توزيع أراضي الأوقاف السنية، الأرثوذكسية والمارونية في جبل لبنان وبيروت

وسط الانهيار الاقتصادي في لبنان وأزماته الأخرى المتتالية، تُطرح قضية “المُلكية” كقضية محورية في بلدٍ يعيق فيه “الريع العقاري” نموه الاقتصادي، وكمسألة جوهرية في نسج نظام العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، تؤطّرها الدولة عبر القوانين ممّا يضعها في صلب الصراعات الاجتماعية والعلاقة بين المجتمع والدولة. من هذا المنظور، بدأنا بين عامي 2021 و2022 بحثاً معمّقاً عن أملاك الدولة العقارية التي تشكلّ جزءاً يسيراً من الأراضي اللبنانية، وذلك في ظلّ تكاثر المقترحات التي تهدفُ إلى خصخَصة الأملاك العامة بحجّة إنقاذ الدولة من الإفلاس، وذلك لإظهار قيمتها الاجتماعية ومواجهة محاولات خصخصتها. وكان لا بدّ من استكمال هذا البحث بالنظر إلى أراضي الأوقاف الدينية التي لا يوجد أيّ مسحٍ لها ولا تخضع لأيّة ضريبة رغم ضخامة حجمها ضمن مجمل الملكيّات، والتي مازالت محيّدة عن النقاش حول توزيع الخسائر بالرغم من مرور أكثر من 5 سنوات على الانهيار الاقتصادي.

يستعرض هذا البحث أراضي الأوقاف في القانون اللبناني وفي بيانات مديرية الشؤون العقارية، ويقدّم قراءة للثروة العقارية لثلاث طوائف (المارونية، الأرثوذكسية والسنية) ضمن نطاق بيروت الكبرى، على صعيد توزيعها بين الطوائف وبين المالكين ضمن هذه الطوائف، وعلى صعيد توزيعها الجغرافي على الأقضية وضمن المناطق العقارية، بناءً على البيانات المتعلّقة بأراضي الأوقاف الدينية من مديرية الشؤون العقارية. وهو ما يسمح بإظهار الدور المحوري الذي يمكن أن تلعبه هذه الأراضي إذا أُعيد النظر في دورها بهدف توظيفها بصورة أكمل في تطوير الاقتصاد وتنمية المجتمع. كما ويسمح بصياغة سردية عامة حول الامتيازات المالية للسلطات الدينية، ووضعها في صلب النقاش الأوسع حول الانهيار الاقتصادي وتقاسم الخسائر، كما وتسليط الضوء على الحاجة إلى تنظيم الأراضي الدينية وأصولها وفرض الضرائب عليها.

بالإضافة إلى ذلك، يقدّم البحث هذه الخريطة التفاعلية التي تبيّن توزيع هذه الأراضي ضمن محافظة جبل لبنان وبيروت، موقعها، أعدادها وأسماء مالكيها إلى جانب معلومات أخرى بحسب توفّرها، كما يتيح الوصول إلى البيانات الخام كما حصلنا عليها من مديرية الشؤون العقارية. من خلال هذه الخريطة ومن خلال توفير هذه البيانات على شكل مصدر معلومات مفتوح، وتمكين الوصول إلى معلومات دقيقة ومفصلّة حول توزيع الأراضي الموقوفة، يُتاح استخدام هذه البيانات كأداة فعّالة وأساس لتعزيز الشفافية والمساءلة المستقبلية، ممّا يدعم النقاشات والمناصرة حول قضايا العدالة الاجتماعية واسترجاع القيمة الاجتماعية لهذه الأراضي.

المنهجية

بدايةً، كان لا بدّ من حصر البحث ضمن منطقة جغرافية وعلى صعيد طوائف محدّدة، وذلك لعلمنا بأنّ أراضي الأوقاف تشكلّ عدداً ملحوظاً من الأراضي، وأنّ مسح هذه الأراضي على صعيد لبنان يتخطّى نطاق هذا البحث والموارد المتاحة له. وقد حتّم علينا ذلك القيام ببحثٍ أوّلي لتحديد الطوائف التي ستشملها الدراسة وأسماء المالكين التابعين لها.

بذلك، تمّ حصر البحث ضمن بيروت الكبرى، بما يعني بيروت الإدارية ومحيطها في محافظة جبل لبنان بما يشمل أيضاً محافظة كسروان جبيل، ممّا يمكّننا من تقديم قراءة شاملة ضمن منطقة جغرافية موحدة. أمّا على صعيد اختيار الطوائف، فقد كان ذلك مرتبطاً بالتاريخ الاقتصادي - السياسي في لبنان بشكلٍ عام، وضمن المنطقة التي تركّز عليها البحث بشكلٍ خاص. نظراً للتواجد التاريخي للطائفتَين السنية والأرثوذكسية ضمن المدن وأبرزها بيروت، ونظراً لكون الطائفة المارونية هي الأكبر عدداً ضمن محافظة جبل لبنان، كما أنّه من المتعارف أنّها من أكبر الطوائف من حيث عدد الأملاك الوقفية، كان لا بدّ من انتقاء الأملاك الوقفية لهذه الطوائف لتكون جزءاً من هذا البحث.

بعد حصر البحث ضمن بيروت الكبرى وعلى صعيد الطائفة المارونية، الأرثوذكسية والسنية، كان لا بدّ من مراجعة مصادر مختلفة تبيّن أسماء الأوقاف لكلّ طائفة وبالتالي أسماء المالكين فيها، بهدف تقديم جدول بهذه الأسماء للمديرية الشؤون العقارية والحصول على إفادة نفي ملكية، وهي وثيقة رسمية تصدر عن الدائرة العقارية تبيّن العقارات التي يملكها أي شخص في لبنان.

نظراً لارتفاع عدد الأراضي التابعة لهذه الأوقاف وبالتالي ارتفاع عدد أسماء المالكين، ونقص الموارد البشرية والتقنية ضمن المديرية العامة للشؤون العقارية، تمكّنّا من الحصول على البيانات المفصّلة للطائفة الأرثوذكسية (في 2 تموز 2024) والطائفة السنية (في 19 حزيران 2024) في محافظتي بيروت وجبل لبنان، وعلى البيانات المفصّلة للطائفة المارونية (في 15 آب 2024) في قضائَي كسروان وبعبدا وعلى أعداد أراضي الأوقاف المارونية الإجمالية في الأقضية الأخرى ضمن محافظتَي بيروت وجبل لبنان. وقد قمنا برقمنة البيانات المسترجعة من السجل العقاري، تنظيفها، وتصنيفها. بعد تنظيف البيانات وتوحيدها، انحسر عدد أسماء المالكين من 386 إلى 162 إسم لدى الطائفة الأرثوذكسية، ومن 956 إلى 308 إسم لدى الطائفة المارونية، ومن 79 إلى 44 إسم لدى الطائفة السنية. وقد بلغ عدد العقارات بعد عملية تنظيف البيانات 5180 عقار للطائفة المارونية، و1276 للطائفة الأرثوذكسية و189 عقاراً للطائفة السنية.

في هذا السياق، يتوجّب علينا استعراض بعض التحديات التي شكّلت عائقاً أمام الاستحصال على نتائج أدقّ، وهي التالية:

  • يحتوي الملف أخطاءً مطبعية وفيه تكرار لبعض البيانات، ما استلزم منّا إجراء عملية تنظيف للبيانات قبل البدء بالتحليل.
  • حصلنا على بيانات نفي الملكية ورقياً، ما ألزمنا إعادة إدخال البيانات ورقمنتها.
  • لم تكن المعلومات المتوفّرة موحّدة بين الطوائف الثلاث التي حصلنا على بياناتها. فقد توفّرت لأملاك الأوقاف الأرثوذكسية معلومات عن المساحة، عدد الأسهم، اسم المالك، البلوك، القسم، رقم العقار، المنطقة العقارية، القضاء، والمحافظة. بينما اقتصرت المعلومات المتعلّقة بأملاك الأوقاف السنية على اسم المالك، رقم العقار، القسم، البلوك، المنطقة العقارية، القضاء، عدد الأسهم، ونوع الملكية. وبالنسبة لأملاك الأوقاف المارونية، فقد توفّرت معلومات عن القضاء، المنطقة العقارية، رقم العقار، القسم، البلوك، اسم المالك، عدد الأسهم، المساحة، تعيين العقار، ونوع الملكية.
  • قد تكون بعض البيانات غير محدّثة بالأخصّ تلك المتعلّقة بتعيين العقار بالنسبة للطائفة المارونية.
  • يتضمّن الملف نقصاً في بيانات المساحة لعدد هائل من العقارات، ممّا يعيق عملية احتساب المساحة الإجمالية.
  • ليس من المؤكّد أن البيانات التي حصلنا عليها هي البيانات الكاملة لأراضي أوقاف الطوائف موضوع بحثنا.

يُصنّف الملف العقارات تحت عدّة خانات، وهي: الطائفة، اسم المالك، المنطقة العقارية، القضاء، المحافظة، رقم العقار، عدد الأسهم، البلوك، القسم، المساحة، نوع الملكية وتعيين العقار أي وصف حالة العقار إذا كان مبنيّ أو غير مبنيّ. ويجدر الإشارة هنا إلى أنّه بالنسبة لأوقاف الطائفة السنية التي لم تتوفّر ضمن بياناتها المعلومات المتعلقة بتعيين العقار ومساحته، ونظراً لعددها المحدود، استطعنا تتبّع بعض عقاراتها وتحديد المساحة والحالة. وهو ما لم نستطع تحقيقه بالنسبة لمساحة أراضي الأوقاف الأرثوذكسية وحالتها، والمساحة غير المكتملة لأراضي الأوقاف المارونية. وقد شكّل هذا الملف أساساً لتطوير الخريطة التفاعلية.

قراءة الخريطة

يمكن قراءة هذه الخريطة على عدّة مستويات:

  • عبر المالك
    يمكن قراءة هذا المستوى على صعيدين كما يلي:

    • يمكن اختيار الطائفة لعرض كافة أراضي الوقف التابعة لها على صعيد محافظتي جبل لبنان وبيروت؛
    • يمكن ضمن الطائفة الواحدة تحديد اسم المالك (الوقف) أو أسماء المالكين لإظهار كافة أراضي الوقف التابعة لهم على اختلاف المناطق الجغرافية.

ملاحظة: يجدر الإشارة، كما ذكرنا أعلاه، أنّ أعداد أراضي الأوقاف المارونية الإجمالية متوفّرة على صعيد الأقضية كافة، لكنّ التفاصيل المتعلّقة بها (رقم العقار، اسم المالك، إلخ) متوفّرة فقط على صعيد قضائَي كسروان وبعبدا.

  • عبر الجغرافيا
    يمكن قراءة هذا المستوى على ثلاثة أصعدة كما يلي:

    • يمكن عرض أراضي الأوقاف الدينية على صعيد القضاء من خلال تصغير الخريطة (zoom out)؛
    • يمكن عرض أراضي الأوقاف الدينية على صعيد المناطق العقارية من خلال تكبير الخريطة (zoom in). تعبّر كلّ نقطة على الخريطة عن عدد أراضي الأوقاف التابعة لمالك معيّن ضمن طائفة معيّنة ومنطقة عقارية معيّنة؛
    • يمكن عرض أراضي الأوقاف الدينية بمواقعها الحقيقية على صعيد بيروت العقارية من خلال تكبير الخريطة (zoom in) والتركيز على بيروت العقارية.

ملاحظة: إنّ موقع كلّ نقطة على الخريطة على صعيد المناطق العقارية، لا يعبّر عن موقعها الحقيقي على أرض الواقع.

كيفية استخدام الخريطة

  • يجب إعادة تعيين الفلاتر reset filters لبدء كل عملية جديدة لقراءة البيانات؛
  • لقراءات معيّنة، يمكن استخدام الفلاتر من خلال الضغط على اسم الطائفة، اسم المالك، القضاء والمنطقة العقارية، لتحديد أراضي الأوقاف الدينية ذات الصلة.
  • يمكن اختيار أكثر من طائفة، اسم مالك، قضاء أو منطقة عقارية معاً (Ctrl +)
  • عند الضغط على نقطة معيّنة، يظهر اسم المالك، المنطقة العقارية، عدد العقارات ومجموع مساحة العقارات إذا توفّرت.
  • يمكن عرض رسوم بيانية تبيّن أعداد العقارات بحسب القضاء، الطائفة والمنطقة العقارية من خلال الضغط على مفتاح الرسم البياني المطلوب.
  • يمكن عرض جدول يبيّن اسم المالك، رقم العقار، عدد الأسهم، البلوك، القسم، المساحة، نوع الملكية، وتعيين العقار من خلال الضغط على مفتاح عرض الجدول.

ملاحظة: بالنسبة للرسوم البيانية والجداول، فهي تبيّن أعداد أراضي الأوقاف المارونية على صعيد قضائَي كسروان وبعبدا فقط، بينما تبيّن أعداد أراضي الأوقاف السنية والأرثوذوكسية على صعيد محافظتي بيروت وجبل لبنان.