صدّق البرلمان في جلسته التشريعية في 30 أيلول 2020 قانون “حماية المناطق المتضررة بنتيجة الانفجار في مرفأ بيروت ودعم إعادة إعمارها”. وتنشر هنا “المفكرة القانونية” و”أشغال عامة” الذي يقوم برصد اجراءات السلطة بشأن المناطق المتضررة، مقالاً مشتركاً لتقييم القانون نظراً إلى خطورة مضامينه وتأثيراتها الواسعة على إعادة تأهيل مدينة بيروت وتعافي أحيائها وحقوق المتضرّرين.
ونسارع إلى القول بأن القانون يفتقد إلى أي سياسة في ما يُسمى ب “إعادة الإعمار” تستفيد من دروس الماضي، وأنه يعتمد مقاربة تخلو من الشقّين الاقتصادي والاجتماعي وتختزل العمران بالمباني والعقارات، مما يصب دوماً في مصلحة المستثمرين، هذا دون أن ننسى الاعتبار الطائفي المتمثل في الحفاظ على “لون طائفي معيّن” لبعض المناطق المتضرّرة من الانفجار. بالمقابل، تغيب عن القانون أي مندرجات لتعافي الأحياء الأكثر تضرّراً، وتحديداً الحق بالوصول إلى سكن ميسّر، منعاً لتهجير سكّانها وشاغليها القُدامى والجدد تمهيداً لحلول طبقات ذوي دخل أكثر ارتفاعاً مكانهم. فأين تحفيز التعافي الاقتصادي والاجتماعي للمنطقة المتضررة؟ أين الخطة لإنعاش الحيّز العام؟ أين إشراك أصحاب الحقوق وتحفيزهم على إعادة بناء وترميم منازلهم ومحلاتهم؟ أين ضمان أن تحصل إعادة التأهيل في احترام لحقوق الأشخاص المعوّقين للتنقّل والوصول إلى المباني؟ أين ضمان أن تأخذ إعادة التأهيل بعين الاعتبار ضرورة حفظ وزيادة نسب المخزون السكني الميسّر في المدينة؟
وأبرز ما يتضمّه القانون منع التصرّفات والبيوعات حصراً في “المناطق المتضرّرة” كما يعرّفها (المرفأ، الصيفي، المدوّر، والرميل) من جهة أولى، وإقرار حق بالتعويض وسلسلة من التقديمات الأخرى يستفيد منها المتضرّرون من الانفجار من جهة ثانية، وإنشاء لجنة تنسيقية جديدة لمسح الأضرار والإغاثة والتعويض من جهة أخيرة، وهذا ما نعمد إلى تفصيله وتقييمه في ثلاثة أقسام متتالية.
1- منع التصرّف والبيوعات العقارية في “المناطق المتضررة” خدمة لاعتبارات طائفية وللمضاربة العقارية؟
نستعرض في ما يلي غياب إجراء وضع المنطقة المتضرّرة “قيد الدرس”، من ثم القيود على التصرّف والبيوعات العقارية في المرفأ، الصيفي، المدوّر، والرميل حصراً، وآليات حماية الأبنية التراثية، قبل التساؤل عن الأهداف الفعلية وراء الآليات التي يرسيها القانون.
سقوط وضع المناطق المتضررة “تحت الدرس”
كان الاقتراح الأساسي للقانون قد وضع المنطقة المتضرّرة من الإنفجار “تحت الدرس” لمدة سنة قابلة للتجديد مرة واحدة، على أن يخضع تجديد المهلة لآليات المادة 9 من قانون التنظيم المدني (أي آليات وضع منطقة تحت الدرس لوضع التصاميم والأنظمة التوجيهية لها). بالإضافة إلى وضعها “تحت الدرس”، فرض الاقتراح خلال مدة وضع الإشارة تجميد كافة عمليات البيع والتفرّغ والأعمال القانونية التي ترتّب حقوقاً عينية ناقلة للملكية. كما أخضع المنطقة للقيود المحددة في المادة 9 من قانون التنظيم المدني (أي منع منح رخص بناء أو إجازة إفراز أو ضم وفرز). وبذلك، ذهب الاقتراح الأساسي في اتجاه قرار المجلس الأعلى للتنظيم المدني الذي اتّخذه في 19 آب 2020 بوضع مناطق المرفأ والصيفي والمدوّر والرميل “تحت الدرس” وفقا للمادة التاسعة المذكورة.
غير أن الصيغة المصادق عليها استبعدت هذا التدبير، كما أجاز القانون الاستحصال على رخص بناء في المنطقة وذلك بخلاف الاقتراح الأساسي الذي كان يفرض القيود المحددة في المادة 9 من قانون التنظيم المدني كما ذكرنا.
قيود على حقوق التصرّف وانتقال الملكية في مناطق المرفأ، الصيفي، المدوّر، والرميل
يمنع القانون لمدّة سنتين من تاريخ نشره، التصرف والبيوعات التي تتناول عقارات أو أبنية واقعة في “المناطق المتضررة” حصراً، وليس الأبنية المتضرّرة، مع العلم أن القانون يُميّز في تعريفاته بين الإثنين. ففي حين يقصد، بمفهوم القانون، “المناطق والأحياء المتضررة المناطق العقارية التالية: المرفأ، الصيفي، المدوّر، والرميل”؛ يقصد ب”الأبنية المتضررة، كلّ بناء تمّ مسح أضراره وفقاً للآلية والمعايير المعتمدة من قبل الجيش اللبناني، حتى ولو لم يكن واقعاً ضمن المناطق العقارية المشار إليها في الفقرة السابقة”.
وإذ أقرت الصيغة النهائية بعض ما جاء في الاقتراح الأساسي، فإنها عدّلت بعض موادها. وقد جاءت أبرز بنودها على الشكل الآتي:
- تكليف المديرية العامة للتنظيم المدني بوضع إشارة منع تصرّف على جميع الصحائف العينية للعقارات.
- جواز الاستحصال على رخص بناء في المنطقة وذلك بخلاف الاقتراح الأساسي كما ذكرنا أعلاه.
- وإذ تمّ التراجع عن إلغاء منح إذن للتصرّف بالعقار خلال مهلة التجميد ومنع التصرّف تمنحه اللجنة التنسيقية (والتي نعود إليها في ما يلي) كما كان متاحاً في الاقتراح – وهو أمر إيجابي – إلا أن القانون استثنى من أحكام منع التصرّف والتجميد، الأبنية المخصصة للبيع من الغير والتي يملكها من “يتعاطى الأعمال العقارية وتجارة الأبنية بحسب قيود وزارة المالية”، والعقارات المملوكة من شركة “سوليدير” أو الواقعة في نطاقها (مع ما لذلك من توسيع لنطاق الاستثناء)، والتأمينات العقارية المعقودة بهدف إعادة الترميم والبناء. بمعنى آخر، وبحجة حماية الأفراد من الغبن، تم حصر عرض بيع العقارات في “المنطقة المتضرّرة” بالمطورين العقاريين وشركة سوليدر وأصحاب العقارات الواقعة في منطقتها، مع ما لذلك من زيادة لامتيازات هذه الشركة التي تتمتّع بها على السوق العقارية وذلك منذ ثلاثة عقود، وتوسيع لقدرتهم على التحكّم بالأسعار. فهو إذاً تعزيز لاحتكار الكبار بحجّة حماية الضعفاء.
- حصر منع التصرّف في العقارات الواقعة في المرفأ، الصيفي، المدوّر، والرميل. بالمقابل، بقيت منطقة الباشورة خارج نطاق حماية القانون، رغم أنها منطقة تاريخية مميّزة بنسيجها العمراني، متوسطة إلى منخفضة الدخل تحاذي وسط البلد، وتفصل بين غرب بيروت وشرقها، وتشهد موجات هدمٍ وشراء عقاراتٍ لصالح المشاريع العقارية الضخمة. وعليه، يميّز القانون في حماية أصحاب العقارات المتضرّرة من الغبن وشراء عقاراتهم بأبخس الأثمان، فلا يحمي سوى مالكي العقارات في هذه المناطق. أما الآخرون فيستفيدون فقط بموجب القانون بحق في التعويض. ومن هذه الزاوية، يكشف القانون عن بعد طائفي واضح قوامه الحفاظ على “الهوية الطائفية” لبعض المناطق الجغرافية بما يعكس ما أسمته “المفكرة القانونية” ب”الطائفية العقارية”.
- ختاما، تجدر الإشارة إلى أنه بالنسبة لوكالات البيع أو الوعود بالبيع أو عقود البيع الممسوحة المعقودة بين 5 آب 2020 وتاريخ نشر القانون، فقد انتهى القانون إلى تجميدها – في حين كان الاقتراح في نسخته الأساسية يعمد إلى إلغائها – على أن تُعرض وجوباً على لجنة متخصصة للتدقيق فيها والتحقق من صحتها وخلوّها من عيوب الرضى. وتنشأ اللجنة المتخصّصة هذه بقرار من وزير العدل (من دون أي إشارة إلى مجلس القضاء الأعلى)، في مهلة 10 أيام من تاريخ نشر القانون، برئاسة قاضٍ من الدرجة 10 وما فوق، وعضوية قاضيين من الدرجة 8 ما فوق وخبير مهندس مدني وخبير تخمين عقاري محلّفين، على أن يلحق بها مساعدان قضائيان من الفئة 4 لضبط المحاضر، وعلى أن تحدّد تعويضات جميع هؤلاء في قرار التعيين. وللجنة مهلة شهرين من ورود الطلب لإصدار قرارها المعلّل، الذي يمكن الطعن به أمام محكمة الاستئناف المدنية في بيروت في مهلة 15 يوماً.
حماية هشة للأبنية التراثية ولا حماية للأحياء التراثية
بالنسبة للأبنية ذات الطابع التراثي، ينيط القانون بوزارة الثقافة صلاحية وضع خطة لإعادة الإعمار و/أو الترميم، كما أنه يمنع إعادة البناء في هذه المجال من دون إذن من هذه الوزارة “تراعى فيه المواصفات نفسها والشكل الخارجي نفسه” للبناء المهدم أو المتضرّر. كما هو ينيط باللجنة التنسيقية المزمع إنشاؤها الرقابة على إتمام عمليات الترميم والتدعيم للأبنية التراثية والمصنّفة وفقاً للقوانين المرعية الإجراء. ولكن الإشكالية هنا كما أكّد نقيب المهندسين جاد تابت هو عدم لحظ “القوانين اللبنانية (…) أية تدابير خاصة بالنسبة للأبنية التراثية باستثناء تلك المسجلة على لائحة الجرد العام والتي لا تشمل سوى جزء ضئيل جدا من الأبنية التراثية”، مما يعني ترك مصير أغلبية الأبنية هذه في وضعية غامضة.
أبعد من ذلك، يكتفي القانون بالتأكيد على أنه وبالنسبة للأبنية الموضوعة على لائحة جرد الأبنية ذات الطابع التراثي، “يمنع منعاً باتاً ترتيب أي حق عيني من أي نوع كان (عليها) إلا بعد مراجعة وزارة الثقافة”. ومن غير المعروف إن كانت ستفسّر هذه “المراجعة” كامكانية الاكتفاء بإعلام الوزارة، أو إن كان ضرورياً الاستحصال على موافقتها. ولا يتضمّن القانون أي معيار أو قيد على قرار الوزارة. كما لا يتضمّن أية ضمانة لعودة شاغليها سريعاً إليها كما أشرنا إليه أعلاه.
تبعاً لما سبق، تُعتبر آلية حماية الأبنية التراثية وإعادة إعمارها التي يضعها القانون – خصوصاً إن كانت موازية لنظام منع التصرّف والتجميد لحماية المناطق المتضررة – هشة جدّا، كما أنها لا تأخذ بعين الاعتبار قاطني المباني ولا تحيط الآلية بمقاربة شاملة اجتماعية واقتصادية.
كما يلحظ أنّ القانون لم يأت على ذكر معاملات رخص البناء الجديدة، أي أنّه يجيز وفق النقيب تابت “لمالك عقار غير مبني كما على العقارات التي لا تحتوي أبنية صنفت تراثية (مع كل ما يشوب هذا التصنيف من غموض) الاستحصال على رخصة لبناء أبراج أو أبنية لا تنسجم مع النسيج التقليدي للمنطقة مما يؤدي إلى تشويه طابع الأحياء ومحو الهوية التاريخية للمدينة، تلك الهوية التي يهدف القانون إلى حمايتها كما أوضحته الأسباب الموجبة، كل ذلك في ظل اقتصار الحماية القانونية للأبنية التراثية من دون الأحياء”.
غياب أي حماية خاصة للنسيج السكاني
فضلا عما تقدم لجهة استبعاد وضع المنطقة قيد الدرس وغياب الحماية للمناطق التراثية، يتجاهل القانون ضرورة حماية النسيج الاجتماعي، والمجتمعات وسُبل الحياة المحلّية التي تضرّرت على نحوٍ بالغٍ بفعل الانفجار، ما يذكّر بجهود حفظ التراث في منتصف تسعينات القرن الماضي التي لم تقترن بإطار تنظيمي أكثر شمولية يتضمن حماية الأحياء كأحياء حقوق السكن في بيروت ما بعد حرب 1975-1990، ما أدّى إلى موجاتٍ واسعةٍ من هدم المباني والتهجير.
مثلاً، ورغم أنّ النسيج العمراني التراثي محفوظٌ على نحوٍ جيدٍ في المناطق المتضرّرة من الانفجار، وتحديدًا الجمّيزة ومار مخايل، غير أن السكّان الذين هم بمعظمهم مستأجرون وبعض المالكين المُقيمين، يصارعون موجةَ من الإحلال الطبقي العمراني للأحياء، تتجلّى في سيطرة الحانات والمطاعم والAirbnb (تأجير الأفراد لغرفة أو شقة عبر تطبيق Airbnb) على المباني التاريخية وإفراغها من سكانها القدامى. وتتزامن هذه الموجة مع عمليات نقلٍ واسعة للملكية إلى الشركات العقارية، ما أدّى في أحيانٍ كثيرةٍ إلى هدم المباني التراثية واستبدالها بناطحات سحاب. في ضوء ذلك، يبدو القانون الجديد أشبه بأداةٍ للسيطرة على المنطقة وفرز عمليات نقل الملكية أكثر منه وسيلةً للحدّ من التغييرات التي تؤثّر على النسيج السكّاني.
وتعتبر من هذا المنطلق آليات تمديد عقود الإشغال لسنة واحدة ومنع التصرّف والتجميد التي يرسيها القانون غير كافية لتحقيق أهدافه المعلنة وهي حماية المناطق المتضررة من المضاربة العقارية، وبمثابة تأجيل للمشكلة، خصوصاً إن لم تترافق مع اجراءات أخرى، أبرزها تسهيل شروط الحصول على تراخيص لترميم المباني المتضررة، منعا لتعسف المالكين غير الراغبين بترميمها. وكانت برزت لدى قاطني المنطقة والعاملين فيها إشكالية الاستحصال على تراخيص ترميم المباني: فبحسب قانون البناء، إن أشغال التدعيم التي تتناول الهيكل الأساسي لأي مبنى تخضع لرخصة ترميم إلزاميّة يطلبها المالك (أو يجب إرفاق الطلب بموافقته الخطيّة أو بقرار قضائي يسمح للمستأجر بالترميم). وطبعاً، وفي حال تمنّع المالك عن الترميم أو منع المستأجر من تصليح الأضرار لسببٍ أو لآخر، يصبح المستأجر أمام خطرٍ جدّي بالتهجير. ومن الأمثلة التي تم رصدها، قهوة “أم نزيه” في منطقة الجمّيزة والتي تقع ضمن بناءٍ لحقت به أضرار إنشائية. مدّدت “إم نزيه” عقد إيجارها العام الماضي عشر سنوات، أي حتّى 2029. غير أنّ مالك المبنى – وهو شركة استثمارية تملك مباني عدة في الحي – يرفض بدء معاملات الاستحصال على رخصة وبالتالي يمنع الترميم لرغبته ببيع العقارات. فبالرغم من استعداد “مبادرة بيروت للتراث” لترميم المبنى على نفقتها بالتعاون مع “المركز العربي للعمارة”، إلّا أنّ المالك يرى في الترميم عائقاً أمام بيع عقاراته، حيث تزداد احتمالات البيع والمضاربة العقارية إذا كان العقار خاليا والبناء مهدوما. فيغدو إذاً القانون عاجزاً تماماً عن تحقيق أهدافه المعلنة، حيث أن إبقاء شرط الاستحصال على تراخيص الترميم على حاله يجعل مالك البناء قادراً على التلكؤ عن الترميم خلال مدة السنتين إلى حين يصبح ممكناً بيع العقار.
كما ينبغي تقديم الحوافز لأصحاب المباني كأن يُمنحوا أولوية في الترميم مقابل الالتزام بشروط اجتماعيّة وبرامج السكن الميّسر وبإعطاء شاغلي الأبنية ما قبل الانفجار أولوية العودة إلى إشغالها. علاوة على ذلك، لا بدّ أن تنفّذ بلدية بيروت ومحافظها واجبها في فرض الترميم أو أخذه على عاتقها، وفق ما تحدده المادة 18 من قانون البناء1المادة 18 (قسم 7) من قانون البناء 646 \ 2004: “على المالكين أن يحافظوا على نظافة واجهات أبنيتهم وأجزائها الأخرى وعليهم عند الاقتضاء أن يقوموا بدهنها أو توريقها أو طرشها أو ترميمها، وإذا تمنعوا يحق للبلدية بعد إخطارهم أن تقوم بالعمل المذكور على نفقتهم.”.
في سياق موازٍ، قرّر المجلس الأعلى للتنظيم المُدني إحالة كافة طلبات التراخيص والتصاريح المتعلّقة بترميم الأبنية المنجزة قبل عام 1971 إلى المديرية العامة للآثار في وزارة الثقافة لاتخاذ الإجراء المناسب بشأنها من دون ربط المديرية بآجال قصيرة. هذا القرار وإن يهدف إلى حماية الأبنية التراثية المتضرّرة من انفجار المرفأ، إلّا أنّه يقتضي العمل على تبديد المخاوف التي يثيرها لجهة احتمال تأخير عمليات الترميم في وقتٍ يحتاج فيه السكان للعودة السريعة والآمنة إلى منازلهم.
وعلى صعيد متّصل، وإن تضمّن القانون فقرة تمدّد عقود الإيجارات كلّها (السكنية وغير السكنية، العادية أو الاستثنائية) بمفاعيلها كافةً ولمدّة سنة كاملة اعتباراً من نشره، فلا بدّ من اعتبار ذلك أيضاً غير كافٍ. فنظرًا للوضع الاقتصادي الذي يتراجع باطّراد، والأزمات المتتالية القاسية التي تضرب المجتمع اللبناني والوقت الذي سيستغرقه ترميم هذه المباني، لا بدّ من إقرار قانون إيجاراتٍ جديدٍ يضمن بدلات عادلةٍ ويوفّر الأمن والاستدامة في حماية حقوق السكن. وقد أخلّ هذا البند تاليا بالتوازن بين حق الملكية والإعتبارات الأخرى.
ختاما، يلحظ أن الأسباب الموجبة للقانون أعادت التأكيد على “قدسية حقوق الملكية الفردية” وتلازمها مع مبدأ حرية التعاقد، كما وعلى القيمة الدستورية للمبادرة الفردية في إطار النظام الاقتصادي الحر، علما أن إعلان قداسة هذا الحق جاء كمقدّمة لضرورة مراعاة الملكية الفردية للمصلحة العامة (التي حصرتها الأسباب الموجبة بالحفاظ على التراث) والانتظام العام (الذي حصرته الأسباب الموجبة بمكافحة الغبن والاستغلال). وعليه، وبالإضافة إلى ما تقدم، تلقى مبررات القانون كما نصه النقد من زوايا عدة، أهمها لجهة تجاهل الحقوق والمصالح الأخرى والتي يفترض أنها لا تقلّ قيمة (دستورية) عن حق الملكية كالعدالة الإجتماعية والمساواة – أمام الأعباء العامة – (فقرة ج من مقدمة الدستور) والحق في السكن، وهي حقوق ومصالح تجدر دائما الموازنة بينها وبين الملكية الفردية. وانطلاقا من ذلك، لا تكون القيود على الحق بالملكية مبرّرة فقط عند توفر أأسباب ظرفية واستثنائية، إنما إعمالاً لضرورة التوازن الدائم والمستمر بينه وبين الحقوق الدستورية الأخرى.
2- حقوق التعويض والتقديمات الأخرى
يؤسس القانون لحق المتضرّرين بالتعويض، ولتقديمات أخرى لهم أو لذويهم، كما لسلسلة من الإعفاءات الضريبية.
حق المتضرّرين بالتعويض
من اللافت تعريف القانون للشخص المتضرّر على أنه “كل شخص طبيعي أصيب بضرر جسماني أيّاً تكن نتيجته، هو أو ورثته في حال وفاته بنتيجة الانفجار، كما وكل شخص طبيعي أو معنوي تعرّض لضرر مادي من أي نوع كان بنتيجة الانفجار”. ويكرّس القانون حقاً بالتعويض وفقاً لآلية يقرّرها مجلس الوزراء، يشمل نطاقه نطاقاً أوسع من تعريف “المناطق المتضررة”، بحيث يشمل جميع الأبنية المتضررة من الانفجار سواء الواقعة في المناطق المتضررة أم خارجها. وتضع اللجنة التنسيقية المنشأة بموجب القانون “آلية لتلقّي المساعدات الدولية، تقترن بموافقة مجلس الوزراء كما وتنسّق مع الجهات الداخلية الرسمية أو شبه الرسمية أو الخاصة في كيفية إفادة المتضررين من المساعدات أو الهبات التي تلقّتها تلك الجهات أو ستتلقّاها”.
وتجدر الإشارة في هذه السياق إلى قيام الهيئة العليا للإغاثة بتحويل مبلغ 100 مليار ليرة إلى خزينة الجيش وذلك استناداً إلى قرار اتخذه رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب في 19/10/2020، لدفع تعويضات المتضررين من انفجار المرفأ استناداً إلى آلية تضعها قيادة الجيش ومحافظة بيروت وفق جداول اسمية يضعها الجيش ويتم الالتزام بالأولوية الواردة فيها، في تجاهل تام لمندرجات هذا القانون.
ومن اللافت أن القانون ألغى المهلة التي كانت محدّدة في الصيغة الأساسية للاقتراح للتعويض الفعلي، وكانت شهرين من تاريخ مصادقة مجلس الوزراء على قوائم الأضرار والتعويضات. وبفعل ذلك، يخشى أن تطول فترة انتظار المتضررين للتعويض أو أن تؤدي الآلية الموضوعة في القانون إلى تأخير مسار التعويض الشائك بطبيعته. وقد كان من الأجدى عدم ربط الحق بالتعويض الفعلي بالانتهاء من عمليات المسح والتخمين، بل وتفعيلاً لمسار التعويض، إقرار مساعدة عاجلة متساوية (تكون سلفة الحد الأدنى للتعويض) لمجمل المتضرّرين تمكنهم من تلبية احتياجاتهم الأكثر إلحاحا، على أن يستكمل تعويض هؤلاء بعد الانتهاء من عمليات المسح والتخمين.
ويوضح القانون أن تمويل هذه التعويضات يكون من الهبات والمساعدات الدولية ومن اعتماد 1500 مليار ل.ل. يتم صرفه من قبل اللجنة وفق “الأولوية للفئات الأكثر حاجة بين مستحقي التعويض”، لا سيما الذين لم ينالوا أي مساعدة من أي جهةٍ كانت، بحسب ما يكون قد رشح عن عملها التوثيقي. ويوضح القانون أن المبالغ تدفع كمساهمة مالية من الدولة اللبنانية لأجل إعادة الترميم بحسب تخمين الأضرار المجرى من قبل الجيش اللبناني و/أو الهيئة العليا للإغاثة، “دون حاجة لأي معاملة أخرى سوى التأكد من المباشرة بأعمال الترميم أو إعادة البناء ضمن مهلة شهر من تاريخ تلقّي المساعدة”.
ويكون القانون قد تجاهل تماماً مطالب المتضررين كما الرأي العام اللبناني وشروط الجهات المانحة بوضع آليات تضمن تمثيل أصحاب الحقوق في عملية تقدير ومسح الأضرار وتقرير التصرّف بالأموال المتوفّرة للتعويض، منعاً لتحويلها مزراباً إضافياً من مزاريب الفساد.
تقديمات متفرّقة تفتقد إلى أي رؤية أو دراسة أثر اقتصادي واجتماعي
يبقي القانون ذوي الأجراء اللبنانيين الذين قضوا في انفجار مرفأ بيروت أيا كانت مدة أو نوع أو طبيعة أو شكل أو صحة عقود العمل الخاصة بهم، والذين كانوا يستفيدون من تقديمات الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، خاضعين لتقديماته الصحية. كما يمنح من لا يستفيدون من تغطية الضمان الإجتماعية حقّ الأفضلية في الاستفادة من التقديمات الصحية لوزارة الصحة العامة على أساس تغطية شاملة، بمعنى أن القانون منحهم هذا الحق بالمفاضلة على مواطنين آخرين قد تكون لهم حاجات أكثر إلحاحا، وهو أمر غير مبرر.
وفي مجال الحق بالتغطية الصحية – كما في مجال الحق بالسكن –، اختار واضعو القانون التشريع الظرفي، والذي يضع الأعباء الإضافية على الدولة من دون إعادة النظر في الجدوى التشريعية، خصوصاً أنه ومع الأزمات المتتالية التي يشهدها لبنان بات أكثر اللبنانيين في وضع هش جداً على صعيد حقّهم بالحماية الاجتماعية.
من جهة أخرى، عمد القانون إلى إلزام المصرف المركزي بدعم “المتطلبات المستوردة والتي تدخل في عمليات الأعمار أو الترميم أو الإصلاحات”، من خلال تأمينه ما يشير إليها القانون ب”التغطية بالدولار الأمريكي القابل للتحويل” – أي الدولارات الفعلية – لطلبات المتضررين في هذا المجال، وفق تعريف القانون، والذين يملكون حساباً بالدولار الأمريكي، بعد تقديمهم فواتير رسمية صادرة عن مورّد مسجل وفق الأصول في إحدى المؤسسات الاقتصادية والمهنية الرسمية وله رقم مالي. وعدا عن أن القانون يبقى فضفاضاً ويترك للمصرف المركزي إصدار التعاميم بهذا الشأن، فإنه أنشأ حقاً بالأفضلية للمتضرّرين أصحاب الإيداعات بالدولار (أي الأكثر يسراً بالمبدأ) للاستفادة من الدعم والحصول على الدولارات الفعلية لاستيراد مستلزمات إعادة الإعمار من الاحتياطي العام بالعملات الأجنبية، عوض قيام الدولة باستيرادها مباشرة وتوزيعها بشكل عادل، وعلى حساب الأمن الطاقوي والغذائي والدوائي للبلاد، مع ما تفتحه الآلية من امكانيات للالتفاف على القانون والمصلحة العامة.
سلسلة من الاعفاءات الضريبية تبقى منتقصة
ينص القانون على سلسلة من الإعفاءات الضريبية ومن بعض الرسوم يستفيد منها المتضررون والأشخاص الذين يقدمون المساعدات والهبات لهم.
- فعلى صعيد المتضرّرين: تعفى رخص الترميم وعمليات إعادة البناء من الرسوم المتوجبة؛ كما تعفى وحدات العقـارات أو أقسامها التي هدمت أو تضررت من رسم القيمة التاجيرية وضريبة الأملاك المبنية وذلك من 1/1/2020 ولغاية 31/12/2021، كما من رسوم المياه والكهرباء والهاتف الثابت عن العام 2020 (على أن تستمر جميع هذه الإعفاءات حتى الانتهاء من عمليات الترميم).” كما تعتبر الأضرار من الأعباء القابلة للتنزيل عند احتساب الضريبة على الدخل؛ وتعفى الآليات المتضررة من الرسوم الجمركية ورسوم السير، والآلية الجديدة من رسوم التسجيل، كما يستردّ أصحاب البضائع التي تلفت في المرفأ الرسوم الجمركية التي تكبّدوها. وتبقى هذه الاعفاءات على أهميّتها منقوصة، إذ هي تفتقد إلى التحفيزات الأساسية في سبيل صون الحق بالوصول إلى سكن ميسّر، من خلال مثلاً وضع اعفاءات وتحفيزات في سبيل ترميم الأبنية لقاء تخصيص نسبة منها للسكن الميسّر.
- أمّا على صعيد الهبات، وبعدما نص القانون على القبول بكافة الهبات والمساعدات التي تقدم من جهات خارجية أو داخلية لصالح الإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات واتحادات البلديات وسائر أشخاص القانون العام بناءً على كتب صادرة عن الهيئة العليا لإغاثة، عمد القانون إلى وضع سلسلة من الإعفاءات بحيث: تعفى الهبات كما المبالغ الملحوظة في بوالص التأمين على الحياة لشخص قضى في الانفجار من رسم الانتقال؛ وتعفى الهبات من الطابع المالي والرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة؛ وتنزّل من واردات المؤسسات الخاضعة للتكليف بضريبة الدخل على أساس الربح الحقيقي، المبالغ التي تدفعها تلك المؤسسات على سبيل المساعدة، من 5/8/2020 ولغاية 31/12/2021.
على صعيد متّصل، عمد القانون إلى تجميد الإجراءات للمتأخرين عن تسديد القروض المصرفية المستحصلة لشراء المنازل والسيارات التي تضررت، اعتباراً من 1/8/2020، وتمديد العقود المرتبطة بهذه القروض مدة سنة، وعلى إعادة جدولة الديون بعد انتهاء مهل التعليق بفائدة لا تتعدى نسبتها نسبة الفائدة الجاري التعامل بها على قروض الإسكان.
3- ما هي جدوى إنشاء لجنة تنسيقية جديدة؟
ينشئ القانون لجنة تنسيقية تضمّ ممثلين عن عدّة وزارات وإدارات معنية2وزارات الدفاع الوطني، الداخلية، الأشغال العامة – المديرية العامة للتنظيم المدني، المالية – المديرية العامة للشؤون العقارية، الثقافة، وقيادة الجيش، وبلدية بيروت ومحافظها، ونقابة المهندسين، والهيئة العليا للإغاثة، ومجلس الانماء والاعمار والمؤسسة العامة للإسكان بعملية المسح والإغاثة والتعويض، لا سيّما هيئة الإغاثة3للتذكير، أُنشئت الهيئة العليا للإغاثة في العام 1976، خلال الحرب اللبنانية، كهيئة تنسيقيّة تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، بموجب مرسوم اشتراعي. وكان الهدف الأساسي من إنشائها تلبية الأمور الطارئة المتعلّقة بالإغاثة، والتي لا تحتمل الانتظار وإجراءات الوزارات والإدارات الرسمية البطيئة، على أن يتمّ ذلك عبر الاستعانة بموظّفين من هذه الوزارات أو الإدارات العامّة عند الحاجة. وبعد نقل سلطة الوصاية عليها بقرار رئيس مجلس الوزراء المخالف للقانون، إثر عدوان نيسان 1996 الإسرائيلي، من وزارة الشؤون الاجتماعية إلى رئاسة مجلس الوزراء، تحوّلت الهيئة إلى مجلس وزراء بديل، واستخدمت كمظلّة وهمية لإنفاقاتها خارج الآليات الإدارية التي تتطلّب مناقصة، وموافقة ديوان المحاسبة، واجراءات قانونية أخرى. توسّع مجال عملها لأمور غير طارئة، فقامت بأشغال عديدة بطريقة التراضي تحت ذريعة السرعة التي لا تنتظر المناقصات، وبحجّة تحرير المشاريع من الروتين الإداري، وأنفقت المليارات على مشاريع هي من صلب عمل الوزارات (مثل مشاريع الاستملاك)، لا بل تعدّت نفقاتها في بعض السنوات نفقات عدّة وزارات مُجتمعة. ومجلس الإنماء والاعمار.
مهمة اللجنة، وفي مهلة 3 أشهر من تشكيلها، مسح كل الأضرار الناجمة عن إنفجار 4 آب وتوثيقها، على أن تتخذ اللجنة إجراءات مختلفة يحدّدها القانون من معاينة وتلقي الطلبات والوثائق المتعلقة بالأضرار وتخمين كلفة إعادة الإعمار وتقدير التعويض المناسب لكل عقار، كما والتأكّد أن عملية ترميم الأبنية التراثية والمصنّفة قانونية. وترفع اللجنة تقريراً بنتائج هذا المسح إلى رئاسة مجلس الوزراء.
ويفرض تشكيل هذه اللجنة الملاحظات التالية:
– من اللافت إقصاء أي جهة قد تمثّل أصحاب الحقوق والمتضررين والسكّان من عضوية هذه اللجنة، مما كان ليعزّز الشفافية والتشاركية الضروريتين تحديداً بعد انهيار ثقة المجتمع بالمسارات الرسمية مع انتفاضة 17 تشرين والمطالبات بتغيير جذري للمنظومة الحاكمة.
– وضعت اللجنة تحت رئاسة ممثل الجيش اللبناني، مما يؤكد منحى توسيع صلاحيات الجيش والذي بدأ مع إعلان حالة الطوارئ وتمديدها بعيد الإنفجار، وهو نظام عسكري يمنح قيادة الجيش سلطات استثنائية وواسعة في تقييد الحقوق والحرّيات، في حين أن أنظمة مدنية هي كافية للاضطلاع بهذه المهمّة لا سيّما التعبئة العامة، وأنّه جرى تمديد حالة الطوارئ بشكل غير قانوني.
– يقتضي التساؤل عن جدوى إنشاء لجنة تنسيقية جديدة تضمّ الهيئة العليا للإغاثة ومجلس الإنماء والإعمار، في حين أن وظائف هاتين الجهتين المنشأتين عام 1976 هي بالتحديد تنسيق أعمال الإغاثة للأولى وأعمال إعادة الإعمار للثانية.
– يلزم القانون الجهات المختلفة التي أجرت عمليات مسح بتزويد اللجنة بكامل المعلومات المتوفّرة لديها، والوثائق المتعلقّة بالأضرار التي تمّ حصرها أو مسحها بين تاريخ حصول الانفجار وتاريخ نفاذ هذا القانون. ويجوز للجنة لهذا الغرض مخاطبة من تراه مناسباً من تلك الجهات. وإلى جانب التساؤل عن فعالية هذا الإلزام وترتّب أي نتائج على تمنّع جهة ما عن التنسيق معها، فكأن القانون يغضّ النظر عن تشكيك واسع من قبل المجتمع الأهلي اللبناني كما الجهات الدولية المنخرطة بتقديم المساعدات، بمصداقية الجهات الرسمية اللبنانية. فرغم كل المطالبات بوضع آليات تشاركية وشفافة ترافق أعمال الجهات الرسمية، ما زال الناس مبعدين عن دوائر أخذ القرارات حيث يتم تحديد مصائرهم.
ونشير ختاماً في هذا السياق، إلى أن القانون نصّ على مهلة أسبوعين من تاريخ نشره لتشكيل اللجنة وتسمية الممثلين عن كل جهة. كما أنه أعطى مهلة 3 أشهر من تاريخ تشكيلها لجمع المعلومات، وترك لها وضع نظام داخلي لعملها.
يمكن ختاماً التأكيد على أن القانون يفتقد إلى أية رؤية لإعادة الإعمار تستفيد من دروس الماضي. ففصل التخطيط بمستواه المادي physical عن المستويات الاجتماعية السياسية الاقتصادية يقدّم شكلاً مبتوراً وغير واقعي للتخطيط. بالمقابل، وبموازاة وضع ضوابط على انتقال الملكية وضم الأراضي، كان يجدر على السلطات تمكين السكان من الترميم السريع، وإيضاح مسار تسديد التعويضات، وتقديم الحوافز، ومنح الأولوية لضمان السكن الميسّر، ووضع مسار لتأهيل الحيّز العام، بالإضافة إلى إرساء سياساتٍ تحدّ من المضاربات في المدينة برمّتها.
المراجع
- 1المادة 18 (قسم 7) من قانون البناء 646 \ 2004: “على المالكين أن يحافظوا على نظافة واجهات أبنيتهم وأجزائها الأخرى وعليهم عند الاقتضاء أن يقوموا بدهنها أو توريقها أو طرشها أو ترميمها، وإذا تمنعوا يحق للبلدية بعد إخطارهم أن تقوم بالعمل المذكور على نفقتهم.”
- 2وزارات الدفاع الوطني، الداخلية، الأشغال العامة – المديرية العامة للتنظيم المدني، المالية – المديرية العامة للشؤون العقارية، الثقافة، وقيادة الجيش، وبلدية بيروت ومحافظها، ونقابة المهندسين، والهيئة العليا للإغاثة، ومجلس الانماء والاعمار والمؤسسة العامة للإسكان
- 3للتذكير، أُنشئت الهيئة العليا للإغاثة في العام 1976، خلال الحرب اللبنانية، كهيئة تنسيقيّة تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، بموجب مرسوم اشتراعي. وكان الهدف الأساسي من إنشائها تلبية الأمور الطارئة المتعلّقة بالإغاثة، والتي لا تحتمل الانتظار وإجراءات الوزارات والإدارات الرسمية البطيئة، على أن يتمّ ذلك عبر الاستعانة بموظّفين من هذه الوزارات أو الإدارات العامّة عند الحاجة. وبعد نقل سلطة الوصاية عليها بقرار رئيس مجلس الوزراء المخالف للقانون، إثر عدوان نيسان 1996 الإسرائيلي، من وزارة الشؤون الاجتماعية إلى رئاسة مجلس الوزراء، تحوّلت الهيئة إلى مجلس وزراء بديل، واستخدمت كمظلّة وهمية لإنفاقاتها خارج الآليات الإدارية التي تتطلّب مناقصة، وموافقة ديوان المحاسبة، واجراءات قانونية أخرى. توسّع مجال عملها لأمور غير طارئة، فقامت بأشغال عديدة بطريقة التراضي تحت ذريعة السرعة التي لا تنتظر المناقصات، وبحجّة تحرير المشاريع من الروتين الإداري، وأنفقت المليارات على مشاريع هي من صلب عمل الوزارات (مثل مشاريع الاستملاك)، لا بل تعدّت نفقاتها في بعض السنوات نفقات عدّة وزارات مُجتمعة.