يوم الأحد الماضي، الموافق في 9 حزيران 2024، احتشد الأهالي والناشطون في بلدة كفرعبيدا أمام فيلا الإعلامية راغدة درغام، وذلك للتنديد بمخالفات البناء التي ترتكبها، وتعبيراً عن رفضهم لمنعها وصولهم إلى الشاطئ وقطع تواصله.
في الواقع، تقع الفيلا قيد الإنشاء على العقار رقم 298 من منطقة كفرعبيدا العقارية (قضاء البترون)، بمحاذاة الأملاك العامة البحرية، في منطقة تخضع تراخيص البناء فيها لموافقة المجلس الأعلى للتنظيم المدني.
في عام 2022، استحصلت راغدة على رخصة بناء في العقار المذكور، بعد أن كانت قدّمت طلب استثناء أمام المجلس الأعلى، يتضمّن استثناء الفيلا من النظام العام المرتبط بالمنطقة1جزءٌ من العقار يقع في منطقة مُصنّفة “سكن خاص” وفقًا للتصميم التوجيهي الصادر بموجب المرسوم 72/3362 ، والجزء الآخر يقع في منطقة مصنّفة “امتداد سكني” وفقًا للتصميم التوجيهي الصادر بموجب قرار المجلس الأعلى رقم 30/2019. التي يقع فيها العقار. ففي حين يحدّد هذا النظام أن ارتفاع أي مبنى يجب ألّا يتعدّى بحدّ أقصى 5 أمتار عن مستوى الطريق البحري، تجاوز ارتفاع فيلا درغام في التصميم المُقدّم إلى المجلس 7.40 أمتار، بالإضافة إلى ثكنة قرميد ارتفاعها 3 أمتار. وفي حين يفرض النظام أيضاً تراجعاً بحدّ أدنى 10 أمتار عن الأملاك العامة البحرية، ويمنع أي بناء أو تسوية أو حتى زراعة ضمن هذا التراجع، تضمّن تصميم فيلا درغام إقامة مسبح ضمن هذا التراجع. للأسف، لم يرفض المجلس الأعلى طلب درغام ليحّثها على إعادة النظر بتصميم الفيلا، بل وافق على الطلب مشترطاً إلغاء المسبح ضمن التراجع عن الأملاك البحرية، والتقيّد بالارتفاع المحدّد في النظام نسبةً إلى الطريق البحري. وصدرت موافقته هذه بالقرار رقم 15/20222القرار الصادر بتاريخ 3 آب 2022..
مع صدور هذا القرار، استُصدرت رخصة بناء لدرغام، وأُعطيت الضوء الأخضر للبداية بالأشغال في العقار. وما لبثت أن خالفت مضمون الرخصة الممنوحة لها، وكذلك مضمون نظام المنطقة. فزادت أوّلاً مساحات غير مرخّصة، وأقامت بدل الطابق السفلي المردوم المُفترض، طابقاً عادياً مكشوفاً. أمّا أبرز مخالفاتها فهي التعدّي على الأملاك العامة البحرية المحاذية لعقارها. فلم تكترث لشرط المجلس الأعلى، وأقامت المسبح ضمن التراجع عن الأملاك البحرية والتراجع عن الجار، وصبّت أرضية الشرفة المذكورة ضمنه أيضاً، ولم تكتفِ بذلك بل غطّت الصخور بالردميات، وأقامت “تصوينة” وجسراً إسمنتياً خارجها وضمن الأملاك البحرية، وقامت بغرس شتول الصبّار حول فيلّتها لضمان خصوصيتها، بطريقة قطعت تواصل الشاطئ، وشكّلت حاجزاً أمام ولوج\وصول الناس الحرّ إلى الشاطئ، وتحديداً صيّادي الأسماك الذين كانوا يرتادون المكان للصيد.
حينها، قام الناشطون باحتجاجات تطالب بوقف هذه التعدّيات، كما تقدّمت جمعيّة “نحن” بدعوى ضدّ درغام بهذا الخصوص. بالتوازي، قامت بلدية كفرعبيدا بإصدار قرار بوقف العمل بالرخصة في 26 أيار 2023، وقامت وزارة الأشغال والنقل في حزيران 2023 بإرسال كتاب إلى وزارة الداخليّة والبلديّات، تطلب منها فيه اتّخاذ الإجراءات الفوريّة من أجل وقف الأعمال القائمة في العقار لمخالفة أنظمة التنظيم المدني. إلّا أن درغام أصرّت على الاستمرار بمخالفاتها، ولجأت مجدّداً إلى تقديم طلب استثناء جديد أمام المجلس الأعلى.
صدر قرار المجلس الأعلى هذه المرّة بعدم الموافقة (القرار رقم 9 الصادر بتاريخ 20 تمّوز 2023)، سواء على تجاوز الارتفاع المحدّد، أو كشف السفلي المردوم، أو المخالفات في التراجعات عن الجار والأملاك البحرية، وغيرها. حتى أن قرار المجلس تضمّن الطلب بإزالة المخالفات وتصحيح التجاوزات قبل إعادة عرض الملف عليه.
ولكن درغام لم تكترث بالقرار المُلزِم هذا، وعاودت مؤخّراً الأشغال المُخالفة، حتى استفزّت الأهالي والناشطين الذين أقاموا وقفةً احتجاجيةً يوم الأحد الماضي بدعوة من جمعية “نحن”. ونشرت وسائل الإعلام أن عدداً من هؤلاء المحتجّين تمّ استدعاؤهم إلى مخفر البترون الاثنين، وجاء استدعاؤهم بناءً على شكوى قدّمتها درغام، حول التعدّي على “الأملاك الخاصّة”، بما أنّ المتظاهرين نزعوا أغراس الصبّار التي حوّطت بها درغام فيلّتها، مانعةً بذلك الوصول الحرّ إلى الشاطئ. ورغم أنّ درغام هي المتعدّية الأكبر في هذه الحالة، إلّا أنّ الأجهزة الأمنية ارتأت استدعاء المحتجّين3بوست نُشر عبر منصّة ميغافون، بتاريخ 11 حزيران 2024. للاطّلاع على البوست، اضغط/ي هنا..
نرى هنا أن سياسة المجلس المُعتادة في منح الاستثناءات فتحت الباب أمام أمثال درغام “للأخذ والعطا”، والاستخفاف بالقوانين والأنظمة التي من شأنها حماية الملك العام. فلو أن المجلس من الأساس رفض السماح بإصدار الرخصة بناءً على طلب الاستثناء، لا سيّما على ساحل كفرعبيدا الذي من المعروف أنه بات عرضة للقضم من قبل الكثير من المنتجعات، لم نكن وصلنا إلى هذه النقطة. ولكن رفض طلبات الاستثناء عبر المجلس نادرة، وقد احتلّت طلبات الاستثناء، إذ على مر السنين، النسبة الأكبر من الطلبات المقدّمة أمامه (مثلًا 38% من مجموع الطلبات سنة 2019، إلى 45% في 2020، ثم 52% في 2021)4من تقرير أنتجه استديو أشغال عامة حول أعمال المجلس الأعلى بعنوان “مجلس الاستثناءات: تقرير حول قرارات “المجلس الأعلى للتنظيم المدني” 2019 – 2021“.. وأغلب قراراته في هذا الإطار، كانت قرارات تستثني عقاراً أو إفرازاً من النظام العام أو تسمح بزيادة عامل الاستثمار أو الاستثناء من العلو الحرّ، أو بتجاوز طول الواجهة المسموح به، وتسمح بالاستثناء من شروط التكسية، من التراجعات، أو شروط عامة وخاصة أخرى. قرارات الاستثناء هذه ما هي إلّا إخفاق في عملية التنظيم المديني، حيث أصبح منطق “الإستثناء عن القانون” أداةً تخطيطية رئيسية5من تقرير أنتجه استديو أشغال عامة حول أعمال المجلس الأعلى بعنوان “مجلس الاستثناءات: تقرير حول قرارات “المجلس الأعلى للتنظيم المدني” 2019 – 2021“.. فقد حوّلت ممارسة المجلس الأعلى هذه، دور المجلس إلى البحث عن مبرّرات لخروج مالكي الأراضي المتموّلين والنافذين عن الأنظمة التي تحمي الملك العام والموارد الطبيعية، ، حيث يتم أيضاً تجاهل الخطة الشاملة لترتيب الأراضي، كما هو الحال في كفرعبيدا.
المراجع:
- 1جزءٌ من العقار يقع في منطقة مُصنّفة “سكن خاص” وفقًا للتصميم التوجيهي الصادر بموجب المرسوم 72/3362 ، والجزء الآخر يقع في منطقة مصنّفة “امتداد سكني” وفقًا للتصميم التوجيهي الصادر بموجب قرار المجلس الأعلى رقم 30/2019.
- 2القرار الصادر بتاريخ 3 آب 2022.
- 3بوست نُشر عبر منصّة ميغافون، بتاريخ 11 حزيران 2024. للاطّلاع على البوست، اضغط/ي هنا.
- 4من تقرير أنتجه استديو أشغال عامة حول أعمال المجلس الأعلى بعنوان “مجلس الاستثناءات: تقرير حول قرارات “المجلس الأعلى للتنظيم المدني” 2019 – 2021“.
- 5من تقرير أنتجه استديو أشغال عامة حول أعمال المجلس الأعلى بعنوان “مجلس الاستثناءات: تقرير حول قرارات “المجلس الأعلى للتنظيم المدني” 2019 – 2021“.