لا يُمكن لقاصد الجنوب اللبناني عبر الطريق الساحلية أو الأوتوستراد تجاهل المشهد الملحميّ للسهل الزراعي الشاسع في ساحل الزهراني، حيث تُجاور بساتين الموز والحمضيات الخضراء رمالَ البحر. هذا السهل المترابط والمُمتدّ بين مدينتَي صيدا وصور على طول يقارب ٣٠ كلم، اعتمد عليه اقتصاد بلدات قضاء الزهراني منذ عشرات السنين، لكنه بات اليوم أحد آخر النماذج الزراعية على الساحل، في بلدٍ لطالما اعتُبر “مثاليًا” للزراعة بفضل مناخه وتربته ومياهه وتنوّع تضاريسه.
يُعوّل الكثيرون على إنتاج السهل لأجلٍ غير مسمّى لكنّ الواقع المتمثّل بتشجيع الدولة للريع العقاري في تنظيم الأراضي، واستقالتها من واجباتها تجاه القطاع الزراعي قد لا يضمن ذلك.. فقد تبدّلت المحاصيل المزروعة في سهل الزهراني على مرّ العقود، وانتقل المزارعون من الزراعات البعليّة التقليدية إلى الزراعات المرويّة، بخاصّة زراعة الحمضيّات، قبل أن يصبح السهل معروفًا بسهل الموز، ولم تُرافق هذه التبدّلات في المحاصيل أيّ سياسة وطنيّة زراعيّة تقوم على إرشاد المزارعين وتحمي السوق من الاحتكارات والمضاربات. نتيجةً لذلك، شهد السهل توجّهًا نحو أحاديّة المحصول الزراعي بهدف التصدير والمنافسة في السوق العالميّة لتكثيف الأرباح، ما أدّى إلى إلحاق أزمات متتالية بالقطاع متمثّلة بفوائض المحاصيل والصعوبة في استدامة مبادرات زراعيّة متنوعّة.
اقتصاد الاكتفاء الذاتي
عاش المُزارع في زمن الزراعات التقليدية القديمة المُنتشرة في سهل الزهراني ومُحيطه “اقتصاد الاكتفاء الذاتي”. لكن سرعان ما تفكّك هذا النموذج الاقتصادي مع التوجّه نحو رَسمَلة القطاع الزراعي خلال الانتداب الفرنسي1مصطفى بزّي (2002)، جبل عامل وتوابعه في شمال فلسطين: بحث في تطوّر الملكيّة العقاريّة، دار المواسم للطباعة والنشر والتوزيع، ص.372-374 الذي سعى إلى انفتاح لبنان على الأسواق الخارجية ولا سيما الأوروبية، وعزّز ذلك عبر الإعفاء الجُمركي على تصدير بعض المنتوجات الزراعية2Fouad Saade, Riad (1973). Réalités de l’agriculture libanaise. In: Tiers-Monde, tome 14, n°54, Le développement rural. pp. 425-436..
فكما شهدنا في ظلّ الانتداب الفرنسي اهتمامًا بزراعة التوت لتصدير الحرير من جبل لبنان، واهتمامًا مماثلًا بزراعة التبغ في الجنوب، وضعت سلطات الانتداب منطقة الزهراني على الخريطة الإنتاجية لزراعة الحمضيّات المطلوبة في أوروبا آنذاك، بعد اكتساب الليمون اليافاوي شهرةً عالميةً. إلّا أن الإنتاج في الزهراني بقي متواضعًا بسبب قلّة الأراضي المرويّة، التي اقتصرت حينذاك على الأراضي المُحيطة بمدينة صيدا، المرويّة من مياه نهر الأوّلي عبر قنواتٍ قديمة، وتلك المُحيطة بصور، المرويّة بواسطة قنوات الريّ الموجودة منذ عهد الرومان ومن مياه برك رأس العين.
عوامل تطوّر الزراعة المرويّة وزراعة الحمضيّات في المنطقة
في خلال الحرب العالميّة الثانية، تمركزت قوات إنجليزية قادمة من فلسطين عام 1941 في مناطق الجنوب اللبناني كمناطق الجزيرة، الصرفند، سينيق وعين الحلوة، واضطرت إلى تأمين غذائها محلّيًا. وبهدف إنتاج الخضروات المرويّة في أراضٍ كانت تسود فيها الزراعات البعليّة، اتفق الإنكليز مع سلطات الانتداب الفرنسي على إنشاء شبكة ريّ تنطلق من بلدة عين أبو عبد الله الواقعة على ضفاف نهر القاسمية (الليطاني).
تولّى حينها الفرنسيّون وضع الدراسة وتمويل المشروع، وأسندوا بعض مهام التنفيذ التقنيّة إلى حلفائهم الإنكليز، فبدأ تنفيذ مشروع ريّ القاسمية – رأس العين أواخر العام ١٩٤١، ليكتمل الجزء الأول منه عام ١٩٤٣3Blanc, Pierre (2008). « LE LIBAN, DON DU LITANI » GÉOPOLITIQUE DU GRAND FLEUVE LIBANAIS. Maghreb – Machrek..
ولم يكتمل المشروع إلّا بعد إنشاء القناة الجنوبية بين عامَي ١٩٤٤ و١٩٥١، ومن ثم القناة الشمالية بين عامَي ١٩٥٤ و١٩٥٦ بدعمٍ أميركي وبالاستناد إلى عدّة دراسات أبرزها دراسة المهندس إبراهيم عبد العال4نشر ابراهيم عبد العال دراسته عام 1948، وفيها عرض لإمكانيات توظيف نهر الليطاني في مشاريع للرّي ولتوليد الطاقة الكهرومائية. وكان لعبد العال دورٌ كبيرٌ في تأسيس مصلحة الليطاني عام 1955، وكذلك في إقناع الولايات المتحدة الأميركية عبر البنك الدولي بتقديم قرضٍ للبنان لتنفيذ مشاريع الليطاني ووضع الدراسات ذات البعد الوطني للنهر. أما مشروع ريّ القاسمية – رأس العين المنفّذ، فتعاقبت على إدارته عدّة جهاتٍ بدءًا بوزارة الأشغال، فوزارة الزراعة، ثمّ مكتب القاسمية – رأس العين. وفي العام 1974، تسلّمت مصلحة الليطاني إدارة المشروع.. ومع اكتماله، نشطت زراعة الحمضيّات في معظم أراضي السهل، وساهمت في ذلك اليد العاملة الفلسطينية التي وفدت إلى الزهراني بعد نكبة فلسطين عام ١٩٤٨، فضلًا عن رأس المال الفلسطيني الذي استُثمر بعضه في الزراعة وفي تملُّك بساتين مُنتجةٍ للحمضيّات. هكذا، بدأ تصدير الحمضيّات على نحوٍ متزايد. وفي العام ١٩٥٣، أجرى المهندس الزراعي هنري شابو دراسةً عن زراعة الحمضيّات في لبنان
في تلك الفترة، نجح لبنان في احتلال المركز الثامن عالميًا في تصدير الليمون، إذ وصل تصدير الحمضيّات في العام ١٩٥١ إلى ١٣٩٢٠٠٠ صندوق، وفي العام ١٩٥٢ إلى ١٣٠٠٠٠٠ صندوق، أي ما يُقارب ٤٠٠٠٠ طنٍ من البرتقال والمندرين و١٠٥٠٠ طنٍ من الحامض. وكانت سوريا المستورد الأول للمنتوج اللبناني على صعيد الكمّية، إذ كانت زراعة الحمضيّات فيها لا تزال بدائية، تلتها تشيكوسلوفاكيا، فرنسا، إيطاليا – التي كانت توزّع المحصول في أوروبا الوسطى – ورومانيا. أمّا التصدير إلى إنكلترا فكان يتفاوت بين عامٍ وآخر. وفي مرحلةٍ لاحقة، ازدادت وجهات وخيارات التصدير لتشمل الدول العربية المُنتجة للنفط التي كانت تشهد تطورًا سريعًا.
، خلص فيها إلى أنّ لبنان قد ينافس في المستقبل بلدان شمال إفريقيا في إنتاج الحمضيّات وتصديرها إلى السوق الأوروبية، معتبرًا أنّ تنفيذ مشروع ريّ القاسمية سيزيد من المساحات المزروعة.
في تلك الفترة، نجح لبنان في احتلال المركز الثامن عالميًا في تصدير الليمون، إذ وصل تصدير الحمضيّات في العام ١٩٥١ إلى ١٣٩٢٠٠٠ صندوق، وفي العام ١٩٥٢ إلى ١٣٠٠٠٠٠ صندوق، أي ما يُقارب ٤٠٠٠٠ طنٍ من البرتقال والمندرين و١٠٥٠٠ طنٍ من الحامض. وكانت سوريا المستورد الأول للمنتوج اللبناني على صعيد الكمّية، إذ كانت زراعة الحمضيّات فيها لا تزال بدائية، تلتها تشيكوسلوفاكيا، فرنسا، إيطاليا – التي كانت توزّع المحصول في أوروبا الوسطى – ورومانيا. أمّا التصدير إلى إنكلترا فكان يتفاوت بين عامٍ وآخر. وفي مرحلةٍ لاحقة، ازدادت وجهات وخيارات التصدير لتشمل الدول العربية المُنتجة للنفط التي كانت تشهد تطورًا سريعًا.
أما محلّيًا، فكان لبنان يستهلك أكثر من نصف الكمّية المُنتَجة على الرغم من عدم وجود أيّ صناعاتٍ تحويليةٍ غذائيةٍ وقتذاك (كمعامل العصير).
الرأسمالية تهيمن على الزراعة
في بداية الخمسينات، شهد لبنان نهوضًا واضحًا للرأسمالية وارتفاعًا في وتيرة الطلب على المنتجات الزراعية في الداخل والخارج. شجّع هذا الارتفاع في الطلب الرأسماليّين على الاستثمار في المجال الزراعي، ما أدّى إلى تركّز رأس المال التجاري على صعيد الملكيّة في سهل الزهراني، متسبّبًا بوقوع معظم ملكيّات الفلاحين في أيدي المالكين الرأسماليّين الجُدد من تُجارٍ ومتموّلين من صيدا وصور وبيروت، بالإضافة إلى بعض المُغتربين الجنوبيّين الذين جمعوا ثرواتٍ هائلةً بعد هجرتهم إلى إفريقيا، واستثمروها في شراء أراضي السهل. آنذاك، استفاد هؤلاء من ظروفٍ عدّةٍ للتملّك، كان أبرزها الإنتاجية الضعيفة للأراضي، وتدني أسعارها، وحاجة الفلاحين إلى المال لتسديد الضرائب الباهظة التي فرضتها الدولة على الأراضي، ولإيفاء الديون التي اقترضها البعض من التجار والمُرابين. والملفت للنظر في تلك الفترة، حرص الدولة على استكمال تنفيذ مشروع ريّ القاسمية المذكور “إرضاءً للإقطاع السياسي الجنوبي”5مصطفى بزّي (2002)، جبل عامل وتوابعه في شمال فلسطين: بحث في تطوّر الملكيّة العقاريّة، دار المواسم للطباعة والنشر والتوزيع، ص.372-374.. فبين عامَي 1953 و1959، كان عادل عسيران، ابن إحدى أبرز العائلات الإقطاعية في صيدا والزهراني، رئيسًا لمجلس النوّاب، وكانت تجمعه برئيس الجمهورية كميل شمعون علاقةٌ متينةٌ ، ما ساهم في زيادة اهتمام الدولة بمنطقة الزهراني حيث أراضي آل عسيران.
في النتيجة، أدّى المالكون الجدد دورًا بارزًا في توجيه سهل الزهراني نحو زراعة الحمضيّات الأحاديّة، مستفيدين من بدء العمل لإنشاء مشروع الرّي، ما تسبّب بخسارة السهل زراعاتٍ بعليّةً فريدةً من بينها “البطيخ العدلوني” الشهير.
تأرجُح الزراعة بين التطوّر والتراجع
هذا التوسّع والتخصّص الزراعي المُفرط المرتكز على تسليع المحاصيل الزراعية، ترافق في بداية السبعينات مع أزمة فائضٍ في إنتاج الحمضيّات نتيجة ازدياد المزاحمة في السوق الأوروبية بعد ظهور منتجاتٍ أقلّ كلفة للاستيراد في دول الجوار، كالمنتجات المصرية والتركية وحتى الإسرائيلية6Salam, Omar (2003). « Les enjeux de la terre et de l’eau », Confluences Méditerranée, vol. 47, no. 4, pp. 97-110.. وتفاقمت الأزمة مع اندلاع الحرب الأهلية والاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان، إذ تضرّرت معظم البنى التحتية لمشروع ريّ القاسمية، بما في ذلك محطّة الضخ. بناءً عليه، أخذت زراعة الحمضيّات تتأرجح بين التطوّر والتراجع، وبين الاتساع والانقباض على صعيدَي الإنتاج والتصدير، كما خضعت باستمرارٍ لتأثيرات عاملَين أساسيّين: الأول داخليٌّ يتمثّل في الأوضاع المالية والأمنية، والآخر خارجيٌ يتمثّل في انكماش حجم طلبات الأسواق الخارجية لا سيّما العربية منها. هذا الواقع، يُضاف إليه غياب تدخّل الدولة، كبّد المزارعين والتجّار خسائر متكرّرةً وساهم في إقفال غالبية مشاغل توضيب الحمضيّات.
ويجب التذكير بأنّ لبنان كان ارتكب الخطأ نفسه في القرن التاسع عشر، عندما اجتاحت زراعة التوت بشكلٍ شبه كاملٍ الجبالَ اللبنانية لإنتاج الحرير وتصديره إلى مدينة ليون الفرنسية. حينذاك، واجهت زراعة التوت وتربية دودة القزّ أزمتها الأولى في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين نتيجة منافسة الحرير الصّناعي، وتطوّر النقل الذي قرّب بين أوروبا والشرق الأقصى، فضلًا عن الحصار
الذي فُرض على لبنان في خلال الحرب العالمية الأولى7Salam, Omar (2003). « Les enjeux de la terre et de l’eau », Confluences Méditerranée, vol. 47, no. 4, pp. 97-110.. أزمة زراعة التوت تلك دفعت بكثيرٍ من اللبنانيين إلى الهجرة بعد أن كانوا أهملوا الزراعات المعيشية التقليدية واستبدلوها بزراعة التوت.
سيناريو الحمضيّات يتكرّر
نتيجةً لما سبق، شهد سهل الزهراني في بداية التسعينات محاولاتٍ جديدةً لتبديل خريطته الزراعية بمبادراتٍ فرديةٍ ورغبةٍ من أصحاب الأراضي والتجار، وبغياب أيّ تدخّلٍ واضحٍ من قبل الدولة المشغولة بإعادة الإعمار وببناء عاصمةٍ تكون نموذجًا للحداثة العربية قوامها القطاع الخدماتي. وقتها، بدأ اقتلاع آلاف الدونمات من بساتين الحمضيّات واستبدالها بزراعة الموز التي اعتُبرَت زراعةً رأسماليةً جديدةً وبديلًا يهدف الى الربح السريع والتصدير إلى الجوار العربي، لا سيّما سوريا التي لا تنتج الموز بسبب مناخها غير المناسب.
ومثّلت السوق الأوروبية مركزًا مُهمًا لتصريف إنتاج الموز اللبناني، فاتّفاقية الشراكة بين لبنان والإتحاد الأوروبي المبرمة عام 2002 أفسحت المجال أمام بعض المنتجات الزراعية لدخول تلك الأسواق، ومن بينها الموز.
اتسعت سريعًا المساحاتُ المزروعة بالموز، وزاد حجم الإنتاج ليبلغ التصدير في بعض الأعوام نسبة ١٠٠٪ (بين عامَي ٢٠٠٣ و٢٠٠٦ على سبيل المثال8فراس أبو مصلح، الموز بديلًا من الحمضيات على السواحل اللبنانية، جريدة الأخبار، 7 كانون الأول 2007.). وكان للتجّار وأصحاب مشاغل توضيب وتصدير الموز – وعددهم ٥ أو ٦ على صعيد لبنان معظمهم من صيدا والزهراني – مساهمةً في ذلك الانتشار بفعل استئجارهم أراضٍ شاسعةٍ في السهل، وزراعتها بالموز بغية زيادة أرباحهم واحتكار السوق.
“هناك مافيا تمسك بالموز في لبنان” يقول رياض الأسعد، أحد وجوه المعارضة السياسية في الزهراني، ويتابع قائلًا “لا يُصدّر الموز إلا إذا قبض وزير الزراعة مالًا، وكذلك أكبر التجّار هنا، وهو زلمة أحد السياسيّين”.
هذا الاحتكار، فضلًا عن نتائج الحرب السورية، أعاد سهل الزهراني ومزارعيه إلى سيناريو التأرجح بين الخسائر والربح الضئيل، وهو شبيهٌ بسيناريو الحمضيّات سابقًا. فبسبب الحرب، أُغلق معبر نصيب الحدودي في درعا السورية، وهو الممرّ البرّي الوحيد إلى الأردن ودول الخليج. كذلك حاولت السلطات السورية فرض شروطٍ لاستيراد الموز اللبناني، علمًا بأنّ لبنان يعتمد على التصدير إلى تلك الدول لتصريف إنتاجه، إذ يبلغ الاستهلاك اللبناني المحلّي ٦٠٪ من الإنتاج، بينما يُصدّر ٤٠٪ منه. وتبلغ حصّة سهل الزهراني ٨٠٪ من الإنتاج، أي حوالي ١٣٠٠٠٠ طنٍ من الموز سنويًا9أرقام غير رسميةٍ ذكرها ثلاثةٌ من أبرز تجار ومصدّري الموز في الزهراني في مقابلاتٍ أُجريت معهم في خلال العام 2019.. ونظرًا لهذا الواقع، ها نحن اليوم أمام مشهدٍ متجددٍ لاقتلاع بساتين الموز، بشكل فردي تلقائي وبغياب إرشاد الدولة، لاستبدالها بما يظنّه البعض أكثر ربحًا كالأفوكادو والقشطة.
ذًا، الرهان على فاكهةٍ أحاديّةٍ أثبت خطورته، إذ لا يطول الأمر قبل أن تضرب أزمةٌ ما المحاصيلَ الزراعية، وقد تتمثّل بحشرةٍ مؤذيةٍ على سبيل المثال. فماذا لو اعتُمدَت سياسة زراعية واضحة قائمة على تنويع المحاصيل بما يتلاءم مع مناطق لبنان المناخية والجغرافية؟ وماذا لو اتّجهنا أولًا نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي لأسواقنا المحلّية، من دون اللجوء إلى الاستيراد أو النظر إلى الأراضي الزراعية كمصانع في الهواء الطلق هدفها التصدير فحسب؟
اليوم، يصارع من أجل البقاء كلّ مَن يحاول اعتماد هذا التوجّه في الزهراني، إذ كثُرت على مرّ الأعوام المبادراتُ الزراعية الفردية غير المدعومة وغير المنضوية تحت أيّ سياسةٍ زراعية. فالبطيخ العدلوني المتميز بمذاقه الحلو ورائحته ولونه وكبر حجم ثمرته، والذي كان يزرعه مزارعو بلدة عدلون بطريقةٍ تقليديةٍ بعيدًا عن التسميد الكيميائي والتطعيم الهادف إلى تكثيف وتسريع الإنتاج، استطاع أن يصبح علامةً تجاريةً مميزةً وفريدةً محليًا وفي دول الانتشار اللبناني، لكنه بات اليوم شبه مفقودٍ بعد تحويل البطيخ إلى شتلةٍ تجاريةٍ تنتج ضعفَي ما ينتجه البطيخ العدلوني المزروع بالطريقة التقليدية، وبعد إغراق السوق بالبطيخ العربي المستورد.
أما زراعة أزهار الزينة التي لجأ إليها أهالي بلدة العدوسية ابتداءً من العام 1994 لكونها زراعة مُركّزة مناسبة للأراضي والملكيات الصغيرة كتلك الموجودة في البلدة، فعلى الرغم من تطورها بشكلٍ كبيرٍ ووصول إنتاج الأزهار في العدوسية عام 2010 إلى ٦٠٪ من مجمل إنتاج لبنان من الأزهار، إلا أنها لم تلقَ الدعم المطلوب في ظلّ إغراق السوق اللبنانية بأزهار الزينة المستوردة بضريبةٍ مخفّضة.
ويبقى معمل الساحلي للتوضيب والعصير في بلدة برج رحّال متوقّفًا عن العمل وشاهدّا على عواقب المحاصصة والشراكة الإجبارية التي تفرضها القوى السياسية في المنطقة وشركاؤها في السلطة غير الآبهين بدعم القطاع الزراعي والصناعة الغذائية المحلّية.
المراجع
- 1مصطفى بزّي (2002)، جبل عامل وتوابعه في شمال فلسطين: بحث في تطوّر الملكيّة العقاريّة، دار المواسم للطباعة والنشر والتوزيع، ص.372-374
- 2Fouad Saade, Riad (1973). Réalités de l’agriculture libanaise. In: Tiers-Monde, tome 14, n°54, Le développement rural. pp. 425-436.
- 3Blanc, Pierre (2008). « LE LIBAN, DON DU LITANI » GÉOPOLITIQUE DU GRAND FLEUVE LIBANAIS. Maghreb – Machrek.
- 4نشر ابراهيم عبد العال دراسته عام 1948، وفيها عرض لإمكانيات توظيف نهر الليطاني في مشاريع للرّي ولتوليد الطاقة الكهرومائية. وكان لعبد العال دورٌ كبيرٌ في تأسيس مصلحة الليطاني عام 1955، وكذلك في إقناع الولايات المتحدة الأميركية عبر البنك الدولي بتقديم قرضٍ للبنان لتنفيذ مشاريع الليطاني ووضع الدراسات ذات البعد الوطني للنهر. أما مشروع ريّ القاسمية – رأس العين المنفّذ، فتعاقبت على إدارته عدّة جهاتٍ بدءًا بوزارة الأشغال، فوزارة الزراعة، ثمّ مكتب القاسمية – رأس العين. وفي العام 1974، تسلّمت مصلحة الليطاني إدارة المشروع.
- 5مصطفى بزّي (2002)، جبل عامل وتوابعه في شمال فلسطين: بحث في تطوّر الملكيّة العقاريّة، دار المواسم للطباعة والنشر والتوزيع، ص.372-374.
- 6Salam, Omar (2003). « Les enjeux de la terre et de l’eau », Confluences Méditerranée, vol. 47, no. 4, pp. 97-110.
- 7Salam, Omar (2003). « Les enjeux de la terre et de l’eau », Confluences Méditerranée, vol. 47, no. 4, pp. 97-110.
- 8فراس أبو مصلح، الموز بديلًا من الحمضيات على السواحل اللبنانية، جريدة الأخبار، 7 كانون الأول 2007.
- 9أرقام غير رسميةٍ ذكرها ثلاثةٌ من أبرز تجار ومصدّري الموز في الزهراني في مقابلاتٍ أُجريت معهم في خلال العام 2019.