موقفنا من قمة المناخ

لا لتأبيد سلطة دول الشمال على مواردنا
لا لإبادة الفلسطينيين/ات

نقوم بدورنا كخبراء وناشطات/ين في مجالات العمران بأن نملأ فجوة بين مئات البيانات التي بادرت بها المجموعات، والتحالفات، والمنظمات من كافة أنحاء العالم لدعم الشعب الفلسطيني في نضالاته، والضغط على قوى العالم للتدخل لوقف الإبادة الجماعية. تلك الفجوة التي من خلالها نعكس المزيد من جرائم الفصل العنصري التي تقوم به سلطات الاحتلال، فيما يخص العدالة المكانية والمناخية، لكي نبرز جرائم إنسانية كبرى تقوم بها سلطة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني على مدار عقود سابقة.

لا يمكن تحقيق العدالة المناخية دون تحقيق العدالة الاجتماعية والمكانية. إنّ دول الجنوب وخصوصاً دول المنطقة العربية وشمال إفريقيا تعاني من غياب مجحف لمفهوم العدالة على كافة الأصعدة. فالصراعات والحروب والنزاعات والقمع المُمارس من قبل الأنظمة، يجعل الحديث عن العدالة أمراً صعباً، بل مستحيلاً، خصوصاً في ظل الإبادة التي يمارسها الاحتلال والاستعمار الاستيطاني في المنطقة. فلا عدالة مناخية مع الاحتلال، ولا عدالة مناخية في ظل الأنظمة القمعية، ولا عدالة مناخية مع إستمرار غياب الخيارات أمام شعوب المنطقة لتقرير مصيرها بنفسها.

 مؤتمر المناخ الحالي، المنعقد في منطقتنا، والذي يضع الدول والجهات المسؤولة عن إنتاج الصراعات والاستعمار على نفس الطاولة إلى جانب الدول المنتجة للوقود الأحفوري والدول المتأثرة بأزمة المناخ، هو مؤتمر بعيد عن الواقع، إن لم يفرض على الدول والجهات المسؤولة عن هذه الأزمات تحمّل مسؤوليّاتها، وإن لم يضع خطوات حقيقية لترسيخ العدالة في المنطقة، تمهيداً لتحقيق العدالة المناخية. 

الإبادة المكانية والبيئية في فلسطين

على الرغم من تعدّّد الأزمات في المنطقة، من الكوارث الطبيعية الناتجة عن تغيّر المناخ، إلى الحروب والصراعات الناتجة عن عمل الأنظمة القمعية أو المصالح الرأسمالية والإقتصادية للدول المرتبطة مباشرة باستخراج موارد طبيعية، إلا أن ما يحصل في فلسطين حالياً لا يمكن توصيفه بصراعٍ أو نزاعٍ أو حربٍ للتخفيف من وقعه على الرأي العام، ولا يمكن غضّ النظر عنه وتغييبه عن هكذا مؤتمر. فالقضية الفلسطينية هي قضية وجودية، وما يحصل في فلسطين هو إبادة متعدّدة الأوجه. 

فبالإضافة إلى إستشهاد أكثر من 15000 شخصاً، بينهم أكثر من 6000 طفلاً، عبر قصف الاحتلال المتواصل للمدنيين منذ شهرين، والذي لا يلوح في الأفق أي مؤشّر على توقفِه، نرى معالم واضحة لإبادة مكانية وبيئية متعمّدة، بهدف تغيير معالم المكان، ومحو كل مقومات الحياة، وإجبار ما تبقى من فلسطينيين على ترك أرضهم بشكل نهائي. 

تظهر الإبادة المكانية ” Urbicide” بشكل واضح في غزة من خلال التدمير الممنهج لأكثر من ٤٥٪ من الوحدات السكنية (بحسب آخر تقرير للأمم المتحدة). فقد دُمّرت أحياء كاملة وأزيلت، تماماً مثل العائلات التي أزيلت من لوائح القيد. كما يسعى الاحتلال إلى تدمير النسيج العمراني والمقومات الحياتية للمدينة، فنراه يقصف المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس والمخابز والمخازن. ويقصد التركيز على محو التاريخ والذاكرة باستهدافه لمبانٍ وأحياء تاريخية، متقصّداً أن تُمحى هوية المكان وكأنه لم يكن يوماً. وهو كان لجأ إلى محو آثار التراث العمراني والثقافي الفلسطيني، على مدى العقود السابقة، عبر الاستخراج غير القانوني للقطع الأثرية، وبناء المستوطنات على المواقع الأثرية، وإعاقة التنقيب الأثري أو التوثيق أو الإشراف.

الإبادة ليست وليدة اليوم

لطالما اتّبع الاحتلال هذا النهج باستعماره الاستيطاني، حيث استهدف منذ عام 1948 سرقة الأراضي وتهجير الفلسطينيات/ين منها لاحتلالها، من خلال مهاجمة الأحياء التي يقيمون فيها، والتدمير المنهجي لمساحاتهن/م العامة وأي مواقع تمثّل هويتهنّ/م الوطنية. في هذه الحالة، لم تكن الدبابات والسلاح الجوي الأدوات الأساسية، بل الجرافات التي هدمت الشوارع والمنازل والطرقات وبساتين الزيتون والليمون، والقوانين والممارسات التي سمحت بانتقال مستوطِنات/ين إلى بيوت فلسطينية مسكونة، وغيّرت معالم الأماكن وأسمائها، وحرصت على تهجير الفلسطينيات/ين قسراً خارج وطنهن/م. وواظب الاحتلال على التضييق على الفلسطينيات/ين وبناء جدار فاصل وحصارهن/م في غزة، محولاً إيّاها إلى أكبر سجن مفتوح في العالم، فتحكّم بالمياه والغذاء والمحروقات ومواد البناء وتقييد النشاطات الاقتصادية والحركة. وقد صعّب نظام الفصل العنصري قوننة البناء للفلسطنيات/ين عبر حجب التراخيص، ليجعل مساكنهن/م غير رسمية ورهينة لقرارات الهدم.

ولا يمكن الحديث عن الإبادة المكانية المفتعلة دون ربطها بالإبادة البيئية “Ecocide” التي لطالما كانت حاضرة في الممارسات المتراكمة لهذا الاحتلال الذي دأب على الإضرار بالبيئة وتدميرها من أجل استغلال موارد فلسطين الطبيعية، وانتقاماً من أهل الأرض، سعياً منه للضغط عليهن\م وحرمانهن/م من مياههن/م ومواردهن/م الطبيعية الأخرى في الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة. وتصبّ هذه الممارسات في إطار حمل الفلسطينيات\ين على مغادرة أراضيهم، وتركهن/م عاجزين/ات عن الاستمرار والانتماء، أو حتى التفكير بالبيئة والمحافظة عليها في طريقة صمودهن/م وبقائهن/م على قيد الحياة. وقد شملت أبرز الانتهاكات البيئية التاريخية لسلطة الاحتلال في فلسطين: تحكّمها في إدارة العمران في الضفة الغربية عبر مصادرة الأراضي، وتوسيع المستوطنات، وإنشاء الطرق الالتفافية وطرق الفصل العنصري الممنوعة على للفلسطينيات/ين، ممّا شكّل تحدّياً أمام تطوير وتنفيذ سياسات التنمية والتخطيط الوطنية والإقليمية؛ قيامها بنقل المصانع الملوِّثة والمقالع التي تغطّي الاحتياجات الإسرائيلية إلى الضفة الغربية، ووضع سياسات بيئية وتسهيلات ضريبية تشجّع المزيد من الصناعات فيها؛ تسريبها للنفايات الكيماوية ونقلها لمكبّات مخلّفات المستوطنات إلى الأراضي الزراعية في الضفة الغربية؛ قيامها بتبوير الأراضي الزراعية واقتلاع الأشجار المحلية؛ فصلها الأراضي الفلسطينية عن بعضها عبر بناء المستوطنات والجدار الفاصل، وتقييدها وصول الفلسطينيين إلى أراضيهم الزراعية. كذلك قامت سلطة الاحتلال بسرقة أكثر من 80% من مياه الضفة الغربية، ووضعت سياسات لتقييد وصول الفلسطينيات\ين إلى المياه الجوفية ومياه الأمطار. فضلاً عن تطويرها أسلحة وذخائر باستخدام مادة اليورانيوم والفوسفور الأبيض، وتجربة استخدامها بالقرب من المواطنين وفي الأراضي الفلسطينية. 

تُعتبر دول عالم الشمال، التي تقود محادثات مؤتمرات المناخ، الملوّث الأكبر في العالم، نتيجة مسؤوليتها عن 92% من زيادة انبعاثات ثاني اوكسيد الكاربون منذ العام 1970 في حين لا تتخطى هذه النسبة ال8% بالنسبة لدول الجنوب (Lancet Planetary Health).

يزيد الأمر سوءاً الموقف العالمي الذي تحمله دول الشمال تجاه منطقة تواجه الاحتلال منذ عقود، ومشاهدة الإبادة الحاصلة والمستمرة بصمت، بل بالترحاب في بعض الأحيان، هو أمر يدعو للذعر ويثير تساؤلاً هاماً: كيف ستتعامل دول الشمال مع الجنوب العالمي، عندما تندلع الكوارث البيئية المتوقعة؟  

فبدل أن تكون كوب محطة لفرض مواقف لتحمل المسؤوليات واتخاذ الإجراءات اللازمة في هذا الاتجاه مع التعويض على الأضرار التي تطال دول الجنوب والفئات الأكثر هشاشة والاعتراف بضرورة إنهاء الاحتلال والحروب  واستغلال الموارد وتبديدها، نرى مشهداً منفصلاً عن الواقع. ويزيد الأمر سوءاً، موقف الدول المشاركة في المفاوضات والتي تشجّع الاعتراف بالكيان والتطبيع معها، وهو ما لا يبشّر بمُخرجات ايجابية فيما يخصّ الصورة الأشمل لوقف الاستعمار العالمي. بل نرى اليوم اتجاهاً وإصراراً بأن تكون بعض الدول في موقع مسهّل أجندة الاستعمار لمصالح رأسمالية اقتصادية ومالية بعيدةً كل البعد عن أي شكل من أشكال العدالة.

تظهر معالم الاستعراض المسرحي على هذه القمة بدايةً من استضافتها في دولة منتجة للنفط، وسيطرة شركات النفط على كواليسها، وبحضور دول الشمال المسؤولة عن زيادة الانبعاثات وتفاقم أزمة المناخ والمستعمِرة لمنطقتنا والمستنزِفة لمواردنا والمتحكمة في اقتصاد وأمن دولنا، والمتسبّبة بالحروب والكوارث حول العالم.

فكيف ننتظر من هذه الدول إجراءات لإرساء عدالة مناخية؟ نعتبر هذه القمة ومثيلاتها، مسرحية تحاول من خلالها دول الشمال غسل صورتها فما يتعلّق بسياساتها وممارساتها البيئية، وفرصةً جديدة لشرعنة سلطتها من منظور بيئي هذه المرة. ولا يبقى لنا إذذاك إلّا أن نرفع أصواتنا  لفضح تأثيرات القرارات التي قد تنتج عن هكذا قمة، وأن نضغط لفرض قضايانا، عسى أن يكون تحرّكنا خرقاً للخطاب الذي يحاول أن يرسم مستقبلاً زهرياً، لما هو مسار تدميري حتمي  لكوكبنا. 


شبكة نسيج – NSEJ – Network for Spatial and Environmental Justice هي شبكة تعنى بالتقاطعات بين العمران والبيئة، وتأثيره وتأثرّه بالتغيرات المناخية، ويركّز نشاطها على المنطقة العربية وشمال إفريقيا التي تفتقر حالياً إلى وجود حركة مناخية تتعامل مع تأثير التوسّع العمراني النيوليبرالي أو الاستعماري على البيئة. تمّ تكوين هذه الشبكة  أواخر عام 2023 لتضمّ ناشطين/ات ومجموعات ومنظّمات من خلفيات متنوّعة، على أن يكون اهتمامهن/م  أو عملهن/م المشترك مرتكزاً على تداخل قضايا المناخ والبيئة المبنية والقضايا الحَضَرية. وتعمل الشبكة على تقوية الارتباط بين النشطاء المدينيين، المنظمات والحملات، وتتيح لهن/م المجال لمشاركة المعرفة والتجارب والموارد. نسعى لأن يؤدّي هذا التعاون والدعم المتبادل إلى تطوير استراتيجيات ضغط ومناصرة جماعية أكثر فعالية، وإلى إنتاج معرفة مشتركة ومسودات لسياسات بديلة، مساهَمَةً في خلق حركة مناخية صلبة، تقاطعية وأكثر واقعية في قراءتها لما يحصل، على صعيد المنطقة. 

بالتزامن مع إنعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغيّر المناخ (COP28) في دبي، الإمارات العربية المتحدة، ومواكبةً ليوم 6 ديسمبر/كانون أول 2023 المخصّص لـ “العمل متعدد المستويات التمدن، البيئة المبنية والنقل”، نصدر هذا البيان لشبكة نسيج.

اطّلعن/وا على بياننا الأول وقمن/وا بملء استمارة طلب الانتساب اذا ما كنتم/ن ترغبن/بون بالعمل معنا في هذه الشبكة على هذا الرابط    

إعادة الإعمار والتعافي الموارد الطبيعية فلسطين