّى الانهيار إلى وفاة الأم وأحد أطفالها على الفور، فيما نجا باقي أفراد العائلة -بمن فيهم أخت الأم وأولادها الذين كانوا متواجدين في الشقة أيضاً-، لكنهم أصيبوا بجروح متفاوتة الخطورة ونُقلوا إلى المستشفى لتلقي العلاج.

يقع حي الباشا بأزقّته الضيقة بالقرب من المدينة الرياضية، بين سوق صبرا وتجمّعَي الداعوق وسعيد غوّاش. وتقع الشقة المنكوبة في الطابق الأرضي من مبنى المير المؤلّف من 7 طوابق وغرفة مضافة على السطح والملاصق لجامع صلاح الدين عيتاني في الحي. وكان مالك المبنى، أحمد المير، قد بناه على مراحل ابتداءاً من عام 1973. تألفت الشقة في الأصل من غرفة ومنتفعاتها، إلّا أن التعديل طالها لاحقاً، فأُضيفت إليها غرفة جديدة بطريقة غير رسمية، خارج الحدود الأصلية للمبنى. سُقفت هذه الغرفة بـ”الزينكو”، ووُضعت عليها قشرة من الباطون لمنع تسرّب مياه الأمطار إلى الداخل. يروي أهالي الحي1 بحسب زيارة ميدانية قمنا بها إلى حي الباشا والمبنى بتاريخ 2 تموز 2024 حكاية هذه الغرفة الإضافية، فيُخبروننا أنها بُنيت منذ حوالي 17 عاماً على يد أحد المستأجرين الذي أراد توسيع البيت، وهو توفيّ منذ عدة سنوات. وهكذا نوع من الإضافات غير الرسمية ليس بغريب على الحي، وهو ما يحصل بشكل كبير. جاءت الأم الضحية لتستأجر الشقة منذ حوالي 10 أشهر، مُضيفين أن سقف الغرفة المُضافة “الزينكو” كان مثبّتاً بزوايا الجدران دون أي جسر حديدي لدعمه.

اضطُرّت الضّحية للسكن في هذه الغرفة رغم سوء حالتها وعدم صلاحيّتها للسكن، فنور الشمس لم يكن يدخل إليها، وكانت تملؤها الرطوبة والعفن. كان هذا هو الخيار الوحيد المُتاح أمامها بسبب دخلها المحدود، وكونها المعيلة الوحيدة لأطفالها بعد أن هجرها زوجها وتزوّج من أخرى. وبحسب رواية الأهالي، كانت هذه الأم تعمل في رعاية امرأة مسنة، لكنها فقدت عملها مؤخّراً، واضطُرّت إلى بيع الجوز في الشارع لتوفير لقمة العيش لأطفالها، ولتتمكّن من دفع بدل إيجار الشقة الذي كان خفضّه ورثة المالك المتوفّي لها بسبب سوء وضعها من 140$ إلى 100$.

بعد انهيار سقف الشقة، هرعت فرق الإسعاف إلى المكان لإنقاذ أي ناجٍ، وحضر عناصر من بلدية الغبيري التي يتبع العقار نطاقها البلدي للكشف، كما أتى عناصر من بلدية بيروت للكشف على المبنى، كون جزء من الحي يقع ضمن بيروت الإدارية. فيما تضاربت المعلومات حول تواجد ممثلين عن الهيئة العليا للإغاثة في مكانِ الحادث، إذ أكدّ بعضُ الحاضرين تواجدهم، ونفى آخرون ذلك. ولكن ما كان مؤكّداً أن أحداً من هذه الجهات لم يُقدّم أي دعم أو تعويض يُذكر للسكان. بالمقابل، تكفلّ ورثة مالك المبنى بكافة تكاليف علاج الناجين ودفن الأم وابنها. أمّا الطفلين الآخرين، فقد تمّ تسليمهما إلى والدهما الذي يقطن في ضاحية بيروت الجنوبية.

يدقّ انهيار سقف الشقة في حيّ الباشا ناقوس الخطر، ليُسلّط الضوء على معاناة فئة واسعة من سكان لبنان الذين يعانون من نقصِ الخيارات السكنيّة الآمنة والميسورة التكلفة التي تناسب إمكانيّاتهم المادية. إذ يضطرّ العديد من ذوي/ات الدخل المحدود، إلى اللجوء إلى السكن في مساكن غير آمنة وغير صالحة أو مخصّصة للسكن. ويُشكّل تدهورُ البيئة العمرانية والبنى التحتية في هذه الأحياء، بما في ذلك وضع المباني الإنشائي، تهديداً خطيراً لحياة السكّان وصحّتهم واستقرارهم.

لا يُعدّ انهيار السقف في حي الباشا حادثاً منفرداً ومعزولاً، بل هو حلقة جديدة في سلسلة مستمرّة من انهيارات المباني التي ضربت مختلف المناطق اللبنانية خلال السنوات الأخيرة. ففي عام 2023، انهارت خمسة مبانٍ2كانهيار مبنى في المنصورية ، للاطلاع على التفاصيل الانهيار قراءة مقال استديو أشغال عامة “شهر على انهيار مبنى المنصورية الهندسة، عن مهنة اختطفها السوق” على الأقلّ ما أسفر عن وفاة 10 أشخاص، بينما شهد عام 2024، حتى الآن، انهيار أربعة مبانٍ أخرى3كانهيار مبنى مسلماني في الحي الغربي، للاطلاع على تفاصيل الانهيار قراءة  “انهيار في مبنى المسلماني في الحيّ الغربي: 10 عائلات تشرّدت“. وانهيار مبنى صحراء الشويفات، للاطلاع على تفاصيل الانهيار قراءة ” انهيار مبنى صحراء الشويفات: خطر المباني المشيّدة بين 1990 و 2005″، مما أدّى إلى وفاة 4 أشخاص، وتشريد مئات العائلات التي باتت بلا مأوى. تُضاف وفاة الأم وابنها إلى هذه الوفيات، ويُضاف انهيار السقف إلى سلسلة الانهيارات السابقة، ليصبح مجرّد رقم يُضاف إلى قائمة، دون معالجة جدية من مختلف الجهات المعنية.

تتحمّل الهيئة العليا للإغاثة مسؤولية الاستجابة الفورية بتوفير مأوى مؤقت للمتضررين، تقديم مساعدات اجتماعية، تعويض السكان، والمساهمة في إعادة إعمار المنازل. كما تتحمّل الحكومة ووزارة الأشغال العامة ووزارة الداخلية مسؤولية إرساء إجراءات استباقية ووقائية تتفادى المزيد من الانهيارات وتأتي ضمن خطة شاملة لمعالجة تدهور البيئة المبنية في لبنان.

المراجع:

السكن قطاع البناء الغبيري قضاء بعبدا لبنان محافظة جبل لبنان
 
 
 

شهر على انهيار مبنى المنصورية

الهندسة، عن مهنة اختطفها السوق

ثمان ضحايا (جميعهن نساء) وأربعون عائلة ناجية مشردة. هذه هي حصيلة انهيار المبنى D من مشروع يزبك – حاموش في حي بدران (المنصورية) في 16 تشرين الأوّل، والذي تبعه إخلاء ثلاث أبنية (فيها …

انهيار آخر في المنصورية، والدولة تتعاطى معه كحادث فردي

“فكّرنا إسرائيل عم تقصف”، يقول سكّان أحد المباني في مجمّع “ندى 3” في المنصورية حين انهار الحائط الملاصق له، إثر السيول التي اجتاحت المنطقة. واضطرّ السكان لإخلاء منازلهم، خاصة وأن البلدية اكتفت بإرسال …

انهيار مبنى صحراء الشويفات:

خطر المباني المشيّدة بين 1990 و 2005

انهار أمس مبنى أمهز المؤلّف من 5 طوابق في صحراء الشويفات. وقد تشردت نتيجة ذلك حوالي 13 عائلة والعديد من أصحاب المحلات الذين نجوا بالصدفة. كما تبع الانهيار إخلاء مبنيين سكنيين ملاصقين للمبنى …

كارثة انهيار مبنى الشويفات تفضح إخفاق المالك والبلدية والتنظيم المدني

بعد حوالي أسبوع من انهيار مبنى كامل في صحراء الشويفات، وقعت مأساة مروّعة يوم الإثنين الماضي 19 شباط 2024، حيث انهار مبنى الريشاني في حي العين – الشويفات على قاطنيه، ممّا أدّى إلى …

انهيار في مبنى المسلماني في الحيّ الغربي:

١٠ عائلات تشرّدت

استفقنا نهار السبت على خبر انهيار آخر، هذه المرة في جزء من مبنى المسلماني، حارة عرسال في “الحيّ الغربي” الممتد بين مخيم شاتيلا والمدينة الرياضية. يتكوّن المبنى من طابق أرضي يحوي غرفتين، وطابق …

مرسوم السلامة العامة: لا ضمان لسلامة السكان ولا وقف لتدهور البيئة العمرانية

عُدّل بالمرسوم رقم 7964 المرعي الإجراء حالياً والصادر بتاريخ 7/4/2012.