بعد تكرار الاعتداءات الإسرائيلية على منطقة الجنوب، واحتلال القرى الحدودية، أُنشئ مجلس الجنوب عام 1970 بموجب مرسوم اشتراعي، بناءً على اقتراح رئيس مجلس الوزراء، وبعد قانون قضى بتعيين مجلس خاص معني بتلبية احتياجات الجنوب، يكون له الإستقلال المالي والإداري ويرتبط برئاسة مجلس الوزراء ولا تخضع أعماله لأحكام قانون المحاسبة العمومية ولا لرقابة ديوان المحاسبة المسبقة.
وكان للإمام موسى الصدر دورٌ كبيرٌ في إنشاء هذا المجلس، إذ بادر إثر العدوان الإسرائيلي عام ١٩٧٠، إلى دعوة الرؤساء الدينيين من مختلف الطوائف في الجنوب، وأسّس معهم “هيئة نُصرة الجنوب” التي تبنّت مطالب الإمام الصدر. وكان هدفها تعويض الجنوبيين عن أضرار الاعتداءات الإسرائيلية آنذاك، والإنفاق على مشاريع وخدمات إنمائية عامة في مناطق لبنان الجنوبي، كما ومنع نزوح أهالي الجنوب إلى مناطق أخرى ودعمهم في صمودهم في أرضهم.
بعد أكثر من 50 سنة على تأسيسه، هناك جدال حول مستقبل مجلس الجنوب، لا سيّما في ظلّ تحوّله – كما الصناديق والمجالس الاخرى – إلى مؤسسة تابعة للأحزاب المسيطرة مناطقياً وللطوائف من منطق المحاصصة. في هذا الصدد، يمكنكم العودة إلى هذا النص الذي يعرّف عن هذه المؤسسة ويقدم مراجعة لها.
أما اليوم، وفي ظل الحرب الاسرائيلية القائمة، تقدّم لنا هذه المقابلة بعضاً من الوضوح حول الدور الذي يؤدّيه مجلس الجنوب.
ما هو النطاق الجغرافي الذي يغطّيه عمل مجلس الجنوب اليوم، في ظلّ توسّع الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية وتخطّيها حدود المناطق الجنوبية؟
بحسب مرسوم إنشائه، يُحصر نطاق عمل المجلس بمحافظة الجنوب وقضاءي البقاع الغربي وراشيا، باعتبارها المناطق القريبة من الحدود مع فلسطين المحتلّة، والأكثر تأثّراً تاريخياً بالاعتداءات الإسرائيلية. إلّا أنه، في ظلّ الظروف الراهنة، تغطّي عملية الكشف التي يقوم بها المجلس مناطق خارج نطاق الجنوب، مثل بعلبك وغيرها.
ما هي أبرز المهام المنوط بها المجلس في ظلّ الحرب القائمة؟
يتركّز عمل المجلس على شقّين: الشق الأول متعلّق بإجراء مسوحات ميدانية دقيقة وشاملة للمناطق المتضرّرة من خلال لجان متخصّصة ذات خبرة واسعة، وذلك لتقييم حجم الأضرار التي لحقت بالمباني والبنية التحتية والمؤسسات التجارية، إلخ. وبناءً على نتائج تقييمات الأضرار، يتولّى المجلس صرف التعويضات للمتضررين. أما الشق الثاني، فيتعلّق بدعم النازحين، والسكان الصامدين المقيمين في بلداتهم، لضمان تلبية احتياجاتهم المعيشية الأساسية.
ما هي التحديات الرئيسية التي تواجهها لجان المسح وتقييم الأضرار؟
هناك صعوبة في إجراء المسح وتقييم الأضرار بشكل دقيق بسبب استمرار الاعتداءات، خصوصاً في المناطق الحدودية، ويُنتظر توقّفها ليتسنى للمجلس القيام بكشف شامل. فور توقّف الاعتداءات، سيجري المسح بشكل سريع، ولن يطول. فخلال الهدنة القصيرة في تشرين الثاني الفائت، قامت فرق المجلس المختصّة بتقييم الأضرار في غضون 5 إلى 7 أيام، فظهر أن نحو 67 وحدة سكنية مهدّمة بالكامل، وحوالي 4000 وحدة بين مهدومة جزئياً ومتضررة بنسبٍ متفاوتة. وقُدّرت حينها قيمة الخسائر الإجمالية بنحو 10 ملايين دولار.
اليوم، علينا تجاهل هذه الأرقام، فهي لم تعُد تعكس الواقع بدقّة.
هل المقصود أنه لا توجد، لغاية اليوم، بيانات دقيقة حول عدد الوحدات السكنية المتضرّرة؟
لا تتوفر حالياً إحصائيات دقيقة خصوصاً في البلدات الحدودية. يُعتمد على توقعات المجلس وتوقعات المخاتير والبلديات أو تقديراتها لعدد الوحدات المتضرّرة، لكن حتى البلديات تُواجه صعوبات في الوصول إلى بعض أجزاء البلدات المُستهدفة.
بناءً على التحاليل، يرجّح أن يكون عدد الوحدات السكنية المهدّمة بالإجمال وصل إلى 3500-3800. أمّا عدد الوحدات المتضرّرة فقد يتجاوز 22000 وحدة سكنية.
هل تمّ صرف أي تعويضات مالية للمتضرّرين في غياب الأرقام الدقيقة عن حجم الأضرار؟
لم يتمّ، حتى الآن، صرف أي “فلس” كتعويضات مالية عبر مجلس الجنوب. صرف التعويضات سيجري بعد انتهاء الحرب، أي عندما سيجري المسح النهائي والدقيق. إلّا أن الحكومة حدّدت مبلغ التعويض عبر المجلس بقيمة 3 مليارات و600 مليون ليرة (أي ما يساوي 40 ألف دولار تقريباً) عن كلّ وحدة سكنية مدمّرة كلياً، بغض النظر عن مساحتها. أما بالنسبة للوحدات المتضرّرة جزئياً، فيمكن لأصحابها الحصول على تعويض يساوي مليار ليرة (أي حوالي 11 ألف دولار) لتغطية تكاليف الترميم، وذلك بعد تعبئة المجلس “بطاقة كشف” تحدّد نوع الأضرار، وتقدّر تكلفة إصلاحها. جرى تحديد قيمة التعويضات هذه بالليرة اللبنانية بعد معادلتها بالدولار لما دفعته ورصدته الدولة للمتضررين في حرب تموز 2006.
ما هي شروط التعويض للوحدات السكنية المتضرّرة أو المدمّرة؟
بالنسبة للوحدات السكنية، سواء تلك المهدّمة أو المتضررة، يتمّ التعويض لصاحب العلاقة أي المالك، بعد أن يُقدّم طلباً رسمياً ويقدّم للمجلس المستندات اللازمة مثل مستنداته الشخصية (الهوية وغيرها)، إفادة ملكية، و/أو إفادة صادرة عن البلدية أو المختار تثبت أن وحدته تضرّرت أو تهدّمت. بالنسبة للمستأجرين، بعد حرب 2006، تمّ صرف ما يسمّى “بدل أثاث” لهم، فيما صُرِفَ التعويض عن تضرر البناء للمالكين. أمّا اليوم، فتتمّ دراسة إدراج بدل الأثاث ضمن التعويضات، ولكن لم يبتّ بالأمر بعد.
بالنسبة لغير اللبنانيين، لا يتمّ صرف تعويضات لهم عبر المجلس. وهم أصلاً لا يقدّمون طلبات. إنّما في 2006، تمّ التعويض لعائلات الشهداء غير اللبنانيين. اليوم لا شيء واضح بعد.
ما هي أنواع الأضرار المادية الأخرى، غير أضرار المباني، التي تقع ضمن مسؤولية مجلس الجنوب من حيث الكشف والتقييم والتعويض؟
بحسب مقرّرات الحكومة، سيتولّى مجلس الجنوب هذه المرة التعويض عن السيارات التي تضرّرت أو احترقت أو دُمّرت. حتى الآن، لم يصدر المجلس العدد الدقيق والمُحدَّث للسيارات المتضرّرة، بينما كان حدّد عددها بـ 170 سيارة في أول مسح. في هذا الإطار، من الجدير بالذكر أنه بعد حرب تمّوز عام 2006، قام المجلس بالكشف عن أضرار السيارات، وجهّز الملفات المرتبطة بها، لكن لم يتم تعويض أصحابها حتى الآن. في ذلك الوقت، كانت الهيئة العليا للإغاثة هي المسؤولة عن التعويض، بينما كان مجلس الجنوب يلعب دور الوسيط بين الهيئة والأهالي.
هذا وتُعدّ الأضرار الزراعية، سواء أكانت مباشرة أم غير مباشرة، من بين الأضرار المادية التي تخضع للتعويض. عادةً، لا يتولّى مجلس الجنوب مسؤولية التعويض عن هذا النوع من الأضرار، حيث تقتصر مهمته على التعويض عن الأضرار التي تلحق بالمنشآت الموجودة في المزارع والأراضي الزراعية، وليس على المزروعات أو الثروة الحيوانية، التي تقع ضمن نطاق مسؤولية وزارة الزراعة. هذه المرة، قامت وزارة الزراعة بإجراء مسح مبدئي لتقييم الأضرار الزراعية، وقد تمّ عقد اجتماع بين الجهتين (الوزارة والمجلس) نتج عنه تشكيل لجان متخصّصة لدراسة الأضرار الزراعية، إنّما لم يتمّ بتّ الجهة التي ستقوم بالتعويض. وتشمل الأضرار الزراعية المباشرة أمثلة مثل مقتل الدواجن والأبقار أو احتراق المزروعات. أما الأضرار غير المباشرة، فتتضمّن، على سبيل المثال، الخسائر المادية المتكبّدة جرّاء عدم إمكانية زراعة المحاصيل أو قطفها/حصادها في الوقت المناسب أو تصريف الإنتاج، كما حدث مع زراعة شتول التبغ في عيتا الشعب وغيرها من المناطق. وتشمل الأضرار غير المباشرة الأخرى، التي يُبحث في التعويض عنها، تلك التي لحقت بالمزروعات والتربة نتيجة استخدام القنابل الفوسفورية.
هل يقدّم المجلس أي أنواع أخرى من التعويضات للمتضررين؟
هناك التعويضات المرتبطة بأضرار المؤسسات التجارية والبنى التحتية (خزانات المياه، الطاقة الشمسية وغيرها). هذا وتُعدّ متابعة أوضاع الجرحى وذوي الشهداء من مهامّ مجلس الجنوب الأساسية. حيث قرّرت الحكومة أن يُقدّم مجلس الجنوب تعويضاً بقيمة 20 ألف دولار أمريكي لعائلة كلّ شهيد. وفيما يتعلق بالجرحى، تتكفّل وزارة الصحة بتغطية تكاليف دخولهم المستشفى وعلاجهم في المرة الأولى. أمّا في حال تبيّن إصابتهم بعطبٍ دائمٍ أو حاجتهم إلى علاجٍ مستمرّ، فإنّ المجلس يتولّى مسؤولية تغطية نفقات علاجهم. وتتراوح مخصّصات كل جريح بين 10 آلاف و20 ألف دولار.
ومن الأمثلة الملموسة على دعم المجلس للجرحى، قصة امرأة حامل أصيبت في القصف الذي استهدف بلدة مجدل زون في 13 آذار الماضي. تعرضت هذه المرأة لولادةٍ طارئة قبل موعدها الطبيعي، فتكفّلت وزارة الصحة بتكاليف الرعاية الطبية اللازمة لها خلال عملية الولادة وأثناء المكوث في المستشفى، بينما تكفّل المجلس بتغطية تكاليف الحاضنة الطبية الخاصة (couveuse) للطفل المولود قبل أوانه.
ولكن ماذا عن التمويل؟ وهل لدى مجلس الجنوب المبالغ الكافية لصرف هذه التعويضات؟
لدى المجلس سلفة بسيطة، تمّ تحويلها عبر مجلس الوزراء لإغاثة النازحين. ومؤخّراً، تمّ إقرار سلفة أخرى موجّهة أيضاً لإغاثة النازحين، ولكن لا تمويل بعد مرتبط بالتعويضات.
هل يمكن التّوضيح بشكلٍ مُفصّل حول نوعية الدعم الذي يقدّمه المجلس للنازحين والسكان المقيمين في البلدات المُستهدفة؟
(الأرقام المشمولة أدناه تغطّي أول 7 أشهر من الحرب وهي لم تُحدّث)
قدّم مجلس الجنوب المساعدة لما يقارب 15 ألف عائلة نازحة موزّعة على قرى أقضية صور والنبطية وبنت جبيل وشرق صيدا وقرى اتحاد بلديات الزهراني. شملت المساعدات توزيع 30 ألف حصة غذائية على مدار 7 أشهر، بواقع حصتين لكل عائلة. قُدّم دعم خاص للنازحين المقيمين في مراكز الإيواء، وخاصة في مدارس صور، حيث تم توزيع حصة غذائية إضافية لهم تتضمّن معلّبات. كما تمّ توزيع ما بين 50 و 100 تنكة مازوت على هذه المدارس ومراكز إيواء أخرى مثل أوتيل مونتانا (في المروانية – الزهراني)، وأوتيل الشحار (في حاصبيا). شملت المساعدات أيضاً تأمين 100 تنكة مازوت لميتم في بلدة تبنين لتشغيل المولدات الكهربائية، وتوفير حليب أطفال وحفاضات للأطفال الرضع.
ولم تقتصر المساعدات على النازحين فقط، بل شملت أيضاً مساعدة اتحادات البلديات بتأمين مازوت لسياراتها لتسهيل عمليات نقل الناس وتقديم المساعدة. وخلال فصل الشتاء، قام المجلس بتوزيع فرش وأغطية على جميع العائلات النازحة. تمّ تمويل نصف هذه الكمية من قبل مجلس الجنوب، بينما غطت الهيئة العليا للإغاثة النصف الآخر بعد تلقيها هبات عينية عبر طائرات من العراق.
أما العائلات المقيمة في البلدات والتي لم تنزح، فقام المجلس بتوزيع حصة غذائية على 20 ألف عائلة منها، مع العلم أن بعض العائلات تلقّت حصتين.
ثلاثة قوانين بشأن الحرب على لبنان:
الأولويات المطروحة vs متطلّبات التعافي
في الثاني عشر من آذار، تعرّض مبنى “بروموتك” Promotech الكائن في بلدة سرعين البقاعية لأضرار نتيجة غارة جوية إسرائيلية طالت المنطقة آنذاك. قامت الهيئة العليا للإغاثة بجولة ميدانية لتقييم الأضرار التي لحقت بالمباني، …