نظّم “استديو أشغال عامة”، بالتعاون مع “تعاونية كبكوب”، لقاءً مفتوحاً عن التعافي البيئي بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان، في المؤسسة العربية للصورة، أريسكو بالاس، الحمرا. ركز اللقاء على التعافي البيئي بمفهومه الأوسع، وتناول عدداً من المبادرات المرتبطة بتوثيق الدمار وتخفيف الضرر وتعافي الأراضي وابتكار مواد بناء بديلة.
هذا اللقاء هو الثالث من سلسلة لقاءات شهرية غير رسمية ومفتوحة تهدف إلى توفير مساحة للنقاش المستمر في الإعمار والتعافي، ومشاركة الأبحاث التي يجريها “استديو أعمال عامة”، وطمس الخطوط بين “الخبراء” و”المتضررين”، وطرح مفاهيم جديدة عن مواضيع مثل المناطق غير الرسمية والتراث والتخطيط والإعمار، وفتح المجال لتشكيل مبادرات جماعية.
افتُتح اللقاء بكلمة للباحثة في “استديو أشغال عامة” كريستينا أبو روفايل، قدّمت خلالها لمحة عن الرصد الدوري الذي يجريه الاستديو لملف الإعمار والتعافي والعودة، وعرضت التطورات البيئية والزراعية الأخيرة في المناطق المتضررة من الحرب.
بعدها، قدّمت جمعية “جبال” عرضاً عن عملها الميداني خلال أزمة النزوح الناتجة عن الحرب، حيث حوّلت جزءاً من ميزانيتها لدعم المطابخ المجتمعية، كما قدّمت إرشادات عملية وساهمت في التشبيك بين المزارعين والمطابخ التي أنشئت خلال الأزمة.
وتحدّث هادي، مزارع من بلدة كفركلا، عن عمله في الحدّ من الترسّبات الضارّة في التربة، بهدف حماية الناس والطبيعة، مشيراً إلى أن الأزمة تتفاقم يومياً، خصوصاً في المناطق الحدودية التي تعرّضت لدمار واسع نتيجة استخدام الأسلحة الحربية. وأوضح أن هذا العمل يتم عبر إنتاج سماد عضوي، ويجري حالياً تطوير مختبر متنقّل لتحليل التربة وتصنيع السماد على هذا الأساس، كجزء من الجهود المحلية لمعالجة آثار الحرب على الأراضي الزراعية.
وقدّمت “الحركة الزراعية” مداخلتها حول مبادرة “للأرض… للجنوب” التي وزّعت من خلالها أكثر من 13 ألف شجرة على مزارعين في 10 قرى من اتحاد بلديات صور، منتقدةً غياب الدولة وتقاعس بعض الجمعيات بحجّة غياب التمويل. وشدّدت على ضرورة تحميل وزارة الزراعة مسؤولياتها، لاسيّما في ظل التحضير لقانون احتكاري للبذور لم تتشاور الوزارة بشأنه مع الجهات الفاعلة.
وعرض حمزة شمص، من بلدة بوداي في بعلبك، تجربته الابتكارية في إعادة استخدام ألياف نبتة القنّب الهندي بعد موسم القطاف، لتحويلها إلى منتجات مثل الأقمشة والورق والثياب ومواد البناء. وأشار إلى قدرة هذه النبتة البلدية على تنقية التربة وإنتاج آلاف المشتقات. كما ذكر أن هناك توجّهاً لتطوير نموذج أولي لاستخدام هذه المواد في عملية إعادة الإعمار، كجزء من التفكير في حلول بيئية ومحلية بديلة.
وتحدّث الصحافي حسين شعبان من “المفكرة القانونية” عن أهمية توثيق الاعتداءات الإسرائيلية ونشر المعرفة القانونية والاجتماعية، دعماً لأصحاب مبادرات العودة والمواطنين المتأثّرين. وأوضح أن “المفكرة” عملت، منذ انطلاق العدوان، على توثيق ما يجري في القرى الحدودية، بهدف تكوين ملف جماعي يوحّد الروايات عما تتعرّض له هذه المناطق من استهداف ممنهج، والإضاءة على ما قد يشكّل في المستقبل أساساً لتقديم دعاوى بشأن جرائم حرب ارتكبها الاحتلال، وفق القانون الدولي.
واختُتم اللقاء بمداخلة للباحثة في “استديو أشغال عامة” يارا عبد الخالق، تحدّثت فيها عن ورشة عمل نظّمها الاستديو في بلدة كفركلا، جمعت سكاناً من خلفيات مختلفة. وأوضحت أن الورشة شكّلت مساحة لسماع قصص الناس الشخصية وتجاربهم مع النزوح والتحديات المرتبطة بالعودة، كما رسم خريطة للخسائر التي طالت البلدة. وأشارت عبد الخالق إلى أن هذه التحديات تنوّعت بين الأمنية والعمرانية والزراعية والبيئية والتعليمية والصحية، حيث ركّزت بشكل خاص على التحديات الزراعية والبيئية، ومنها صعوبة الوصول إلى الأراضي الزراعية بسبب التهديد الأمني المباشر، ووجود نقاط مراقبة تابعة للاحتلال داخل البلدة، إضافةً إلى تعرّض الأراضي للقصف بأسلحة تحتوي على معادن ثقيلة، في ظل غياب أي إرشادات رسمية حول كيفية العودة الآمنة إلى الأرض.