باختصار، ما هو القانون المقترح؟
يتألّف القانون المقترح والمقترن بصفة العجلة من مادة وحيدة، يسعى من خلالها المشرّع إلى حسم الجدل القائم حول كيفية تطبيق قانون الإيجارات الجديد، عبر تحديد سريان مهل السنوات التمديدية المنصوص عليها في المادة 15 من القانون 5/2014، اعتباراً من تاريخ نفاذ القانون المذكور في 28/12/2014، لتنتهي بعد 9 سنوات، أي بتاريخ 28/12/2023 ، بالنسبة للمستأجرين غير المستفيدين من حساب صندوق دعم المستأجرين؛ وبعد 12 سنة، أي بتاريخ 28/12/2026، بالنسبة للمستأجرين المستفيدين من تقديمات الصندوق، وذلك باعتبار أن القانون رقم 2/2017 يهدف إلى تعديل بعض مواد القانون 2014 وهو ليس قانون جديد، ممّا يستوجب إعادة احتساب المهل من تاريخ نشره.
ما هي الأسباب الموجبة التي يذكرها القانون؟
يتذرّع المشرّع في الأسباب الموجبة بوجوب تصحيح الالتباس الذي خلقته طريقة نشر القانون رقم 2/2017، لاسيما فيما يتعلق بتاريخ بدء احتساب المهل التمديدية المنصوص عليها في المادة 15. ويقدّم هذا الاقتراح انطلاقاً من مسؤوليته التشريعية في توضيح القوانين وتفسيرها، تأكيداً بأن مهلة التمديد تبدأ من تاريخ نفاذ قانون 5/2014، لا من تاريخ نشر القانون 2/2017.
أيّ نواب اقترحوا القانون؟
النائب عماد الحوت (الجماعة الإسلامية في لبنان)
نوع القانون
إقتراح معجّل مكرر
الفاعلون
اللجنة الأهلية للمستأجرين، تجمع الحقوقيين للطعن وتعديل قانون الإيجارات، لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين
المناطق المتأثرة
جميع المناطق اللبنانية
لتحميل القانون
بموجب بضعة أسطر، يسعى النائب محمد الحوت من خلال اقتراح قانون معجّل مكرّر إلى حسم الإشكالية العالقة منذ عقود حول قانون الإيجارات القديمة، وذلك عبر تحديد تاريخ واضح لبدء سريان المهل التمديدية المنصوص عليها في المادة 15 من القانون، معتبرًا أن البداية تعود إلى تاريخ نفاذ القانون الأساسي رقم 5/2014.
إلا أن هذا الطرح، وعلى الرغم من بساطته الظاهرية، يعكس مقاربة ضيّقة ومجتزأة لمسألة شديدة التعقيد، إذ يفترض أن المشكلة كامنة فقط في الالتباس حول المهل الزمنية، متجاهلًا أن جوهر المشكلة لا يكمن في التواريخ، بل في قانون غير قابل للتطبيق فعليًا، لم تُستكمل مقوّماته التنفيذية، ولم تتوافر له البنية المؤسسية والاجتماعية التي تُفترض لموازنة تبعات تحرير عقود الإيجار القديمة على الفئات الهشة.
فبدلًا من أن يُعالج هذا الاقتراح الواقع المعقّد الناتج عن سنوات من تقاعس الدولة عن إنشاء صندوق دعم المستأجرين وتفعيل اللجان المختصة، وبدل أن يُعيد النظر في غياب الضمانات التي نصّ عليها القانون نفسه، يختزل المسألة إلى تحديد موعد بدء العدّ العكسي لإخلاء آلاف العائلات، دون أي اعتبار للتداعيات الاجتماعية والإنسانية المترتبة على ذلك في ظل الانهيار الاقتصادي وانعدام البدائل السكنية.
أكثرية المحاكم تؤكد أن نقطة الانطلاق لاحتساب المهل هي 2017، لا 2014
يتجاهل القانون المقترح واقعاً قضائياً متماسكاً ترسّخ في اجتهادات الأكثرية الساحقة من المحاكم خلال فترة 8 سنوات، وآخرها القرار الصادر عن محكمة الاستئناف في بعبدا بتاريخ 28 نيسان 2025، حيث اعتبرت المحكمة أن القانون رقم 2/2017 ليس مجرد تعديل للقانون الصادر عام 2014، بل هو قانون قائم بذاته يحمل بنية جديدة من حيث المضمون، ويحتوي على آليات تنفيذية مرافقة لم تكن موجودة سابقاً، خاصةً فيما يتعلق بصندوق الدعم واللجان، ممّا يفرض بطبيعته إعادة احتساب المهل والبدلات من تاريخ نفاذه لا من تاريخ القانون السابق.
وفي هذا السياق، شدّدت المحكمة على أن قانون الإيجارات هو قانون خاص واستثنائي يُطبَّق كوحدة متكاملة لا يمكن تجزئته، ولا يجوز فصل المهل عن العناصر الأخرى الجوهرية في بنيته، كالصندوق واللجان. وبالتالي، فإن المهل لا يمكن أن تبدأ بالسريان ما لم تكن شروط تطبيقها قد تحقّقت، أي بعد إنشاء وتفعيل هذه المكونات. وهذا ما لم يحصل في السنوات اللاحقة على صدور قانون 2014، إذ بقي معلقاً وغير قابل للتطبيق.
ويأتي هذا القرار الأخير في انسجام تام مع غيره من القرارات القضائية والإدارية التي صدرت خلال السنوات الماضية. إذ سبق أن أصدرت وزارة المالية القرار رقم 1503/1 بتاريخ 22/12/2017، والذي اعتمد فيه تاريخ 28/2/2017 كبداية لاحتساب بدلات الإيجار، وقد قامت بإعادة احتساب هذه البدلات بناءً عليه بعد طعن القرار أمام مجلس شورى الدولة، ما يؤكد أن التفسير الرسمي للإدارة ينسجم مع التفسير القضائي.
كما أن محكمة الاستئناف في بيروت، في عدة قرارات سابقة (بتواريخ 8/3/2019، 13/6/2019، و24/6/2021)، كانت قد أكّدت الاتجاه نفسه، مشيرةً إلى أن التعديلات الجوهرية التي جاء بها قانون 2017 “تنفي عنه صفة القانون التعديلي”، وأن نفاذ القانون يبدأ من تاريخ نشره، عملاً بالمادة 60 منه، وأن المهل التمديدية المنصوص عليها في المادة 15 تبدأ من السنة التي تلي نفاذه، أي سنة 2017.
إضافة إلى ما سبق، يتعارض القانون المقترح مع مبدأ عدم رجعية القوانين، باعتبار أنه يسعى إلى تحديد تاريخ سريان المهل التمديدية بأثر رجعي يعود إلى عام 2014، وأنّ تبنّي هذا التاريخ عملياً، يعني أن الغالبية الساحقة من المهل قد انقضت بالفعل، وأن آلاف المستأجرين أصبحوا، بأثر رجعي، في موقع غير قانوني دون أن يكون قد أُتيح لهم اتّخاذ أي مسار فعلي لممارسة حقوقهم أو تقديم طلباتهم.
بالتالي، فإن إصرار المشرّع في اقتراحه على العودة إلى سنة 2014 لتحديد المهل، هو تجاهل صريح للموقف القضائي الراسخ، ويؤدّي إلى تفسير مجتزأ ومشوّه للقانون، قائم على فصل المهل الزمنية عن بنية القانون ومرتكزاته الاجتماعية والتنفيذية، وهو ما يخالف المبادئ العامة للتفسير القانوني السليم.
قراءة انتقائية لقانون وواقع الإيجارات القديمة
من جهة أخرى يشكّل إقتراح القانون المقترح مثالاً صارخاً على القراءة الانتقائية والجزئية لقانون الإيجارات، إذ يركّز حصرياً على البعد الزمني التقني (عدد السنوات التمديدية وبداية احتسابها)، ويتجاهل أن القانون 2/2017 وضع إطاراً متكاملاً من الحقوق والواجبات والضمانات (حتى ولو لم تكن مثالية)، لا يمكن تفكيكها أو تطبيقها على نحو مجتزأ.
فيستند الإقتراح إلى المادة 15 من القانون 2/2017 ليطالب ببدء احتساب المهل التمديدية من العام 2014، وكأن التطبيق الفعلي للقانون ممكناً منذ ذلك التاريخ. فيما يتجاهل الطرح أن المواد الأساسية التي تشكّل الإطار التنفيذي لتطبيق القانون لم تُفعّل أبداً، وعلى رأسها:
- صندوق دعم المستأجرين الذي كان يفترض إنشاؤه وتمويله خلال شهرين من نشر القانون، لم يُفعّل، بل أُفرغ من أي تمويل فعلي بموجب المرسوم رقم 8836 الصادر في 3/3/2022، ما يجعل أي إجراء متعلق به غير قابل للتطبيق.
- اللجان التي كان يفترض تشكيلها خلال أربعة أشهر من نفاذ القانون، لم تُنشأ أصولاً، ولم تباشر أعمالها، ممّا حرم المستأجرين من اللجوء إليها لتحديد بدل المثل أو ممارسة حقوقهم المنصوص عليها في المواد 16 و27 وسواها. وفي هذا السياق، أكدت محكمة الاستئناف المدنية الناظرة في قضايا الإيجارات في بعبدا في قرارها الصادر بتاريخ 28 نيسان 2025 أنه “لا يمكن إحلال القاضي المنفرد مكان اللجنة التي أبطلها المجلس الدستوري”، وأعلنت بالتالي “عدم الاختصاص وعدم وجود النص الملزم للقاضي أو للمحكمة (..)” فيما يخص تحديد بدل المثل استناداً إلى قانون الإيجارات الجديد.
- المادة 37 التي منحت أولوية للمستأجرين القدامى في الاستفادة من القروض السكنية، لكنها بقيت حبراً على ورق بعد توقف القروض المدعومة.
- المادة 56 التي نصّت على أولوية في الاشتراك بنظام الإيجار التملّكي، لكنه لم يُقرّ أساساً ولم تُصدر مراسيمه التطبيقية.
بالتالي، فإن المستأجرين لم يتمكّنوا من ممارسة حقوقهم أو اتخاذ الإجراءات المفترض أن تكون متاحة لهم خلال السنوات التسع أو الإثني عشرة التي يتحدّث عنها القانون، سواء لناحية تقديم الطلبات، تحديد بدل المثل، اختيار الصيغ البديلة، أو حتى الانتقال إلى سكن بديل بدعم تمويلي أو اجتماعي.
بمعنى آخر، ما تطالب به القراءة المقترحة هو تحميل المستأجر\ة مسؤولية عدم قيام الدولة بواجباتها، واعتبار أن المهل قد انقضت، رغم أن القانون نفسه علّق العمل بها في مادته 58 إلى حين تفعيل أدوات الحماية الأساسية؛ إذ تصّت المادة صراحة على وجوب “تعليق تنفيذ أحكام القانون المتعلقة بالمستفيدين من الصندوق” مستمر إلى حين دخوله حيّز التنفيذ.
إن ما حصل فعلياً هو أن المستأجرين، وعلى مدى ثماني سنوات، حُرموا من ممارسة حقوقهم بسبب فشل الدولة في تنفيذ القانون، سواء لعدم إنشاء المؤسسات اللازمة، أو لغياب التمويل، أو لغياب الإعلام والتوجيه. والقول اليوم بأن المهلة انتهت، وأن الحقوق سقطت، هو تحميل غير منطقي وغير عادل لفئة مستضعَفة أساساً، تبعات انهيار مؤسسات الدولة وتقصيرها في أداء وظائفها التشريعية والتنفيذية.
وجوب إعادة صياغة الأولويات التشريعية بما يتلاءم مع واقع اجتماعي للمستأجرين القدامى و متطلبات الحق بالسكن
أصبح من الواضح أن أي نقاش قانوني حول الإيجارات القديمة لا يمكن عزله عن السياق المعيشي الكارثي الذي يرزح تحته المواطنون.
فإن الواقع الاجتماعي يفرض نفسه بقوة، لا سيما بعد ما مرّ به لبنان من انهيار اقتصادي منذ عام 2019، وما تلاه من تضخم هائل، وتآكل قيمة العملة، وتوقف القطاع المصرفي، والضغط المتزايد على سوق الإيجارات، وغياب أي سياسات إسكانية بديلة أو دعم اجتماعي فعّال، ليضاف إليها الدمار الذي طال العديد من المدن والبلدات جراء الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة، ما جعل مئات المساكن غير صالحة للسكن أو عرضة للتصدع والخطر، وزاد الحاجة والطلب على مخزون سكني متقلص بالفعل.
المستأجرون القدامى هم اليوم في غالبيتهم من كبار السن، متقاعدون، لا يملكون مداخيل ثابتة، ولا قدرة لهم على الولوج إلى سوق إيجارات متحرّرة باتت تسعيرتها بالدولار النقدي، في وقت يشهد فيه لبنان طلباً متزايداً على المساكن، وانخفاضاً حاداً في العرض، ما يجعل السكن البديل خارج قدرتهم بالكامل. الحديث عن انتهاء المهل في 2023 أو 2026، أو 2029 يعني طرد عشرات آلاف العائلات إلى الشارع، أو فرض تسويات مجحفة عليهم.
بالمقابل إن من بين المالِكين أنفسهم من ينتمون إلى فئات اجتماعية مستضعَفة، حُرموا على مدى عقود من الاستفادة الفعلية من ملكيتهم العقارية. كثيرون من هؤلاء المالِكين هم اليوم من كبار السن، متقاعدون، استُنزفت مدخراتهم، ويضطرون في معيشتهم على الاعتماد على مداخيل الإيجار المتوقفة أو المجتزأة، في ظل غياب كامل لأيّ شبكة حماية اجتماعية أو تأمين تقاعدي فعّال.
ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية وانعدام البدائل، تحوّلت العلاقة بين المالك والمستأجر إلى ساحة نزاع غير متكافئ تُغذّيها الدولة بتقاعسها عن الاعتراف بدورها في صناعة هذه الأزمة، وبتخلّيها عن مسؤوليتها في معالجة هذا الملف ضمن إطار سياسات إسكانية عادلة وشاملة. وبدل أن تُقارب المسألة كملف اجتماعي واقتصادي مركزي، اختارت الدولة، عبر مشاريع قوانين من هذا النوع، أن تُلقي بالعبء على طرفَي العلاقة التعاقدية، وتتركهما يتصارعان في ظل فراغ تشريعي وتمويلي، ما قد يُنذر بانفجار اجتماعي إذا ما استمر تجاهل هذه المعاناة المتبادلة.
إن أزمة السكن في لبنان لا تُعالَج عبر مادة قانونية وحيدة، ولا من خلال تفسير زمني مجتزأ، بل هي قضية بنيوية تتطلّب خطة إسكانية وطنية شاملة، تُعيد تعريف دور الدولة في ضمان الحق في السكن.
المطلوب اليوم ليس تحديد مهل تقنية، بل إعادة فتح النقاش حول مدى جاهزية الدولة اللبنانية لتطبيق هذا القانون في ظل غياب كامل لمقوّمات الحماية الاجتماعية، والتأكّد من أن المستأجرين الذين لطالما سكنوا هذه البيوت لعقود، سيجدون بديلاً لائقاً، لا أن يُتركوا لمصيرهم تحت ذريعة احترام المهل القانونية.
وعليه، فإن الواجب لا يقع على المستأجرين ولا المالكين، بل على الدولة ومجلس النواب، لتحمّل مسؤولياتهم كاملة في إعادة صياغة قانون إنساني منصف وعادل، يأخذ في الاعتبار الكارثة الاجتماعية التي يُمكن أن تنتج عن تحرير الإيجارات بدون شبكة حماية. فطرد كبار السن، وإجبار العائلات الفقيرة على مغادرة بيوتها تحت الضغط، لا يشكّل حلاً قانونياً، بل وصمة في سجل الدولة ومسّاً فادحاً بالحق في السكن والعدالة الاجتماعية.