إذا كنت مستأجراً/ة لمحل تجاري/صناعي/مهنة حرّة/مهنة حرفية منذ ما قبل العام 1992 اقرأ/ي حول إشكاليات القانون ودوافع الطعن ووقّع/ي العريضة للضغط نحو تشريع أكثر عدلاً.
نتحرك ضد القوانين المدمّرة للنسيج العمراني والاقتصادي.
سنرسل هذه العريضة والتواقيع المرفقة إلى النواب والمعنيين.
لتحميل الوثيقة، انقر/ي هنا.
أقرّ المجلس النيابي مؤخّراً اقتراح قانون تحرير الإيجارات غير السكنيّة القديمة، إلّا أنّ الحكومة بعد إصداره وضمن مهلة الإصدار وبعد إعادة درسه، قررّت ردّه إلى المجلس النيابي بموجب مرسوم إعادة رقم 12835، طالبة من المجلس إعادة النظر فيه. إلّا أن مجلس شورى الدولة، وبناء على مراجعة مقدمّة من جمعية تجمع مالكي الابنية المؤجرة، أصدر بتاريخ 4 نيسان 2024 قراراً غير مسبوق بوقف تنفيذ مرسوم الإحالة تاريخ 12/1/2024، أي وقف تنفيذ المرسوم القاضي بردّ قانون الإيجارات. وهذا القرار هو قرار إعدادي أوّلي لا يفصل في أساس النزاع، ويكون مجلس شورى الدولة قد تجاوز صلاحيته بهذا القرار، كون الطعن بمرسوم الإحالة يعتبر من الأعمال الحكومية التي أخرجها الإجتهاد المستقرّ من رقابة القضاء برمّته والقضاء الإداري بشكل خاص.
يهمّ استوديو أشغال عامة هنا إبداء الرأي بشأن هذا القانون وما يستدعيه من تعديل، وذلك من أجل تشريع أكثر عدلاً.
أُنتجت هذه الوثيقة استناداً إلى المراجع التالية
- تعليق استوديو أشغال عامة، “اقتراح قانون الضربة القاضية، نحو تدمير ما تبقى من مصالح الناس ومن النسيج العمراني”.
- تعليق المفكرة القانونية، “اقتراح تحرير قانون الايجارات غير السكنيّة: التشريع من دون أي اهتمام بآثاره الاجتماعية”.
- تعليق المفكرة القانونية على مرسوم الرد، “هكذا عرّى مرسوم ردّ الإيجارات غير السكنية رعونة التشريع”.
- تعليق المفكرة القانونية على وقف مرسوم الرد، “«ماذا عن تداعيات وقف مرسوم ردّ قانون الإيجارات غير السكنية؟ إذكاء النزاعات الاجتماعية بدل حلّها”
باختصار، ما هو القانون؟
يقوم هذا الاقتراح على تحرير عقود الإيجارات غير السكنية القديمة (قبل عام 1992)، التي تشمل مجمل عقود الإيجار لممارسة التجارة أو الصناعة أو أي مهنة حرّة منظّمة بقانون أو مهنة حرفيّة أو أي نشاط آخر غير سكني، ضمن تدرّج زمني مهلته أربع سنوات من تاريخ نفاذ القانون، يتّم خلالها رفع البدلات تدريجيّاً خلال هذه الفترة، حتى تصل إلى قيمة بدل المثل، الذي يُحتسب على أساس نسبة 8% من القيمة البيعية للمأجور في حالته الحاضرة فيما لو كان خالياً. وبعدها تصبح الإجارة حرّة وخاضعة لإرادة المتعاقدين.
وقد منح القانون المالك إمكانية تقصير فترة التمديد إلى سنتين في حال تنازله عن حقّه بالزيادات التدريجية.
كما يلحظ القانون إمكانية استرداد المأجور قبل انتهاء المدة في حالات معينة مقابل تعويض يصل إلى 15% من القيمة البيعية للمأجور.
الأسباب الموجبة التي يرتكز عليها القانون
بحسب الأسباب الموجبة، ينص الاقتراح على أنه أتى «لرفع الضرر الواقع على المالكين والمستأجرين في الأماكن غير السكنية جراء عدم إقرار قانون يرعى الإيجارات للأماكن غير السكنيّة، والنزاعات القضائية التي نتجت بسبب تمديد هذه الإيجارات، وإلى ضمان حقوق المواطنين وواجباتهم ولإعادة إعمال الحرية التعاقدية، على أن يتمّ ذلك ضمن تدرّج زمني وبحسب منهجية وآلية محددة وفقاً للروحية المطبّقة في قانون تحرير الإيجارات السكنية، وذلك بعد مرور أكثر من سبعين عاماً على إصدار قوانين إيجارات استثنائية شكلّت انتهاكاً لحقّ الملكية المقدّس. وانطلق وجوب تحرير الإيجارات غير السكنية من ثابتتين: الأولى عدم تحرير الإيجارات على نحو فوري بما يسبّب ضرراً فادحاً للمستأجرين، والثانية عدم تمديد عقود الإيجارات وفق القانون الاستثنائي لما لهذا الأمر من ضرر بالغ بحق المؤجر عبر منعه من الاستفادة من ملكه.»
إشكاليات الاقتراح
يأتي اقتراح القانون هذا في وهم من الفراغ الحقوقي، وكأن لا سابقة له، وكأن المشرّع لم يرَ التأثير المدمّر لقانون تحرير الإيجارات السكنية القديمة، والتغيير الديموغرافي الاقتصادي الاجتماعي العمراني الذي تسبّب به في كل المناطق اللبنانية، وخاصة في بيروت والمدن، كما التهجير المنقطع النظير الذي أنتجه، خاصة لمن هن\م الأكثر حاجة لقانون يحمي حقوقهن\م السكنية.
وبعد مرور حوالي 9 سنوات على القانون الذي أُبطِل جزئياً والصادر عام 2014، و7 سنوات على القانون ساري المفعول راهناً رقم 2/2017 والصادر في 28/2/2017، واللذين قضيا بتحرير الإيجارات السكنية القديمة، وفي ظلّ أزمةٍ اقتصادية غير مسبوقة، تتعرّض الإيجارات غير السكنية القديمة اليوم بأن تلقى المصير نفسه للإيجارات السكنية القديمة، وهو ما سيترافق مع تردّدات تطال المناطق اللبنانية كافة، خاصة بيروت والمدن الكبرى الأخرى وقلبها التاريخيّ القديم.
منذ البداية يتّضح مدى انفصال القانون عن الواقع، كونه يرتكز على عدم عدالة الاستمرار في عقود الإيجار غير السكنية بفعل المساس بالملكية الخاصة فقط، من دون إيلاء أيّ اهتمام لحقوق مَن لا يتمتّعون بامتياز “المُلكية”، ومَن يخسرون أماكن عملهم في ظلّ انهيارٍ اقتصادي غير مسبوق وغياب أيّ قوانين تحميهم، ومن تتغيّر مدنهم ومراكز التجارة فيها، لتصبح مراكز نخبوية تلبّي حاجات الأقلية. كما أن القانون يرتكز على المساس بالحرية التعاقدية، ممّا يعيدنا إلى إشكالية قوانين الإيجار الحالية التي تعتمد على مقاربة استثمارية للمساحة، لا تهتمّ بتعزيز استدامة أماكن السكن والعمل.
- الانحياز التام لمصالح المالكين
يبني القانون حجّته على انحياز كامل للمالكين ومصالحهم. فبدلاً من أن يُعمل لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر والتوفيق بين حقوقهما المتضاربة، يرتكز اقتراح القانون على حماية مصالح المالكين، من دون الاهتمام للمصالح الاقتصادية للغالبية القصوى، والتي قد تتأثّر بشكل كبير نتيجة رفع أكلاف استئجار مراكز العمل في ظلّ أزمة خانقة.
فلا يلحظ حاجة المستأجر “في الحفاظ على المأجور لاستمرار نشاطه الاقتصادي، وبخاصة في الحالات التي يشكّل فيها موقع المأجور عنصراً من عناصر مؤسسته التجارية”، بحسب ما برّرت الحكومة به الردّ. الأمر الذي يناقض الحديث السائد حول وجوب تشجيع الاقتصاد المنتج كمدخل للخروج من هذه الأزمة، ويتناسى أن أحد أهمّ مسبّبات الانهيار المالي الحالي هو اعتماد الاقتصاد الوطني على أرباحٍ جنونيةٍ في القطاع العقاري، ممّا ولّد هوةً عميقةً بين أسعار العقارات وبدلات الإيجار من جهةٍ والأجور من جهةٍ أخرى. - غياب التمييز بين فئات المالكين وفئات الايجارات
يميّز نص القانون بين المالكين القدامى الذين عانوا من تأجير ملكيتهم ببدلات متدنيّة، وبين المتعهدين والمستثمرين الذين اشتروا العقارات المعنية بأسعار متدنية لا تتجاوز 50% من قيمتها الحقيقة بحجة أنها مثقلة بأعباء الإجارة القديمة، بحيث يشكلّ تحرير الإيجارات بالنسبة إليهم نوعاً من الإثراء غير المشروع، وهو أمر استندت عليه الحكومة لإعادة القانون إلى مجلس النواب. فبعيداً عن السردية الرائجة القائمة على أن “المالكين القدامى مظلومون”، يشير مرسوم الرد إلى فئة من المالكين لم يعانوا من أي ظلم، واستغلّوا الوضع الاستثنائي لقوانين الإيجارات للقيام باستثمارات وتحقيق الأرباح.
فبعدما تملّك هؤلاء العقارات بنسبة 50 أو 40% من ثمنها، ها هم يحرزون ربحاً هائلاً (50 إلى 60% من ثمنها) في حال إقرار تطبيق قانون تحرير الإيجارات غير السكنية. وهنا، تجدر الإشارة إلى أن هذا الربح يتمّ ليس فقط على حساب المستأجرين الذي فقدوا حق التمديد، إنما قبل كل شيء على حساب المالكين القدامى الذين تخلّوا لهؤلاء عن عقاراتهم لقاء أثمان متدنّية.
بالمقابل، لا يميّز الاقتراح أيضاً بين المستأجرين الكبار من أصحاب الشركات والمراكز التجارية الكبرى أو مؤسسات الدولة أو الأحزاب السياسية، والذين استغلّوا وضع الإيجارات الإستثنائي لمراكمة الثروات، والمستأجرين الصغار من أصحاب المؤسسات التجارية والحرفية الصغيرة والدكاكين الذين يعتمدون بشكل كبير على الدخل الذي يحقّقونه من نشاطهم التجاري لتأمين قوتهم. فالمستأجرين ليسوا فئة واحدة، وبينما يستطيع بعضهم التجاوب مع شروط السوق، ثمة فئات أخرى عدة (لا سيّما في ظل الإنهيار الإقتصادي الذي نعيشه) لا موارد تُذكَر لها، ممّا يفرض على الدولة إيجاد حلولٍ أخرى لها.
ولا يميّز اقتراح القانون بين أوضاع القطاعات المختلفة، حيث أن بعض القطاعات شهدت انفراجاً فيما قطاعات أخرى تتحمّل الوزر الأكبر من الأزمة. - غياب الدراسة الاقتصادية الاجتماعية قبل التشريع
لا يستند التشريع إلى أي دراسة جدّية تتناول الشقّين الاجتماعي والاقتصادي، أحد الأسباب التي اعتمدتها الحكومة لرد اقتراح القانون إلى مجلس النواب. فيغيب عن القانون:
-أيّ معطيات أو إحصاءات بشأن العقود المشمولة به، والتي تتراوح بين 40 و50 ألف عقد إيجار غير سكني، أو عن ماهيتها والخدمات التي تقدّمها أو وضعية المالكين والمستأجرين.
-مؤشّرات غلاء المعيشة ومؤشّرات التضخّم المطابقة للمواصفات العالميّة لتحديد نسبة الزيادات على بدلات الإيجار والمهل المحدّدة في متن القانون، وهذه نقطة أشارت إليها الحكومة أيضاً في مرسوم الرد.
وباختصار، اعتمد المشرّع في اقتراحه هذا التشريع على انحيازه لمصلحة الأقلية المُترَفة، دون النظر لا إلى ما أنتجه القانون المشابه للإيجارات السكنية من آثار مدمّرة لحقوق المستأجرين وللأحياء ومن تهجير وتغيير ديمغرافي عمراني، دون أي يفرّق بين المالكين الكبار من شركات ومجموعات عقارية من جهة وصغار المالكين من جهة أخرى، ودون الاعتماد على أي معلومات أو وقائع متجاهلاً بشكل كامل لحالة الفئات الأكثر تأثّراً بالانهيار الاقتصادي. - غياب الدراسة العمرانية قبل التشريع
لا يبحث التشريع المقترح عن الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والنسيج السكاني لمختلف المناطق اللبنانية، ولا يعطي أي إجابة عن الآلية المرجوّة لإيقاف التهجير والتغيير الطبقي العمراني، ولا يعاين التأثير الكبير الذي سيحمله تطبيقه على المدن الرئيسية وأحيائها وطابعها الاقتصادي-الاجتماعي والعمراني، حيث ستُجبر العديد من المحال والمشاغل الحرفية والمؤسسات على إغلاق أبوابها.
-ففي مدينة صيدا مثلاً، تُعتبر غالبية المحال التجارية (82%) والمشاغل (79%) في المدينة القديمة مستأجرة، ويصل بدل الإيجار الأكثر شيوعاً لكل من المحلات والمشاغل إلى 100 دولار أمريكي شهرياً.
-وفي طرابلس يشكّل المستأجرون في الإيجارات السكنية وغير السكنية الجزء الأكبر (حوالي 80%) من البنية الاجتماعية للمدينة التاريخية في طرابلس، بحسب دراسةٍ أُجريت عام 2001، حيث يعيش العديد منهم في المنطقة منذ 30 إلى 40 عاماً. -وفي منطقة الباشورة في بيروت، تعود معظم الدكاكين الصغيرة وورشات الحرفيين ومناجر الخشب وكراجات الميكانيك وغيرها إلى عام 1945، وهو مؤشّر على قدرتها على البقاء والاستمرار في الحي عبر الأجيال، وعبر الأحداث الأمنية والحروب العديدة.
-من شأن تطبيق القانون أن ينهي عقود الإيجار لأكثر من 300 مدرسة رسميّة، الأمر الذي سيترك عدداً كبيراً من الطلاب الأكثر استضعافاً دون بدائل ملائمة لاستكمال علمهم. وهذا أحد أبرز الأسباب التي استند عليها مرسوم الرد.
ويُطرح هنا السؤال عن كيفية إقرار قانون بهذه الأهمية وهذا التأثير، بعد عرضه على لجنتين تشريعيتين، دون أن يتمّ لفت النظر إلى ضرورة إجراء دراسة مسبقة أو أن تصبح هذه المعلومة معروفةً، في حين كانت الحكومة تعرفها جيداّ. وهو ما يظهر إهمالاً من السلطتين التشريعية التي لم تقم بالأبحاث اللازمة التي من شأنها أن تكشف هذه المعلومات، والتنفيذية التي لم تقدم ما لديها من بيانات ومعلومات إلى اللجان النيابية المكلفة بدراسته. كما ونلحظ هنا بأن الحكومة اكتفت بالإدلاء بهذا الرقم دون الإشارة إلى سائر عقود الإيجار القديمة التي تستفيد منها سائر إداراتها العامة.
- تجاهل برنامج الإصلاح المالي
تحديد بدل المثل على أساس نسبة 8% ثمانية بالمائة من القيمة البيعية للمأجور يتعارض والمنحى المتوجّب على الدولة اتّخاذه للخروج من هذه الأزمة، والمطروح في برنامج الإصلاح الإقتصادي والمالي المقدَّم من الحكومة في أيلول 2022.
فإذا كان الهدف تشجيع الإقتصاد المنتج، لا يمكن تبرير اعتماد بدل مثل للإيجارات غير السكنية يشكّل ضعف بدلات المثل للإيجارات السكنية (4%) و4 أضعاف بدل إيجار أملاك الدولة ( قيمة الإيجار لا يجب أن تقل عن 2% من القيمة التخمينية للعقار بحسب موازنة العام 2022) وحوالي 8 أضعاف بدل إشغال الأملاك العمومية البحرية (أقل من 1%).
وبحسب العديد من المصادر، زيادة بدلات الإيجار 8% من القيمة البيعية للمأجور قيمة خيالية وتُقدّر بآلاف الدولارات. فإذا فَرَضنا بأن قيمة المأجور البيعية تبلغ حوالي 200 ألف دولار، سوف يُحتسب الإيجار السنوي بقيمة 16 ألف دولار، ما يعني أن معظم شاغلي هذه الأقسام لن يتمكنوا من دفع الإيجار، حتى ولو كان تصاعدياً، وسيؤدي ذلك إلى إقفال عدد كبير من المؤسسات والمراكز التجارية، وفناء العديد من الحِرَف والأعمال.ستُشكّل هذه الزيادات أيضاً دافعاً للمزيد من الارتفاع في الأسعار في سوق الإيجار بشكل عام، وبالتالي لاتساع الهوّة بين أسعار العقارات وبدلات الإيجار من جهةٍ والأجور من جهةٍ أخرى، ما سيؤدي إلى تفاقم الانهيار الاقتصادي.
فلو كان هناك أي نية جديّة للعمل نحو انحسار الاقتصاد الريعي المسبّب للأزمة، والتوفيق بين المصالح الجديرة بالحماية وليس الاكتفاء بنيّة إنصاف المالكين القدامى، لوجب إطالة المدة الانتقالية والحد من الأكلاف عبر تخفيض بدل المثل كي لا يتخطّى 2.5% حسب المناطق والقطاعات، أُسوة بالنسَب التي يتم التداول بها في سياق بدلات الإيجار الحرة في الأماكن ذاتها. - عدم مراعاة استدامة النشاط الاقتصادي
تسمح الفقرة الثانية من المادّة المتعلّقة بحالات الاسترداد ومقدار التعويض للمالك أن يطلب استرداد مأجوره بهدف هدم البناء الذي يقع فيه المأجور وإقامة بناء جديد محلّه، مقابل دفع تعويض للمستأجر يبلغ حوالي 15% من القيمة البيعيّة للمأجور. إنّما خلافاً للفقرة الأولى من المادة نفسها، والتي تناولت حق استرداد المأجور الملاصق لمستشفى أو مؤسسة تربوية، واشترطت على المالك تخصيص استعمال العقار المُستَرَد لأغراض المستشفى أو المؤسسة، خلت الفقرة “ب” من أي شرط مماثل حول غاية استخدام البناء الجديد المنوي إقامته محل المأجور.
تُظهر هذه المادة إهمال المشرّع في مراعاة استدامة واستمرارية النشاط الاقتصادي، فلا يُعطى أي أولوية للمستأجرين من أصحاب المؤسسات التجارية والحرفية في استخدام هذا المبنى الجديد لضمان استمرارية مؤسساتهم، عبر الحفاظ على أهم عناصرها، أي الموقع والزبائن، معرّضاً بالتالي عدد كبير من المحال والمشاغل الحرفية والمؤسسات للزوال. فحتى في حال عدم قيام المالك بمشروع البناء، لا يجيز القانون للمستأجرين استرجاع محلاتهم واستكمال نشاطهم، ويكتفي بالحكم لهم بتعويض إضافي يعادل نصف قيمة التعويض الأوّل.
بالتالي، تشرّع هذه المادة هدم المحال والمؤسسات واستبدالها بأبنية جديدة قد تفرّغ المدن من سكانها وتُستغلّ للمضاربة ودفع المزيد من الارتفاع في أسعار العقارات.
من حيث الشكل
يتخلّل اقتراح القانون عدم الوضوح نظراً لتشعُّب بعض مواده بحيث احتوت عشرات الفقرات، ما يحرِّف مبدأ وضوح التشريع الذي كرّسه أيضاً المجلس الدستوري في القرار نفسه:
“بما أن المادة الحادية عشرة من القانون المطعون فيه جاءت في ست صفحات وتضّمنت ثماني عشرة فقرة، وكل فقرة تضمّنت عدة اقسام، ما يتعارض مع الأصول المعتمدة في نص القوانين،
وبما أن الغموض يشوب نص المادة الحادية عشرة المذكورة،
وبما أن الغموض في النص يفسح في المجال أمام تطبيقه بشكل استنسابي وبطرق ملتوية، تسيء الى العدالة والمساواة بين المواطنين أو تنحرف عن النية غير الواضحة اساسا للمشترع، عليه تعتبر المادة الحادية عشرة من القانون المطعون فيه مخالفة للدستور بسبب افتقارها للوضوح
ما العمل إذاً؟
نعتقد بوجوب التحرّك معاً نحو تشريع أكثر عدلاً، من خلال المبادئ والتوصيات التالية:
- وضع منهجية موضوعية خلال دراسة الاقتراح تؤدي إلى وضع تشريع منصف للمالكين القدامى كما المستأجرين على حد سواء، بعد درس وافٍ لواقع العقود والواقع الاقتصادي لكلا الفئتين.
- الحفاظ على استمرارية المؤسسة \ المحل \ المصنع عبر التمييز بين مختلف فئات الإيجارات غير السكنية، أيّ مختلف الأنشطة (صناعية، حرف، تجارية، الخ). فاعتماد معيار واحد مرتكز على القيمة البيعية ليس عادلاً.
- إجراء دراسة حول الأحياء القديمة في المدن الرئيسية وذلك لتقييم الأثر الاجتماعي والاقتصادي لأي قانون مماثل يتم إقراره لاحقاً، علماً بأنّ هكذا قانون لا يمكن إلّا أن يترافق مع تصاميم توجيهية محدَّثة للمدن الرئيسية، لمواجهة خطر الإخلاء والهدم والإحلال الطبقي العمراني الذي سوف تنتج عنه.
- تحديد النسب المئوية لزيادات بدلات الإيجار بما يلائم واقع السوق، وبشكل يرتكز على مؤشر غلاء المعيشة ومؤشر التضخّم السنوي الصادرين عن إدارة الإحصاء المركزي، بشكل مطابق للمواصفات العالمية.
- التوجّه نحو تدخّل الدولة في تنظيم سوق الإيجارات ضماناً لبدلات عادلة تتناسب مع معدّل دخل الفرد، لتحديد حد أقصى لبدلات الإيجار في مناطق معيّنة، وتوفير الشروط والحوافز الضريبية في هذا الإطار.
- على أن يتم كل ما سبق مع مراعاة أعلى معايير التشاركية والشفافية خلال مناقشة الاقتراح.
- ندعو اللجان النيابيّة المعنيّة إلى اتخاذ القرار بجعل جلسات مناقشة الاقتراح علانية، وفق المادة 34 من النظام الداخلي لمجلس النواب والتي تنصّ حرفياً على أنّ: “جلسات اللجان وأعمالها ومحاضرها ووقائع المناقشة والتصويت سرية ما لم تقرّر اللجنة خلاف ذلك”. فمن شأن اتخاذ اللجنة قراراً بعلانية جلساتها أن يسمح للرأي العام بمتابعة مناقشة قانون بهذه الأهمية وتمكين كلّ من ي\تعتقد أن له\ا رأياً يفيد إبداؤه. ونحن واثقات بأن من شأن العلانية أن تسرّع النقاش وأن تثريه وأن تصوّبه عند الاقتضاء، هذا عدا عن أن انتهاج العلانية يشكل بحدّ ذاته خطوة في بداية مسار إصلاح منهجية العمل التشريعي، تقوم على الاعتراف بحق الشعب في المشاركة فيما يُصنع من قوانين باسمه.
امضوا العريضة هنا
اقتراح قانون الضربة القاضية، نحو تدمير ما تبقى من مصالح الناس ومن النسيج العمراني
اقتراح قانون يهدف إلى تحرير الإيجارات القديمة غير السكنية.
أنهت اللجان (لجنة الإدارة والعدل في 5/7/2022 ولجنة المال والموازنة في 21/7/2022) دراسة اقتراح قانون الإيجارات للأماكن غير السكنيّة، وبات من المنتظر وضعه، بصيغته المعدلة من قبل لجنة الإدارة والعدل، على جدول أعمال ...