تختفي الدولة من الحياة اليومية للناس، ليس كمصدر للخدمات فقط، بل كمجال لصياغة السياسات التي تحميهم وتسعى لتأمين ظروف معيشية صحية. انهار مبنى ضهر المغر في طرابلس، دون أن تتحمّل البلدية مسؤوليتها في متابعة وضعه الذي كان غير آمنٍ، وفي تأمين البديل السكني للسكان، ودون أن تتّبع الخطوات الضرورية بعد أن ضربت رافعتها أحد أعمدة المبنى خلال الأسبوع الماضي، قبل العاصفة.
من جهة أخرى، خلق انهيار المبنى، خاصة بعد أن بلّغ السكان البلدية بضرورة الكشف، رعباً كبيراً عند سكان الحي، اللواتي والذين أصبحوا يشعرون بأن كل مبانيهم مهدّدة بالسقوط. وهو شعور شرعي، خاصة في ظلّ عدم وجود مرجعية قادرة على الكشف وتطمين الناس أو اتّخاذ الخطوات اللازمة لتأمين بديل. كما أن الخطر المُحدق بالناس لا يتعلّق بالمباني السكنية فقط، بل بالبنى التحتية أيضاً خاصة بعد سقوط أشرطة الكهرباء على الأرض في الحي منذ فترة، ممّا كان ليتسبّب بحريق.
تشكّل هذه الحادثة منعطفاً آخر تُطرح فيه أهمية الحق بالسكن وقيمته وأولويته. ففي سياق اقتصادي متردٍ، واستحالة تغيير الناس سكنهم إن أصبحت بيوتهم الحالية مهدّدة بالسقوط، يُصبح الخيار بين البقاء في البيت مع تحمّل احتمالية سقوطه، أفضل من البقاء في الشارع. بمعنى أن غياب البديل يصبح السبب الأساسي لبقاء السكان في بيوت متهالكة ومهدّدة بالسقوط، وبالتالي إمكانية موتهم تحت أنقاض المنازل. ويقع تأمين سلامة السكان وبيوتهم من جهة، وتأمين مساكن بديلة آمنة ومستدامة من جهة أخرى-لا مدارس أو إيجارات محدودة المدى- بشكل أساسي، على البلدية.
قد تكون أسباب انهيار المبنى تراكمات عدّة، لكن غياب بديل للسكن قبل الانهيار وبعده، ما زال يهدّد الأمان السكني لأهل الحي، في ظل اختفاء البلدية وتقاعسها عن تحمّل مسؤولياتها في صيانة البنى التحتية وتأمين سلامة الناس في بيوتهم وشوارعهم. ننقل مقابلتنا مع فاطمة دريعي، أحد سكّان الحي، التي كانت في بيتها قرب المبنى لحظة وقوعه.
١. شو صار، وكيف كان وضع الحي بوقتها؟
أنا كنت بالبيت، انهار المبنى نهار الأحد الساعة 4 بعد الظهر. بلّشت إسمع صريخ العالم، والعالم عم تحكي برّا وعم يقولوا: “وقعت البناية! وقعت البناية!”. فسألت، قالولي في مبنى بآخر الشارع وقع، ودلوني وين، طلع حدّي يعني. في هون درج وزحليطة طويلة هو بطلّ عليها. لما وقع، وقع على الزحليطة، يعني هلّق ما عادت مبيّنة من الردم. إخواتي راحوا شافوا، بس أنا ما كان إلي قلب روح، بس صرت إسأل كل شوي شو عم يصير.
بس وقعت البناية، كل الحيّ راح… كلهم كلهم… الحي كلو مشي لهونيك.
كان معروف إنو في إمرأة وبنتها تحت الردم، العالم بلشت تشيل الردم بإيديها، وبعدين إجو “الإغاثة” وإجت البلدية. هوّي في فرقة خاصة هي بتشيل الردم، إجت وإجو الجرافات وهالقصص. ضلّو يشتغلوا كل الليل يعني، بس قدروا طلّعوهم على المغرب. قبل المغرب طلّعوا الإمرأة وعلى المغرب تماماً طلّعوا البنت. أوّل شي قالوا عايشة… وبعدين، ما في 10 دقائق، قالوا لأ توفّت.
وبس طلّعو البنت، إستنفروا (الناس)، صاروا يقوصوا، وصريخ، بتعرفي إنت بهيك حدث شو معقول يصير، ودفنوها دغري… ما خلوها.
وبعدين، إجا الإعلام وطلع وراهن على المستشفيات، لحقهم لما طلّعوا الجرحى. كان في المرأة، هلق هي بالمستشفى الحكومي، بس وضعها تعبان كتير، وإسّا ما عارفة إنو توفّت بنتها، ما خبّروها. يلّي حماها (هو) الحيطان: كان في حيطين وقعوا عبعض، تركولها مجال تتنفّس. وكان في جريحين كمان كانوا حد المبنى بس وقع، بس إصابتهم طفيفة.
٢. بالنسبة للمبنى، هو وين موجود، وقديش عمره وشو وضعه؟
المبنى قديم كتير، أنا بتذكره لأن مقابيل مدرستي القديمة. فيه من هول البلاكين القديمة، يعني عمره فوق ال80 سنة.
وهو عبارة عن ٣ طوابق مع طابق أرضي، والمبنى معروف بإسم المالك، “النّشّار”. حسب ما عرفت من الجيران إنو هو توفى من زمان وولاده متابعين بقصّة الأجار. هلق هني مش ساكنين بالمبنى، وما حدن بيعرفهم من الجيران، فما عندي كتير معلومات عنهم.
٣. السكان هني كم عيلة، ومستأجرين أو مالكين؟ كم سنة صرلن ساكنين وما تبلّغوا من قبل بضرورة إخلاء الشقق؟
هو المبنى بالأصل كان كلّه مسكون، وكلّهم مستأجرين من زمان، ما بعرف قدّي صارلهم تحديداً بس صرلهم زمان.
بس الطابق الثاني والثالث كان صار لهم فاضيين من فترة. من سنة، سكّان المبنى خبّروا البلدية يلي اجت عملت كشف على المبنى، ونصحتهم بالإخلاء. في واحد من المستأجرين فلّ بوقتها بس ما ترك أجار البيت، يعني ضلّ بإسمه. وفي طابق كمان انباع لمستأجر قديم، بس البيت بقي فاضي. هلّق بالنسبة للطوابق المسكونة، في إمرأة لبنانية ختيارة ساكنة لحالها على الأرضي، وهي مستأجرة قديمة كتير. وفي العيلة يللي راح منها ضحايا كانت ساكنة على الرابع، هيدي العيلة وضعها ما كتير منيح. سمعت إنو الرجّال كان صرله فترة ما عم يشتغل وكمان كان أجار قديم، كان آخد البيت عن أهله بالسبعينات.
٤. هل فعلياً تم تبليغ البلدية من قبل السكان، وكيف عرفوا إنه المبنى معرّض للسقوط؟
هو يوم السبت، بعد الشتي، أهل المبنى حسّوا إنو عم يهزّ، فكلّو فضّى.
وهو كمان قبل بكم يوم، كانت البلدية عم تشيل الزبالة، لأن هنيك في مكبّ زبالة، فبتشيلهم بالرافعة. هيدي الحديدة الكبيرة زحطت وراحت على عامود من عواميد البناية. يعني هيدا الحدث كمان صار. بس إنو أهل البناية كانوا عارفين إنو البناية مهدّدة من فترة، البلدية مخبّرتهم بس ما بعرف تفاصيل، إنو كيف وليش… بس لو البلدية مخبّرتهم، هني وين بدهم يروحوا، يعني ما عندهم بديل.
بس السبت، بس حسو بهل وضع الخطير كلّهم فضّوا. يعني هلق لو منهم مفضايين، كانت الكوارث. كنا حنشوف كوارث أكتر من هيك.
هي الطفلة يللي توفّت. كانت بليلتها نايمة برات البيت. هي المرأة هاي يلي اجت هي وبنتها كانو نايمين عند اختها. بس اجت على البيت ياخدوا غراض، عم تضبّ تياب بدها تاخدهم لولادها، ووقعت البناية. زوجها كان هون حدّي، لأن إختو جارتي. دقتله قالتله البناية عم تهزّ، ما لحق وصل كانت واقعة البناية. المسافة من عندي للبناية يللي وقعت شي دقيقتان أو ثلاثة، بس ما لحّق.
كان في كمان إمرأة كبيرة قاعدة بالطابق الأرضي لوحدها. السبت، بس حسوا فيه شي مش مظبوط بالبناية إجو ولادها أخدوها. بنتها كمان كانت عم تأخذ غراض بهيداك النهار، هي نزلت (من البناية) والبناية وقعت. يعني هيدي شافت الحادث كيف عم يصيرقدّامها .
يعني بعتقد هي الشتوة يللي صارت هل كم يوم والهوا يللي صار، وكيف انضرب العامود ، كلن على بعضهم ساعدوا أو سرّعوا وقوع البناية. هلق هي البناية قديمة، بس إنو هيدول الاشيا سرّعت إنّها توقع.
٥. بعد انهيار المبنى، شو صار؟ مين ساعد، شو عملت البلدية؟
صراحة، إجت “الإغاثة” مباشرةً وكمان البلدية. حتى في بناية حدّها جزء منها وقع، هلق هيدي البناية فضّوها دغري، وقعّدوهم بمدارس. هني كأن البنايتين ملزّقين ببعضهم، وعم ينحكى إنهم بدهم يهدوها، بس كيف ما بعرف. بس أنا شفتها، الحيطان كتير كتير رقيقة، يعني ما معقول يكون فيه مباني هيك… أنا ما بعرف كيف معمّر، بس هو مبين إنو قديم كتير وتعبان، ونصه واقع، يعني ما بينسكن.
وفيه بناية كمان مهدّدة، كمان أخلوها وحطّوا العالم بأوتيل. أنا سمعت إنو من قِبَل “الإغاثة” والمفروض البلدية يعني.هلّق فتحولهم المدرسة يلي بالمنطقة، عم يقعدوا فيها. أول يوم أخدوهم على أوتيل “الكوالتي” بعدين قعدوهم بالمدرسة. هي روضة وفيها غرف، وهلّق ما فيه مدرسة، يعني بتمرق الصيفية بس لبعدين ما بعرف. و”الإغاثة” عم يجيبولهم مساعدات، متل فرش وهيك قصص، وجابوا كل أنواع الخضرة والفواكه. في ٣ أشخاص بالمنطقة عم يستلموا المساعدات وعم يوزّعوها لأهل المنطقة كلها، مش بس للبنايات الواقعة، وهلق عم يحاولوا يدبّروا حالن. هني فعلياً يلي عم يستلموا الإغاثات لما تجي، أشخاص عندهم هيك شوي نفوذ بالشارع، عم يحاولوا ياخدوا المساعدات وهني يقسّموها على الباقين. هنّي كان عندهم نشاطات قبل، بس هلق أكيد عم يتدخلوا أكتر لأسباب كتير، يمكن هني كمان مستفيدين من هالقصة.
في بيت كمان على شمال البناية يلي وقعت، بيت زغير من طابق واحد إلو درج حديد، يعني مبيّن معمّر بطريقة مخالفة. قال “الإغاثة” عرضت عليه ٥ ملايين لأن عنده حيط واقع، بس ما بعرف الباقين.
بس لحد هلق ما في حدن ثاني تدخّل، ما في حدن لا نواب ولا شي. إجا أشرف ريفي بعد ما وقعت البناية ، بس إنو ما سمعت عمل شي، أو قدّم أي خدمات أو مساعدات. أنا إذا صار أي شي بعرف يعني، وما صار شي.
وبعدين إجا كمان كريم كبارة، وحتى عرفت إنو ملحم خلف إجا لهون، ومحمد الخير. بس إنو ما في مساعدات عم تجي إلا من “الإغاثة”.
حالياً عم يشيلوا الردم كرمال يفتحوا الطريق، بس كمان عرفت إنو البلدية ما رجعت إجت، وهلق في بس “الإغاثة” وكمان فيه عيل هي يللي عم تشتغل، وفي أهالي قاعدين على الطريق، عم يطلعوا غراضهم وقاعدين جنب المبنى.
٦.هل صار فيه تخوّف عند سكان المنطقة إنو ينهاروا المباني يلي ساكنين فيهم ؟ شو عم يعملوا بهالخصوص؟ هل فيه أي تحركات أو خطوات عم يتحضّرلها من قبل السكان؟
هلق الشي يلي صار خوّف ناس مبانيها وضعها كتير متأزّم، يعني هني مباني معينة بلّشوا الناس يخافوا فيها. مثلاً، في بيت قريب مني، لما صار هيك، في واحد من سكان الحارة هون، جاب “الاغاثة” وصوروا أساسات المبنى وقال إنو يمكن يصير في كشف، لأن فعلاً أساسات المبنى شوي مهترية.
بس إجمالاً الناس مش فرقاني معها وضع بيتها، يعني في كتير ناس لأن ما عندها مطرح تاني تروح علي بتقول إنو بيتها كتير منيح وإنو البناية يللي ساكني فيها كتير قوية لو هل شي مش مظبوط.
أهل البنت قطعو الطريق، في شخص عرفت إنو عم يحول يعمل شي تحرك أو شي شغله بس إنو ما في حماس من الكلّ إنو يعملو هيك اشيا.
٧. عن الحي بشكل أوسع، هل فيه كتير مباني وضعها سيء بالحي، ومن شو عم يعانوا السكان بشكل عام؟ هل صار في قبل أي محاولات ترميم لمباني بالمنطقة من قبل أي جهات رسمية أو حزبية؟
في أكتر من مبنى بالمنطقة، وبالسويقة، يلي هي عقارياً تابعة لضهرالمغر، في كتير مباني أثرية مهدّدة، لأن المنطقة كتير قديمة.
هلّق المباني يلي ملزقين بالمبنى، في قسم منهم منهار وفي قسم لح ينهار. أنا يلي فهمته إنو بدهم يجوا يعملوا كشف على المنطقة كلها لأن الظاهر فيه مباني كتير مهدّدة. بس إنو ما فيني حدّد قديش عددهم لأن عنجد كتير كتار.
بس حدّي، في مبنَيان بيقولوا لح يوقعوا.
أول واحد صاحب المبنى عم يخبّر السكان يخلو. ع حسب قوله، من شي ٦ سنين يعني على أيام رئيس البلدية السابق، عملوا كشف وطلع معهم إنو السكان لازم يفلّوا. هو المبنى مصنّف أثري وكتير حلو. بس أنا بحس إنو بده يبيع العقار أو شي، يعني ما بعرف إذا صح إنو لح يوقع، لأن عرض على المستأجرين القدامى مبلغ كبير ليطلعوا، يعني أكيد جايته بيعة مرتبة.
أما المبنى الثاني، عم يقولوا إنه بقلبه مي، يعني البناية كلها مسكونة، بس الطابق الأرضي ما عم يتأجّر لأن بقلبه مي، يعني أكيد في خطر على الطوابق يلي فوق.
بس ولا مرة حدا تحركنا نحنا كسكان كلنا سوا، إنو ولا مرة سمعت صار شي هيك، وولا مرة اجت البلدية مثلاُ أو أمّنت مطرح يقعدوا فيه. وكمان ولا مرة صار في أي محاولات ترميم من قبل أي جهة، إنو صار في دهن للمباني بس مش أكتر من هيك.