في تشرين الأول 2022 قامت بلدية بيروت بمنع بعض السكان من العودة إلى البيوت التي تم ترميمها – تحت طائلة الملاحقة الجزائية – والتي هي ملك بلدية بيروت، وذلك بعد أن خرجوا منها في إطار مشروع “إعادة تأهيل 11 مبنى في منطقة الرميل”، والذي أطلقته كل من جمعية Live Love Beirut و UN-Habitat، بتمويل من حكومة اليابان ومؤسسة Impact Lebanon.
يهدف مشروع “إعادة تأهيل 11 مبنى في منطقة الرميل” إلى ترميم عدد من المباني، تؤسّس كتلةً سكنية من 11 مبنى، واقعٍ ضمن 9 عقارات في منطقة الرميل العقارية، 8 مبانٍ منها مُستَملكة من قبل بلدية بيروت لتمرير أوتوستراد فؤاد بطرس. ويتكوّن المشروع من عملية ترميم كامل (خارجي وداخلي) للأبنية فيها، بالإضافة إلى تأهيل البنى التحتية. تضرّرت المباني في هذه الكتلة بشكل كبير بعد تفجير 4 آب، البعض منها تضرّر إنشائياً، فيما انهار أحد المباني بالكامل. بالنتيجة، اضطرّت حوالي 25 عائلة (102 فرد) من سكّان هذه الكتلة إلى الانتقال من مساكنها.
اليوم – وبعد سنتين على انطلاق المشروع وافتتاحه رسمياً في 7 أيلول 2022 – تتفاجئ ليليانا التي تسكن في العقار 712 الرميل بقرار البلدية بمنعها من العودة الى بيتها، إغلاقه بالشمع الأحمر، مع إشارة “تنبيه: إن هذه الشقة هي ملك خاص لبلدية بيروت – يمنع منعاً باتاً الدخول أو محاولة الدخول إلّا بإذن من بلدية بيروت، وذلك تحت طائلة الملاحقة الجزائية”، وذلك بسبب عدم حمل ليليانا وعائلتها سنداً رسمياً بالحيازة.
سكن أهل ليليانا في هذا البيت في العام 1987، بشكل غير رسمي وذلك بعد أن استملكته البلدية في عام 1975، بعد أن تهجّروا في خضم معارك الحرب الأهلية من صيدا. حتى تفجير المرفأ، كانت ليليانا مازالت تسكن في البيت مع طفليها.
فجأة وجدت نفسها وعائلتها مشرّدين من البيت الذي سكنوه لعقود، بفعل مشروع تأهيل أكّد على حقوق السكان بالعودة والسكن اللائق، بعد أن تشرّدوا وتضرّروا بفعل التفجير. قامت ليليانا بتحضير عريضة موجّهة إلى محافظ بيروت، وقعّها كل من مختار منطقة الرميل وجيرانها، تُأكّد فيها على ضرورة عودة كل من كان يقطن الشقق بشكل طبيعي ومستمر منذ زمن، منعاً لتشريد الأهالي وتغيير النسيج الاجتماعي للحي بعد الفاجعة الكبيرة. وأشارت العريضة الى أنّ الجمعية التي قامت بعملية الترميم لم تكمل الأعمال نهائياً، ممّا أجبر السكان إلى دفع مبالغ كبيرة لاستكمال الترميم من جيوبهم.
نحثّ الجهات المعنية في هذا المشروع على الضغط على بلدية بيروت للتراجع عن هذا القرار والسماح للسكان بالعودة بأسرع وقت ممكن، كما تحديد الإطار المطلوب لضمان حقوق ذوي الحيازة غير الرسمية – لا سيّما أنها تقع ضمن مبان عامة، ونشدّد على ضرورة الاعتراف بالدور الاجتماعي لأملاك بلدية بيروت.
كما نؤكّد على التوصيات التي رفعناها سابقاً لناحية مقاربة مشاريع إعادة التأهيل والإعمار والترميم:
- أن يتمّ توضيح تاريخ العودة للسكان وتاريخ الانتهاء الكامل من الترميم.
- ضرورة تأمين سكن بديل للعائلات التي لم تستطع العودة حتى الآن والتي لم يوفّر لها المشروع منذ البداية سكناً مؤقتاً أو أي مساعدات مالية كبدل سكن إلى حين الانتهاء من ترميم المباني، من قبل الجمعية أو الجهات المموّلة أو الجهات الرسمية.
- وضع إطار لتحديد أسعار الإيجارات والحد من زيادتها بعد انتهاء إعادة الإعمار، خاصة أن أعداد الشقق المستأجرة (مقابل تلك المسكونة من ملّاكها) في الكتلة تبلغ 11 من أصل 34 يتمّ ترميمها. وليس واضحاً حتى اليوم، كيف ستحافظ الجمعية والجهات المموّلة على حقوق هؤلاء السكان وتؤمّن لهم الضمانات، بحيث لم يتمّ عقد أي اتفاق مع المالكين يتعهّدون فيه بعدم رفع بدلات الإيجارات.
- أن تشكّل المباني التي تم ترميمها والتي كانت شاغرة قبل التفجير، مخزوناً سكنياً ميسّراً، لا سيما تلك التي تملكها بلدية بيروت.
بشكل عام، على مشاريع إعادة التأهيل أن تضمن عودة السكان بعد انتهائها، فالعلاقة التي تربط بين الترميم الذي ينظر إلى الناحية التقنية بمعزل عن التأثيرات الاقتصادية للترميم، وتهجير السكان، علاقة واضحة لا من حيث النظرية فقط، بل على المستوى العملي أيضاً، وحادثة ليليانا هي أكبر إثبات.
في ظل غياب سياسة شاملة للمناطق المتضررة من تفجير المرفأ، وفي سياق مشاريع الترميم المتفرّقة التي يقودها القطاع الخاص: كيف سنضمن حقوق الناس وكيف سنضمن التعافي العادل؟
إن آليات الترميم التي تركّز على الناحية التقنية لا تستطيع وحدها جعل الأحياء حية مجدداً، ولا تستطيع فرض استمرار الاستخدام ذاته للمباني والمحال، ولا تحديد المستخدمين. وهذا ما رأيناه سابقاً في مشروع إعادة إعمار وسط بيروت، وفي أي مشروع تطوير طال حياً من أحياء بيروت. فدون سياسات وشروط واضحة، لا يمكننا أن نعيد الناس إلى الأحياء المدمّرة، ولا استعادة حيويتها وإيقاع الحياة فيها.