“نطلب من المخالفين السوريين أن يغادروا بالحُسنى لأننا سنرحّلهم بالقوة إن لزم الأمر.” هذا ما صرّح به محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا في شهر أيار الفائت خلال اجتماع كان يترأسه في سرايا طرابلس مع نواب الكورة وبلدياتها، حيث أعلن عن انطلاق حملة طرد السوريين من كافة الأقضية، بمساعدة البلديات واتحادات البلديات ومؤازرة الأجهزة الأمنية المختصة.
في هذا السياق الترهيبي وفي ظل استخدام شتى وسائل القوة، ننشر التقرير الدوري لمرصد السكن، حيث تُواصل دوريات أمن الدولة بالتعاون مع محافظين ورؤساء بلديات في مناطق عدة في لبنان، تنفيذ إجراءات تعسفية بحق السوريات/ين في لبنان، عبر إخلاءات فردية وجماعية بحجة «الإقامة غير الشرعية». تشكّل هذه الإخلاءات جزءً لا يتجزأ من الحملة الميليشياوية الواسعة التي تشنّها الدولة وأحزابها منذ فترة، لتهجير اللاجئات\ين السوريات\ين، بعد تجريمهم ورمي كل الاتهامات الممكنة عليهن\م.
تلقّى مرصد السكن خلال الفترة الممتدّة بين 1 كانون الثاني و14 تمّوز 148 بلاغاً1إجمالي عدد الحالات 148، 144 منها مصدرها مرصد السكن، والباقي من الرصد الإعلامي. و137 حالة من بينها تمّت متابعتها.، طالت 61% منها السكان السوريات/ين. ازدادت البلاغات بالأخص في الفترة التي لحقت حادثة مقتل منسّق حزب «القوات اللبنانية» في جبيل باسكال سليمان في 7 نيسان 2024. وكانت تداعيات هذه الحادثة هائلة على اللاجئات\ين السوريات\ين، إذ شهد الأسبوع الأول تصاعداً في حملات التمييز والتهديد بالطرد من قبل البلديات والقوى الأمنية، إلى جانب الحملات التحريضية السياسية والإعلامية المستمرة. وكان أبرزها إصدار سلطات محلية عديدة – من بينها بلديات واتحادات بلديات ومحافظين – تعاميم تمييزية تطلب فيها من المواطنين/ات الإبلاغ عن الأفراد السوريين القاطنين في نطاقها للتأكد من أوراقهم الثبوتية والتهديد بطردهم. كما تضع ضوابط على حركة السوريات\ين وتنقّلهم وسكنهم وعملهم، يقع معظمها خارج صلاحيات السلطات المحلية. في هذا الصدد، قام استوديو أشغال عامة برصد هذه التعاميم وتحليل 15 منها، بهدف تسليط الضوء على لاشرعيّتها والعقاب الجماعي لفئة من المقيمين، تغذّيه البروباغاندا السياسية والإعلامية الممنهجة، والتي تسعى إلى شيطنة السوريين/ات والتحريض عليهن\م عند كل فرصة، ومن دون رادع2إلى جانب التعاميم، قدّم النائب ملحم رياشي، عضو تكتل الجمهورية القوية، اقتراح قانون معجّل مكرّر يمنع تأجير الشقق والغرف للمقيمين دون أوراق ثبوتية، وهو ما يستهدف بشكل غير مباشر اللاجئين السوريين ويهدف إلى تضييق الخناق عليهم.
على أثرها، وصل الى مرصد السكن منذ 7 نيسان موجة من بلاغات الإخلاء والتهديد بالإخلاء للسوريين/ات، إذ بلغت 74 بلاغ، أي 85% من نسبة البلاغات كانت من سوريات\ين. ممّا يعني أنّ عدد البلاغات من السوريين خلال الأشهر الثلاثة قبل 7 نيسان كان 13 بلاغاً، مقابل 74 بلاغ خلال الأشهر الثلاثة بعد 7 نيسان.
والبارز أنّ 41 من أصل 74 بلاغ كانت تهديدات جماعية، وبالتالي وصل إجمالي عدد العائلات المتأثرة منذ 7 نيسان 380 عائلة على الأقلّ وعدد الأفراد المتأثّرين بالإخلاء إلى 2500 شخصاً على الأقل.
تسكن هذه العائلات في لبنان منذ سنوات، بعد أنّ استقرّ 37% منها في البيت ذاته منذ أكثر من 5 سنوات، وتدفع جميعها قيمة إيجار مساكنها، بينما تتكلّف النسبة الأكبر منها -أي 69%- قيمة إيجار من 50 إلى 200 دولار شهرياً، في ظل ظروف سكنيّة غير صالحة. جميع الحالات من العائلات، باستثناء ثلاث حالات لأفراد، و 87% (76 حالة) منها لديها أولاد ويبلغ عددهم 269 ابن وابنة بالحد الأدنى. كما يذهب أولاد 31% (27 حالة) من هذه الحالات إلى مدارس قريبة. ويظهر أيضاً أنّ 34 حالة يعاني بعض أفرادها من أمراض مزمنة، بينما 6 حالات لديهم أشخاص ذوي إعاقة.
ومن الملفت أنّ 67% من إنذارات الإخلاء رافقتها ممارسات تعسّفية قاسية بحق السوريات\ين. فبالإضافة إلى الانتهاكات التي اعتدنا أن نرصدها قبل تعاميم السلطات المحلية3 كالحجز على الممتلكات داخل المنزل وإرسال أشخاص للترهيب أو التهديد باستقدام الدرك للإخلاء والتهديد بالاعتداء والتعديات الجسدية واللفظية والتحرش الجنسي وقطع الخدمات وعرض المؤجر الوحدة على مستأجرين جدد، ورفض تسلّم الإيجار من أجل الضغط عليهم للإخلاء، كما عمل بعض المالكين على ابتزاز المستأجرين واستغلال أوضاعهم القانونية لرفع الإيجار عليهم.، عانت بعض الحالات من مصادرة أوراقها الثبوتية، كما رفض بعض المالكين تجديد عقود الإيجار من أجل منع السكان من تسوية أوضاعهم القانونية. والأبرز في هذا المجال، هي الممارسات التعسفية التي مارستها البلديات، كبلدية زغرتا التي أغلقت البيوت والمباني بالشمع الأحمر؛ وبلدية البترون التي عمدت إلى إغلاق مبنى على السكان بالخشب والجنازير ثم إخلائهم وسط تكسير العفش والأثاث والأبواب؛ وبلدية بطرّام التي طلبت اجتماعاً مع السوريين حيث أوقفتهم إلى جانب الحائط وهدّدتهم بالسلاح وأرعبتهم لتكون النتيجة دفعهم إلى اتخاذ قرارهم بالإخلاء بعد فترة قصيرة.
وثّق استوديو أشغال عامة هذه الممارسات والتهديدات التي بلّغ عنها السكان. في هذا التقرير، نقدّم قراءة لها، إضافة إلى توزّعها الجغرافي، وعلاقتها بتعاميم السلطات المحلية والجهات المنذرة بالإخلاء وشكل الإخلاء (فردي أو جماعي) والمهلة الممنوحة لتنفيذ الإخلاء. وعلى ضوء هذه المعلومات والخريطة التي تنتج عنها، نقدّم عشر استنتاجات نأمل أن تساهم في صياغة مطالبة مستنيرة في مواجهة خطاب السلطة وممارساتها، تُبيّن الحقوق الأساسية وترسّخها.
أولاً، التعاميم هي المسبّب الأبرز للإخلاء
غالباً ما تتضافر التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في وجه السوريات والسوريين في لبنان لتخلق لهم وضع استضعافٍ يجعل منهم جماعات مهمّشة عرضة للتهديد والخطر الدائم. فبعد حادثة مقتل باسكال سليمان، رصدنا منذ الحادثة لغاية 14 تمّوز 43 تعميماً صادراً عن السلطات المحلية اللبنانية بوجه السوريين والسوريات4تم رصد بعض هذه التعاميم عبر الزيارات الميدانية لفريق مرصد السكن إلى البلدات، وبعضها الآخر عبر متابعة لمختلف المنصات الإعلامية المحلية، بما في ذلك مواقع الأخبار وصفحاتها الإلكترونية، والصفحات الرسمية للبلديات والمحافظين على مواقع التواصل الاجتماعي. ومع ذلك، يُرجّح أن يكون عدد التعاميم الفعلي أكبر، نظراً لوجود بلديات لا تمتلك صفحات رسمية أو بسبب صعوبة البحث عن صفحات بعض البلديات، الخ.، كان أوّلها تعميمان أطلقتهما كلّ من بلدية جبيل ولحفد فوراً بعد الحادثة في 9 نيسان 2024. من بعدها لعب محافظ الشمال دوراً مهماً في العمل على إصدار التعاميم ومتابعتها لتنتقل الى باقي المحافظات والأقضية. إذ أصدر تعميمه الأوّل في 15 نيسان والذي توجّه فيه للقرى والبلدات التي لا يوجد فيها بلديات، ثم تعميمه الأحدث في 13 حزيران. ثم أصدرت تعاميم أيضاً كل من اتحاد بلديات الجرد الأعلى (17 نيسان) واتحاد بلديات قضاء بشري(18 نيسان) واتحاد بلديات منطقة البترون (11 أيّار). تمحورت عموماً كافة مضامين التعاميم حول التبليغ عن الأفراد السوريين للتأكد من أوراقهم الثبوتية والتهديد بطردهم، ووضع ضوابط على حركتهم وتنقّلهم وسكنهم وعملهم.
ومن خلال قراءة زمنية لبلاغات مرصد السكن، تثبت الأرقام أن نسبة البلاغات التي تلقّاها المرصد من كانون الثاني إلى تاريخ صدور أول تعميم (9 نيسان) تشكّل 15% فقط من مجمل البلاغات (13 من أصل 87)5جميعها تبليغات فرديّة حيث ينذر المؤّجر برفع الإيجار أو الإخلاء. وقد أتى العدد الأكبر منها من محافظة جبل لبنان (6 بلاغات) إلّا أنّ حالة واحدة فقط، حيث وجّهت بلدية برج حمّود طلب إخلاء للعائلة السورية المستأجرة مع مهلة تقل عن الشهر بسبب انتهاء صلاحية إقامتها، وذلك بناء على قرار يقضي بعدم السماح للسوريين باستئجار منزل من دون عقد إيجار وكفيل في حال كانت إقامتهم منتهية الصلاحية. كما أن إخلاءاً واحداً حصل في تلك الفترة في عين الرمانة، حيث طرد المالك المستأجر بسبب عجزه عن دفع الإيجار، كما لكونه كويري\مثلي الجنس، بالإضافة إلى تعرّضه الدائم للتحرش والاعتداء.. في حين تلقى مرصد السكن 85% من البلاغات بعد 9 نيسان وحتى 14 تمّوز أي 74 بلاغ، 41 منها على صعيد جماعي، كما نفّذ منها 41 إخلاءاً، 25 منها كانت إخلاءات جماعية.
أمّا جغرافيّاً، يبدو واضحا أيضا تفاقم البلاغات بحسب صدور التعاميم. فعلى صعيد المحافظات، أتت النسبة الأكبر من بلاغات السكان من محافظة الشمال وبلغت 53% من مجمل البلاغات (46 بلاغاً) حيث العدد الأكبر من التعاميم أيضا (23 تعميماً) حيث تم إخلاء 5 مجمّعات سكنيّة ومخيّمين، في كلّ من كوسبا، كوبّا، ددّة، كفردلاقوس، وبطرّام. وبالإضافة إلى التعميم الذي أصدره محافظ الشمال في 15 نيسان، كان قد توجّه لبلدية بيت شلالا في 29 أيار بالقيام بإخلاء اللاجئات\ين السوريات\ين غير الشرعيين والإقفال بالشمع الأحمر في حال التمنّع عن الإخلاء. في حين طالبت بلدية كوبا محافظ الشمال بالتدخل والايعاز بإخلاء كل المقيمين السوريين غير الشرعيين6كما توجّه محافظ الشمال الى بلدية طرابلس في 29 أيار بكتاب يطلب بموجبه تطبيق تعاميم وزارة الداخلية لأنها لم تتقيّد بها بعد حيث طرابلس البلدية الوحيدة من الشمال التي أصدرت تعميماً بمعايير محددة مخصصة ومختلفة. .
تجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ بعض المؤجّرين ينذرون بالإخلاء خوفاً من الغرامات التي تفرضها بعض البلديّات في تعاميمها على المالكين الذين يؤجّرون سوريين من دون إقامات.
بالتالي، لعبت تعاميم السلطات المحلية دوراً رئيسياً في التعدي على حقوق اللاجئات\ين، وكانت في واقع الأمر أداة رمزية (كما نرى في باقي التقرير) للتصاعد غير المسبوق في أعمال العنف التي تستهدف اللاجئات\ين السوريات\ين في لبنان، وفرضاً فوقياً سلطوياً للتهجير.
ثانياً، السلطات المحلية الجهة الأبرز المنذرة بالإخلاء، في تجاوز واضح لصلاحياتها
تتصدّر السلطات المحلية الجهات المنذرة بالإخلاء. فقد بلغت نسبة الإنذارات المباشرة بالإخلاء 88% (69 من أصل 78) من مجمل البلاغات، حيث النسبة الأخرى أي ال 12% تعاني من خطر خسارة مسكنها سواء لظروف سكنية سيئة أو بسبب غلاء تكلفة السكن والمعيشة، ولكن من دون توجيه طلبات مباشرة بالإخلاء من أي جهة.
بالنسبة لإنذارات الإخلاء المباشرة الـ 69، وجّهت السلطات المحلية إنذارات لـ 33 حالة، 12 منها عبر إنذارات مكتوبة، 79% (26 حالة) منها تهديد جماعي في حين أن 21% (7 حالات) منها تهديد فردي. والبارز أيضاً أنّ السلطات المحلية تصدّرت التهديدات الجماعية حيث كانت وراء 81% (26 من أصل 32) من مجمل طلبات الإخلاء الجماعية. إلّا أنّ 24% (8 حالات من أصل 33) منها حصلت رغم اعتراض المالك. بالإضافة إلى 18 % (6 حالات) منها حيث ساند البلديّات بهذه التهديدات المؤجّر أو مجموعة من البلدة. ففي إحدى الحالات في منطقة غدير في جونية، قاد الإخلاء مجموعة شبّان من البلدة، حيث تهجّموا على منزل تسكنه عائلة سوريّة وقاموا بتكسيره واعتدوا عليهم بالضرب والشتيمة وطردوهم خارج المنزل، ثم ما لبث أن حضرت شرطة البلدية لتطلب منهم بدورها أن يخلوا المنطقة وأعطتهم إنذارات بالإخلاء خلال 24 ساعة، فيما لم يبدِ المالك أي اعتراض. وفي حالات أخرى اتّفق المؤجر مع البلدية للضغط نحو الإخلاء؛ ففي إحدى الحالات طلبت البلدية إبرام عقد إيجار مكتوب أو الإخلاء والمالك رفض إبرامه رغم أن أوراق العائلة قانونية. من ناحية أخرى، رصدنا 9 حالات حيث طلب المؤجّر الإخلاء تنفيذاً لقرارات البلدية وتعاميمها ونتيجة للحملة العنصرية على اللاجئات\ين السوريات\ين، إذ استغلّ المؤجّر في بعض الحالات أيضاً الأوضاع القانونية لمستأجريه لابتزازهم برفع الإيجار عليهم، فإن دفعوا ما يطلبه سيحميهم من البلدية، وإن لم يدفعوا سيبلّغ عنهم البلدية لتخليهم. ولعل الأبرز هو طلبات الإخلاء من الجيران أو المحيط، واستغلالهم هذه الحملة والتعاميم لممارسة سلطة الأمن الذاتي، إذ تقوم لجنة المالكين والبناية بابتزاز اللاجئات\ين السوريين في مشروع السنابل في ددّه الكورة لدفع مبالغ معيّنة أو الإخلاء.
وإذا ما نظرنا إلى عدد البلاغات على صعيد النطاق البلدي، نجد أنّ العدد الأكبر أتى من بلدية كوسبا، حيث كانت البلدية مصدر الإنذار، مهدّدةً 8 حالات بالإخلاء، تليها بلدية جونية حيث وجّهت البلدية 4 إنذارات إخلاء. وكانت أولى إنذارات الإخلاء الجماعي التي تنفّذها البلديات بموجب تعاميمها والتي وصلت إلى المرصد في تلك الفترة الزمنية، إذ نفّذت منها 2 من بينها مجمّع سان إيلي السكني في حارة صخر، استجابة للبيان التي أصدرته بلديّة جونية في 12 نيسان 2024 وتوجّهت فيه إلى المواطنين والمواطنات في جونية للطرد الفوري للمخالفين دون مستندات صحيحة وقانونية؛ وهو إيعاز آخر بممارسة غير قانونية كما ذكرنا، حيث لا يحق للشرطة أو البلدية – تحت أيّ ظرف كان أن تقوم بالإخلاء من دون إذن قضائي، وذلك وفقاً للقوانين اللبنانية. والأجدر بالذكر تحرّك بلدية نابيه مؤخرا في المتن حيث رصدنا 3 طلبات إخلاء من قبل البلدية.
يشكّل التهديد بالإخلاء تجاوزاً لصلاحيات البلديات، كما يعتبر غير قانونياً في غياب حكم قضائي. ولا يمكن للسلطات العامة، وامتداداً للسلطات المحلية، التذرّع بالطابع الاستثنائي لأزمة اللجوء وتجاوز صلاحية السلطة القضائية لطلب الإخلاء دون أمر قضائي، وذلك وفقاً إلى قرار مجلس الدولة الصادر في 8 شباط 2018 والقاضي بإلغاء توجيهات مديرية الأمن العام لسنة 2015، باعتبار أن “أزمة اللاجئين السوريين في لبنان لا تستوفي الشروط القانونية التي يمكن وصفها بـ “الظروف الاستثنائية”.
ثالثاً، إخلاءات جماعية غير مسبوقة يرافقها تهويل بالجرافات وطرد بالقوة
تُعَدّ التهديدات والإخلاءات الجماعية التي قمنا بتوثيقها خلال الأشهر الستة ماضية غير مسبوقة في حجمها وفي طبيعتها العنفيّة، وكان آخرها في 12 تموز حيث تم إخلاء 80 عائلة سورية من أصل 110 عائلة تسكن في رحبة – عكار بعد إنذارها وتبيان أنها «موجودة بطريقة غير شرعية»، بحسب بيان لأمن الدولة. في اليوم نفسه، وبمرافقة دورية من أمن الدولة، أنذرت بلدية بقرزلا7يرجى ملاحظة أن هذه الحالة لم يتم احتسابها في التعداد أو وضعها على الخريطة – عكار نحو 35 عائلة سورية تسكن في مبان وخيم في خراج البلدة، بوجوب إخلاء البلدة خلال 5 أيام لأن عدد «السوريين غير الشرعيين أصبح يشكّل عبئاً على البلدة» بحسب نص كتاب لرئيس البلدية. وفي 10 تموز، غادر سوريون/ات بلدة بيت شلالا – البترون بعدما وجّهت إليهم دورية من أمن الدولة إنذارات بوجوب المغادرة. وكانت عناصر أمن الدولة قد أخلت، في 3 تموز، عدداً من السوريين/ات من بلدة بكفتين – الكورة وأزالت الخيم الخاصة بهم.
رصدنا 37 إنذار إخلاء فردي مقابل 32 إنذار إخلاء جماعي، كما تمّ رصد 17 إخلاء منفّذ على صعيد فردي و 17 إخلاء منفّذ على صعيد جماعي. والبارز أنّ السلطات المحلية كانت وراء 81% (26 من أصل 32) من مجمل التهديدات الجماعية. قمنا بتصنيف طلبات الإخلاء الجماعية على ثلاثة أصعدة: مخيم، مجمّع سكني، مبنى8منهجياً، قمنا بتصنيف وتعريف الاخلاءات الجماعية كالتالي: على صعيد مخيّم: السكن في مخيمات أو تجمعات سكنية غير مبنية أو كرفانات/على صعيد مجمّع سكني: مبنى أو عدة مباني مأهولة من السوريين/ات فقط /على صعيد مبنى: السكن في عدة وحدات سكنية في مبنى أو عدة مباني مجاورة.. على صعيد مخيم، قمنا برصد إنذارات إخلاء في 3 مخيمات في كل من ددّة، كفردلاقوس حيث الإخلاء قد حصل بالفعل، وآخر في ضواحي البترون حيث أخليَت الحالة ذاتها من مبنى سكني في البترون وسط ممارسات تعسفيّة كخلع الأبواب ومن ثم سكنت في المخيّم، وتتعرّض عن جديد للتهديد بالإخلاء من قبل البلدية. أما على صعيد المجمّعات السكنية، طال التهديد 6 مجمّعات، تمّ إخلاء جميعها أيضاً، بالإضافة إلى 23 تهديد على صعيد المبنى.
وفي ظل ممارسات الإخلاءات الجماعية التي تنفّذها السلطات اللبنانية بحق اللاجئات\ين السوريين، لا بد من العودة بالزمن والإضاءة على سياسات الدولة اللبنانية المعتمدة منذ بداية الثورة في سوريا إلى يومنا هذا. حيث تبنّى لبنان في البداية سياسة الحدود المفتوحة أو ما يعرف بـ “سياسية عدم السياسة” واستقبل أكثر من 1.5 مليون لاجئ سوري. كما اختارت الحكومة اللبنانية أيضاً الإشارة رسمياً اإلى اللاجئين على أنهم نازحين بدلاً من استخدام كلمة لاجئين، حيث يتطلب القانون الدولي التزامات قانونية حمائية أقل في حال النزوح. وبالتالي فإن غياب سياسة إدارة واضحة للجوء السوري من قبل لبنان يترك اللاجئات\ين السوريات والسوريين لمصير تحدّده السلطات المحلية بالاستعانة بالأمن العام اللبناني، وبحسب المعايير الإعتباطية لكلّ منها9المصدر: تخطيط التحديات والمخاطر العينية العقارية التي تواجه اللاجئين السوريين في لبنان في ظل الضغوطات المتزايدة بإتجاه العودة إلى سوريا.
وبهذا الصدد، كانت البلديات أيضاً واحدة من الجهات المسؤولة عن السكن الجماعي للاجئات\ين السوريين في البلدات، أو على الأقل موافقة عليه. في ددة على سبيل المثال، تم إخلاء مجمّع الواحة من سكّانه، وكان يضم حوالي ألفي لاجئ\ة سوري\ة استقرّوا فيه منذ سنوات. وكان محافظ الشمال قد أصدر تعميماً طالب فيه قوى الأمن الداخلي وأمن الدولة بإخلاء مجمّع الواحة والمخيّم الملاصق له في ددّة من اللاجئات\ين السوريين. في النتيجة، تمّ التهويل على سكان المشروع بالجرافات والطرد بالقوة، واحتفل محافظ الشمال بالنصر، إلى جانب عدد من رؤساء بلديات قضاء الكورة، والنائبين جورج عطالله وفادي كرم. إلّا أنّ هذه السلطات نفسها (بعض أعضاء بلدية ددّة حينها وبالتنسيق مع بضعة أشخاص وحزبيين) سمحت للاجئات\ين بالسكن في هذا المجمّع. فعندما وصل اللاجئون السوريون إلى ددّة عام 2012، وجّههم سكان ددّه إلى مجمّع الواحة للسكن فيه لتجنّب تغيير التكوين الديموغرافي للبلدة10بحسب ما أفاد أحد سكّان مجمّع الواحة، الذي يُقيم فيه منذ العام 2012، خلال مقابلة أجريت معه بتاريخ 25 أيار 2024. كونه يُبعد اللاجئات\ين نسبياً عن منطقة التجمّع السكاني في البلدة. كان المجمّع مهجوراََ وفي حالة سيئة، فقام اللاجئون بتنظيفه وجعله صالحاََ للسكن.
معظم سكان مجمع الواحة اليوم – كما كثير ممن عانوا الإخلاء الجماعي – باتوا مشرّدين بلا مأوى.
رابعاً، تشكّل مهل الإخلاء المعطاة انتهاكاً لحقوق السكان
بالنظر إلى مهل الإخلاء المعطاة، نجد أنها غير وافية بشكل يتيح للسكان واقعياً تأمين ترتيبات سكنية أخرى قبل الموعد المقرّر للإخلاء، في حين شدّد القانون الدولي على أنه ينبغي ألا تُسفر عمليات الإخلاء عن تشريد الأفراد أو تعريضهم لانتهاك حقوق أخرى من حقوق الإنسان. نجد أنّ 48 حالة تلقّت إنذارات مباشرة بالإخلاء، تراوحت مهلها بين الفوري والقصير المدى (شهر)، نفّذ منها 25 إخلاءاً، و28 منهم كانت إنذارات إخلاء جماعي. معظم هذه التهديدات أتت بالترهيب وكانت شفهية، إلّا أنّ جزءاً منها كان مكتوباً (12). من ضمن تلك المكتوبة، تبرز تعاميم بعض البلديات التي تنذر السوريين القاطنين في نطاقها، غير الحائزين على التراخيص والمستندات القانونية للإقامة الشرعية، المغادرة في مهل محددة: على سبيل المثال، 10 أيام في حال بلدية جبيل؛ 15 يوماً في اتّحاد بلديات بشرّي؛ 12 يوم في حال بلدية فتري؛ 15 يوم في بلدية رشدبين؛ 15 يوماً في قرار محافظ الشمال؛ الطرد الفوري في حال بلدية جونية. تنتهك هذه الإنذارات جميع معايير الإخلاء، إن كان بحسب المعاهدات الدولية وحقوق الإنسان أو بحسب شروط إخلاء قانون الإيجارات المحلي. إذ تشكّل مهل الإخلاء المعطاة انتهاكاً لحقوق السكان كونها غير وافية بشكل يتيح لهم واقعياً تأمين ترتيبات سكنية أخرى قبل الموعد المقرر للإخلاء. وقد شدّد القانون الدولي على أنه ينبغي ألا تُسفر عمليات الإخلاء عن تشريد الأفراد أو تعريضها لانتهاك حقوق أخرى من حقوق الإنسان، مع تحميل الدولة المسؤولية لاتخاذ كل التدابير المناسبة، بأقصى ما هو متاح لها من موارد، لضمان توفير مسكن بديل ملائم لهم في حال عجز المتضررون عن تلبية احتياجاتهم بأنفسهم.
والأجدر بالذكر هو إنذار الإخلاء الفوري الذي وجّههه محافظ الشمال لمجمّع الواحة والخيم المجاورة له في ددّه في الكورة، وذلك يوم السبت 18 أيار، حيث أدّت هذه الحادثة، كما ذكرنا في القسم السابق، إلى تشرّد عدد كبير من السكان. كان المبنى يأوي بين 250 و300 عائلة، تمكّن بعضهم من تحمل التكاليف المالية الإضافية، واستأجروا شققاً في المناطق المحيطة، حيث طُلب منهم مبالغ مرتفعة، تتراوح بين 250 و300 دولاراً مع اشتراط دفع خمسة أشهر مقدماً. وانتقل البعض الآخر إلى مناطق أخرى تحتوي على عدد كبير من اللاجئات\ين، لأسباب أمنية، وتشمل هذه المناطق البقاع، منطقة أبو سمرا في طرابلس، مخيم البداوي، وأنفه، وغيرها؛ فيما يُقيم آخرون مع أفراد العائلة، الأصدقاء، أو الزملاء. لكن معظم السكان باتوا مشرّدين بلا مأوى وغير قادرين على تحمل تكاليف السكن. فبدون أي مساعدة، يقيم هؤلاء الآن بين أشجار الزيتون، أو ينامون في سياراتهم مع عائلاتهم وأطفالهم. كانت هذه العائلات تعيش وتعمل في المنطقة، ممّا يعني بأن هذا الإخلاء لم يكلّفهم منازلهم فقط، بل وظائفهم أيضاً وسبل عيشهم.
خامساً، تطال تهديدات الإخلاء حتى الحالات التي بحوزتها إقامات أو مستندات قانونية
في حالات كثيرة، لم تحمِ المستندات القانونية أصحابها من اللاجئات\ين السوريين “الشرعيين” في لبنان من التهديدات، لتطال الهجمة الحاصلين/ات منهم على إقامات أيضاً، حيث رصدنا 14 حالة بحوزتها إقامات أو مستندات قانونية، و48 حالة مسجلة لدى هيئة الأمم، لتكون المحصلة 50 حالة تتمتّع بإقامة صالحة أو مسجّلة لدى هيئة الأمم المتحدة، سواء لكل أفراد العائلة أو لبعضها. وقد تمّ إخلاء 25 حالة بالفعل، وحيث كانت البلدية في 29 منها (من أصل 50 حالة) هي الجهة المهددة، و52% منها مهل إخلاء لا تتعدّى الأسبوع، و 11 منها وجّهت البلدية إنذارات مكتوبة للإخلاء ومن بينهم أيضا 3 حالات تحجّجت فيها البلدية بعدم صلاحية السكن. وأتت النسبة الأكبر منها من محافظة الشمال 60% (30 من أصل 50) تليها جبل لبنان حيث رصدنا 7 حالات، ثمّ عكار حيث رصدنا 6 حالات، ثمّ كسروان وجبيل حيث تبلّغنا عن 5 حالات، كما رصدنا حالة واحدة في كل من بيروت والبقاع. بالتالي، فإن تمركز هذه الحالات في الشمال أيضاً، يدّل على أنّ التعاميم العديدة التي صدرت عن السلطات المحلية في هذه المحافظة لعبت دوراً أساسياً في توجيه الحملة التمييزية الأوسع وتنفيذ تهديداتها، على الرغم من أنّ التعاميم وجميع إنذارات الإخلاء استهدفت من ليس بحوزته إقامة أو مستندات قانونية.
ومن المهم هنا التذكير أن تجريد السوريين من الإقامات وإبقاءهم في أوضاع غير قانونية هو قرار سياسي يسهّل من استغلالهم. وتجدر الإشارة إلى عدم اعتراف الدولة بالوجود الشرعي للاجئات\ين السوريين المسجّلين لدى هيئة الأمم وتتعامل معهم على أساس أن وجودهم على الأراضي اللبنانية هو غير قانوني. خصوصاً بعد عام 2015، حيث توقّفت الدولة اللبنانية عن الاعتراف بالوافدين السوريين الجدد باعتبارهم “لاجئين”، وحيث تم الطعن لاحقاً بهذا القرار.11كما استمرت الأمم المتحدة بالاعتراف بهم كلاجئين إّلا أنّ الفرق هو أنّ المسجّلين بعد ال 2015 يحصلون على “رمز (كود)” وليس على رقم ملف. ونتيجة لذلك، تم تكليف أولئك الذين دخلوا بعد هذا التاريخ بحمل “الرمز” الذي أعطته لهم الأمم المتحدة، لكنهم غادروا باعتبارهم غير مؤهلين للحصول على تصاريح الإقامة وفقًا للوائح الدولة ووفقا للقرار المطعون به.
سادساً، حجج إخلاء مستجدة وباطلة
من الملفت أيضاً استخدام حجج مستجدة للإخلاء، كعدم صلاحية السكن أو اعتبار المبنى مخالف وغير قانوني، خصوصاً في الحالات التي يُعتبر فيها وضع الأفراد قانوني وفي حالة وجود إقامات أو مستندات قانونية. ففي إحدى الحالات في كوسبا الكورة، أنذرت البلدية عائلة بالإخلاء بحجة أن البيت غير صالح للسكن، ولم تسمح لهم باستخدام أي وسيلة لإثبات صلاحية البيت للسكن، كما طلبوا منهم العثور على سكن بديل خارج البلدة. إلا أن الملفت هو بعد عثورهم على بيت صالح للسكن وموافقة مالكه على تأجيره في بلدة كفر صارون، رفضت البلدية بذريعة أن الانتقال من بلدة إلى أخرى ممنوع. في حالة مجمّع الواحة في ددّه، برّر رئيس البلدية طلب إخلاء المجمّع، بأن المجمّع معرّض للانهيار. إنما في كلتا الحالتين، لا يمكن لأيٍّ كان، بما في ذلك المحافظ والبلدية، أن يُقرّر حالة خطر انهيار مبنى، ولا يمكن للإدارة المحلية أن تُصدر قرار إخلاء دون القيام بسلسلة من الإجراءات التي تتعلّق بتعيين مهندس خبير للكشف على المبنى وإصدار تقرير إنشائي وغيرها من الخطوات (قانون البناء رقم 646 / 2004)، وهو ما لم يتمّ القيام به في هذه الحالة. إلا أن الحجة الأجدر تأتي من بلدة كوسبا أيضاً، حيث شدّد أحد المخاتير على ضرورة إخلاء اللاجئات\ين السوريين من المستودعات التي يعيشون فيها في الأراضي الزراعية لأنها تعتبر مناطق جذب غير مرغوب فيها للسياح. وأوضح أن البلدية حريصة على مصلحة البلدة وأن منظر البيوت التي يسكنها اللاجئات\ين، لا يناسب السائحين الذين يزورون البلدة ويرون مناظر غير لائقة مثل كراج مسكون أو غرفة بدون حمام، وأكّد على أن جميع السوريين يتعارضون مع حضارة البلدة وثقافتها، ويجب إخلاؤهم جميعاً.
هذه الحجج تعكس المنطق الفوقي العنصري والتمييزي ضد اللاجئات\ين السوريين. تستخدم الأحزاب اللبنانية المتمثّلة بالسلطات المحلية، إدعاء أن المباني غير صالحة للسكن أو مخالفة للقوانين، كذريعة لإخلاء السكان على أسس عنصرية، دون النظر إلى الحقائق أو تقديم فرص للرد أو إثبات العكس. ويظهر بشكل واضح تخاذل السلطات اللبنانية في إدارة ملف اللجوء السوري إلى لبنان منذ بداية الحرب إلى يومنا هذا وعدم الإهتمام بوضع اللاجئين وتأمين الحد الأدنى من حقوقهم الإنسانية. فبدلاً من العمل على تحسين أوضاعهم وتوفير بيئة سكنية لائقة لهم، تتحجّج السلطات اللبنانية بالظروف السكنيّة السيّئة التي يعيشون فيها والتي أنتجتها هي، لتشرّع الإخلاء بحجّة أن هذه الأوضاع تؤثّر على المنظر العام للبنان وتخدش قطاع السياحة اللبناني الشهير. يعكس هذا النهج لامبالاة السلطات اللبنانية باتخاذ أي إجراء جدّي وعادل وفعّال لمصلحة السكان بغض النظر عن جنسيتهن\م، بل التركيز على المصالح الاقتصادية للقلّة الحاكمة.
سابعاً، اعتراض بعض المالكين على تهديدات الإخلاء التي تقوم بها البلديات
بينما تسعى السلطات المحلية للتخلص من اللاجئات\ين السوريين لأسباب سياسية اقتصادية ظاهرها اجتماعي، يعترض بعض المالكين على إخلائهم عاكسين قلقاً اقتصادياً واجتماعياً حول التأثيرات المترتبة عليهم وعلى سوق عملهم بعد إخلائهم، كيد عاملة أجنبيّة. فمن بين إنذارات الإخلاء الـ69 التي وثّقها مرصد السكن، اعترض المالكون في 8 على الإخلاء. فعلى الرغم من تعاطف بعض المالكين مع بعض الحالات، كما في حالة مبنى البترون حيث قرّر المالك السكن مؤقتاً في المبنى معهم والدفاع عنهم بوجه البلدية، إلّا أنّ دافعاً اقتصادياً أساسياً وطّد هذه العلاقات الودية بين المؤجّر اللبناني والمستأجر السوري .
فمن كوسبا – حيث عمل السوريين لعقود في زراعة الزيتون وفي زراعات أخرى – أتى العدد الأكبر من إنذارات الإخلاء والإخلاءات المنفّذة من قبل البلدية، إلّا أنّ حالتين اعترض المالكون فيها على الإخلاء، إحداهما من امرأة سبعينية لديها عدة غرف يسكنها تاريخياً وموسمياً – منذ أكثر من ٤٠ سنة – عمّال في الزراعة يأتون من سوريا في مواسم الزراعة والحصاد. وتشرح عن الضرر الذي سيلحق بورشات الزراعة والزيتون إن قاموا بإخلاء اللاجئات\ين السوريات\ين الذين يسكنون عندها. “رح يعطلو عليي! ومش بس أنا. مثلي مثل كثار تربطنا علاقة عمل مع السوريين عم نسعى جاهدين لابقائهم في الضيعة”.
في كوسبا، يعمل اللاجئين السوريين القاطنين هناك ليس فقط في الحصاد، إنما أيضاً كعمال بناء منذ عقود ويعتمد اللبنانيون أيضاً بالمقابل على هؤلاء المستأجرين. كما أفاد أحد مخاتير البلدة بأنّ أصحاب العمل من قرى أخرى يبحثون عن عمال سوريين من كوسبا. وأكد أنه ستكون هناك تحديات قريباً في قطف التفاح، على سبيل المثال، لأن السوريين المتبقين في القرية قد يطالبون بأجور أعلى. وأوضحت شقيقته أنه قبل عام 2012 كان الحصادون السوريون الشباب يأتون ويعيشون موسمياً في مستودعات مبنيّة في الأراضي الزراعيّة، لكن لاحقاً انضمت إليهم عائلاتهم وعاشوا بشكل مستمر في هذه المستودعات.
إنّ هذا الاعتراض من بعض المالكين على إخلاء اللاجئات\ين السوريين من بيوتهن\م في لبنان، يرتبط بشكل أساسي بالعمالة “الرخيصة” لهؤلاء، حيث أنّهم غالباً ما يعملون في قطاعات اقتصادية تتطلب عمالة غير محمية من قانون العمل، وبالتالي يُنظر إليها كعمالة غير تخصصية ويسهل الاستغلال فيها، كالزراعة والبناء والعمل الرعائي واليدوي، ويقدمون خدماتهم بأسعار أقل مقارنة بالعمالة المحلية. وبذلك، قد يعني إخلاءهم فقدان مصدر رئيسي للعمالة الرخيصة، ممّا يرفع تكاليف تشغيل العديد من الأعمال والمنتجات، خاصة في القطاعات التي تعتمد على هذا النوع من العمالة. وسيؤدّي ذلك إلى نقص في اليد العاملة المتاحة لأصحاب الأراضي الزراعية والمزارعين، ممّا يمكن أن يؤثّر على الإنتاجية الزراعية وقد يؤدي إلى ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية والغذائية أيضاً. لذا، فإنّ التعاطف المتأتّي من قلق على المصالح الخاصة أو القطاعات الوطنية اللبنانية، يُعتبر وجهاً آخر من الاستغلال ، وهو دون شك ينبع من قراءة رأسمالية لقيمة العمل وحاجة الاقتصاد اللبناني ليد عاملة رخيصة، لا من مقاربة عدالة اجتماعية تبحث عن مصلحة اللاجئات\ين كأفراد وجماعات لهم حقوق أساسية.
ثامناً، بروز دافع مالي لتسهيل إقامة السوريين
بعد أن قامت السلطات اللبنانية بإخلاء عدد كبير من اللاجئات\ين السوريين وترحيلهن\م، راحت تستغل وضعهم لتحقيق مكاسب مالية. ويتجلّى الاستغلال في ربط الحصول على الوثائق الرسمية التي يحتاجها اللاجئون لتأمين إقاماتهم وتجديدها، بإمكانية وصولهم إلى خدمات أساسية مثل التعليم والرعاية الصحية، وأيضاً لحمايتهم من الاعتداءات أو الترحيل القسري. حيث يتوجب على السوريات\ين المكسوري الإقامة فقط12لا يتوجّب على السوريين ذوي الإقامة الصالحة دفع أي مبلغ من أجل تجديدها. دفع مبلغا قدره 4,900,000 ليرة لبنانية أو ما يعادل 55$ من أجل تجديدها، كما يتوجّب على السوريين المكفولين دفع مبلغ إضافي وقدره 13,000,000 ليرة لبنانية من أجل تجديد الكفالة.
ويتجلّى الخرق الكبير في أن عملية تصحيح الوضع القانوني للاجئات\ين السوريين تبدأ في البلديات ثم المختار ثم الأمن العام. إذ تطلب بعض البلديات حالياً، كبلدية كوسبا، دفع مبلغ قدره 200 دولار أميركي للبلدية بغية التصديق على الأوراق الثبوتية للاجئات\ين السوريات\ين وختمها من البلدية ثم أخذها إلى المختار من أجل الحصول على “إفادة سكن” لمحاولة الحصول لاحقاً على الإقامة من الأمن العام. وفي حين تصدر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إفادات سكن للاجئين المسجلين لديها، يتعيّن حاليّاً على كلّ اللاجئات\ين السوريين الذين يحملون إقامات عمل أو تعليم الحصول على إفادات سكن من المخاتير المحليين بالإضافة إلى إفادة السكن من الأمم. وتجدر الإشارة إلى أنّ إفادة السكن هي إحدى الأوراق القانونية المطلوبة للحصول أو تجديد الإقامات ولا تكفي وحدها، أي حتى الحصول على افادة السكن هذه ودفع ال 200$ لا يضمن حصولهم على إقامات وتصحيح وضعهم القانوني.
يعكس هذا الإجراء كيف يمكن للسلطات أن تستغل الأزمات لتصبح مصدرًا للربح المالي، الأمر الذي يضاعف معاناة اللاجئين ويجعلهم عرضة للاستغلال بشكل مستمر في ظل الأوضاع الحالية. يشكّل الاستغلال المالي للاجئات\ين إذاً، جزءاً من استراتيجية سياسية أوسع تسعى لإبقائهم تحت هيمنة الأحزاب والمجموعات المحلية، وتعزيز النفوذ السياسي والمالي للسلطات المحلية. إنّ هذا الاستغلال المالي ينتهك حقوق الإنسان الأساسية، مثل الحق في الحصول على الوثائق القانونية كما الحق بالتعليم والرعاية الصحية، وقد يتعارض مع المبادئ الدولية لحقوق الإنسان واتفاقيات اللجوء، ويزيد من تهميش اللاجئين ومن تقييد وصولهم إلى الخدمات الأساسية.
تاسعاً، بالرغم من كل ذلك، اختلفت ممارسات البلديات
إلى جانب إصدار سلطات محلية عديدة تعاميم عنصرية تمييزية، وخلافاً لهذا العقاب الجماعي، تعاملت بعض البلديات مع الموضوع بطرق مختلفة، ممّا يشي بإمكانية التعاطي مع الموضوع بشكل مختلف، دون أن يؤول ذلك إلى نتائج سلبية على المجتمع، كما تحذّر الأحزاب المحلية.
كان أوّلها بلدية برج حمود التي أصدرت بياناً بتاريخ 11/4/2024 أعطى السكان السوريين شيئاً من الحماية، كما تشير شهادات السكان. بدأ تعميم البلدية بوصف ما شهده لبنان في الأيام الأخيرة من “سلسلة من الجرائم” بموازاة ما يجري في الجنوب. وذكر أنّ مجموعة من الشبان قامت بتحرّكات بإسم أهالي وشباب برج حمّود، منها أعمال شغب وتوجيه إنذارات وإخلاءات، مع تضليل وتحريض على مواقع التواصل الاجتماعي. ثمّ وضّح البيان موقف بلدية برج حمّود من حيث إدانة أهالي برج حمّود لما حصل والمطالبة بكشف الحقائق ومعاقبة الفاعلين؛ التأكيد على صلاحيات البلدية وحدها في تنظيم إقامة وعمل اللاجئات\ين السوريين والأجانب، مع نفي حق أي شخص آخر باستعمال صلاحيات الدولة؛ الاعتراف بحصول تراخي في تطبيق القوانين والأنظمة المتعلّقة بالإقامة والعمل في السنوات الأخيرة، دون أن يكون ذلك مبرّراً للتهديد والتعدّي؛ مطالبة الأجهزة الرسمية والأمن والقضاء بوضع حدّ للاستيلاء على صلاحيات السلطات؛ التأكيد بأن برج حمّود نموذج للعيش المشترك والتنوّع، واستهجان التمييز على أساس الانتماء الديني أو العنصري أو الجنسية.
لعب البيان الصادر عن بلدية برج حمود دوراً (ولو رمزياً) في حماية اللاجئات\ين السوريين وإحباط الحملات التحريضية. فقد التزم السكان به، ممّا أثبت قدرة البلديات على حمايتهم والحفاظ على الطابع الشمولي والإحتوائي للأحياء.
بالإضافة إلى ذلك، لا بدّ من التنويه بممارسات بلدة جورة البلوط، وهي بلدة تأوي بين 400 و500 لاجئ\ة سوري/ة، أغلبهم لا يملكون إقامة13بحسب إفادة مختار بلدة جورة البلوط. يقوم المختار14لا يوجد فيها بلدية حاليا، المختار هو الذي تولى تنظيم أمور البلدة بتنظيم وجودهم بالتعاون مع المالكين، عبر إحصاء الأعداد الموجودة وعبر إلزام المؤجّر بكتابة عقد ايجار للاجئات\ين السوريين وإبراز هذا العقد للبلدية وتحديد قيمة الإيجار. فلا تمارس البلدة أي إخلاء أو تتعرّض لهن\م أو تقوم بإعطاء مهل، بل تتقبّل وجودهم وحقّهم بالسكن مهما كان وضعهم القانوني.. كما ألزمت البلدية فقط من يسكنون أماكن غير شرعية على الإخلاء ( مصادرة سكن، خيم، أماكن غير صالحة للسكن، إلخ) ولم يتعدى عدد هؤلاء ال3 مواقع.
بذلك، فإن البلديات كفيلة بالوقوف في وجه الحملات التحريضية وحماية كافّة السكان على اختلاف جنسياتهم وفئاتهم، على خلاف ما تحاول أن تفعله عشرات البلديات الأخرى التي حرّضت ضد اللاجئات\ين السوريات\ين.
وأخيراً، إزاحة من مناطق ذات غالبية مسيحية إلى أخرى ذات غالبية سنية
أدّت الممارسات الأخيرة التي طالت اللاجئات/ين السوريات/ين إلى موجة نزوح جديدة داخل الأراضي اللبنانية، بشكلٍ خاص من مناطق ذات غالبية مسيحية إلى أخرى ذات غالبية سنية، تقع بشكل رئيسي في شمال البلاد، بين طرابلس وعكار والمنية والضنّية. فقد جاءت حوالي 70% من بلاغات مرصد السكن من مناطق ذات أغلبية مسيحية. كما نزح مئات اللاجئات/ين السوريات/ين من القرى والبلدات الحدودية في جنوب لبنان التي كانوا يعيشون فيها نتيجة الحرب الإسرائيلية، متّجهين إلى مناطق أخرى أكثر أماناً. فقد أكدّ النائب في تكتل الاعتدال الوطني عن دائرة الشمال الثانية أحمد الخير، هذه المعطيات، معتبراً أنّ “التحريض والممارسات العنصرية والاعتداءات التي حصلت ضدّ السوريين في مناطق أخرى” أدّت إلى هذا النزوح المستجد. كما أكدّ أحد سكان عكار بأنّ “الكثير من اللاجئات/ين غادروا مناطق البترون وبشرّي وجبيل، واتّجهوا إلى طرابلس وعكار، لأنهم يعدّون المناطق السنية بيئات أكثر أماناً وترحاباً لهم اليوم أو أقلّ عدائية، ويمكن الحديث عن ارتفاع عدد النازحين في هذه المناطق بما نسبته 12%”. فيبدو أن القسم الأكبر من النازحين الجدد توجهوا إلى الشمال، لا إلى البقاع، كما يؤكّد مصدر رسمي مسؤول.
من جهته، يتحدث النائب بلال الحشيمي في دائرة البقاع الأوسط، عن بعض الحركة باتجاه المنطقة، بالتحديد إلى البلدات والقرى ذات الغالبية السنية، “بحيث يعدّها النازحون أكثر أماناً بعد الخطابات الطائفية والشعبوية والعنصرية غير المقبولة بحقهم”، ويقرّ بوجود مشكلة بسبب النزوح، “لكن حلّها يكون بطريقة عقلانية، ومن خلال تنظيم الوجود ومسار العودة ضمن مهل محددة، وليس كما يحصل اليوم”.
تبقى مناطق طرابلس وعكار المناطق الأقرب جغرافياً على المناطق التي يتعرّض فيها اللاجئات/ين السوريات/ين للإخلاءات بسبب التعاميم التي تصدرها السلطات المحلية في محافظة الشمال بشكلٍ خاص، مع وجود حديث عن “مخطط لإخلاء جميع اللاجئين من منطقة الكورة بشكل قسري” كما ورد في رسالة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لوزير الداخلية. كما تتوفّر في هذه المناطق مساكن بكلفةٍ مقبولة نسبةً لمناطق أخرى. وتتميّز منطقة عكار بشكلٍ خاص بتداخل حدودي كبير بين لبنان وسوريا، كمنطقة وادي خالد في عكار، والتي تشهد تداخلاً كبيراً بين القرى السورية واللبنانية. وتماماً مثل جرود عرسال والقاع وجرود العرب، كانت وادي خالد مسرحاً للتهريب بسبب هذا التداخل الحدودي ووجود المعابر غير الشرعية، والذي قد يشكلّ سبباً إضافياً لتوجّه اللاجئات/ين إليها.
في كلّ الأحوال، تبقى المخاوف قائمة من دفع اللاجئات/ين السوريات/ين إلى التوجّه إلى مناطق عكار وطرابلس والضنّية بشكلٍ مقصود أو غير مقصود، وعزلهم فيها كون هذه المناطق مهمّشة تاريخياً، في ظلّ انهيار اقتصادي ساحق وانهيار موازِ له على مستوى خدمات الدولة، والذي أصاب بشكلٍ متسارع ومتفاقم الفئات الاجتماعية والمناطق الجغرافية التي تعاني أصلاً من أشكال عديدة من التمييز والتهميش. ولربما تصبح هذه المناطق ملاجئ لعائلاتهم فقط مقابل إبقاء العمّال وحدهم في المناطق المختلفة بالنظر إلى حاجتها إليهم. وفي حال حصول ذلك، فإنّنا نكون في إطار تكوين واقع من شأنه أن يزيد من مصاعب المناطق الأكثر حرماناً، بالإضافة إلى تعزيز مطالب التقسيم والفدرلة، كلّ ذلك من أجل تهدئة هواجس بعض المناطق والاحزاب السياسية المتطرفة من ورائها، لأمدٍ يعلم الجميع بأنّه لن يطول كثيراً.15كما ورد في مقال المفكرة القانونية “وصفة العجز في مكافحة “اللجوء السوريّ”: كافِح اللاجئ”
المراجع:
- 1إجمالي عدد الحالات 148، 144 منها مصدرها مرصد السكن، والباقي من الرصد الإعلامي. و137 حالة من بينها تمّت متابعتها.
- 2إلى جانب التعاميم، قدّم النائب ملحم رياشي، عضو تكتل الجمهورية القوية، اقتراح قانون معجّل مكرّر يمنع تأجير الشقق والغرف للمقيمين دون أوراق ثبوتية، وهو ما يستهدف بشكل غير مباشر اللاجئين السوريين ويهدف إلى تضييق الخناق عليهم
- 3كالحجز على الممتلكات داخل المنزل وإرسال أشخاص للترهيب أو التهديد باستقدام الدرك للإخلاء والتهديد بالاعتداء والتعديات الجسدية واللفظية والتحرش الجنسي وقطع الخدمات وعرض المؤجر الوحدة على مستأجرين جدد، ورفض تسلّم الإيجار من أجل الضغط عليهم للإخلاء، كما عمل بعض المالكين على ابتزاز المستأجرين واستغلال أوضاعهم القانونية لرفع الإيجار عليهم.
- 4تم رصد بعض هذه التعاميم عبر الزيارات الميدانية لفريق مرصد السكن إلى البلدات، وبعضها الآخر عبر متابعة لمختلف المنصات الإعلامية المحلية، بما في ذلك مواقع الأخبار وصفحاتها الإلكترونية، والصفحات الرسمية للبلديات والمحافظين على مواقع التواصل الاجتماعي. ومع ذلك، يُرجّح أن يكون عدد التعاميم الفعلي أكبر، نظراً لوجود بلديات لا تمتلك صفحات رسمية أو بسبب صعوبة البحث عن صفحات بعض البلديات، الخ.
- 5جميعها تبليغات فرديّة حيث ينذر المؤّجر برفع الإيجار أو الإخلاء. وقد أتى العدد الأكبر منها من محافظة جبل لبنان (6 بلاغات) إلّا أنّ حالة واحدة فقط، حيث وجّهت بلدية برج حمّود طلب إخلاء للعائلة السورية المستأجرة مع مهلة تقل عن الشهر بسبب انتهاء صلاحية إقامتها، وذلك بناء على قرار يقضي بعدم السماح للسوريين باستئجار منزل من دون عقد إيجار وكفيل في حال كانت إقامتهم منتهية الصلاحية. كما أن إخلاءاً واحداً حصل في تلك الفترة في عين الرمانة، حيث طرد المالك المستأجر بسبب عجزه عن دفع الإيجار، كما لكونه كويري\مثلي الجنس، بالإضافة إلى تعرّضه الدائم للتحرش والاعتداء.
- 6كما توجّه محافظ الشمال الى بلدية طرابلس في 29 أيار بكتاب يطلب بموجبه تطبيق تعاميم وزارة الداخلية لأنها لم تتقيّد بها بعد حيث طرابلس البلدية الوحيدة من الشمال التي أصدرت تعميماً بمعايير محددة مخصصة ومختلفة.
- 7يرجى ملاحظة أن هذه الحالة لم يتم احتسابها في التعداد أو وضعها على الخريطة
- 8منهجياً، قمنا بتصنيف وتعريف الاخلاءات الجماعية كالتالي: على صعيد مخيّم: السكن في مخيمات أو تجمعات سكنية غير مبنية أو كرفانات/على صعيد مجمّع سكني: مبنى أو عدة مباني مأهولة من السوريين/ات فقط /على صعيد مبنى: السكن في عدة وحدات سكنية في مبنى أو عدة مباني مجاورة.
- 9
- 10بحسب ما أفاد أحد سكّان مجمّع الواحة، الذي يُقيم فيه منذ العام 2012، خلال مقابلة أجريت معه بتاريخ 25 أيار 2024.
- 11كما استمرت الأمم المتحدة بالاعتراف بهم كلاجئين إّلا أنّ الفرق هو أنّ المسجّلين بعد ال 2015 يحصلون على “رمز (كود)” وليس على رقم ملف. ونتيجة لذلك، تم تكليف أولئك الذين دخلوا بعد هذا التاريخ بحمل “الرمز” الذي أعطته لهم الأمم المتحدة، لكنهم غادروا باعتبارهم غير مؤهلين للحصول على تصاريح الإقامة وفقًا للوائح الدولة ووفقا للقرار المطعون به.
- 12لا يتوجّب على السوريين ذوي الإقامة الصالحة دفع أي مبلغ من أجل تجديدها.
- 13بحسب إفادة مختار بلدة جورة البلوط
- 14لا يوجد فيها بلدية حاليا، المختار هو الذي تولى تنظيم أمور البلدة
- 15كما ورد في مقال المفكرة القانونية “وصفة العجز في مكافحة “اللجوء السوريّ”: كافِح اللاجئ”