في 31 كانون الثاني، أطلق وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال الموقع الإلكتروني للمديرية العامة للتنظيم المدني. يتيح هذا الموقع للمواطنين التعرف على مهام وصلاحيات دوائر التنظيم المدني وإرشادهم إلى كافة المستندات المطلوبة لمختلف أنواع المعاملات وآلية سيرها والقوانين المرعية الإجراء المتعلقة بالتنظيم المدني وقانون البناء. بحسب الوزير السابق، تُعتبر هذه الخطوة بداية نحو التحول الرقمي في عمل الإدارة، تعزيزاً للشفافية وتسهيلاً للإجراءات الإدارية، بالإضافة إلى التحضير لسجل خاص لإعادة الإعمار في دوائر التنظيم. كما سيتم استكمال المرحلة اللاحقة من المشروع، والتي ستمكّن المواطنات\ين من متابعة معاملاتهم (إفادة تخطيط وارتفاق، طلب إجازة بالإفراز، طلب رخصة بناء، تسوية مخالفة بناء، طلب استثناءات لبعض الأبنية، إلخ) وتقديمها عن بُعد، بما يساهم في تسريع الإجراءات وتحسين جودة الخدمات.

بحسب المديرية، تعكس هذه الخطوة التزامها بتطوير بيئة تنظيمية حديثة وفعالة، ترتكز على التحول الرقمي، الاستدامة الحضرية، وإعادة الإعمار وفق أسس واضحة وعادلة، بما يحقق مصلحة المجتمع ككل. ويأتي هذا الإنجاز ضمن استراتيجيتها الرامية إلى تطوير قطاع التنظيم المدني من خلال تفعيل عمل المجلس الأعلى للتنظيم المدني، بما يشمل تطبيق معايير البيئة الحضرية المستدامة؛ تطبيق الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية؛ متابعة آلية إعادة إعمار الأبنية المتضررة بفعل العدوان الإسرائيلي، واقتراح القوانين اللازمة لتنظيم هذه العملية؛ تعزيز التعاون مع نقابتي المهندسين في بيروت وطرابلس لتفعيل دور مكاتب التدقيق الفني؛ وتحديث مرسوم السلامة العامة ليصبح أكثر مهنية، شفافية، وفعالية.

في هذا الصدد، لا يسعنا سوى التطلّع إلى هذه الخطوة كخطوة إيجابية – أوليّة – طال انتظارها لتفعيل للشفافية والمساءلة على مستوى أعمال المديرية وإتاحة قرارات مجلسها الأعلى للعلن. تشكّل المديرية العامة للتنظيم المدني التابعة لوزارة الأشغال العامة والنقل ومجلسها الأعلى، الجهاز الرسمي الوحيد والمسؤول الأوّل، وأحد أذرع الدولة الداعمة للتخطيط المديني بشكله التقني، وهي تتولّى بشكلٍ أساسي وضع التصاميم التوجيهية والتفصيلية، وأنظمة المدن والقرى، وتنفيذها. لدى مجلسها الأعلى مَهام مُكمِّلة لأعمالها، وهو مجلس مستقل يتّخذ القرارات قبل استصدار المراسيم اللازمة من مجلس الوزراء، وله سلطة الإقرار والموافقة على أي خطة رئيسية قبل إحالتها إلى مجلس الوزراء. يجتمع هذا المجلس على مدار السنة ويُصدِر عدداً من القرارات بعد مناقشة المواضيع المدرجة على جدول أعمال كلّ جلسة، غير أنّ هذه القرارات لا تُنشر للعلن، كما سبق وذكرنا.

إلّا أنّ هذه الخطوة ناقصة ولا تعفي المديرية من مهام أساسية لا تقوم بها، تحديداً في النقاط التي ذكَرتها في بيان إطلاقها للموقع، والذي نعلّق على البعض منها.

عن نشر قرارات المجلس الأعلى للتنظيم المدني

فيما يتعلق بعدم نشر قرارات المجلس الأعلى للتنظيم المدني، ونظراً إلى أنّ هذه القرارات تؤخَذ خلف الأبواب المغلقة وتبقى هناك، وبالتالي تكون مجهولة من الجميع باستثناء حلقة ضيقة من السياسيين والتقنيين، هناك في أغلب الأحيان استحالة لمعارضة هذه القرارات ومواجهتها، ممّا يجعل منها واقعاً مفروضاً. ونتيجةً لذلك، تتزايد سلطة “دوائر القرار” المُقتصرة على العلاقات الشخصية التي تمهّد الطريق لبروز أشكال الفساد من المحسوبيّات والزبائنية. كما تتعزّز الممارسة الإدارية التكنوقراطية البحتة، ممّا يتناسب تماماً مع إفساح المجال لسوء استخدام السلطة على المستوى المحلي. بذلك، تتحوّل التصاميم التوجيهية إلى مجرد أداة لبسط السيطرة السياسية والزعاماتية وللضغط على الناس، وتتزايد معها الاستثناءات في قرارات المجلس الأعلى التي تقتصر على طلبات وحاجات مالكي الأراضي المتموّلين والنافذين، وتشير إلى إخفاق في عملية التشريع بتناقض كاملٍ مع مفهوم النظام العام أو التصميم التوجيهي.

بهذا، تتعزّز الشفافية من خلال نشر قرارات المجلس الأعلى على هذا الموقع المستحدث، ويصبح بالإمكان تتبّع القرارات التي أصبحت متاحة للجميع، ويمكن بالتالي معارضتها ومواجهتها. إلا أنّ صفحة قرارات المجلس الأعلى على موقع المديرية ما زالت قيد الإنشاء، ما يثير القلق حول إمكانية عدم تطويرها لأسبابٍ تقنية أو تمويلية أو غيرها من الأسباب، ما يجعل من إطلاق هذا الموقع تسهيلاً للإجراءات الإدارية للمديرية فقط، وخطوةً غير مكتملة نحو تحقيق الشفافية في أعمال المديرية ومجلسها الأعلى. بغض النظر عن ذلك، يتعيّن على المديرية، بموجب القانون، نشر قراراتها في الجريدة الرسمية، وهو ما لا تفعله. لذا يتوجب أن تنشر المديرية قرارتها قبل نشر هذه القرارات على موقعها الإلكتروني.

عن تطبيق الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية

أما فيما يتعلق بالخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية، فإن التحوّل الرقمي ليس أداةً فعليةً لتطبيقها. تقوم الخطة الشاملة، الصادرة عام 2009، على مجموعة من الأهداف والقيَم، أهمّها الإنماء المتوازن للمناطق، ترشيد استغلال الموارد الطبيعية (لا سيّما المياه)، خفض مصاريف الدولة، تحسين الإنتاجية الاقتصادية، الإنعاش الاجتماعي، والمحافظة على البيئة. وقد كان على رئيس المجلس الأعلى تشكيل لجنة تكون مهمتها متابعة تنفيذ الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية وتطويرها، الأمر الذي لم يجرِ أبداً. تقع مسؤولية هذا الإخفاق بالأخص على الرئيس الحالي للمجلس الأعلى الياس الطويل الذي استلم مركزه عام 2010 وما زال فيه حتى اليوم. ما جرى هو عكس ما كان يجب أن يجري، فمنذ صدور الخطة الشاملة عام 2009 وحتّى عام 2018، تمّ تصديق 42 تصميمٍ توجيهيٍ وتفصيليٍ، وتمّ تعديل 69 منها، ولم تذكر سوى 5 منها الخطة الشاملة. كذلك أظهر رصدنا لقرارات المجلس الأعلى أنّ ما يُقارب 65% من القرارات الصادرة عن المجلس في العامين 2022 و2023 تجاهلت الخطّة الشاملة (454 من أصل 705 قرارًا).

عن متابعة عملية إعادة الإعمار

أخيراً، فيما يتعلق بمتابعة آلية إعادة إعمار الأبنية المتضرّرة بفعل العدوان الإسرائيلي، واقتراح القوانين اللازمة لتنظيم هذه العملية، فقد ذكر الوزير السابق أنّ حكومة تصريف الأعمال قد عملت على مشروع يتعلق بإعفاء المتضررين وهو “مشروع قانون يرمي إلى إعادة إعمار الأبنية المتهدّمة بفعل العدوان الإسرائيلي على لبنان” من اليوم الأول لوقف إطلاق النار، وتمّ إقراره في مجلس الوزراء في 7 كانون الأوّل 2024، وقد أكدّ وجوب التحضير لإعداد سجل خاص من أجل ذلك، لتكون المديرية على جهوزية تامة، بعد إقرار هذا القانون في المجلس النيابي من أجل تسهيل وتسريع المعاملات كافة. فبحسب المادة الخامسة، يُفتح لدى دوائر التنظيم المدني في الأقضية والمحافظات سجلات خاصة بعد تقدّم المستدعي بملف إعادة البناء، على أن تصدر التراخيص بناءً لإفادة عن واقع الأبنية المتهدمة وبعد أن يكون قد استحصل على إفادة تثبت حالة الهدم جراء العدوان الإسرائيلي، من الهيئة العليا للإغاثة أو مجلس الجنوب، كلّاً ضمن نطاق صلاحياته. بهذا، في حال إقرار هذا القانون، تكون دوائر التنظيم المدني هي الجهة المعنية بإصدار تراخيص البناء. وقد أشار الوزير السابق إلى أن المديرية تتابع عملية إعادة إعمار، وقد بادرت حتى الآن إلى فتح سجل خاص لهذا الغرض في جميع دوائر التنظيم المدني وزاوية خاصة لهذا السجل على الموقع الالكتروني الخاص بالمديرية العامة. نذكر هنا، وعلى مثال صفحة قرارات المجلس على موقع المديرية، بأن صفحة إعادة الإعمار ما زالت تحت الإنشاء أيضاً. إذا تمّ فعلياً إنشاء هذه الصفحة، قد تكون خطوةً فعلية لتسهيل معاملات المتضرّرين في هذا الخصوص، بالأخصّ في سياق الحاجة الملحّة للترميم السريع بهدف عودة السكان إلى بيوتهم. لكن السؤال يبقى، هل سيقتصر دور المديرية ودوائرها على إصدار تراخيص البناء للمباني المتهدمة لإعادة بنائها كما كانت بموجب مشروع القانون، أم أن دورها سيتخطّى ذلك من خلال العمل الفعلي على تفعيل عمل مجلسها الأعلى وتطبيق معايير البيئة الحضرية المستدامة وتحديث مرسوم السلامة العامة ليصبح أكثر مهنية، شفافية، وفعالية، كما زعمت ضمن استراتيجيتها، لتكون بذلك تطبّق فعلياً المهام والمسؤوليات المنوطة بها؟

إدارة الأراضي والتنظيم المدني لبنان
 
 
 

مجلس الاستثناءات

تقرير حول قرارات "المجلس الأعلى للتنظيم المدني" 2019 - 2021

تحتلّ فكرة "غياب التخطيط" - وهي ما يستخدمه الفاعلون في النظام السياسي غالباً لإعادة التأكيد على "غياب الدولة" - كامل الصورة حينما يتمّ الحديث عن واقع المناطق والمدن في لبنان، كما تُستخدَم لتبرير التقاعس في إرساء ...

على جدول أعمال المجلس الأعلى للتنظيم المُدني

إفراز أراضي حرجية في إهمج لمصلحة المستثمرين

يضع رئيس #المجلس_الأعلى_للتنظيم_المدني مجدّداً على جدول أعماله اليوم (19-10-2022) مشروع ضم وفرز في منطقة إهمج العقارية في قضاء جبيل للعقار 2650 وخلافه، بمساحة إجمالية تبلغ 134,340م²، ويُطلب بموجبه ضمّ وفرز العقارات إلى 76 قسم مع …

في كفرعبيدا: راغدة درغام تُصادر الملك العام عبر الاستفادة من سياسة المجلس الأعلى

يوم الأحد الماضي، الموافق في 9 حزيران 2024، احتشد الأهالي والناشطون في بلدة كفرعبيدا أمام فيلا الإعلامية راغدة درغام، وذلك للتنديد بمخالفات البناء التي ترتكبها، وتعبيراً عن رفضهم لمنعها وصولهم إلى الشاطئ وقطع …

سحابة “الكفور” السوداء:

كيف ينتج التنظيم المديني كارثة بيئية

في 24 آب 2023، استفاق سكان بلدة الكفور في النبطية، وقد خرجت رياح سوداء من معامل تذويب الإطارات في بلدتهم وغطّت أراضيهم، محاصيلهم، أشجارهم، شوارعهم، باحات منازلهم، بيوتهم، مؤنتهم وأجسادهم باللون الأسود. وخلال …

المديرية العامة للتنظيم المدني ومجلسها الأعلى

تم إنشاء المديرية ومجلسها الأعلى في عام 1962 عندما وُضع أوّل قانون للتنظيم المُدني في لبنان، وقد أوكل إليها إعداد الأحكام المتعلّقة بالتنظيم المدني. وُضع هذا القانون حينذاك إستجابةً لإرادة فؤاد شهاب، الذي ...