في ظلّ العدوان الإسرائيليّ المستمر الذي يدمّر مدننا وقرانا بلا هوادة، تتفاقم أزمة النزوح، ويُعتبر الإهمال الفاضح من قبل الدولة – رغم توفّر الإمكانيات – خرقاً واضحاً لواجباتها الدستورية، ويزيد من المعاناة والفقر والبؤس.
لقد وصل العدد الإجمالي المقدر للنازحات/ين إلى أكثر من مليون وثلاثمائة ألف شخص، إلّا أنه تم تسجيل حوالي 160 ألف نازح فقط في 867 مأوى وفرتها الحكومة وذلك لغاية 2 تشرين الأوّل 2024، بحسب التقرير السابع حول الإعتداءات الإسرائيلية على لبنان الصادر عن وحدة إدارة مخاطر الكوارث. ورغم أن الحكومة اللبنانية كانت قد وافقت على “خطة طوارئ وطنية” في تشرين الثاني 2023، إلا أن تنفيذها وفعاليتها بقيت موضع تساؤل. ومع توسّع نطاق الحرب واستهداف مناطق جديدة وبالتالي ما نراه من تزايد مستمرّ في حركة النزوح، أثبتت خطة الحكومة اليوم عدم فعاليتها. إذ تفتقر الخطة إلى نهج شامل وتصوّر واضح للمأوى اللائق، وتجاهلت حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن واحتياجاتهن\م، وميّزت ضدّ غير اللبنانيات\ين.
بالتالي، هي تتجاهل بشكل عام الحق في السكن الملائم، حيث يتم تضييق معنى هذا الحق واختزاله بالحاجة لتوفير المأوى فقط أو بالجوانب المتعلقة بالحماية، لا بكونه مسألة حق. خلال الحروب، لا يواجه الأفراد المتضررون مشاكل وتحديات إنسانية خطيرة فحسب؛ بل يتعرضون غالباً لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في السكن. الأزمات الإنسانية هي أزمات حقوق الإنسان، كما هو موضح في تقارير وقرارات الأمم المتحدة. في سياق لبنان حيث يتم تسليع السكن وحيث تتشكل السياسات في خدمة المصالح الخاصة، تستمر الانتهاكات الضخمة للحق في السكن الملائم بشكل غير مسبوق خلال وبعد الحروب.
بذا، نسلّط الضوء في هذا النص على الحاجة لأن تتّخذ الحكومة إجراءات فورية للتعامل مع قضية النزوح، وذلك عبر مراجعة خطّة الطوارئ واستكمالها، على ضوء تطوّر الأوضاع الحربيّة وتفاقم النزوح، وانطلاقاً من واجبها الدستوري بضمان الحق في السكن.
الحق في السكن في الاستجابة للحرب
بينما يحظر القانون الدولي جميع أشكال التدمير التعسفي للسكن، والنزوح التعسفي، والإخلاء القسري، وانتهاكات الحق في السكن الملائم الأخرى الجسيمة وواسعة النطاق، تستمرّ إسرائيل بانتهاك الحق بالسكن الملائم في أوقات الحرب، وبشكل عنيف ومقصود. في 27 أيلول\سبتمبر، أعلن المقرّر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في السكن، بالاكريشنان راجاغوبال، أن “إسرائيل ترتكب جريمة إبادة المنازل في لبنان. إن محو كتل سكنية كاملة ليس دقيقاً ولا متناسباً – ولأن لا أحد يعرف ما إذا كان الهدف عسكرياً بشكل معقول – فمن المحتمل أن يكون غير ضروري.” وقد قوبلت هذه الجريمة بالإفلات من العقاب، ولذلك يجب الاعتراف بها كجريمة مميزة بموجب القانون الجنائي الدولي.
بالإضافة إلى ذلك، وبذات الأهمية، أكد المقررون السابقون للأمم المتحدة وكذلك قرار الأمم المتحدة 19/4 (2012) على أهمية دمج معايير حقوق الإنسان، وخاصة الحق في السكن الملائم، في جهود الإغاثة خلال الحرب. يحدّد هذا القرار حول “السكن اللائق كعنصر من عناصر الحق في مستوى معيشي مناسب في سياق ظروف الكوارث”، كما تقرير المقرر الخاص للحق في السكن حول “إعمال الحق في السكن اللائق في بيئات ما بعد الكوارث”، أنّ الحق في السكن اللائق يجب أن يكون المعيار والمبدأ التوجيهي للاستجابة خلال الحروب والكوارث.
وتتناول التقارير والقرارات المذكورة التحديات الرئيسية المتعلقة بحماية وتحقيق الحق في السكن في الاستجابة للحروب: عدم الاهتمام بالمجموعات الضعيفة والمحرومة أو التمييز ضدها؛ التركيز المفرط على الملكية الخاصة؛ عدم التعرف على تعدد أشكال الحيازة في عملية التعافي؛ مخاطر التعامل مع إعادة الإعمار بعد الكوارث في المقام الأول باعتبارها فرصة تجارية أو تنموية لا يستفيد منها سوى قِلة من الناس؛ والقيود المفروضة على الأطر القائمة لإعادة الإعمار والتعافي.
وتحثّ الدول والجهات المعنية على احترام الحق في السكن اللائق وحمايته وإعماله، وذلك في سياق الظروف التي تعقب الكوارث، ومع الاعتراف بأن الاحتياجات هي الأساس الذي تقوم عليه مراحل الاستجابة الإنسانية على المدى القصير والإنعاش المبكر، كما يحثها في هذا الخصوص على ضمان الحق في السكن اللائق في جميع مراحل الاستجابة للكوارث، بناءً على أهمية إيلاء الإنسان المقام الأوّل في حالات الطوارئ؛ والاعتراف على قدم المساواة بتعدد أشكال الحيازة وضمانها للجميع بعد الكارثة؛ وضمان المشاركة، حيث يكون لدى جميع الأشخاص والمجموعات المتضررة إمكانية الوصول إلى المعلومات بشأن المساعدات وأن يتمكنوا من المشاركة بشكل هادف في القرارات المتصلة باختيار برامج المأوى الانتقالي والإسكان الدائم وتخطيطها وتنفيذها؛ وضمان عدم التمييز عبر تحديد أوجه عدم المساواة والضعف التي كانت موجودة قبل الكارثة، سواء على أساس العرق أو الوضع الاجتماعي والاقتصادي أو الحيازة أو الجنس أو أي أساس آخر ذي صلة. وينبغي اتخاذ تدابير خاصة لمعالجة التمييز وضمان إعمال الحق في السكن اللائق للفئات الأكثر حرماناً.
كذلك، تؤكد المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ضمن لكلّ فرد حق التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية والخدمات الاجتماعية الضرورية في حالات “فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته” مسؤولية الدولة في ضمان الحقوق الأساسية لمواطنيها في هذه الحالات، وهو تحديداً ما قد يحصل في حال الحروب والكوارث الطبيعية. وهذا ما أعاد العهدان الدوليّان للحقوق المدنيّة والسياسيّة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التأكيد عليه، وتحديداً على وجوب الحفاظ على الكرامة الإنسانية والمساواة من دون تمييز وضمان تحرّر الأفراد من الخوف والعوز. فالحماية المطلوبة لا تعني فقط حماية أرواح الناس وإغاثتهم من المخاطر، بل أيضا ضمان تمتّعهم قدر الممكن بمجمل الحقوق الضروريّة للتمتّع بالكرامة الإنسانيّة. وهذا ما تؤكّده أيضاً الاتفاقيّات الدولية، وبعض قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، فضلاً عن بعض التنظيمات القانونيّة اللبنانية، كالمراسيم التنظيميّة للدفاع المدني وقرار إنشاء الهيئة العليا للإغاثة، إلخ.
إخفاقات خطة الطوارئ وإجراءات فورية ينبغي العمل باتجاهها
في ظل تقاعس الدولة التام عن تحمّل مسؤوليّاتها تجاه النازحات/ين، واستناداً لما سبق، لا بدّ من العمل نحو إجراءات فوريّة، كما مراجعة خطّة الطوارئ واستكمالها على ضوء تطوّر الأوضاع وتفاقم النزوح، وذلك انطلاقاً من واجبها الدستوري بضمان الحق في السكن. ويفترض أن يترافق ذلك مع إصدار مرسوم تعبئة عامة على نحو منح الدولة هامشاً واسعاً لتوفير الموارد الوطنية اللازمة لحاجات الإيواء. فنحن اليوم أمام واقع مفاده أنّ أكثر من مليون وثلاثمائة ألف شخص أصبحوا نازحات\ين، ويعيش غالبيتهم في ظروف قاسية دون أدنى مقوّمات العيش الكريم، بينما تظل الدولة عاجزة عن التحرّك، رغم امتلاكها موارد كبيرة ومهمة، أبرزها 5.7 مليار دولار مودعة في مصرف لبنان. بذا، نطرح هنا الإشكاليات الأساسية والإجراءات الفورية التي ينبغي العمل باتجاهها والمطالبة بتحقيقها.
خيارات الإيواء: توفير المعلومات والإرشاد
بدايةً من 23 أيلول، تمّ إخلاء مدن وقرى بأكملها في يوم واحد نتيجة القصف العنيف الذي تركّز على الأحياء السكنية، ممّا اضطرّ السكان إلى ترك بيوتهم والنزوح نظراً لغياب الملاجئ. وفي ظل غياب خطة إجلاء على مستوى تأمين المواصلات العامة من البلدات المستهدفة إلى الأماكن الآمنة، أُجبِر السكان على الاعتماد على السيارات الخاصة، ممّا صعّب على العديد من العائلات غير الميسورة، وذوات\ذوي الاحتياجات، وكبار السن، والعائلات الكبيرة، إيجاد من ينقلهم، وأجبر بعضهم إلى البقاء وحده في البلدات المستهدفة. كما أدّى ذلك إلى زحمة سير خانقة على الطرقات المتّجهة من الجنوب إلى بيروت وبقي الناس في سياراتهم لأكثر من 10 ساعات، ما أدّى إلى بعض حوادث سير وتعطل السيارات أو نفاذ الوقود منها. كلّ ذلك في ظلّ غياب عناصر قوى الأمن أو الجيش أو الشرطة لتسهيل مرور المواطنات\ين، بينما قام بعض الأشخاص، وبمبادرات فردية، بنقل النازحات/ين عبر فانات أو سيارات خاصة أو دراجات نارية إلى المناطق الأكثر أمناً. كما لم يتمّ العمل على توجيه النازحات/ين بشكلٍ مناسب نحو المراكز المعتمدة لاستقبالهن/م. فوصولهن/م إلى المدارس كان إما عن طريق الصدفة أو عن طريق بعض المتطوّعين من الأحزاب الذين وقفوا على مداخل بيروت لتوجيههن/م نحو نقاط تجمّع، ليتوزّعوا بعدها على منازل أو مراكز إيواء.
اليوم، تُصدر اللجنة الوطنية لتنسيق عمليات مواجهة الكوارث والأزمات بيانات دورية حول مراكز الإيواء المعتمدة، وتلك التي لا يزال لديها شغور أو قدرة استيعابية. غالباً ما لا تصل هذه المعلومات إلى النازحات/ين، أو لا تتوّفر سبل إرشادهم وتوجيههم للوصول إلى هذه المراكز، كما لا تصدر هذه البيانات عبر وسيلة إعلامية ومصدرٍ واضح، ولا تنشر بشكلٍ واسع إن كان على وسائل التواصل الاجتماعي أو من خلال أدواتٍ أخرى، مع العلم أنّ الوسائل المتوّفرة حالياً قد لا تكون متاحة للنازحات/ين، خصوصاً أولئك اللواتي والذين أُجبروا على البقاء في الشارع. من هنا، يجب أن تتاح جميع المعلومات بسهولة للأشخاص المتأثرين بشكلٍ واسع ومتكرر عبر تدابير مباشرة واستخدام أشكال متنوعة من الوسائل الرقمية أو المطبوعة، كما وأن توضع الآليات المناسبة لضمان التمتع بالإرشاد وبوسائل النقل للوصول إلى المراكز الإيواء. ومن المهم أيضاً تأمين وصول المعلومات للأشخاص من ذوي الحاجات الخاصة.
من جهةٍ أخرى، ينبغي ضمان مشاركة النازحات/ين والمجموعات المتضررة بشكلٍ هادف في الاختيار الطوعي للمراكز التي يريدون التوجه إليها – بالأخصّ فيما يتعلّق بموقع هذه المراكز. كما ينبغي العمل على إشراكهم في إدارة هذه المراكز والاهتمام بها كعنصر فاعل وليس كمتلقي مساعدات فقط حيث أن المتضررين هم أكثر الناس فهمًا لاحتياجاتهم وظروفهم، ما قد يتطلب استماع الأطراف المعنية إلى احتياجاتهم وتفضيلاتهم، وتكيف الموارد المتاحة بحسب الاحتياجات المتغيرة للنازحات/ين والمجموعات المتضررة.
مراقبة قيمة الإيجار وتحديدها
ارتفعت أسعار الإيجار بشكلٍ جنوني، ولم تبحث الخطة موضوع تثبيتها. فالنازحات/ين اللواتي والذين لجؤوا إلى الاستئجار، وتبلغ نسبتهم حوالي 25% بحسب تقرير منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة الصادر في 14 تشرين الأوّل 2024، ما زالوا يواجهون مظاهر استغلال الأزمة في أغلب المناطق، بحيث ارتفعت الإيجارات بنسبة 100% إلى 200%. وفي بعض الحالات ارتفعت الإيجارات بنسبة 650%، بحسب دراسة عينات أجريناها على بعض المناطق في أواخر عام 2023، وهو ما رأيناه يتكرر خلال موجة النزوح الأخيرة، حيث وصل إيجار بعض الشقق غير المفروشة في عاليه وضواحيها إلى حدود 2500 دولار أميركي شهرياً، وإيجار بعض الشقق المفروشة إلى حدود 6000 دولار، مع اشتراط دفع إيجار مقدّم من شهرين حتى سنة. وبحسب عينة مؤلفة من 383 وحدة سكنية معروضة للإيجار، موزّعة على مختلف المحافظات اللبنانية، وهي عيّنة تمّ جمعها ابتداءً من يوم الإثنين 23 أيلول 2024 – اليوم الذي شهد تصعيداً كبيراً في العدوان الإسرائيلي على لبنان – وحتى تاريخ 14 تشرين الأول، وبشكلٍ مبسط ودون أخذ حجم الشقة بعين الاعتبار، ومواصفاتها وتجهيزها وشروط التأجير، بلغ معدّل الإيجارات الإجمالي للشقق والمنازل في العيّنة 653$/الشهر، أي أكثر من 3 أضعاف الحدّ الأدنى للأجور، والذي يساوي حالياً حوالي 201$/الشهر (18 مليون ليرة لبنانية). مع العلم أننا لاحظنا عدم وجود أي معيار لتحديد سعر الإيجار، بحيث نجد وحدات تتشابه في مواصفاتها وموقعها الجغرافي لكنها تختلف كلياً من حيث سعر الإيجار.
لا يمكن أن تقتصر أيّ خطة طوارئ على تأمين مراكز مخصصة للإيواء في المدارس وغيرها من المواقع، بل لا بد من وضع تصوّر شامل للسكن، يأخذ بعين الاعتبار ضرورة ضبط الإيجارات، ومقاربة النزوح والإيواء بشكل شامل وأكثر عدلاً للجميع.
بالتالي، يمكن اتخاذ تدابير لمنع الاستغلال تحت عنوان المصلحة العامة لضبط الإيجارات وتحديد قيمة التأجير العادل على ثلاث مستويات، حتى لو لم يتم إعلان حالة الطوارئ. المستوى الأوّل هو على صعيد السلطات المحلية (بلديات ومحافظين) ضمن نطاقها الجغرافي من خلال إصدار قرارات إلزامية تحدّ من زيادات الإيجار ضمن نسبٍ معيّنة. المستوى الثاني هو على صعيد الحكومة وذلك من خلال إصدار مرسوم لتنظيم الإيجارات أو تحديد سقف لها، كما يوجد ثلاث وزارات أساسية قد تلعب دوراً بارزاً في هذا الموضوع، هي وزارة المالية لتحديد قيمة التأجير ووزارة الاقتصاد إلى جانب وزارة السياحة لضبط المرافق السياحية. أمّا المستوى الثالث هو على صعيد المجلس النيابي من خلال تمرير قانون لتمديد جميع عقود الإيجار بإيجارات قائمة لفترة محددة على مثال ما حصل خلال جائحة كورونا أو من خلال حظر زيادات الإيجار بما يتجاوز مبلغًا معينًا خلال فترة زمنية معينة.
تجهيز أماكن للإيواء المعتمدة
فيما خصّ المراكز المعتمدة لاستقبال النازحات/ين والتي حدّدتها اللجنة الوطنية لتنسيق عمليات مواجهة الكوارث والأزمات، فهي لم تكن مجهزة بالحدّ الأدنى المطلوب من الاحتياجات الأساسيّة. كذلك لم تكن المراكز مجهّزة لاستقبال المسنّين أو أصحاب الحالات المرضية المزمنة، كمرضى الكلى أو حتى ذوي الاحتياجات الخاصة. فقد تمّ رصد مئات العائلات النازحة تفترش البلاط في مراكز الإيواء، وقد توفّرت الفرش بمعدّل فرشة واحدة لكل 100 نازح\ة في قضائي الشوف وعاليه. عدا عن النقص في الاحتياجات من أدوية، حليب، أغطية، أدوات تنظيف، وجبات الطعام وغيرها، تفتقر مراكز الإيواء في المدارس لأماكن الاستحمام حيث لم يتمكّن النازحون من الاغتسال، خصوصاً في الأيام الثلاث الأولى بعد النزوح. وتعاني بعضها من انقطاع المياه وعدم توّفر الكهرباء. ورغم فتح 867 مأوى لاستقبال النازحات/ين، فقد وصل 643 مركزاً منها للحد الأقصى من قدرته الاستيعابية، أي بنسبة 74%، مع العلم أنّ المراكز ضمن بيروت وأقضية صيدا والشوف وعاليه وصلت إلى قدرتها الاستيعابية القصوى. وبحسب بيان اللجنة الوطنية لتنسيق عمليات مواجهة الكوارث والأزمات الأخير في 3 تشرين الأوّل 2024، تتوزّع معظم المراكز التي مازالت قادرة على استيعاب أعداد إضافية من النازحين في مناطق بعيدة عن بيروت وعن المناطق التي نزحوا منها، وقد يصعُب على النازحين في الكثير من الأحيان الوصول إليها.
بالرغم من فتح عدداً من مراكز الإيواء بحسب الخطة الوطنية المطروحة، غير أنّ هذه المراكز لم تكن مجهزة بالحد الأدنى لاستقبال النازحات/ين كما ذكرنا سابقًا. بذا، انطلاقاً من أهمية ضمان تمتع النازحات/ين قدر الممكن بمجمل الحقوق الضروريّة للتمتّع بالكرامة الإنسانيّة والعيش، واحترام حقهم بمأكل ومسكن وملبس يليق بهم، يجدر العمل، وبشكلٍ عاجل، على تأهيل وتجهيز مراكز الإيواء المعتمدة حالياً لتكون صالحة ومناسبة للسكن من خلال تأمين الحاجات والخدمات الأساسية للنازحات/ين، بما يشمل على سبيل المثال لا الحصر، تأمين الفرش والبطانيات والأغطية وأدوات تنظيف، توفير الحمامات بعددٍ كافٍ يتناسب مع عدد النازحات/ين مع استحداث أماكن الاستحمام، توفير أماكن وتجهيزات لتحضير الطعام وحفظه، تأمين الكهرباء ومياه الخدمة والشفة والتدفئة حيث الحاجة، بالإضافة إلى وجبات الطعام، المواد الغذائية، الأدوية والملابس، إلخ.
من جهةٍ أخرى، يجدر العمل على تجهيز مراكز الإيواء، واعتماد المعايير الدامجة للجميع وتأمين الترتيبات اللازمة بشكلٍ يسمح للأشخاص من ذوي الحاجات الخاصة وكبار السن الاستفادة منها، بما يشمل تأمين المصاعد أو المنحدرات لاستقبال الأشخاص على الكرسي المتحرّك، إلخ.
توجيه النازحات/ين نحو مرافق عامة ومبانٍ شاغرة
في ظلّ توسّع الحرب الإسرائيلية الإرهابية، تزيد حركة النزوح بشكلٍ متسارع ومستمر، فيما وصلت معظم المراكز المعتمدة لاستقبال النازحات/ين ضمن بيروت إلى قدرتها الاستيعابية القصوى، أو زادت عنها. وتتوزّع معظم المراكز التي مازالت قادرة على استيعاب أعداد إضافية من النازحات/ين ضمن أقضية عكار والمنية الضنية البعيدة عن بيروت والجنوب.
ففي ظلّ عدم توفّر مراكز إيواء تتّسع للجميع واضطرار عدد من النازحات/ين البقاء في العراء في الأماكن العامة والشوارع، يجدر العمل على فتح المزيد من مراكز الإيواء. وهنا لا نعني فقط المدارس الرسمية التي مازالت مغلقة حتى الآن، بل أيضاً المرافق والمباني الحكومية والبلدية الأخرى، بالأخصّ ضمن بيروت وضواحيها المباشرة. وهنا نستطيع أن نذكر بعض الأمثلة، تقع بالأخصّ ضمن بيروت الإدارية، والتي يمكن تجهيزها كلياً أو جزئياً لاستقبال النازحات/ين، كمحطة قطار مار مخايل، والمباني المستملكة لبناء مشروع اوتوستراد فؤاد بطرس، والتي تمّ ترميمها بعد تفجير المرفأ، والمدينة الرياضية، البيال، محطة شارل الحلو، وغيرها. في هذا السياق، أعلنت الحكومة اللبنانية على لسان وزير البيئة اللبناني، أنها تدرس إقامة بيوت جاهزة لإيواء النازحات/ين في أراضٍ عامة مفتوحة.
من ناحية أخرى، لا بد من الاستفادة من المخزون السكني الشاغر. إنّ نسبة الشقق والمباني الشاغرة في مدينة بيروت على سبيل المثال تصل إلى معدلات مقلقة وتعكس كيف يستخدم الفضاء العمراني لغايات استثمارية على حساب حاجة الناس إلى السكن. في ظل أزمة النزوح الناتجة عن أسباب قاهرة كالحرب، يمكن لهذا المخزون الشاغر أن يكون الحل الأمثل لإيواء الناس. في حالات الطوارئ كما التي نعيشها، للدولة حقّ بمصادرة الأبنية والأماكن الخاصّة لتأمين المسكن، وذلك للصالح العام. كما للبلديات مسؤولية وصلاحية في تحديد المباني والشقق الشاغرة وتطوير خطة للسكن المؤقت والآمن فيها. في كلا الحالتين، يمكن تصنيف المباني الشاغرة في ثلاثة أنواع، واعتماد خطة لكل نوع: المباني العامة الشاغرة التي تملكها الدولة أو مؤسساتها أو البلديات؛ المباني أو الشقق ذات مكلية الخاصة، والتي بإمكان الحكومة مصادرتها مؤقتاً، أو البلديات أن تحث مالكيها على فتحها، مع تعهد بإخلائها ما بعد الحرب؛ ومباني الأوقاف الشاغرة.
عدم التمييز بين لبنانيين وغير لبنانيين
تمّ استبعاد غير اللبنانيين من اللاجئات/ين السوريات/ين والعاملات والعمال الأجانب من الخطط الحكومية، إذ ركّزت الخطة على الاستجابة لحاجات النازحات/ين اللبنانيين والمجتمع اللبناني المضيف، فيما تشير إلى أن التعاطي مع “الفئات السكانية الأخرى” سيكون بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة المختصة، تحديداً الأونروا للفلسطينيين، ومفوضية اللاجئين للسوريين ومنظّمة الأمم المتحدة للهجرة للعمال الأجانب. وقد ترجم ذلك من خلال عدم استقبالهم في غالبية مراكز الإيواء، فيما يعاني هؤلاء من صعوبات في الوصول إلى ملاجئ آمنة، وتحديات في العثور على سكن بديل، ما دفع بعضهم إلى افتراش الأرصفة والمساحات العامة وبعض الحدائق العامة، منتجاً حملات عنصرية ضدهم. وبحسب بعض التصريحات الرسمية سيتمّ نقلهم إلى مخيمات أو إعادتهم إلى سوريا إذا كانت أوضاعهم تسمح بذلك.
يعاني اللاجئات\ون السوريات\ون النازحات\ون من الجنوب من الإقصاء بشكل مضاعف، بحيث لا يتم شملهم في إحصاءات النزوح، ولا في خطة الطوارئ لإيوائهم. وبحسب “اللجنة الوطنية لتنسيق مواجهة والكوارث والأزمات”، من مهام وحدة “إدارة الإغاثة والمأوى” ضمن وزارة الشؤون الاجتماعية: مساعدة العمال الأجانب عبر كيفية الاتصال أو الوصول إلى سفاراتهم أو عبر إيجاد المأوى الخاص لهم.
على الحكومة فتح مراكز الإيواء للجميع من دون تمييز. عدم تقييد الوصول إلى السكن من خلال الإيجار أو غيره بناء على الجنسية، الطائفة أو المنطقة. وبهذا الصدد، من الضروري رجوع البلديات عن تعاميمها، خاصة في منطقة الشمال حيث يتم التحريض على السكان من الجنسية السورية.