التعدّي على الأملاك العامة في القليلة: تشريع المخالفات القانونية والبيئية

المصدر: المرسوم رقم 14620 الصادر بتاريخ 16 كانون الثاني 2025

قبل أيام قليلة من انتهاء ولايتها، أقرّت حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي المرسوم رقم 14620 بتاريخ 16 كانون الثاني 2025، والذي يمنح شركة “والي للديكور والاستثمارات العقارية ش.م.م.” 1تجدر الإشارة أنه تم تغيير اسم الشركة من “والي للديكور” إلى MARINE PRO FARM COMPANY بعد صدور المرسوم، ولم يكن بالمستطاع حتى الآن الاستحصال على إفادة بماهية الشركة واسمها.حق استثمار وإشغال 14,560 متراً مربعاً من الأملاك العامة البحرية المتاخمة للعقار 923 في منطقة القليلة العقارية (قضاء صور). هذا المرسوم، الذي جاء ضمن حزمة مراسيم مماثلة لمنح حقوق إشغال في مناطق ساحلية أخرى (ذوق بحنين في عكار وراسمسقا في الكورة)، أثار استياءً واسعاً لدى الرأي العام، ونقاشات قانونية حول شرعيته.

مخالفات قانونية وبيئية تسبق المرسوم

في التفاصيل، يضمّ العقار رقم 923 مشروعاً قائماً منذ عدة سنوات، وهو عبارة عن مزارع لإنتاج الأسماك البحرية. وقد عمل المشروع بالفعل لثلاثة مواسم، حيث تم تجهيز البنية التحتية اللازمة، بما في ذلك الإنشاءات ومدّ أنابيب من وإلى البحر. وحصلت الشركة بصفتها المستأجرة للعقار باسم مالكه الأصلي (من عائلة كرنيب)، على رخصة تصوين من بلدية القليلة2بحسب مقابلة أجريناها مع رئيس بلدية القليلة د.محمد الشمالي في آذار 2025..

يطرح قيام هذا المشروع بالأساس، إشكاليات عديدة. فمنذ البداية، لم تحصل الشركة على الترخيص اللازم لإنشاء مزرعة أسماك، والذي يتطلب أن يتمّ الكشف على الموقع والقيام بالدراسات اللازمة من قبل فريق تقني ووفق الأصول. كما أنها تعدّت على الأملاك العامة البحرية قبل صدور مرسوم يسمح لها بإشغالها، وذلك عبر مدّ أنابيب لسحب مياه البحر إلى البرك، وتكريرها، ثم إعادتها إليه. وبعد حصولها على رخصة التصوين، قامت الشركة بتسييج العقار 923 بالكامل، ممّا أدى إلى قطع منفذ وصول المواطنين إلى الشاطئ3الاطّلاع على مقال فاديا جمعة على منصّة مناطق.نت بعنوان ”مراسيم مهرّبة“ تعتدي على شاطئ القليلة وتهدّد حمى المنصوري!”.

ولا تنتهي المخالفات عند هذا الحدّ، إذ أنّ مشروعاً كهذا، يقع في منطقة حساسة بيئياً، كان يستوجب إعداد دراسة تقييم أثر بيئي شاملة قبل الشروع في أي أعمال، خاصة وأنها مزرعة أسماك، أي مشروع قادر على إنتاج ملّوثات عديدة مُهدِّدة للتوازن البيئي للمنطقة.

فالمنطقة تعاني بالفعل من تدهور الثروة السمكية نتيجة للصيد بالديناميت4بحسب مقابلة أجريناها مع رئيس بلدية القليلة د.محمد الشمالي في آذار 2025.، وتجاور حمى المنصوري، وهي حمى معترف بها بموجب قرار المجلس البلدي رقم 46 بتاريخ 13/12/2006، وذلك بسبب خصوصيتها البيئية الفريدة، بما في ذلك كونها موقعاً حيوياً لتعشيش السلاحف البحرية المهدّدة بالانقراض5 بحسب د. هشام يونس رئيس جمعية الجنوبيّين الخضر.. إن دراسة تقييم الأثر البيئي، المنصوص عليها في مرسوم أصول تقييم الأثر البيئي الصادر عام 2012، ليست مجرد إجراء شكلي، خاصة فيما يتعلّق بمشاريع ملوّثة وغير مستدامة كمزرعة أسماك، بل هي أداة ضرورية لتقييم التأثيرات البيئية المحتملة للمشروع، واقتراح تدابير للحدّ من أي آثار سلبية. وكان ملزماً أن تقوم البلدية، بمجرد إبلاغها بالمشروع، بالإعلان عنه فوراً، على لوحة الإعلانات العمومية، وفي موقع العقار حيث سينشأ المشروع، لفترة خمسة عشر يوماً، لإتاحة الفرصة للعامة لإبداء ملاحظاتهم، وهو ما لم يحدث حينها.

مرسوم يشرّع تعدٍّ قائم

بالتالي، يصدر اليوم مرسوم الإشغال رقم 14620 لا ليرخّص إشغالاً جديداً فحسب، بل ليشرّع تعدٍّ قائم أصلاً على الأملاك العامة البحرية. ومن خلاله، تسعى الشركة، التي يُشتبه بقربها من جهة حزبية نافذة في المنطقة، إلى توسيع استثمارها ليشمل 14560 م2 من مساحة العقار المتاخم -وهو العقار رقم 805- والذي يشكّل الأملاك العامة البحرية بحد ذاتها. وما يزيد الأمر خطورة، هو أن المرسوم استند في مرتكزاته إلى كتاب صادر عن وزارة الزراعة يمنح موافقة مبدئية مشروطة على إنشاء مزرعة أسماك، ولا يمنح ترخيصاً نهائياً، وإلى كتاب آخر صادر عن المديرية العامة للتنظيم المدني، يقتصر على إعلان عدم اختصاص المجلس الأعلى للتنظيم المدني في النظر في المعاملة، دون إبداء أي رأي بشأن تأثير المشروع وأهمية هكذا تعدٍّ. وهذا يثير استغراباً شديداً، إذ كيف يمكن أن يستند مرسوم إلى كتاب صادر عن مرجع أساسي يعلن عدم اختصاصه، دون أن يبدي رأيه في المشروع وفق الصلاحيات الممنوحة له6الاطّلاع على مقال أماني البعيني في المفكّرة القانونية بعنوان “هكذا استباحتْ حكومة ميقاتي شاطئ القليلة: 9 مخالفات جسيمة تَنمّ عن تواطئٍ سافر”؟ إن هذا المرسوم لا يمثّل فقط تشريعاً لتعدٍّ على الأملاك العامة البحرية، بل هو أيضاً تجاوز للقوانين والإجراءات الإدارية المعمول بها. وقد فنّدت المفكّرة القانونية على الأقلّ 9 مخالفات قانونية جوهرية تشوب المرسوم بعد التدقيق في مدى قانونيّته، ما يفرض إبطاله وفقاً لاجتهادها7الاطّلاع على مقال أماني البعيني في المفكّرة القانونية بعنوان “هكذا استباحتْ حكومة ميقاتي شاطئ القليلة: 9 مخالفات جسيمة تَنمّ عن تواطئٍ سافر”.

مطالبات بإلغاء المرسوم

أثار صدور هذا المرسوم ردود فعل واسعة النطاق من الأهالي والناشطين والجمعيات البيئية المعارضة له. وتقدّمت جمعية الجنوبيين الخضر بمراجعة أمام مجلس شورى الدولة8سُجّلت بتاريخ 22/1/2025  تحت الرقم 25924/2025 لإبطاله9الاطّلاع على مقال المفكّرة القانونية بعنوان “المفكّرة القانونية” تطالب الحكومة باسترداد البحر”. كما قدّمت المفكّرة القانونية مؤخّراً10بتاريخ 18/3/2025، بالشراكة والتنسيق مع جمعيتَي “مبادرة سياسات الغد” و”الجنوبيون الخضر”، كتاباً إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، مطالبةً الحكومة باسترداد المراسيم الثلاثة المتعلّقة بإشغال واستثمار الأملاك البحرية (القليلة، ذوق بحنين، راسمسقا)، وذلك التزاماً بمبدأ عمومية الشاطئ واستثنائية الإشغال، وتحقيق الشفافية وحماية حقوق اللبنانيين في بيئة سليمة وشاطئ عام11الاطّلاع على مقال المفكّرة القانونية بعنوان “المفكّرة القانونية” تطالب الحكومة باسترداد البحر”. وقد استجابت الأمانة العامة للطلب خلال أقل من 24 ساعة، وكشفت أنها سبق وأن وجهت كتاباً إلى وزارة الأشغال العامة والنقل، أوضحت فيه المخالفات التي تشوب هذه المراسيم، وأشارت إلى تعارضها مع القوانين النافذة، وطلبت من الوزارة إعادة النظر فيها من خلال مراجعة شاملة ودقيقة للأسس التي استندت إليها، والتحقّق من مدى توافقها مع القوانين والأنظمة المعمول بها، تمهيداً لسحبها.

ونتيجةً للضغط المتزايد، وجّهت بلدية القليلة إنذاراً شفهياً للشركة العاملة في العقار رقم 923، مطالبةً بوقف العمل فوراً لحين إجراء دراسة الأثر البيئي. وأوضح رئيس البلدية أنه في حال استمرار العمل قبل إتمام الدراسة، سيتم توجيه إنذار خطي للشركة لوقف الأعمال. وأشار إلى أن صلاحيات البلدية تقتصر على التدخل في الأمور المتعلقة بالعقار الخاص، بينما القرارات المتعلقة بالأملاك العامة البحرية هي من اختصاص مجلس الوزراء والوزارات المعنية. وأعرب رئيس البلدية عن تفاؤله بإمكانية التوصل إلى حلول إيجابية، حيث أُبلغ من قبل محامي الشركة أن دراسة الأثر البيئي ستُنجز خلال شهرين، وأن الشركة مستعدة لعقد لقاء مع المجتمع المحلي والناشطين البيئيين لشرح المخاوف البيئية والاستماع إلى ملاحظاتهم وانتقاداتهم. وأكد رئيس البلدية على ثقته بأن وزارة البيئة ستولي هذا الأمر اهتماماً خاصاً، نظراً لعدم توقّع موافقتها على مشروع يحمل ثغرات بيئية في بداية ولايتها12 بحسب مقابلة أجريناها مع رئيس بلدية القليلة د.محمد الشمالي في آذار 2025..

دراسة الأثر البيئي بعد صدور المرسوم: إجراء شكلي يشرع تجاوزاً

وفي هذا السياق، أصدرت بلدية القليلة إعلاناً رسمياً بتاريخ 13 آذار 2025، تدعو فيه إلى اجتماع عام مفتوح يوم الجمعة، 28 آذار، الساعة 12 ظهراً في مبنى البلدية. يهدف الاجتماع إلى عرض مكونات دراسة الأثر البيئي، وإتاحة الفرصة للتشاور المباشر مع الجهات المعنية والجمهور والمتخصصين. كما دعا الإعلان الراغبين إلى تقديم ملاحظاتهم الخطية خلال مهلة 15 يوماً من تاريخ النشر، وذلك عبر إرسالها إلى وزارة البيئة بواسطة الفاكس أو تسليمها مباشرة إلى البلدية.

وعليه، ننشر اليوم هذا الإعلان، ولكن نؤكد بوضوح أن الدعوة المفتوحة وإجراء دراسة الأثر البيئي بعد البدء بالأعمال وإصدار مرسوم، تمثل تجاوزاً صارخاً للقانون وأمر واقع فُرض علينا. كان من المفترض إجراء دراسة الأثر البيئي قبل أي عمل من شأنه المساس بالملك العام والشاطئ، وليس بعده، ممّا يعني بأن هذا الإجراء المتأخر يأتي شكلياً ولا يمكن أن يبرّر أو يصحّح الخطأ. وبالتالي، يجب أن يكون حضور الجلسة للمساءلة أوّلاً  وللتأكيد على رفض هذا التجاوز، وتطبيق القانون بحذافيره.

المراجع:

الأملاك العامة الموارد الطبيعية قضاء صور لبنان محافظة جنوب لبنان