١٠٠$ للإيجار وإلّا..” مشروع خان العسكر خارج حسابات البلدية في الخدمات، لكنه حاضر في دفتر جباية الإيجارات

المصدر: عمل ميداني لفريق مرصد السكن في طرابلس – آذار 2025

في خطوة مفاجئة أثارت استياء سكان مشروع “إسكان قاطني وشاغلي خان العسكر”، أعلمت بلدية طرابلس شفهياً من لجأ منهم إليها لدفع إيجاره، برفعها قيمة الإيجار ليصبح 100 دولاراً، مُهدّدةً من يعجز أو يتأخّر عن الدفع بالإخلاء. هذا القرار يهدّد استقرار حوالي 230 شخصاً يعيشون في هذا المشروع السكني العام الذي أُنشئ خصّيصاً لإيوائهم بعد إخلائهم من خان العسكر، وهو حلقة أخرى من تاريخ طويل من التحديات التي واجهوها منذ الخمسينات.

ففي عام 1955، فاض نهر أبو علي ممّا أدّى إلى تهجير عدد كبير من القاطنين على ضفافه. بالنتيجة، لجأ عدد من المتضرّرين إلى “خان العسكر” -وهو مبنى عسكري مملوكي ملك الدولة اللبنانية يقع في منطقة الدباغة بطرابلس- للسكن بشكلٍ مؤقّتٍ فيه بتوجيهٍ من المصلحة الوطنية للتعمير ريثما تعوّضهم أو تؤمّن لهم البديل. لكن ذلك لم يحصل، وبقي السكان لعقود يعيشون في الخان غير المؤهّل للسكن، وقاموا بإجراء تعديلات وتحسينات عليه ليلبّي احتياجاتهم قدر الإمكان.

إخلاء خان العسكر ومشروع إعادة الإسكان

في الفترة بين 2006 و2011، تقرّر إخلاء الخان وترميمه كجزء من مشروع الإرث الثقافي في المدينة بهدف تحويله إلى موقعٍ أثريٍّ خالٍ من السكّان، وخارج إطار استخداماتهم (سكن، تجارة، الخ.)، لكي تستغلّه بلدية طرابلس سياحياً. ولتفادي تبعات الإخلاء، أُجبرت الجهات المموّلة والمنفّذة على وضع “خطة إعادة إسكان قاطني وشاغلي خان العسكر”.

شملت الخطة بناء ثلاثة مبانٍ سكنية (بلوكات أ، ب، ج) على عقارات تملكها بلدية طرابلس بالقرب من خان العسكر1العقارات رقم 54 و566 في منطقة التبانة العقارية.، وذلك بهدف نقل السكان من الخان إليها. تم توقيع عقود إيجار بينهم والبلدية تحدد بدلات إيجار رمزية (500 ل.ل./م2 شهريًا) لمدة ثلاث سنوات غير قابلة للتجديد إلا بموجب عقد جديد. قوبل هذا القرار باعتراضات من الأهالي الذين رفضوا مغادرة الخان دون ضمانات سكنية طويلة الأجل أو سندات ملكية تعوضهم عن التهجير جرّاء الفيضان. إلّا أنهم تعرضوا لضغوط من البلدية التي هدّدت باعتبارهم “شاغلين غير شرعيين” وليس “متضرّرين” في حال عدم التوقيع، ممّا يُسقِط حقّهم في الحصول على مسكن بديل في المشروع الجديد، مما أجبرهم على توقيع العقود. وتم تنفيذ عملية النقل على مرحلتين في 2009 و2011.
(استُخلصت هذه المعلومات من تقرير سابق أنتجه استديو أشغال عامة بعنوان “شرعية المساكن أم الحق بالسكن فيها؟ مشاريع سكنيّة وتحوّلاتها غير الرسمية في صيدا وطرابلس”).

إهمال وتدهور: واقع مشروع الإسكان اليوم

وفقًا لـ “خطة إعادة إسكان قاطني وشاغلي خان العسكر”2النسخة المُستحدثة من “خطّة إعادة إسكان قاطني وشاغلي خان العسكر”، التي صدرت عن مجلس الإنماء والإعمار وبلدية طرابلس في ١٦ كانون الثاني ٢٠١٢.، كان من المفترض أن تُستخدم عائدات الإيجار لصيانة المباني السكنية في المشروع3الاطّلاع على تقرير استديو أشغال عامة بعنوان “شرعية المساكن أم الحق بالسكن فيها؟ مشاريع سكنيّة وتحوّلاتها غير الرسمية في صيدا وطرابلس“.. إلا أن الواقع الحالي، بعد مرور 14 عاماً، يكشف عن إهمال شديد وتدهور ملحوظ في حالة المباني. وتتجلّى مظاهر الإهمال في ظهور تشقّقات في الجدران، تفاقمت بفعل الهزات الأرضية التي ضربت لبنان في شباط 2023، والتي تبعت الزلزال الذي ضرب جنوب شرق تركيا وشمال سوريا، وتأثرت به مناطق لبنانية خاصةً الشمال. بالإضافة إلى ذلك، هناك إمدادات صحية وكهربائية مكشوفة، تجمعات للمياه، نشّ في العديد من المواضع، وانقطاعات متكررة للمياه بحجة “الجفاف”، وغيرها.

يثير هذا الواقع تساؤلات حول مدى التزام البلدية بتنفيذ بنود الخطة، ويُظهر تناقضاً واضحاً بين الوعود التي قُطعت للسكان والواقع الذي يعيشونه. وهو ما دفع العديد منهم إلى الامتناع عن دفع الإيجار الرمزي -الذي وصل في السنوات الأخيرة إلى 15-20$- لسنوات عدّة، معتبرين أنه “بدل صيانة” وليس “بدل إيجار”، ومتمسكين بحقهم في سكن بديل دائم كتعويض عن أضرار الفيضان. وردّاً على ذلك، تلقّى هؤلاء إنذارات متكرّرة من البلدية تطالبهم بدفع المتأخّرات تحت طائلة الإخلاء. لكن هذه التهديدات لم تُنفَّذ فعلياً، واكتفت البلدية بإرسال إنذارات مكتوبة حتى عام 2019، عندما بدأت الأزمة الاقتصادية في لبنان بالتفاقم4الاطّلاع على تقرير استديو أشغال عامة بعنوان “شرعية المساكن أم الحق بالسكن فيها؟ مشاريع سكنيّة وتحوّلاتها غير الرسمية في صيدا وطرابلس“.. اليوم، عادت البلدية إلى تصعيد إجراءاتها، حيث طالبت من توجّه إليها من السكّان لدفع إيجاره، بزيادة البدل ليصبح 100 دولار، وذلك دون القيام بأي أعمال صيانة تُذكر، في تنصّلٍ واضح من مسؤولياتها، رغم المطالبات المتكرّرة من السكان.

الحاجة إلى سياسة وطنية للحق في السكن

يُشكّل مشروع “إسكان قاطني وشاغلي خان العسكر” سابقة في قطاع السكن الشعبي\الاجتماعي في تاريخ لبنان المعاصر، حيث موّلت الدولة والجهات المانحة وحدات سكنية بترتيبات ميسّرة. ومع ذلك، يكشف هذا المشروع عن إشكالية أساسية: فبناء المساكن الشعبية لا يكفي لضمان استدامتها، بل يجب أن يرافقه سياسة وطنية شاملة لحق السكن. بدون إطار قانوني واضح يحمي حقوق المستأجرين ويضمن صيانة المشاريع السكنية الاجتماعية، تبقى الفئات المهمّشة عرضة للإهمال والتهجير المتكرر، كما يظهر في مشروع خان العسكر حيث تقوم الجهات الرسمية – هنا السلطة المحلية أو بلدية طرابلس – بعد بناء المشروع، بتناسي إدارته وصيانته، وتعود إليه فقط للتحصيل أو زيادة الإيجار أو طلب الإخلاء. كما يُطلب الإخلاء هنا من فئات تواجه خطر التهجير للمرّة الثالثة، بعد أن هُجّرت مرّة جرّاء الفيضان وتدمّرت مساكنها ولم تحصل على تعويضها المستحقّ، وهُجّرت مرّة أخرى بعد إخلائها من الخان. لذا، فإن سن قانون شامل لحق السكن في لبنان يُعَدّ أمراً ضرورياً لوضع معايير واضحة للإسكان اللائق، وضمان تخصيص الموارد اللازمة لصيانة المشاريع السكنية، وحماية المستأجرين من الإخلاء التعسفي.

السكن قضاء طرابلس لبنان محافظة شمال لبنان