في موقف محمد زيدان قرب ساحة النجمة وسط مدينة صيدا، استقرّت بعض العائلات السورية المهجّرة من الجنوب في أواخر شهر أيلول، بعد النزوح الكبير من مناطق الجنوب مع تسارع العدوان الإسرائيلي. ويقول رجل سوري من الذين استقروا في هذا الموقف، “بعد مرور عشرة أيام على وجودنا في الموقف، أعطتنا المفوضية السامية لشؤون اللاجئين كمية من الفرش لكنها غير كافية”، وقد أضافت لاجئة سورية نازحة “أعطونا أرقام هاتف للاتصال بالمفوضية، لكن للأسف لا أحد يجيب”.
هاتان شهادتان من ضمن عشرات الشهادات تسلّطان الضوء على تداعيات إقصاء النازحين السوريين من خطة الطوارئ التي وضعتها الحكومة استجابةً للحرب. فقد استبعدت الخطة غير اللبنانيين من برامج الإغاثة عموماً، بما في ذلك الإيواء، حيث أشارت إلى أن التعاطي مع “الفئات السكانية الأخرى من غير اللبنانيين” سيكون بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة المختصة، تحديداً الأونروا للفلسطينيين، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (المفوضية) UNHCR للسوريين، ومنظّمة الأمم المتحدة للهجرة للعمال الأجانب.
في ظل هذا الاستبعاد والإقصاء، لا يدلّ واقع النازحات/ين السوريات/ين سوى على ضرورة تأدية المفوضية دورها تجاه اللاجئات/ين السوريات/ين النازحات/ين في لبنان. فإما أن تقبل المسؤولية الكاملة عن إيواء النازحين السوريين وإغاثتهم والتي حمّلتها إياها خطة الطوارئ، أو أن تكون في واجهة المطالبة بمراجعة خطّة الطوارئ بشكلٍ يضمن الشمولية ولا يميّز بين لبناني/ة وغير لبناني/ة. وهو ما على المفوضية معالجته في أسرع وقت ممكن، لا سيّما بعد الاعتصام الذي قام به نازحون أمام أبوابها في منطقة الجناح يوم أمس الاثنين 4 تشرين الثاني.
نازحات/ون يفترشون الأرض في ساحة النجمة في صيدا منذ أسابيع
بالعودة الى النازحين المتواجدين في ساحة النجمة في صيدا، فقد تبيّن من خلال بحث ميداني أجريناه في المدينة، أنّ معظم العائلات السورية النازحة افترشت الساحات العامة والأرصفة والحدائق، بسبب حظر السلطات اللبنانية استقبال العائلات السورية النازحة في مراكز الإيواء، كما وبسبب ورود إيعاز من وزارة التربية ووزارة الشؤون الإجتماعية بإخلاء المدارس ومراكز الإيواء من النازحات/ين السوريات/ين الذين كانوا قد لجأوا إليها منذ 23 أيلول 2024، بحسب ناشطات/ين وأعضاء في جمعيات تقوم بأعمال الإغاثة في صيدا.
مع العلم بأنّ هذه الممارسات تتخطّى مدينة صيدا وتنطبق على أغلب مراكز الإيواء، كإحدى تداعيات خطة الطوارئ، بحيث تُستعمل حجة أنّ الخطة تستجيب حصراً لحاجات النازحات/ين اللبنانيات/ين لطرد اللاجئات/ين السوريات/ين من مراكز الإيواء المعتمدة رسمياً أو عدم استقبالهن/م فيها. وقد استقرّت 145 عائلة (أكثر من 700 شخص) في الموقف المذكور في مدينة صيدا في أواخر شهر أيلول، بينما تمّ نقل بعضهم إلى الشمال. ويعود بقاؤهم في هذا الموقف بشكلٍ أساسي إلى تقاذف المسؤوليات بين البلدية ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. فبحسب أحد النازحين من اللاجئات/ين السوريات/ين، والذي يعيش في لبنان منذ عام 2015 ونزح من الغازية إلى صيدا واستقرّ في الموقف المذكور، فبالرغم من التواصل مع البلدية ومع المفوضية، لم يتمّ إيجاد أيّ حلّ بديل لهم. فالبلدية تعتبر أن اللاجئات/ين هم مسؤولية المفوضية، بينما طلبت المفوضية من السوريات/ين، بحسب اللاجئ نفسه، أن يجدوا بأنفسهم مراكز إيواء أو البقاء عند أقارب لهم، فيما تتكفّل المفوضية بتوفير الحاجات، كونها لا تملك القدرة على تأمين الإيواء للسوريات/ين. وقد اقترحت البلدية على المفوضية أن تقدم خيم لوضعها في الملعب البلدي لحين إيجاد أماكن إيواء للعائلات السورية، لكن دون نتيجة.
بالتالي، تبقى خيارات السكن محدودة أمام اللاجئات/ين السوريات/ين كونهم لا يستطيعون الاستئجار من جهة، وقد لا يتوفّر لهم أقارب ليبيتوا لديهم من جهةٍ أخرى.
المفوضية السامية واستجابتها المحدودة في إيواء النازحات/ين
ينسجم ما وجدناه من خلال البحث الميداني، مع ما يمكن أن نجده على صفحة المعلومات لجميع الأشخاص الذين تأثروا بالأعمال العدائية في لبنان للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان ضمن خانة “الدعم العاجل للمسكن”، بحيث كُتب بشكلٍ واضح أنّ “خيارات المسكن/المأوى محدودة للغاية للاجئين والمهاجرين النازحين. ندعوكم إلى العثور على سكن فوري مع الأقارب والأصدقاء أو إيجاد حلول أخرى”، و”يُرجى عدم التوجه إلى مكاتب المفوضيّة أو مراكز استقبال المفوضيّة طلباً للإيواء/المسكن”. وقد تمّ إرفاق خطوط الاتصال الساخنة الصادرة عن الدولة اللبنانية المتعلّقة بمراكز الإيواء في الخانة نفسها. بذلك، تجزم المفوضية أنّها لا تتحمّل أي مسؤولية متعلّقة بتأمين الإيواء للاجئات/ين والعمال والعاملات المهاجرات/ين النازحات/ين، وينحصر دورها في تحويل اللاجئات/ين السوريات/ين إلى مراكز الإيواء المعتمدة رسمياً، أو محاولة التشبيك مع منظمات أخرى لتأمين أماكن للإيواء ضمن المراكز المتوفّرة.
وكانت المفوضية قد أصدرت تقريراً بشأن حالة الطوارئ في لبنان في 23 تشرين الأوّل، بعد حوالي شهر على بدء تصعيد العدوان الإسرائيلي، تذكر فيه وجود 53,400 لاجئ/ة تمّ تحديدهم على أنّهم نزحوا بشكلٍ ثانوي داخل لبنان بسبب الصراع، بما في ذلك 43,000 منذ 23 أيلول فقط، 96% منهم لاجئات/ون سوريات/ون.
كما ذكرت المفوضية في التقرير نفسه كيفية استجابتها لاحتياجات اللاجئات/ين والنازحات/ين اللبنانيات/ين في جميع أنحاء لبنان منذ تصعيد الأعمال العدائية في أيلول، وذلك بالتنسيق الوثيق مع السلطات والمنظمات الإنسانية الأخرى. تشمل هذه الاستجابة توفير خدمات الحماية، توزيع مواد الإغاثة الأساسية (فرش، بطانيات، أواني مطبخ، مصابيح شمسية)، مساعدات نقدية طارئة، التوعية، الرعاية الصحية، والدعم النفسي والاجتماعي. فيما خصّ تأمين الوصول إلى المأوى الآمن، تسعى المفوضية إلى إصلاح ما لا يقلّ عن 420 مركز إيواء. وقد أكملت بالفعل أعمال التأهيل (التقسيم، تحسين الخصوصية، العزل ضدّ العوامل الجوية، إعادة تأهيل مرافق المياه والصرف الصحي) في 23 مركزاً لغاية إصدار التقرير. بالتالي، لم تؤمّن المفوضية أي خدمات متعلّقة بتأمين المأوى بالرغم من اعترافها في التقرير نفسه أنّ العديد من النازحات/ين يعيشون في الشوارع، وأنّ السوريات/ون يواجهون تحديات خاصة في الوصول إلى الملاجئ الجماعية، بدون تحديد هذه التحديات.
مع العلم أن الأونروا فتحت في 24 و25 أيلول ثلاث مراكز إيواء (مركز تدريب سبلين ومدرسة نابلس في الجنوب، ومدرسة طوباس في الشمال) تستقبل فيها كافة النازحات/ين بغض النظر عن جنسيتهم.
أين دور المفوضية؟
ختاماً، إنّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين هي “منظمة عالمية تكرس عملها لإنقاذ الأرواح وحماية الحقوق وبناء مستقبل أفضل للأشخاص المجبرين على الفرار من ديارهم بسبب الصراعات والاضطهاد”. ومن المفترض أن “تقدم المساعدات المنقذة للحياة، بما في ذلك المأوى والغذاء والمياه والرعاية الطبية، للأشخاص المجبرين على الفرار جراء الصراعات والاضطهاد”. في الواقع، يعاني اللاجئات/ين السوريات/ين النازحات/ين جراء العدوان الإسرائيلي من انتهاكات في حقّهم في السكن، ويتمّ استبعادهم في أكثر الأحيان من الاستجابات الحكومية، فلا يتمّ استقبالهم في مراكز الإيواء الرسمية المعتمدة أو يتمّ إخلائهم منها، ويُجبرون بالتالي على البقاء مشردين في المساحات العامة، كما هو الحال في صيدا. وفي مواجهة هذا الواقع، لم تلعب المفوضية الدور المناطة بها في حماية حقوق اللاجئات/ين وتوفير المأوي لهم، كونها لم تستحدث أيّ مركز إيواء للاجئات/ين السوريات/ين النازحات/ين، واكتفت فقط بتأهيل بعض المراكز المعتمدة رسمياً من الحكومة اللبنانية التي كانت قد حددت ضمن خطتها أنّ مسؤولية توفير الملاجئ الطارئة وغيرها من المساعدات الإنسانية للاجئات/ين السوريات/ين تقع على عاتق المفوضية.
من هنا، نطالب المفوضية بتحمل مسؤولياتها كاملةً تجاه اللاجئات/ين من خلال تلبية حاجاتهم المتعلّقة بالسكن، واستحداث مراكز إيواء مخصصة لهم وتأهيلها، أو أن تكون في مقدّمة المطالبين بعدم تمييز الحكومة اللبنانية بين لبنانيين وغير لبنانيين، وعدم تقييد حقّ الوصول إلى السكن ومراكز الإيواء بناءً على الجنسية، واتخاذ إجراءات ملموسة لضمان حصول اللاجئات/ين السوريات/ين على المأوى والمساعدات المنقذة للحياة دون تمييز.