عند دخول عتبة بيت وردة (اسم مستعار)، تجدون رسائل حب باللغتين الأرمنية والانكليزية، كتبتها لزوجها بعد أن ترك المنزل منذ سبع سنوات. أما باقي غرف البيت، فتمتلئ بالكراتين والخردة -وهي نوع من النفايات التي يمكن إعادة تدويرها- تجمعها وردة بشكل يومي من الطرقات والبيوت لتعطيها إلى الدير المجاور مقابل بدل مالي صغير. هكذا تجني المرأة الستينيّة قوتها اليومي.
علاقتها مع الكنيسة متينة، فعندما انتقلت من عوكر إلى مزرعة يشوع منذ ثلاثين عاماً كان ذلك بسبب كزدورة على العيد وزيارة كنيسة قلب يسوع. حينها وجدت “شرشفاً” (غطاءاً) أسوداً معلّقاً على باب الكنيسة. وعندما اقتربت وأمسكت بقطعة القماش، شعرت بشيء غريب، وبدفء دفين في يديها. التفتت إلى زوجها وقالت له بإنهما سيعيشان هنا إلى الأبد.
تعيش وردة في نفس البيت في مزرعة يشوع منذ ١٧ سنة. يقع بيتها في حيّ مؤلف من عدة مباني بظروف سكنية جيدة جداً ومحيط تملؤه الأشجار والهدوء. تحب جيرانها وتساندهم وبعضهم يحبّها بالمقابل. كانت وردة تلعب الغيتار والبيانو وتدرّس الموسيقى لكن عيناها تضرّرتا اليوم، بسبب بكائها على رحيل زوجها، كما تقول. عدا عن عينيها، فصحة وردة متدهورة، وتحتاج إلى عدة أدوية، تحصل عليها أحياناً بمساعدة الكنيسة، وأحياناً أخرى تتوقّف المساعدات بسبب تجييرها لمساعدة تلاميذ المدارس.
إلا أن الكنيسة أيضاً ساعدتها في معركتها مع المؤجّر. فقد أحالتها لجنة تابعة للمطرانية تهتم بشؤون المرأة، إلى محامية تتابع قضية وردة منذ أربع سنوات.
استأجرت وردة بيتها حينها بـ٢٥٠ ألف ل.ل. ثم أصبح الإيجار ٣٢٥ ألف ل.ل.، أي ما يعادل ٢٢٥ دولار قبل الانهيار. وبعد رحيل زوجها وبقائها وحيدة، بدأ المؤجّر يطالب وردة بـ ٥٠٠ دولار كبدل إيجار. كانت تسدد الإيجار بفعل مساعدات تصلها، إلا أنها ومنذ سنتين لم تملك المبلغ المطلوب. رافق ذلك تهديدات كثيرة من المالك الذي يسكن في فرنسا. فهو يتردد كل بضعة أشهر إلى البلد، وأثناء غيابه يرسل أشخاصاً يهددون بأن يرموها بالشارع هي وأغراضها، فيقرعون الباب بعنف ويصرخون لإرعابها. وقد وصلها منذ سنتين ورقة من المالك تنذرها بأن تخلي بعد ٢٤ ساعة. لم تفهمها وردة، فهي لا تجيد قراءة العربية. حينها، استطاعت المحامية التي تواكب القضية أن تؤجّل إخلاء وردة عدة مرّات حتى الآن.
وردة مهددة بالإخلاء وإن تمّ إخلاؤها، فهي ستصبح مشرّدة بالتأكيد، إذ أنها لا تملك القدرة على استئجار بيت جديد بأسعار السوق، علاوة على ذلك، خروجها من حيّها سيعني القضاء على العلاقات الاجتماعية- الاقتصادية التي نسجتها والتي سندتها لتؤمّن أبسط مقومات الحياة.
تذكّرنا قصة وردة بقضية كبار السن وحقّهم بعيش كريم وبسكن آمن ودائم. فمع الشيخوخة يصبح البيت مساحة للرعاية الصحية الجسدية والنفسية، ويؤمّن الشعور بالاستقرار والألفة بعيجاً عن العَوَز. فبعيداً عن البيت والحارة والجيران والمجتمع المحيط غالباً ما يشعر المسنّون كسمكة خارج الماء. بالفعل، تناولت العديد من الدراسات كيف يساهم تكييف البيت لحاجات كبار السن، وبقائهم فيه بدلاً من تغيير بيتهم أو الانتقال إلى بيوت أقاربهم أو دار لرعاية المسنين، في تحسين نوعية حياتهم1Stephen M. Golant, The Changing Residential Environments of Older People, Department of Geography, University of Florida, 2011.
تشير الدراسات والتوصيات الدولية إلى أهميّة إتاحة إمكانية الاستفادة بصورة كاملة ومستمرة من موارد السكن الملائم للمسنات/ين. حيث “يجب ضمان إيلاء درجة معينة من الأولوية في مجال الإسكان للجماعات المحرومة مثل الأشخاص المسنين… وينبغي لقوانين وسياسات الإسكان أن تأخذ في الاعتبار الكامل الاحتياجات السكنية الخاصة لهذه الجماعات…”2Maya Abi Chahine, A glimmer of Hope amidst the Pain, published by the ILO with HelpAge international, March 2022
وعلى الرغم من احتواء لبنان على أعلى نسبة من كبار السن في الدول العربية، حيث تشكل 11% من مجمل سكان البلد، قد فشلت الدولة اللبنانية مراراً في توفير الحماية الاجتماعية اللازمة لهم. إذ يعتمد حوالي 80% من كبار السن في لبنان على أولادهم وأفراد عائلتهم لتزويدهم بالدعم المالي اللازم الذي يسمح لهم بالحفاظ على منازلهم وتلبية احتياجاتهم اليومية. وفي غياب هذا الدعم للكثيرين، مثل وردة، كثيرًا ما نسمع عن روايات الإخلاء والتشرد التي تطال كبار السن.
يحتاج لبنان إلى سياسة سكنية شاملة تتمحور حول حق السكن للشيوخ. لمعرفة المزيد عن ذلك تابعوا عملنا على مشروع قانون شامل للحق في السكن في لبنان.
ولكن الآن وردة تحتاج إلى الدعم.
اذا اردتم دعمها، اتصلوا على هذا الرقم:
81600476
- 1Stephen M. Golant, The Changing Residential Environments of Older People, Department of Geography, University of Florida, 2011
- 2Maya Abi Chahine, A glimmer of Hope amidst the Pain, published by the ILO with HelpAge international, March 2022