مدرسة ميّ في طرابلس: نموذج عن مأساة سكن السوريين في الحرب

كتابة: لمى أبو ابراهيم
بحث ميداني: رياض الأيّوبي- هادي العلي- جمعيّة شباب التّنمية  

منذ 2023، شهدنا تصاعداً في الحملات الأمنيّة التعسّفية والعنصرية تجاه اللاجئات\ين السوريات\ين، كما شهدنا مداهمات أماكن إقامتهم في مناطق لبنانية متعدّدة، أدّت إلى الاعتقال غير القانوني والترحيل القسري للعديد منهم. خلال سنتين، واصلت دوريّات أمن الدولة بالتعاون مع محافظين ورؤساء بلديات في مناطق عدّة في لبنان، تنفيذ إخلاءات تعسّفية – فردية وجماعية – بحق السوريات/ين، بحجة «الإقامة غير الشرعية». وشكّلت هذه الإخلاءات جزءً لا يتجزّأ من الحملة الميليشياوية الواسعة التي تشنّها الدولة وأحزابها منذ فترة، لتهجير اللاجئات\ين السوريات\ين، بعد تجريمهم ورمي كلّ الاتهامات الممكنة عليهن\م. فبات وضع سكن السوريين مأساوياً، وباتت مسألة سكنهم محكومة بتقاطع السلطة والأمننة والتهميش القانوني.

واليوم نشهد موجة أخرى من الممارسات التعسفية بحقّهم، عقب توسّع العدوان الإسرائيلي على لبنان والذي أدّى إلى تهجير مئات الآلاف من الناس. إذ أنّ خطة الطوارئ التي وضعتها الحكومة استجابةً للحرب قد استبعدت غير اللبنانيين من الإسعاف والإغاثة عموماً، ومن الإيواء تحديداً، حيث أشارت إلى أن التعاطي مع “الفئات السكانية الأخرى من غير اللبنانيين” سيكون بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة المختصة، تحديداً الأونروا للفلسطينيين، ومفوضية اللاجئين السوريين (المفوضية) ومنظّمة الأمم المتحدة للهجرة للعمال الأجانب.

ونشهد هول تداعيات هذا الإقصاء على أرض الواقع. من جهة، وبالنظر إلى بحث ميداني أجراه استوديو أشغال عامة في مراكز الإيواء بين 30 أيلول و 7 تشرين الأوّل 2024، أنّ في 5 من أصل 13 مركز تمّت زيارتها، تم التوضيح صراحةً أن المراكز لا تستقبل النازحين غير اللبنانيين، كالسوريين والعمال الأجانب. 2 من أصل 13 مركز تستقبل حصراً النازحين من الجنسيات غير اللبنانية، سواء أكانوا سوريين أو فلسطينيين أو غيرها من الجنسيات، وهذين المركزين موجودان في طرابلس (مدرسة ميّ ومدرسة الغرباء). أمّا المراكز الباقية التي تمّت زيارتها، فلم يكن هناك وضوحٌ. من جهة أخرى، قمنا بتوثيق حالات عدة من إخلاء السوريين من مراكز كانت قد استقبلتهم، وذلك بعد إيعاز من وزارة التربية ووزارات معنية أخرى، التزاماً بخطة الطوارئ.

في هذا المقال، نستعرض قصة مدرسة ميّ الرسمية للبنات بفرعيها الأوّل والثاني في محلة الزاهرية بالقرب من مبنى البلدية في طرابلس لاستقبال النازحين غير اللبنانيين فقط، حيث قام بعض الناشطون المستقلّون من المجتمع المحلي ومجموعة تابعة للشيخ سالم الرافعي بالضغط لفتحها أمام النازحين السوريين فقط. وقد تمّ رفض هؤلاء من مراكز أخرى، وتواجدوا أمام دوّار أبو علي بالقرب من مسجد التقوى في طرابلس، حيث وجّههم الناشطون إلى المدرسة وفتحوها بالقوّة، متحدّين إرادة السلطات الرسمية وإدارة المدرسة التي تقضي بعدم فتحها للسوريين وتركها للبنانيين، وتمّ اعتمادها لاحقاً كمركز إيواء رسمي من قبل لجنة إدارة الكوارث في طرابلس.

إلّا أنّ سكّان مدرسة ميّ واجهوا تحديّات عدّة، جعلت من حياتهم في المبنى جحيماً وتفاقمت معاناتهم، وهو ما سوف نسلّط الضوء عليه في المقال، وعلى ضرورة عدم إقصاء غير اللبنانيين من خطة الطوارئ وأن يتم معالجة أزمة النزوح بشكل متكامل دون تمييز. ففي ظل تقاعس الدولة عن تحمّل مسؤوليّاتها تجاه النازحات/ين بشكل شامل، لا بدّ من مراجعة خطّة الطوارئ واستكمالها على ضوء تطوّر الأوضاع وتفاقم النزوح، وذلك انطلاقاً من واجبها الدستوري بضمان الحق في السكن للجميع دون تمييز. وعلى المفوضية أن تكون في واجهة هذه المطالبة أو أن تحمل المسؤولية الكاملة بإيواء النازحين السوريين وإغاثتهم، والتي حمّلتها إياها خطة الطوارئ.

ماذا حصل في مدرسة ميّ؟

بدأت المدرسة بفرعيها باستقبال النازحين في 25 أيلول 2024، وهي عبارة عن مبنى واحد يتألّف من 3 طوابق و 27 غرفة1يحتوي المبنى على 28 غرفة، 27 منها استضافت نازحين. قابلة للاستخدام بالإضافة إلى ملعبين خارجيّين، بحيث وفد إليها في البداية حوالي 500 شخص توزّعوا على 27 غرفة، بالإضافة إلى 215 شخصاً افترشوا الملاعب الخارجيّة لينخفض بعد فترة العدد الإجمالي للنازحين في المبنى بأكمله إلى 540 شخصاً بسبب الاكتظاظ. وعلى الرغم من انخفاض العدد إلى 540، إلّا انّه ما زال يتخطّى للقدرة الاستيعابية للمدرسة وما زال عدد من العائلات يفترش الفناءات الخارجية.

عليه، وبعد مناشدات عدّة قامت بها المجموعات التي تُعنى بوضع اللاجئين السوريين داخل المدرسة لحلّ أزمة الإكتظاظ، أقدمت قوى الأمن الداخلي اللبناني (الدّرك) بين 3و4 تشرين الأول 2024 ، وبإيعاز من لجنة إدارة الكوارث والأزمات في الشمال2الإيعاز صدر عن لجنة إدارة الكوارث في طرابلس وفقا لما أفادته مديرة المدرسة لجمعيّة شباب التنمية، وكانت هناك ضرورة للنقل في الأساس، ولم يكن هناك معارضة بسبب العدد الكبير الموجود في المدرسة الذي تخطّى قدرتها الاستعابيّة وسبّب الاكتظاظ.، على محاولة نقل 300 شخص إلى مدرسة ابن خلدون الرسمية في طرابلس رافقتها تطمينات منها للنازحين الذين أعربوا عن مخاوفهم من خطر الترحيل المحتمل. وبعد الاستعداد للنقل، أوقف محافظ الشمال بايعاز شفهي عمليّة النقل هذه على اعتبار أنّ مدرسة ابن خلدون يجب أن تبقى مجهّزة لاستقبال اللبنانيين من النازحين فقط لا غير. تبلّغت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بما حدث وأوصت بنقل أولئك الموجودين في الملاعب إلى الغرف الموجودة في المبنى، دون أن تأخذ بعين الاعتبار معايير الاكتظاظ والخصوصية و الديناميكيات الاجتماعية المختلفة داخل المركز، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى إيواء ما يصل إلى 20 شخصاً في كلّ غرفة بمساحة 35 متراً مربعاً، الأمر الذي أدّى إلى نزاع داخلي بين النازحين، حيث أعرب العديد من الأفراد الموجودين في الغرف بعدم رغبتهم في مشاركتها معهم. كما طالبت رابطة التعليم الأساسي في طرابلس وزير التربية بالتدخل العاجل في ملف النزوح في هذه المدرسة بعد تدهور الأوضاع وخروج الأمور عن السيطرة، وحذّرت من تفاقم الأوضاع وطالبت بمعالجة فورية دون تأجيل، حيث يعيش أكثر من 300 شخص في ظروف سيئة وغير إنسانيّة، وسط غياب التنظيم والحماية الأمنية، خصوصاً بعد أن فشلت محاولات نقل النازحين، وحصول نزاعات بين المجموعات ومديرة المدرسة على خلفيّة توزيع المساعدات ثمّ انسحاب بعضٍ من الجمعيات عن تقديم الدّعم.

محاولات الترهيب، ربّما بهدف الترحيل

إلّا أنّ الحادثة الأبرز حصلت في السابع من تشرين الأوّل. بإيعاز أيضاً من لجنة إدارة الكوارث والأزمات في الشمال3وفقاً لما أفادت به مديرة المدرسة لجمعيّة شباب التنمية أيضاً.، أُبلغ ما يقارب ال 100 إلى 150 نازح\ة في المدرسة بأنهم سيُنقلون إلى مدرسة أخرى ستوفّر لهم احتياجاتهم وتحلّ مشكلة الاكتظاظ في المدرسة، وبعد أن استقلّوا 4 باصات، مشت هذه الأخيرة وراء سيّارة للشرطة اللبنانيّة، إلى وجهة غير معلنة، الأمر الذي أثار ارتياباً واسعاً بين النازحين بعد رفض السائقين الإفصاح عن الوجهة النهائيّة. فوفقاً لشهادات النازحين في الباصات، أشار أحد السائقين أن أحدهم، وعلى نحو مازح، أنّهم “سيسلّمونهم إلى بشّار”، في إشارة إلى رئيس الجمهورية العربية السوريّة. وبالفعل انتهى بهم الأمر في تل بيرة، وهي بلدة حدوديّة في عكّار تقع بالقرب من الحدود اللبنانية السوريّة حيث أُجبروا عند وصولهم على النزول بالقرب من مجموعة من الخيم التي يسكنها اللاجئون السوريون وأمروا بإقامة خيمهم الخاصّة بجوارهم والبقاء هناك وعدم العودة. إلّا أنّ شخصاً من الموقع، يبدو أنّ لديه سلطة معيّنة4لم نتأكّد من يكون، سواء كان الشاويش أو صاحب الأرض أو شخص آخر تحديداً، ولكنّه كان مسلحاً ومن الواضح أنّه يتمتّع بسلطة على المخيّم.، لم يسمح بدوره ببقائهم في المخيّم وهدّدهم بالسلاح كي يغادروا المخيّم في غضون 15 دقيقة، ليأتي لاحقاً شخصان يرتديان سترات سوداء -تمّ التعرّف عليهم كأعضاء في جهاز أمن الدولة- لفضّ النزاع وإقناعه لإبقائهم في المكان، لكن من دون جدوى. وحين لم يعد أمام النازحين خيار آخر سوى العودة إلى طرابلس، عاد بعضهم إلى مدرسة مي حيث اضطرّوا لجمع تكاليف المواصلات فيما بينهم (حوالي 100 دولار)، لكن تم منعهم من الدخول، فبقوا واقفين خارج المدرسة لا يعرفون أين يذهبون، حتى فتح لهم الحارس من تلقاء نفسه الساعة الواحدة بعد منتصف الليل يوم 8 تشرين الأول\أكتوبر. هنا، لا بدّ من ذكر الدور السلبي لإدارة المدرسة المتمثّلة بمديرتي الفرعين، تجاه اللاجئين السوريين، والتي أعربت منذ البداية عن اعتراضها عن فتح المدرسة كملجأ لهم وتركها للّبنانيّين فقط، إذ تولّت إدارة المركز بحسب توجّهاتها الخاصّة مستندة إلى تعميم وزير التربية والتعليم العالي الذي5المصدر: تعميم لوزير التربية حول استقبال النازحين  في المدارس والثانويات الرسمية أكّد من خلاله على ثقته بقيام كلّ مسؤول عن مدرسة أو ثانوية رسمية المهام المذكورة في التعميم، كما أبقت على مفاتيح مخزن (مستودع) المساعدات6في حين لم تتواجد في المدرسة لأكثر من 4 ساعات في اليوم الواحد في الوقت الذي يجب أن تكون حاضرة لوقت أطول معها وحدها ولم تسلّمه للمجموعات. وحصلت مشادّات بينها وبين بعض الجمعيّات والمجموعات التي كانت معنيّة بالاهتمام وتقديم العون والدّعم للنازحين، أدّت إلى استبعاد مجموعات معيّنة من المدرسة، كمجموعة الشيخ سالم الرافعي. وتجدر الإشارة الى الاستعانة الدائمة بقوى الأمن والجيش لفض النزاعات والمشاكل التي كانت تحصل، دون الحؤول إلى حلّها بل تكون النتيجة ضرب النازحين فقط. ولعلّ الأبرز هو تقديم إحدى المديرتين7وهي قريبة النائب كريم كبّارة. شكوى لدى النيابة العامّة بتهمة التشهير والقدح والذم والتهديد بالقتل ضدّ أحد الأشخاص في جمعيّة شباب التنمية بناء على بيانين ضدّها بتهمة العنصريّة والتهديد بقتل السوريين.

بعد حادثة النقل إلى تلّ بيرة، علا الصوت على ضرورة تسليم الإدارة لجهات أخرى، رسميّة أيضاً، حيث تولّى جهاز إدارة الكوارث في الصليب الأحمر وكشّافة الغد الإدارة والإشراف على المدرسة وحصل الصليب الأحمر على نسخة من مفتاح المستودع من الإدارة. والجدير بالذكر هو غياب دور المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR عن إدارة أمور النازحين منذ البداية، إذ اقتصر دورها على تقديم مساعدات عينيّة فقط كالفرش وغيرها، إلى أن تحرّكت مؤخّراً في 22 أكتوبر وقامت بنقل 16 عائلة من المدرسة إلى مخيّم في المنية، واعدةً بتوفير جميع احتياجاتهم، ولكنهم فوجئوا عند وصولهم بخيم فارغة وغير مجهّزة لا تلبّي شيئا من احتياجاتهم. عادت حوالي 8 عائلات منهم إلى المدرسة، لكن لم يُسمح لهم بالدخول، فناموا تلك الليلة على الرصيف، ليعود بعضهم في صباح اليوم التالي إلى المخيم. في حين تمكّنت 3 عائلات من استئجار شقّة8تتألّف الشقّة من 3 غرف نوم، غرفة معيشة ومطبخ بحيث تقيم كل عائلة من العائلات الثلاث في غرفة واحدة. غير مفروشة، من دون عقد إيجار مكتوب بينهم وبين المؤجّر، إذ طلب منهم دفع قيمة 600 دولار للشهر الأول، ثم 400 دولار شهرياً للأشهر اللاحقة.

إنّ أحداث مدرسة ميّ ما هي إلّا إثبات ليس فقط على تخاذل السلطات المحلية اللبنانية في تحمّل مسؤوليّاتها تجاه كافة فئات المجتمع لا سيّما في ظلّ الأزمات والحروب، بل على تواطُئها المعلن والمستمر ضد السوريين. إذ تغيب البلدية وأجهزة الدولة ولجانها الإغاثية بشكل ممنهج، كلجنة إدارة الكوارث، عن متابعة المدرسة وإدارتها كمركز إيواء، على الرغم من وجود المدرسة بالقرب من مبنى البلدية، وكأنّ فتحها أمام السوريين وحده كفيل بإعفائها من مسؤوليّاتها تجاههم واعتبار أنّ المسؤوليّة تقع على عاتق الأمم المتحدة والجمعيات المعنيّة باللاجئين السوريين9منذ افتتاح المدرسة، تولّت ثلاث مجموعات مختلفة من المجتمع المحلي  مسؤولية إدارتها، أوّلها الجمعية الخيرية الإسلامية، ومجموعة ثانية بقيادة أفراد ذوي نفوذ محلي، ومؤخراً في 10 تشرين الأول 2024، تم تسليم جهاز إدارة الكوارث في الصليب الأحمر وكشّافة الغد التي تشرف الآن على المركز.، كما ونرى مؤسسات السلطة حاضرة للتواطؤ ضدّهم عبر إقرار تعاميم10أصدر محافظ لبنان الشمالي القاضي رمزي نهرا  في 18 أيلول 2024 سلسلة قرارات، طلب فيها من المدير الإقليمي لأمن الدولة في الشمال تأمين المؤازرة الأمنية لإبلاغ السوريين غير الشرعيين بوجوب إخلاء مكان سكنهم خلال مهلة عشرة أيام، بناء لقرارات صادرة عن مجالس بلديات تلك البلدات، وهي: بدنايل وكفر حزير – قضاء الكورة، القلمون قضاء طرابلس، المغر – قضاء بشري من شأنها ترحيلهم وأخرى من شأنها زيادة التهميش والتمييز بحقّهم، كان آخرها التعميم الصادر عن محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا بتاريخ 14/10/2024 متوجّها به إلى القائمقامين وإلى بلديات قضاء طرابلس وسائر الأقضية الشمالية، ويقضي باعتماد استمارة تسجيل النازحين “اللبنانيين” الذين يحتاجون للمساعدات والقاطنين خارج مراكز الإيواء المعتمدة رسمياً، غير آبهين بالنازحين السوريين. كما صرّح وزير الشؤون الإجتماعية في حكومة تصريف الأعمال هيكتور حجار أنّ “ورقة من أوراق حل للنازحين السوريين هي عملية العودة إلى سوريا” وهم يعملون على تسهيل هذه العودة من دون ضجيج ومن دون إدخال هذا الموضوع في الزواريب السياسية الداخلية. وأشار إلى أنّ حوالي 250 ألف نازح سوري عادوا إلى سوريا، مؤكداً على ضرورة تسهيل العودة بالتنسيق مع الأمم المتحدة وضمان أمان النازحين في سوريا، والذي يعتقد أنّها أكثر أمناً من لبنان.

الإعلام اللبناني: صناعة الوصمات وتشجيع العنصرية

من جهة أخرى، لعب الإعلام اللبناني دوره المعتاد في صناعة خطاب تحريضية ضد السوريين عبر إنتاج رواية تجريمية للسوريات\ين تعتمد على شيطنتهم ووصمهم بكل ما يمكن أن يكون سبباً في أزمات اللبنانيين ومحناتهم. حيث تمّ نشر العديد من الأخبار الإعلاميّة المنقوصة أو المحرَّفة عن قصد وبشكل يُخفي الوقائع أو يزيّفها حتى، وبشكل يركّز على الأحداث التي تتضمّن مشاكل مع السوريين، وتؤطّرها بشكل يجعلهم يظهرون كتهديد اجتماعي سياسي أمني ديمغرافي للدولة اللبنانية والشعب. فمثلاً في 4 تشرين الأوّل انتشر خبر11 ماذا يحصل في مدرسة “ميْ” الرسمية في طرابلس؟ عن إشكال في مدرسة مي الرسمية بين النازحين، استخدم خلاله النازحون العصي وعملوا على تكسير بعض ممتلكات المدرسة، بما من شأنه إلقاء الضوء فقط على ما يفعله السوريون في ممتلكات المدارس اللبنانية وتصويرهم على أنّهم مصدر للتخريب ويجب التخلّص منهم، دون الحديث عن سياق المشكلة أو سببها، وما تأتّى عنها من ضربٍ وعنف تعرّضوا إليه. كما تمّ نشر خبر حول فيديو يوثّق كيف “تشهد مدرسة مي الرسمية في طرابلس – التل12بالفيديو – تشهد مدرسة مي الرسمية في طرابلس – التل أجواء من الغضب والاستياء من قبل النازحين السوريين أجواءاً من الغضب والاستياء من قبل النازحين السوريين وذلك على خلفية نقلهم نهار أمس من المدرسة المذكورة إلى مكان أكبر بعد الاكتظاظ الذي فاق استيعاب الأعداد الكبيرة داخل المدرسة والإشكالات المتكرّرة التي تحصل ليتمّ إعادتهم منتصف ليل أمس لعدم توفّر المكان المناسب الذي كان من المفترض أن يكون جاهزًا لاستقبالهم”، حيث يخفي هذا الخبر حقيقة أخذهم إلى الحدود اللبنانية السورية بهدف الترحيل القسري. كما ركّز خبر آخر من “من #tnn نصّه “إشكال بين نازحين سوريين في طرابلس وشرطة بلدية طرابلس تتدخّل13إشكال بين نازحين سوريين في طرابلس وشرطة بلدية طرابلس تتدخل: وقع إشكال داخل مدرسة مي للبنات قرب مبنى بلدية طرابلس بين عدد من الشبان القاصرين من النازحين السوريين تطور الى عراك وتضارب بالأيدي، تدخلت على إثرها دورية من شرطة بلدية طرابلس وجرى توقيف اثنين من متسبّبي الإشكال وعرف أنه جرى تسجيل بعض الاصابات الطفيفة جراء التضارب”، كيف يتسبّب السوريون بالمشاكل وإخلال الأمن في المنطقة وأنّ الشرطة والبلدية حاضرة للسيطرة على الأمن، غير آبهين أنّهما غائبين كليّا عن إدارة شؤونهم كلاجئين. ولعلّ الخبر الأبرز كان لروبورتاج على إذاعة لبنانية14#لبنان #عودة_النازحين_السوريين #النزوح_السوري يقول: “في وقت لا تزال العديد من العائلات اللبنانية تبحث عن مكان للإقامة، قررت بعض المدارس والمراكز فتح أبوابها أمام النازحين السوريين، الذين من المفترض أن تكون الأولوية للبنانيين، أو أن يعودوا إلى سوريا كما فعل الكثيرون، أو أن تتولى الأمم المتحدة، الحريصة على أمانهم وسلامتهم، مسؤولية رعايتهم،” لما في ذلك من تحريض مستمر على تعميق الهوّة بين اللبنانيين والسوريين وتحميل أعباء الأزمات المستمرة على لبنان على عاتق النازحين السوريين ودعم تنصّل السلطات اللبنانية من تحمّل مسؤوليتها تجاههم وتحميل المسؤولية للأمم المتحدة فقط.

السوريون بين التهميش والإقصاء

إلى جانب ما يعانيه السوريّون في مدرسة مي، لا تزال مئات العائلات النازحة من الجنسية السورية والقادمة من مناطق العدوان الاسرائيلي تفترش الحدائق والأرصفة والطرقات، وتتعرّض في كل يوم أيضاً للطرد من قبل القوى الأمنيّة بحجّة تعدّيها على الأملاك العامّة وتشويهها المنظر الحضاري للبنان، في تجاهل تام لأولوية تأمين مأوى لهم.

في الخلاصة، تتحمّل الجماعات الأكثر استضعافاً وتهميشاً في المجتمع – من ضمنها السوريون – العبء الأكبر من آثار الحروب والأزمات. وغالباً ما يجد هؤلاء الأفراد أنفسهم في مواجهة أخطار مضاعفة نتيجة غياب سياسات حكومية شاملة وعادلة، هذه السياسات التي من المفترض أن تضمن الحماية والأمان للجميع بدون تمييز أو تحريض. في حين أكّدت تقارير وقرارات الأمم المتحدة – لا سيما القرار 19/4 (2012) على أهمية دمج معايير حقوق الإنسان في جهود الإغاثة خلال الحرب، بحيث يحدّد هذا القرار حول “السكن اللائق كعنصر من عناصر الحق في مستوى معيشي مناسب في سياق ظروف الكوارث”، كما تقرير المقرر الخاص للحق في السكن حول “إعمال الحق في السكن اللائق في بيئات ما بعد الكوارث”، ضرورة الاهتمام بالمجموعات المستضعفة والمحرومة وعدم التمييز ضدها. إلّا أنّ خطّة الطوارئ المعتمدة اليوم في لبنان استجابة للعدوان، لا تلحظ هذه القرارات، إذ تكمن جذور المشكلة فيها عبر تمييزها تجاه غير اللبنانيين وإقصائهم من الخطط الحكومية للإيواء، نتيجة الخطاب الإعلامي الذي شيطن السوريين وحمّلهم وزر كل محن اللبنانيين.

في ظل تقاعس الدولة التام عن تحمّل مسؤوليّاتها تجاه النازحات/ين بشكل شامل، واستناداً لما سبق، لا بدّ من مراجعة خطّة الطوارئ واستكمالها على ضوء تطوّر الأوضاع وتفاقم النزوح، وذلك انطلاقاً من واجبها الدستوري بضمان الحق في السكن للجميع دون تمييز. وعلى المفوضية أن تكون في واجهة هذه المطالبة أو أن تقبل المسؤولية الكاملة عن إيواء النازحين السوريين وإغاثتهم.

المراجع:

  • 1
    يحتوي المبنى على 28 غرفة، 27 منها استضافت نازحين.
  • 2
    الإيعاز صدر عن لجنة إدارة الكوارث في طرابلس وفقا لما أفادته مديرة المدرسة لجمعيّة شباب التنمية، وكانت هناك ضرورة للنقل في الأساس، ولم يكن هناك معارضة بسبب العدد الكبير الموجود في المدرسة الذي تخطّى قدرتها الاستعابيّة وسبّب الاكتظاظ.
  • 3
    وفقاً لما أفادت به مديرة المدرسة لجمعيّة شباب التنمية أيضاً.
  • 4
    لم نتأكّد من يكون، سواء كان الشاويش أو صاحب الأرض أو شخص آخر تحديداً، ولكنّه كان مسلحاً ومن الواضح أنّه يتمتّع بسلطة على المخيّم.
  • 5
  • 6
    في حين لم تتواجد في المدرسة لأكثر من 4 ساعات في اليوم الواحد في الوقت الذي يجب أن تكون حاضرة لوقت أطول
  • 7
    وهي قريبة النائب كريم كبّارة.
  • 8
    تتألّف الشقّة من 3 غرف نوم، غرفة معيشة ومطبخ بحيث تقيم كل عائلة من العائلات الثلاث في غرفة واحدة.
  • 9
    منذ افتتاح المدرسة، تولّت ثلاث مجموعات مختلفة من المجتمع المحلي  مسؤولية إدارتها، أوّلها الجمعية الخيرية الإسلامية، ومجموعة ثانية بقيادة أفراد ذوي نفوذ محلي، ومؤخراً في 10 تشرين الأول 2024، تم تسليم جهاز إدارة الكوارث في الصليب الأحمر وكشّافة الغد التي تشرف الآن على المركز.
  • 10
    أصدر محافظ لبنان الشمالي القاضي رمزي نهرا  في 18 أيلول 2024 سلسلة قرارات، طلب فيها من المدير الإقليمي لأمن الدولة في الشمال تأمين المؤازرة الأمنية لإبلاغ السوريين غير الشرعيين بوجوب إخلاء مكان سكنهم خلال مهلة عشرة أيام، بناء لقرارات صادرة عن مجالس بلديات تلك البلدات، وهي: بدنايل وكفر حزير – قضاء الكورة، القلمون قضاء طرابلس، المغر – قضاء بشري
  • 11
  • 12
  • 13
  • 14
السكن طرابلس لبنان محافظة شمال لبنان
 
 
 

“الخطّة الاستباقية لمواجهة أيّ حرب مقبلة”:

متى تعتبر الدولة أنّنا في حالة حرب؟

منذ اليوم الأول الذي تلا عملية طوفان الأقصى، كان لبنان وجنوبه تحديداً، في مرمى الاعتداءات الاسرائيلية. ومنذ ذلك الحين، استمرّت وتيرة الاستهدافات من قبل العدو الاسرائيلي بالتصاعد ما سبّب أضراراً شاسعة وخسائر بالأرواح …

السلطات المحليّة تعمّم اللاشرعية

رصد 15 تعميماً بخصوص السوريين بين 9 و24 نيسان 2024

بعد طلب الرئيس القبرصي من رئيسة المفوضية الأوروبية التوسط لدى السلطات اللبنانية كي توقف قوارب اللاجئين السوريين المتوجهة إلى قبرص، زارت أورسولا فون در لاين، رئيسة الإتحاد الأوروبي، بيروت الأسبوع الماضي برفقة الرئيس …

الإخلاء الجماعي: النمط الأبرز في بلاغات مرصد السكن

التقرير الدوري | حزيران - كانون الأوّل 2023

مقدمة عن هذا التقرير1- عن البلاغات2- انتهاكات الحق في السكن3- حجم الإخلاء ونطاقه4- تهديدات وإخلاءات جماعية و\أو متمركزة ضمن نطاق جغرافي4.1- على صعيد مبنى: أمثلة من الحمرا وراس النبع4.2- على صعيد مخيّم: تهديدات …