تخطيط‭ ‬الدبية‭ :‬بين‭ ‬مصالح‭ ‬خاصة‭ ‬ومخاوف‭ ‬عامة

أُنتج هذا المقال كجزء من مشروع “العمران في لبنان: التصاميم التوجيهية وتأثيرها على الحياة اليومية” (2017-2018). ونُشر في منشور “إنتاج اللا مساواة في تنظيم الأراضي اللبنانية“.

كتابة: مونيكا بصبوص
البحث الميداني وتحليل الخرائط والبيانات: جنى حيدر

 

 

تقع الدبية على بعد ٣٠ كم جنوب بيروت، وتشكل المدخل الساحلي لمنطقة إقليم الخروب في الشوف. تتكوّن من القرية القديمة الواقعة عند أعالي البلدة، وعدد من التلال والهضبات الخضراء المحيطة والمطلة على البحر والتي تمّ بناؤها واستثمارها بشكل عشوائي منذ التسعينات. وقد لعب إنشاء حرم جامعة بيروت العربية وأحد فروع الجامعة اللبنانية دوراً أساسياً في إنعاش إقتصاد الدبية وتوسّعها العمراني. وبالرغم من هذا النّمو المعتدل، حافظت البلدة عبر السنوات على ما يميّزها من مساحات خضراء، إلى أن بدأ إنشاء مشروع سكني مغلق على تلالها الغربية في ٢٠١٧، تمتد مساحته على أكثر من مليونين متر مربع.

١٩٩٨: أول محاولة لتمدين تلال الدبية الغربية

أول مخطط توجيهي صادر لمنطقة الدبية مصدّق بالمرسوم 11855/1998 وهو – بحسب المحامي شادي البستاني: “نظّم العمران وشروط البناء والفرز والضمّ ومعدّل الإستثمار السطحي والعام والمناطق الإرتفاقية (ZONING)، بعد دراسة هندسية متخصصة من قبل البلدية في حينه حافظت على الطابع القروي والبيئي والتراثي والعمراني الموجود وهوية البلدة وتاريخها.1شادي سالم البستاني، لا أسباب موجبة لتعديل تصنيف الدبيّة، جريدة النهار، ٣١ آب ٢٠١٦  (goo.gl/A7eQV9)

لكن بحسب المهندس والمطوّر المعماري جلال العلي2يعمل ويسكن في المنطقة منذ ٣٦ سنة، أجرينا معه مقابلة خلال البحث الميداني.، فإنّ وجود كمية هائلة من مناطق الفرز في هذا التصميم الأول للبلدة يدلّ على نية باستقطاب السكان إلى الدبية وإنعاش اقتصاد البلدة في تلك الفترة. كما يشرح العلي أن “هناك قابلية للبيع وانفتاح أكبر في مناطق مثل الدبية والجية حيث هناك تنوع سكاني أكبر مقارنة بالدامور، وحيث نجد جزءا كبيرا من المسيحيين/ات ممّن تهجّر في أوائل الثمانينات ولم يعد حتّى الآن، كما أنّ هذه الفئة لا تتردّد في بيع أملاكها والمهاجرة.” وبسبب موقع الدبية المطلّ على البحر، شكّل جزؤها الأسفل موقعا مرغوبا به للتطوير العقاري، بخلاف البلدة. لكن، وبالرغم من فرز هذه المساحات الشاسعة، لم تجد الدبية طلبا موازيا لما كانت تطمح إليه، فبقي الجزء الأكبر منها غير مبنيّ حتى اليوم.

مخاوف‭ ‬وسياسة‭ ‬وتلاعبات‭: ‬عملية‭ ‬شراء‭ ‬تلة‭ ‬الدلهمية

في بداية القرن الحالي، شهدت البلدة موجة شراء أراضٍ من قبل “غرباء”3بيار عطالله، الدبيّة ضحية للسماسرة والتجار، جريدة النهار، ٩ أيار ٢٠١٤.. ويؤكد ذلك المهندس جلال العلي: “منذ التسعينات، الكل اشترى بساحل الدبية. في سياسيين عندهن أراضي، والمغتربين الشيعة القاطنين في أفريقيا اشتروا كمان.”

في تلك الفترة، قامت عائلة البستاني بعرض أرض من أملاكها للبيع، وهي تعرف بـ”تلة الدلهمية”. الأرض كناية عن تلة خضراء مطلّة على البحر تبلغ مساحتها حوالي ٣.٥ مليون متر مربع4أحمد منصور، الدبية :” بيع الأراضي وتعديل المخطط التوجيهي محور معركة البلدية “، الإقليم، ٣ آذار ٢٠١٣ (goo.gl/7abrt5)، ورد جزء منها (حوالي مليون متر مربع) في تصميم الدبية التوجيهي الأول (١٩٩٨) تحت تصنيف “مساحة للحماية”، أي البناء فيها محدود جداً، وكان يضمّ نادي الغولف.

فاهتم بشرائها علي تاج الدين، وهو تاجر من المذهب الشيعي يقال أنه مقرب من حزب الله. بحسب الصحافي بيار عطالله، عند علمهم بذلك، توجه سكان الدبية إلى إحدى سلطات الكنيسة المارونية في محاولة للتصدي لعملية الشراء. بالتالي، قام رجل الأعمال الماروني المتموّل روبير معوض بشراء الأرض بدلاً عن تاج الدين، بهدف تطوير مشروع سياحي ضمن شروط البناء القائمة. لكن تدخّل بهيج أبو حمزة، مستشار وليد جنبلاط في تلك الفترة، في المشروع، ما أدّى إلى تنازل معوّض عن حصصه في “شركة إنماء الدلهمية” لصالح علي تاج الدين في العام ٢٠١١5فيفيان عقيقي، مشروع «الدلهمية»: اجترار نظريّة «الوجود المسيحي المهدّد»، جريدة الأخبار، ٢٣ آب ٢٠١٦. عبر هذه العملية، انتقلت ملكية الأرض الفعلية دون علم البلدية، إذ تمّت عبر السجل التجاري6جنوبية، بلدية الدبية لم تتبلغ بيع أراض في خراجها، ٢٧ كانون الأول ٢٠١١ دون تسجيل انتقال ملكية الأرض7فيفيان عقيقي، مشروع «الدلهمية»: اجترار نظريّة «الوجود المسيحي المهدّد»، جريدة الأخبار، ٢٣ آب ٢٠١٦.

أثارت هذه الصفقة ردات أفعال عدة في الإعلام التي تبنّت في أغلبيتها خطابا طائفيا يعكس ويعظّم المخاوف الراهنة في بلدة الدبية والمنطقة المحيطة، لا سيما هواجس التغيير الديموغرافي والمخططات الحزبية المبطنة، إذ تم ربط عملية شراء الدلهمية بعمليات عقارية شبيهة تحصل على نطاق أوسع في المنطقة.

تخطيط‭ ‬بهدف‭ ‬الربح‭‬‮:«‬شركة‭ ‬إنماء‭ ‬الدلهمية‮»‬‭‬ تعيد‭ ‬رسم‭ ‬ملامح‭ ‬الدبية

في العام ٢٠١٢، انعقدت جلسة تصويت في بلدية الدبية، وكان موضوعها تعديل التصميم التوجيهي الصادر في العام ١٩٩٨، بهدف رفع عامل الاستثمار في منطقتي الدلهمية والهليونة. تمت هذه الجلسة بطلب من “شركة إنماء الدلهمية” بعد أن تملكها علي تاج الدين، لكن تمّ رفض طلب التعديل من قبل أغلبية المجلس البلدي (٦ ضد ٥). ثم في العام ٢٠١٢، انعقدت جلسة ثانية لإعادة النظر بطلب التعديل، فقبله المجلس بعدما تمّ إقناع أحد المعارضين سابقاً، ما أدى إلى حلّ البلدية باستقالة نصف أعضائها، وتقديمهم طعنا بالقرار البلدي أمام مجلس شورى الدولة بوكالة المحامي شادي سالم البستاني (18040/2012).

على هذه الخلفية، انقسم المجلس البلدي في الأسابيع التالية إلى لائحتين متنافستين خلال المعركة الإنتخابية. وقد فازت لائحة “الكرامة والقرار الحر” (مع التعديل). بتاريخ 6/7/2013 صدر قرار بلدي يطلب زيادة عامل الاستثمار في منطقتي الدلهمية والهليونة. ثم صدر قرار عن المجلس الأعلى للتنظيم المدني، بالمصادقة على زيادة عامل الاستثمار في سائر منطقة الدبية. فأصدر المجلس البلدي قرارا بوقف العمل بقرار المجلس الأعلى. وقد ادّعى المحامي شادي سالم البستاني (وهو المحامي الذي قدّم الطعن 18040/2012) أن المخطط المعدّل يؤدي إلى “تمرير صفقات مشبوهة وتشريع مخالفات جسيمة لمرسوم التصنيف النافذ، تأميناً لمصالح ومنافع خاصة على حساب المنفعة العامة لأهالي بلدة الدبية8شادي سالم البستاني، لا أسباب موجبة لتعديل تصنيف الدبيّة، جريدة النهار، ٣١ آب ٢٠١٦ (goo.gl/A7eQV9)”.

في ٢٠١٦، طلب المجلس البلدي الجديد مهلة ستة أشهر لإعداد دراسة موضوعية للمخطط الجديد الناتج عن طلب الشركة العقارية9وزارة العمل، اقتراح الوزير قزي في مجلس الوزراء حول التصميم التوجيهي لمنطقة الدبية، ١٨ آب ٢٠١٦. وتمّ إستغلال هذا الوضع لتأجيج الخطاب الطائفي، دون الإكتراث بمسألة المصلحة العامة أو بأثر المشروع البيئي على البلدة وبنيتها التحتية المحدودة أو بمدى إلزامية التصاميم التوجيهية والأسباب الموجبة لتعديلها. في أواخر العام ٢٠١٦، تترجمت التحالفات الحزبية المتغيّرة على النطاق الوطني بتصديق التصميم التوجيهي العام والتفصيلي الجديد للدبية بالمرسوم ٤٥٤٨ في 27/10/2016، بعد أن رشّح الحريري الرئيس ميشال عون للانتخابات الجمهورية، وقبل الانتقال إلى حكومة تصريف أعمال. اليوم، ما تبقى من محمية “تلة الدلهمية” محاط بألواح ورشة مشروع “مديار، شروق مدينة”.

المراجع:

  • 1
    شادي سالم البستاني، لا أسباب موجبة لتعديل تصنيف الدبيّة، جريدة النهار، ٣١ آب ٢٠١٦  (goo.gl/A7eQV9)
  • 2
    يعمل ويسكن في المنطقة منذ ٣٦ سنة، أجرينا معه مقابلة خلال البحث الميداني.
  • 3
    بيار عطالله، الدبيّة ضحية للسماسرة والتجار، جريدة النهار، ٩ أيار ٢٠١٤.
  • 4
    أحمد منصور، الدبية :” بيع الأراضي وتعديل المخطط التوجيهي محور معركة البلدية “، الإقليم، ٣ آذار ٢٠١٣ (goo.gl/7abrt5)
  • 5
    فيفيان عقيقي، مشروع «الدلهمية»: اجترار نظريّة «الوجود المسيحي المهدّد»، جريدة الأخبار، ٢٣ آب ٢٠١٦
  • 6
    جنوبية، بلدية الدبية لم تتبلغ بيع أراض في خراجها، ٢٧ كانون الأول ٢٠١١
  • 7
    فيفيان عقيقي، مشروع «الدلهمية»: اجترار نظريّة «الوجود المسيحي المهدّد»، جريدة الأخبار، ٢٣ آب ٢٠١٦
  • 8
    شادي سالم البستاني، لا أسباب موجبة لتعديل تصنيف الدبيّة، جريدة النهار، ٣١ آب ٢٠١٦ (goo.gl/A7eQV9)
  • 9
    وزارة العمل، اقتراح الوزير قزي في مجلس الوزراء حول التصميم التوجيهي لمنطقة الدبية، ١٨ آب ٢٠١٦
إدارة الأراضي والتنظيم المدني قطاع البناء الدبية قضاء الشوف لبنان محافظة جبل لبنان