نظّم “استديو أشغال عامة”، بالتعاون مع “تعاونية كبكوب” ومبادرات أخرى، الاجتماع الرابع حول التعافي وإعادة الإعمار بعنوان “تخيّل البلدات الحدودية”، في “بيت عام” – فرن الشباك. يندرج اللقاء ضمن سلسلة شهرية مفتوحة وغير رسمية تهدف إلى تعزيز النقاش العام حول قضايا الإعمار والتعافي بعد العدوان الإسرائيلي المستمر، والتشديد على أهمية التلاقي وتبادل الرؤى في هذه القضية.
تركّز اللقاء على تخيّل مستقبل البلدات الحدودية في ظل تحديات العودة والحديث عن الطروحات الرامية إلى تحويلها إلى “منطقة اقتصادية” فارغة من سكانها، متناولاً مبادرات أهلية مرتبطة بمحاولات العودة وتوثيقها. واستُهلّ بكلمة للباحثة في “استديو أشغال عامة” يارا عبد الخالق، التي عرضت ملخصاً دورياً حول جهود التعافي من حيث المسوحات ورفع الأنقاض وتمويل الإعمار ومبادرات العودة.
وعرضت عبد الخالق واقع الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على الجنوب عامةً، وعلى القرى الحدودية خاصةً، وما يرافقها من فرض دائم لـ”منطقة عازلة” بالنار تسهم في تكريس احتلال غير معلن. كما تناولت محدودية الخطوات الرسمية في ملف إعادة الإعمار، والتي اقتصرت على رصد اعتمادات مالية ضئيلة وقروض خارجية لدعم البنى التحتية وإقرار برامج قروض سكنية، في ظل غياب خطة حكومية واضحة للكشف والتعويض. وأشارت إلى الثغرات التي تشوب عملية إزالة الركام وإغفال مشروع قانون موازنة 2026 تخصيص اعتمادات مناسبة لملف الإعمار. وختمت بالتشديد على أن استمرار المخاطر الأمنية والدمار الواسع يفرضان حاجة ملحة إلى رؤية وطنية عادلة وشفافة تضمن إعادة الإعمار وحقوق المتضررين وعودة السكان بكرامة وصمود، بعيداً عن إسقاطات المناطق الاقتصادية ومشاريع التهجير المشبوهة.
من جهته، عرض منسق “تجمع أبناء القرى الجنوبية الحدودية” طارق مزرعاني واقع القرى الحدودية في ظل الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة، مشيراً إلى أن تأسيس التجمع جاء لمواجهة محاولات تكريس فكرة أن هذه البلدات خالية من سكانها والتصدي للتعتيم الإعلامي. وأوضح أن التجمع يضم ممثلين عن القرى الحدودية، حيث أنشئت لجان محلية تعمل على تنسيق الجهود والضغط على الدولة لتحمّل مسؤولياتها تجاه السكان العائدين. واعتبر أن الاستهداف اليومي للآليات من قبل جيش الاحتلال يهدف إلى عرقلة الإعمار وفرض منطقة عازلة بحكم الأمر الواقع، في حين تتفاقم التحديات الإنسانية مع تدمير المدارس والمرافق الصحية وغياب الدعم الكافي، ما يهدّد بتهجير تدريجي وخسارة الأهالي لأرضهم وذاكرتهم، وسط تقاذف المسؤوليات وغياب استجابة جدية من الدولة.
ثم قدّم الصحافي مهدي كريّم عرضاً لعمله الصحافي الميداني خلال الحرب وبعدها في القرى الحدودية، مضيئاً على معاناة السكان في ظل الاستهدافات الإسرائيلية المتواصلة. ومن خلال عرضه، رسم كريّم الخريطة الاقتصادية والاجتماعية لقرى جنوب الليطاني ليروي خصائص البلدات. وأشار إلى استمرار وجود عائلات من سبع قرى يعتمد أهلها على الزراعة في مراكز إيواء في صور، بينما يجري التضييق عليهم لإخلائها من دون تأمين بدائل.
بدوره، شدد الصحافي سمير سكيني على أن مشروع “المنطقة الاقتصادية” المطروح ليس إلا غطاء لمحاولة فرض منطقة عازلة وإفراغ البلدات من سكانها، معتبراً أن طروحات التنظيم المدني تُستخدَم سلاحاً سياسياً من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، فيما تتجاهل الدولة اللبنانية الدور السياسي الوطني لإعادة الإعمار وتركّز على متاهة نزع السلاح. وتساءل عن الرسالة التي توجّهها الدولة عبر تخصيص 30 مليون دولار فقط من أصل ما يزيد عن 10 مليارات مطلوبة لإعادة الإعمار، مشيراً إلى أن ملف الإعمار متوقّف بسبب تسييسه لمصلحة المستعمر، فيما يبقى السكان المتضررون وحدهم من يدفع الثمن.