في العام ١٩٢٥، وخلال فترة الإنتداب الفرنسيّ على لبنان، تبلور الإقتناع بالطابع العامّ لكامل الشاطئ اللبنانيّ في الفصل الأول من القرار ص/١٤٤ تحت عنوان «تحديد الأملاك العموميّة» التي تشمل «شاطئ البحر حتى أبعد مسافة يصل إليها الموج في الشتاء وشطوط الرمل والحصى». وحدّد أن الأملاك العموميّة (والبحريّة منها) «لا تُباع ولا تُكتَسَب ملكيتها مع مرور الزمن». هذا القرار والمرسوم رقم ٦٦ /١٨١٠ حميا الأملاك العامّة البحريّة عبر تقييد منح التراخيص لإستعمالاتها الحصريّة بالحالات الإستثنائية فقط.

إلا أنّ كلّ من يحاول أن يصل إلى البحر من دون مقابلٍ ماليّ اليوم لا ينجح إلا إستثنائيّاً. فقد احتلت المنتجعات والمنشآت الصناعيّة والعمرانيّة الخاصّة والإستيلاأت غير الشرعيّة معظم الشاطئ اللبنانيّ، وخاصّةً شطّ بيروت. كيف أصبح الإستثناء هو القاعدة في ما يخصّ الأملاك العامّة البحريّة؟

من ناحية، فقد أسّست نهاية الحرب الأهلية لمحاصصة سياسية وطائفية في ظلها جرى الاستيلاء على مساحات شاسعة من الأملاك العامة البحرية. من ناحية اخرى، نجد أنّ السلطات العامة لطالما أعطت أولويّة للمصالح الخاصة على حساب الصالح العام في قراراتها وإجراأتها والقوانين التي أصدرتها.
منذ فترة الأربعينيّات، صدرت عدّة مراسيم قضت بإسقاط أجزاءٍ واسعةٍ من الشواطئ والأملاك العامّة البحريّة لصالح أملاك الدولة الخصوصيّة. وشروط الأملاك العموميّة تتيح بيعها في المزاد العلني على عكس شروط الأملاك العامّة، ما سبّب تغيّراتٍ جذريّةٍ في مناطق ساحليّة عدّة مثل بيروت وصيدا وجونيه وغيرها.

كذلك، أبقي على تعريف بعض المصطلحات في القوانين والمراسيم غامضة ومن دون معايير واضحة. فكيف تُحدّد حالة الإسثتناء؟ كيف تُسقَط الأملاك العامّة البحريّة ليُصبح الرمل والصخر البحريّين عقاراتٍ مثل غيرها، تنتقل ملكيتها مع مرور الزمن ومن دون أيّ تقييدٍ لإشغاله؟ كيف تتغيّر حدود عقارٍ ليكبر حجمه بعد مرور سنوات؟

وضع الأملاك العامّة البحريّة اليوم هو نتيجة هذا الانحياز «للخاص» على حساب «العام» الذي سمح ولا يزال يسمح بالإعتداء الممنهج على الأملاك العامة، عبر ثغراتٍ، تعديلاتٍ، وتلاعباتٍ قانونيّةٍ محدّدة. ما هي الإجراأت المتخذة من قبل وزارة الأشغال العامّة لإسترداد الأملاك البحريّة المشغولة بشكلٍ غير شرعيّ وحمايتها؟ ثم، هل تشكّل المصلحة العامّة معياراً جديّاً عند المنح «الإستثنائيّ» لتراخيص إشغال أملاك عامّة بحريّة بشكل حصريّ؟

في هذا العدد من «أشغال عامّة»، نتعمّق في خمس حالات إستيلاءٍ على الأملاك العامّة البحريّة، عبر تقديم دراساتٍ حول مواقع مهدّدة أو متنازع عليها، ولكلّ منها إطارٌ قانونيّ وتاريخيّ مختلف يقدّم منهجيةً وأطرافاً فاعلةً خاصّةً به: دالية الروشة، الرملة البيضاء، عين المريسة، شاطئ «فندق صيدون»، وشاطئ ميناء طرابلس.

مونيكا بصبوص

 

عبير سقسوق

مديرة تنفيذية ومسؤولة الأبحاث

تخرجت عبير كمهندسة معمارية في العام 2005، ثم حصلت على ماجستير في التخطيط المديني. هي عضو مؤسس في استوديو أشغال عامة. يشمل تركيز بحثها العلاقة بين العمران والقانون، الملكية والمساحات المشتركة، والحق في المدينة للمجتمعات المهمشة. كما تعمل عبر شراكات متعدّدة على تطوير الطرق التي تحفّز دور الجماعات المحليّة في تخطيط مستقبل مساحاتهم ومُدنهم وصياغته. هي أيضاً عضو في المفكرة القانونية (منذ 2014) وعضو مؤسس في مجموعة الدكتافون (منذ 2009).

 

نادين بكداش

مديرة تنفيذية ومسؤولة قسم التواصل و التصميم

نادين مصمّمة بصريّة وباحثة مدينيّة، وعضو مؤسس في استديو أشغال عامة. تلجأ الى أساليب متعددة الإختصاصات لمقاربة عمليات إنتاج الفضاء المديني، مستخدمة أدوات تمثيلية وبحثية في آن، كالخرائط، المرئيات والفيديو. كجزء من بحثها المرتكز على الحقوق السكنية والتحوّلات المدينية، نشرت بحث «سيادة الإخلاء: مستأجري لبنان من مواطنين إلى عقبات»، وأخرجت أيضاً فيلم «رسم خريطة شارع بيهم». تدرّس التصميم والتواصل البصري في الجامعة اللبنانيّة.

الأملاك العامة لبنان