ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بفيديو لأشخاص وُصفوا بأنهم “يحتلّون” شرفات أحد مباني شارع جان دارك في منطقة الحمرا، بينما كانوا يدخلون أروقة الشقق ويتحركون بين الشرفات والطوابق. كما وصف الإعلام هذا الفيديو بالاعتداء على الملكية الخاصة ووصف النازحين بالمحتلّين، فيما أكدّت القوى الأمنية أنها تعمل على الحدّ من هذه الممارسات لحماية الأملاك الخاصة. يمكننا وضع هذه التعليقات والتصريحات في خانة الانهيارات الكبرى أمام مشهد عادي وطبيعي، إذ شدّدت على “الضرر الكبير” الذي تلحقه هكذا تصرفات بأصحاب الملك وبالتالي بقدسية الملكية الخاصة، لتصبح هذه الأخيرة وأغنياء المدينة، الضحية في سياق حرب ضروس تقتل الأرض والناس وتهجّرهم.
فالموضوع اليوم حقاً هو النزوح وحرمان الناس من المسكن والأمان من القصف، في مقابل مبانٍ فارغة، لا تعمل الدولة على وضع ضريبة شغور عليها، ولا تأخذها بعين الاعتبار ضمن خطة الطوارئ والإيواء في ظلّ الحرب المستمرّة، ولا تحاسب أصحابها الذين يحجبون دورها الاجتماعي بينما يستمرّون بالاستفادة منها بشكل أو آخر. ففي إطار المضاربة العقارية وتسليع الأراضي، يجري هدم المباني القديمة المأهولة لبناء مبانِ شاهقة وغالية السعر، تبقى فارغة تماماً.
نحن نتكلّم هنا عن عقار رقم ٣٢٠ في منطقة رأس بيروت، وهو مبنى مؤلّف من ١٣ طابق وهو خالٍ تماماً منذ إنشائه عام 2015، تملكه عائلة فخري (وهي عراقية الجنسية) صاحبة شركة بيم ديفلوبرز Beam Developers، وتملك عدداً من المباني في منطقة الحمرا، بعضها يشكّل “بيروت هومز” التي تؤجر شققاً مفروشة. كان المستثمر العراقي قد اشترى العقار في عام 2008 ثم ضم إليه عقاراً ملاصقاً لتصبح مساحة العقارين 452 متراً مربعاً.
بمعنى أنّه استطاع أن يقوم بإنشاء هذا المبنى بهذا العلو والحجم، من خلال تدمير عدد من المباني القديمة التي كانت موجودة وضمّ العقارين على بعضهما البعض.
عدا عن أن تلك المباني الحديثة وغالية الأسعار، تهجّر الناس وتمحو ذاكرة المدينة وتمزّق العلاقات التي كانت تحتويها الأرض قبلها وتمحو استخداماتها، كما أنّها فارغة. أليس لتلك المباني دور اجتماعي؟ أليست تلك المباني فرصة للاستجابة لأزمة الإيواء الخانقة التي تعيشها المدينة؟
بالإضافة إلى ذلك، فإن ما حصل هو عكس ما طرحه الإعلام: لم يحتلّ النازحون المبنى بالقوة، بل فتحه شباب المنطقة، الذين يعرفون بأن هذا المبنى خال منذ بنائه وأن هذا العدد الكبير من الشقق الشاغرة لم يسكنها أحد منذ عام ٢٠١٥، فوجّهوا النازحين إليه، وقاموا بكتابة تعهّد عند كاتب العدل بإخلاء المبنى بعد انتهاء الحرب.
وضع 306 شخصاً يده على هذا المبنى فإذاً، واستعادوا دوره الاجتماعي، بينما راح مقهى “تحت الشجرة” المجاور لهم، يرسل لهم الطعام. كما تم فتح حوالي 4 أو 5 مبانٍ أخرى في الحمرا بالطريقة نفسها، وقد تمّ ملؤها بالنازحين.
إن قدرة المدينة على التغيير والتكيّف والتأقلم لخدمة الناس وخاصة لخدمة الأكثر استضعافاً، هي فعلياً الوظيفة الاجتماعية للمدينة، والدور الذي تستطيع أن تلعبه المباني الخالية، لتأمين المساكن، خاصة خلال الحرب والأزمات.