إخلاء أكثر من ألف شخص من مجمّع الواحة في ددّة: 

عن مأساة سكن السوريين في لبنان

بحث ميداني وكتابة: نور سرّاج

بين 19 و20 أيار 2024، انتشر خبر إخلاء مجمّع الواحة في ددّة (قضاء الكورة – شمال لبنان) من سكّانه، والذي كان يضم حوالي ألفي لاجئ\ة سوري\ة استقرّوا فيه منذ سنوات. وانتشرت فيديوهات من يوم الإخلاء من المجمّع وأخرى تظهر الجرافات تزيل الخيم التي كان يسكنها السوريون في محيط المجمّع، وذلك بحضور محافظ الشمال رمزي نهرا والنائبين جورج عطالله (التيار الوطني الحرّ) وفادي كرم (القوات اللبنانية).

وكان محافظ الشمال قد أصدر تعميماً يحمل الرقم 746 بتاريخ 13/5/2024، طالب فيه قوى الأمن الداخلي وأمن الدولة بإخلاء مجمّع الواحة والمخيّم الملاصق له في ددّة من النازحين السوريين، محدداً مهلةً للإخلاء تبدأ من تاريخ صدور التعميم وتنتهي في صباح يوم 20/5/2024.

وكانت الحجة وراء الإخلاء، بحسب رئيس اتحاد بلديات الكورة في تصريح لـكورة برس «Koura Press»، أن المبنى معرض للانهيار بسبب مشاكل في الصرف الصحي، مؤكداً أنه لا يريد أن يتحّمل مسؤولية «كارثة إنسانية». أما قائمقام الكورة كاترين كفوري، فقد أرجعت سبب الإخلاء إلى ظلم السوريين/ات لأنفسهم/ن، بعد إشكال حصل مؤخراً فيما بينهم/ن وتطوّر إلى إقفال طريق، فـ«أصبح وجودهم يضايق أمنياً».

في النتيجة، تمّ التهويل على سكان المشروع بالجرافات والطرد بالقوة، واحتفل محافظ الشمال بالنصر، إلى جانب عدد من رؤساء بلديات قضاء الكورة، والنائبين جورج عطالله وفادي كرم.

نبيّن في هذا المقال أن الذرائع التي أعطاها رئيس الاتحاد والقائمقام واهية. فحادثة الإخلاء هذه إحدى التجليّات المروّعة للتعاميم التمييزية التي أصدرها المحافظ والسلطات المحلية منذ مقتل منسّق حزب القوات اللبنانية باسكال سليمان في نيسان الماضي، والتي أتت في سياق حملات التهديد بالطرد والترحيل من قبل القوى الأمنية والحملات التحريضية السياسية والإعلامية المستمرة على الصعيد الوطني. كما نتناول في المقال خلفيات الإخلاء وكيفية تنفيذه، ومصير السكان بعد الإخلاء، بالإضافة إلى تاريخ وصولهم للسكن في هذا المجمع. ونهدف من خلال ذلك إلى تسليط الضوء على الواقع المأساوي لسكن اللاجئين السوريين في لبنان.

من مركز تجاري مهجور إلى ملجأ للاجئين السوريين

يُعتبر مجمّع الواحة أكبر مجمّع سكني في قضاء الكورة اليوم، ويقع بعيداً عن الطريق العام والمناطق السكنية والتجارية في بلدة ددّة1موقع المجمّع. يُطلق عليه البعض تسمية “مجمّع الحريري”، ويُقال إن ذلك يعود إلى تقديم الحريري دعم مالي لبنائه منذ ثلاثة عقود.

تمّ بناؤه كمجمّع تجاري منذ حوالي 25 – 30 عاماً وتمّ استخدامه لفترة وجيزة لهذه الغاية، ولكنه بقي فارغاً لسنوات بعد حادثة قتل أدت لإغلاقه2بحسب ما أفاد أحد سكّان مجمّع الواحة، الذي يُقيم فيه منذ العام 2012، خلال مقابلة أجريت معه بتاريخ 25 أيار 2024.. بقي مجمّع الواحة مهجوراًً حتى عام 2012، حين استقرّ فيه اللاجئون السوريون الهاربون من الحرب، العائلة تلو الأخرى.

خريطة موقع مجمع والمخيم في دده قبل الإخلاء
خريطة موقع مجمع والمخيم في دده بعد الإخلاء


يتألف المجمّع من أربعة طوابق، وكل طابق يحتوي على أكثر من 20 وحدة تجارية تُستعمل للسكن. لا يعرف السكان المالك الأصلي للمجمّع. قبل وفاته، كان شخص يُدعى “فادي الخطيب” يمتلك جزءاً كبيراً منه، ولكن بعد وفاته، تم توزيع ممتلكاته وشرائها من قبل العديد من الأشخاص. يُقال بأن أكثر من 100 مالك يتقاسمون المبنى اليوم، بحيث يمتلك كل منهم عدداً من الوحدات ويؤجرها للاجئين السوريين. عند السؤال عن المالكين، يُذكر العديد من أفراد عائلة “الأيوبي” – التي تحظى بمكانة كبيرة في المنطقة – بالإضافة إلى أسماء مثل “أبو عبدالله”، “جمال الأيوبي”، “إبراهيم الأيوبي3عند الاطّلاع على الخريطة العقارية لددّة، يظهر أن المجمّع واقع على العقار رقم 1856. ولكن بعد محاولة الحصول على الصحيفة العقارية الإلكترونية للعقار للاطّلاع على اسم مالكه المؤكّد، تبيّن أن العقار مُلغى، ولا يمكن إصدار معلومات عنه. وبالتالي، يجدر التأكّد من اسم المالك/ين عبر طلب الصحيفة من الدوائر العقارية.“. هؤلاء الملاك المُحتملون لم يتحملوا أي مسؤولية لتوفير الخدمات أو إصلاح أي مشاكل هيكلية في المجمع أو وحداته.

على الرغم من أن الوحدات في المجمّع مخصّصة ومصمّمة للاستخدام التجاري، فإن كل وحدة تُستعمل للسكن مؤلفة من غرفة صغيرة الحجم، مع بوابة معدنية أو ستائر تفصلها عن باقي المجمع؛ كما لا يسمح التصميم لأشعة الشمس بدخول الغرف-البيوت.
بعد الإخلاء وأثناء الزيارة الميدانية، تبيّن أن كل وحدة كانت لا تزال تحتوي على بقايا وأغراض تعود للسكان الذين أُخلوا منها (ملابس، أغطية، أدوات مطبخ…). وبالإضافة إلى هذه الوحدات “السكنية”، هناك حوالي 4 وحدات كانت مشغّلة كمحلّات تجارية في المجمع، بما في ذلك مقاهي. وكانت هذه المؤسسات مملوكة من سكان لبنانيين من ددّة، سعوا للاستفادة من اللاجئين السوريين الذين يعيشون في مجمع الواحة.

بحسب السكان، لم يكن هناك مالك معروف للأراضي الخاصّة المحيطة بمجمع الواحة، ولم يتقدّم أحد للمطالبة بها. لذلك، في عام 2013، بدأ الناس الذين لم يتمكّنوا من تحمّل تكلفة الإيجار في المجمع بإقامة خيم مصنوعة من الأخشاب والشوادر فيها، خاصة من الجهة الشمالية المجمع. بحلول وقت الإخلاء، كان هناك ما بين 25 و30 خيمة حول المجمع، كل واحدة منها كانت تسكنها عائلة، أي أن ما يعادل حوالي 150 فرداً كانوا يعيشون في الخيم. وقد أزيلت هذه الخيم بكاملها بالجرافات، بالتزامن مع طرد السكان من المجمّع.
وقد كان سكان المجمع على علاقة جيدة جداً مع الأشخاص الذين يعيشون في الخيم. فكانوا غالباً ما يساعدون بعضهم البعض عند الحاجة، ويتبادلون الدعوات لحضور حفلات الزفاف والجنازات. هذه الروابط الاجتماعية القوية كانت تمثّل مصدر دعم مهم للسكان، سواء الذين يعيشون في المجمع أو في الخيم المحيطة به، وشكّلت نوعاً من الحيّ بينهم.

الوصول للسكن في المجمّع والصمود في وجه الاستغلال

من المتداول في الإعلام أنه حين قدومهم، قام اللاجئات\ون السوريات\ون بخلع الأبواب بدعم من بعض أعضاء بلدية ددّة حينها وبالتنسيق مع بضعة أشخاص وحزبيين، للسكن في المجمّع4وفقاً لما أفادت به Koura Press في منشور على صفحتها على فيسبوك بتاريخ 22 أيار 2024، نقلاً عن مالكي المحلات والمستودعات في المجمّع الذين تلقّت اتصالات منهم بهذا الشأن.، ولكن هذه ليست القصة الحقيقية. فعندما وصل اللاجئون السوريون إلى ددّة في عام 2012، وجّههم سكان ددّة إلى مجمّع الواحة للسكن فيه لتجنّب تغيير التكوين الديموغرافي للبلدة كونه يُبعد السوريين نسبياً عن منطقة التجمّع السكاني في البلدة5بحسب ما أفاد أحد سكّان مجمّع الواحة، الذي يُقيم فيه منذ العام 2012، خلال مقابلة أجريت معه بتاريخ 25 أيار 2024.. كان المجمّع مهجوراََ وفي حالة سيئة، فقام اللاجئون بتنظيفه وجعله صالحاََ للسكن. ومع مرور الوقت، انتقلت المزيد من العائلات السورية إليه، وأصبح المجمع وجهة رئيسية لهم في المنطقة. وبحلول عام 2014، بعد وصول عدد أكبر منهم، بدأ المالكون (أو من يدّعون أنهم مالكين) بطلب تحصيل الإيجارات مقابل السكن في الوحدات.

في الواقع، عند لحظ بعض الأشخاص تدفّق السوريين إلى المجمّع، قاموا بالادّعاء بأنهم مالكي الوحدات. ولم يكن السكان، في كثير من الأحيان، يعرفون من هو المالك الحقيقي للوحدة التي يعيشون فيها، وبالتالي فهم كانوا مجبرين على دفع الإيجار لأشخاص ينتحلون صفة المالك فيجبرون العائلات على الدفع أو مواجهة الطرد. لذلك لم يستطع السكان الرفض إلا بعد التحقّق من السجل العقاري، حيث اكتشفوا بأن هؤلاء الأشخاص لم يكونوا الملاك الحقيقيين.

قبل انهيار قيمة صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، كان الملاك يطلبون 200,000 ل.ل.، وهو ما كان يعادل حوالي 133 دولاراً شهرياً عن كل وحدة. ومع تدهور العملة والوضع الاقتصادي، بدأ الملاك يطلبون الإيجار بالدولار الأمريكي “الفريش”، وتراوحت المطالب بين 30 إلى 100 دولاراً شهرياً للوحدة، فيما لم يحصل السكان على أي عقود إيجار مكتوبة لإثبات إيجارتهم. كما كان على اللاجئين السوريين المقيمين في المجمع العثور على مزودي الخدمات، من مياه وكهرباء وغيرها، بأنفسهم لأن ذلك لم يكن مشمولاً في الإيجار. معظمهم كانوا يحصلون على الماء من موزّع اسمه نبيل التوم، وهو مقيم في الكورة، بينما كانت الكهرباء تُوفّر لهم من قبل شخصين يدعيان “زاخم” و”الباشا”. أما من ناحية الصرف الصحي، فكانت كل وحدة “سكنية” تحتوي على حمام خاص، وتعاون السكان لشراء مضخّة للتخلّص من الفضلات في جورة تحت المبنى.

تعميم تمييزي وإخلاء تعسّفي

كان مجمّع الواحة ملجأً للاجئين السوريين في لبنان، سواء أولئك الذين يحملون أوراق إقامة صالحة و”شرعية”، أو أولئك الذين لم يكن لديهم مكان آخر يذهبون إليه لأنهم مطلوبون من قبل النظام السوري أو عليهم حكم خدمة عسكرية. ولم يُخفِ بعض سكان ددّة، ممّن بادروا بالتفاعل معنا خلال البحث الميداني، مشاعرهم السلبية تجاه اللاجئين، مشتكين من وجود المجمّع لفترة طويلة. أمّا اللاجئين ممّن التقيناهم، فقد أكّدوا تعرّضهم لمضايقات هؤلاء المستمرة. فقد رفض بعض السكان التحدث معهم، كما أرسلوا شكاوى إلى البلدية حول ما أسموه الضوضاء التي تسبّبها العائلات المقيمة في مجمّع الواحة. في بعض الأحيان، وصلت المضايقات إلى حد تهديد اللاجئين بإلقاء أمتعتهم خارج الوحدات التي كانوا يعيشون فيها.

في 15 أيار 2024، اندلع شجار بين اثنين من السكان السوريين في المجمّع، ويُقال أن هذا الحادث كان الدافع الذي جعل محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا ينفّذ الإخلاء. إذ صرّحت قائمقام الكورة، كاترين كفوري، لـ”Koura press” بأن سبب الإخلاء يعود إلى “ظلم السوريين لأنفسهم”، بعد الإشكال الذي حصل بينهم وتطوّر إلى إقفال طريق، ممّا جعل وجودهم يسبب “إزعاجاً أمنياً”. فيما كان تبرير رئيس اتحاد بلديات الكورة ربيع الأيوّبي مختلفاً، بحيث صرّح أن المبنى معرض للانهيار بسبب مشاكل في الصرف الصحي، وأنه لا يريد تحمل مسؤولية “كارثة إنسانية”. ولكن حتماً ليس الشجار أو وضع المبنى الدافع الأساسي للإخلاء، فالمحافظ كان قد أصدر في 13 أيار 2024 (أي قبل يومين من الشجار) تعميماً يحمل الرقم 746، يطلب فيه من عناصر قوى الأمن الداخلي وأمن الدولة إخلاء مجمّع الواحة والمخيّم الملاصق له في ددّة، وأعطى السكان مهلة سبعة أيام للإخلاء، تنتهي في صباح 20 أيار 2024. ويشكّل تعميم المحافظ هذا واحداً من عدّة تعاميم تمييزية بحقّ اللاجئين السوريين أصدرها المحافظ والسلطات المحلية في عدد من البلدات منذ حادثة مقتل منسّق حزب القوات اللبنانية باسكال سليمان في نيسان الماضي، بالتزامن مع حملات تحريضية سياسية وإعلامية مستمرة.

مع صدور قرار الإخلاء، واجه سكان مجمّع الواحة حملة قاسية من التضييق والتخويف. فتمّ قطع خدمات جمع النفايات والكهرباء عنهم، ممّا أدى إلى توقّف مضخّة الصرف الصحي عن العمل، وتراكم الفضلات تحت المبنى وفي محيطه. واستُغلت هذه العوامل لتشويه صورة السكان، واتّهامهم باللامبالاة بالنظافة والقذارة. وعزّز من هذا التضييق تواجد سيارات الشرطة قبل أسبوع من الإخلاء في محيط المجمّع، حيث مارست الترهيب على السكان وهدّدت بمصادرة ممتلكاتهم وإلقائهم خارج المبنى. عاش السكان خلال هذه الفترة، في أجواء من الخوف والارتباك، يجمعون ما تبقى من ممتلكاتهم دون معرفة وجهتهم القادمة. وفي يوم الإخلاء، حضرت الصحافة مع العديد من المسؤولين في المنطقة، وجالوا في محيط المجمع ودخلوا للتأكد من خلوّه من السكان. وتم إجبار سكان الخيم الواقعة بمحاذاة المجمّع على الإخلاء أيضاً. فقامت الجرافات بجرف الخيم، مُخلّفة وراءها بقايا الأمتعة التي كانت بداخلها.

يُثير إخلاء المجمّع تساؤلات قانونية حول شرعيّته، بدايةّ من الجهة التي أصدرت قرار الإخلاء. فالمحافظ والبلدية لا صلاحية لهما بإصدار أمر إخلاء لمبنى إلا في حال شكّل وضعه الإنشائي خطراً على السلامة العامة، كأن يتبيّن أنه أو جزء منه ينذر بالانهيار. في حالة مجمّع الواحة، برّر رئيس اتحاد بلديات الكورة – وهو أيضاً رئيس بلدية ددّة – التعميم الذي أصدره المحافظ، والمتضمّن طلب إخلاء المجمّع، بأن المجمّع معرّض للانهيار بسبب مشكلات في الصرف الصحي. صحيح أن المجمّع اليوم، يظهر في حالة سيئة للوهلة الأولى، وتظهر التشققات والشروخ على جدرانه، مع وجود تسرّب واضح للمياه وعلامات نشّ، لكن لا توجد علامات تظهر حصول انهيارات سابقة لشرفات أو سلالم أو أسقف أو أعمدة. وفي كل الأحوال، لا يمكن لأيٍّ كان، بما في ذلك المحافظ والبلدية، أن يُقرّر حالة خطر انهيار مبنى، ولا يمكن للإدارة المحلية أن تُصدر قرار إخلاء دون القيام بسلسلة من الإجراءات التي تتعلّق بتعيين مهندس خبير للكشف على المبنى وإصدار تقرير إنشائي وغيرها من الخطوات(قانون البناء رقم 646 / 2004)، وهو ما لم يتمّ القيام به في هذه الحالة. هذا وتُعدّ المهلة الممنوحة لسكان مجمّع الواحة للإخلاء، وهي 7 أيام فقط، غير قانونية. إذ ينصّ القانون الدولي على حقّ السكان في الحصول على مهلة كافية لتأمين سكن بديل، وضمان عدم تعرّضهم لفقدان أيّ حقّ من حقوقهم. حتى أن الأعراف القانونية المطبّقة في إطار قانون الإيجارات اللبناني الحالي (والمقصود هنا قانون الموجبات والعقود) تقرّ بضرورة منح المستأجر مهلة لا تقلّ عن شهرين من تاريخ تبليغه بالإخلاء، في حال طلب المالك منه الإخلاء قبل انتهاء مدة العقد، سواء أكان مكتوباً أو شفهياً. بالإضافة إلى ذلك، إذا كانت إحدى الأسباب وراء طلب الإخلاء هي عدم شرعية إقامة السكان، فإن الإخلاء بالشكل الذي حصل لا يبدو منطقياً، حيث تم إخلاء جميع السكان، حتى الذين يحملون أوراق إقامة شرعية وتصاريح.

إذاً، لا يندرج هذا الإخلاء تحت أيّ مبرّر قانوني، بل هو تعسّفٌ صريحٌ، وجزء من الحملة الميليشياوية الممنهجة التي تشنّها الدولة وأحزابها منذ فترة، لتهجير اللاجئات\ين السوريات\ين.

ما بعد الإخلاء

بعد إخلائه، أصبح المجمّع مهجوراً تماماً، حيث يأتي السكان إليه بشكل استثنائي لجمع ما تبقى من ممتلكاتهم فقط. كان يأوي المبنى بين 250 و300 عائلة، ممّا يعني أن عدد الأفراد الذين تم إخلائهم، بما في ذلك الذين كانوا يقيمون في الخيم المحيطة، يتراوح بين 1500 و2000 شخص.

إن العائلات التي تمكّنت من تحمل التكاليف المالية الإضافية، استأجرت شققاً في المناطق المحيطة، حيث يطلب الملاك مبالغ مرتفعة تتراوح بين 250 و300 دولاراً مع اشتراط دفع خمسة أشهر مقدماً. وانتقل البعض الآخر إلى مناطق أخرى تحتوي على عدد كبير من اللاجئين، لأسباب أمنية، وتشمل هذه المناطق البقاع، منطقة أبو سمرا في طرابلس، مخيم البداوي، وأنفه، وغيرها؛ فيما يُقيم آخرونمع أفراد العائلة، الأصدقاء، أو الزملاء.

لكن معظم السكان اليوم باتوا مشرّدين بلا مأوى وغير قادرين على تحمل تكاليف السكن. بدون أي مساعدة، يقيم هؤلاء الآن بين أشجار الزيتون، أو ينامون في سياراتهم مع عائلاتهم وأطفالهم. هذه العائلات كانت تعيش وتعمل في المنطقة، ممّا يعني بأن هذا الإخلاء لم يكلّفهم منازلهم فقط، بل وظائفهم أيضاً وسبل عيشهم.

كما أن الشائعات حول عودة العائلات إلى سوريا غير صحيحة6صرّح رئيس بلدية قلحات باخوس وهبة لـ”Koura Press” أنه “حسب المعلومات، قسم كبير من السوريين الذين تمّ إخلائهم عاد إلى سوريا، وقسم لا يزال موجوداً في ددّة واستأجر منازلاً، وقسم ذهب صوب طرابلس وعكار”. وصرّح النائب فادي كرم أن “1200 شخص تقريباً كانوا يسكنون في المجمّع، غادر معظمهم إلى الأراضي السورية”.. فوفقًا للسكان، هناك عددٌ كبيرٌ من اللاجئين مطلوب من قبل الجيش السوري، ممّا يجعل عودتهم إلى سوريا خطيرة للغاية. لذا لم يعد سوى ما لا يزيد عن 5% من الناس، ومعظمهم من كبار السن الذين لا عائلات لهم.

خاتمة

تكشف حادثة إخلاء مجمع الواحة التحديات المعيشية القاسية التي يواجهها اللاجئات\ون السوريون في لبنان والاضطهاد والممارسات القمعية التي يتعرضون لها. فمن خلال تهجير حوالي ألفي لاجئ، بما فيهم أطفال ومسنّين، دون توفير أي بدائل مناسبة أو مراعاة للظروف الإنسانية، تُؤكد هذه الحادثة على تفاقم الأزمة التي يعيشونها، في غياب الدعم الدولي والمحلي الكافي، وتصاعد الخطاب التمييزي. يجد اللاجئون السوريون اليوم أنفسهم في وضعٍ هشٍّ للغاية، يفتقرون فيه إلى الاستقرار والأمان. فلا تقتصر معاناتهم على فقدان المسكن، بل تمتدّ لتشمل فقدان سبل العيش وتفكك الروابط الإجتماعية وغياب الاستقرار والأمان والاغتراب، ما يُفاقم شعورهم بالإقصاء.

لا تُمثّل حادثة إخلاء مجمع الواحة حالةً منعزلة، بل هي جزءٌ من نمطٍ أوسع من السياسات المحلية العنصرية التي تعكس تحيزاتٍ إجتماعيةٍ وهيكليةٍ تُضاعف من معاناة اللاجئيات\ن السوريات\ين. وبالتالي، يجب أن تُشكّل هذه الحادثة دافعاً للعمل الجماعي من أجل إيجاد حلولٍ مستدامةٍ وعادلةٍ تضمن كرامة وسلامة اللاجئات\ين كأشخاص وجماعات أُجبِرَت على الفرار من الحرب والعنف.

المراجع:

  • 1
  • 2
    بحسب ما أفاد أحد سكّان مجمّع الواحة، الذي يُقيم فيه منذ العام 2012، خلال مقابلة أجريت معه بتاريخ 25 أيار 2024.
  • 3
    عند الاطّلاع على الخريطة العقارية لددّة، يظهر أن المجمّع واقع على العقار رقم 1856. ولكن بعد محاولة الحصول على الصحيفة العقارية الإلكترونية للعقار للاطّلاع على اسم مالكه المؤكّد، تبيّن أن العقار مُلغى، ولا يمكن إصدار معلومات عنه. وبالتالي، يجدر التأكّد من اسم المالك/ين عبر طلب الصحيفة من الدوائر العقارية.
  • 4
    وفقاً لما أفادت به Koura Press في منشور على صفحتها على فيسبوك بتاريخ 22 أيار 2024، نقلاً عن مالكي المحلات والمستودعات في المجمّع الذين تلقّت اتصالات منهم بهذا الشأن.
  • 5
    بحسب ما أفاد أحد سكّان مجمّع الواحة، الذي يُقيم فيه منذ العام 2012، خلال مقابلة أجريت معه بتاريخ 25 أيار 2024.
  • 6
    صرّح رئيس بلدية قلحات باخوس وهبة لـ”Koura Press” أنه “حسب المعلومات، قسم كبير من السوريين الذين تمّ إخلائهم عاد إلى سوريا، وقسم لا يزال موجوداً في ددّة واستأجر منازلاً، وقسم ذهب صوب طرابلس وعكار”. وصرّح النائب فادي كرم أن “1200 شخص تقريباً كانوا يسكنون في المجمّع، غادر معظمهم إلى الأراضي السورية”.
السكن قضاء الكورة لبنان محافظة شمال لبنان