بعد التصعيد الصهيوني الذي طال منازل المدنيين، نزحت عائلات لبنانية من البقاع والضاحية والجنوب، واحتمت بداخل مبنى “حمرا ستار” الواقع في العقار 70 الذي كان شاغراً منذ سنوات. دخلت العائلات بمساعدة أهالي الحيّ في ليلة 28 أيلول، وذلك في ظلّ عدم توفّر مراكز إيواء تتّسع للجميع. في اليوم التالي، أتى شخص من قبل المالكين ورحّب بالنازحين.
جهّزت العائلات المبنى وقامت بتنظيفه وأمّنت الكهرباء والمياه وقامت بصيانته، ليصبح مأوىً مؤقتاً ملائماً للعيش لحوالي 256 شخصاً، بعد أن كان مهجوراً ومتدهوراً لحوالي ثماني سنوات. ثم تفاجأ النازحون عندما تم إبلاغهم يوم الخميس 17 تشرين الأول – وبطريقة غير رسمية – بإنذار لإخلاء المبنى.
يوم السبت 19 تشرين الأول، حضرت الأجهزة الأمنية، من مخابرات ودرك وأمن دولة، مع باصات لنقل السكان، إلى ما قيل لهم أنه “مستوصف الحمام”. وعند سؤالهم عن المبنى، اكتشف الأهالي أنّ المبنى لا يسعهم، وأنه زجاجيّ واقع في منطقة صبرا، بالتالي فهو ليس مكاناً مناسباً للسكن في ظل الغارات المتكررة، ويقع في منطقة غير آمنة قام سكانها بتركها منذ أسابيع.
رفض الأهالي بالطبع، ووقفت النساء بوجه القوى الأمنية. على ضوء مقاومة النساء ورفضهنّ، وفي ظل تواجد بعض الصحفيين ووسائل الإعلام والأشخاص الداعمين، أجّلت القوى الأمنية الإخلاء. وبتصريح علني أمام الكاميرات، هدّدت القوى الامنية بالعودة لتنفيذ الإخلاء صباح الاثنين، بمعاملةٍ أشرس على حدّ تعبيرها.
كما نذكر أنّ القوى الأمنية جلبت الباصات بحجّة تأمين مأوى في مبنى آخر، في الوقت الذي ما زال هناك عددٌ كبيرٌ من الناس يمكثون على الأرصفة والساحات بلا مأوى. فلماذا لا يركز الأمن جهوده على نقل هذه الناس المشردة إلى المباني الشاغرة المتاحة والآمنة، بدلاً من نقل من وجدوا مأوى أصلاً؟
وفي صباح 21 تشرين الأول، اشتبكت النازحات\ون والمتظاهرون الذين نظّموا وقفة تضامنية لدعمهم، مع قوى الأمن التي حاولت تنفيذ أمر الإخلاء باستخدام القوة المفرطة، حيث أفادت التقارير وشهادات السكان عن اقتحام العناصر للغرف دون أي اعتبار لحرمتها، وضرب النساء والمسنين، وترهيب الأطفال، وقيامها بتكسير المكان وتخريبه. وتم نقل أحد النازحين إلى المستشفى نتيجة عنف قوى الأمن، بينما أصيب عدد من المتظاهرين بجروح، وكسرت ذراع أحدهم بسبب تعرضه للضرب المبرح.
عاد النازحات\ون واستولوا على المبنى بعد إخلائهم منه، واستمرّت الاشتباكات حتى فترة ما بعد الظهر عندما اضطر الجيش اللبناني إلى التدخل للتفريق بين النازحين، المتظاهرين والقوى الأمنية، بعد إشارة النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار بإمهال النازحين 48 ساعة إضافية للإخلاء.
تتكرّر حوادث إخلاء النازحين من مبان شاغرة كانوا قد دخلوا إليها بضمانةٍ ما، وآخرها كان “أوتيل هيلدون” في شارع أستراليا في الروشة، حيث لجأ حوالي 600 نازح/ة نتيجة الحرب الإسرائيلية، لعدم قدرة مراكز الإيواء الرسمية على تحمّل الأعداد المتزايدة للنازحين/ات، وعدم توفر بدائل أخرى. قام الجيش والمخابرات بإخلاء النازحين من الأوتيل بشكل تعسفي ومن دون توفير البدائل. كما قاموا باعتقال أحد النازحين، مصرّحين عدم الإفراج عنه إلى حين إخلاء المبنى. في يوم إخلائهم، لم يعرف النازحون إلى أين يتوجهون، ولم يكن أمام بعضهم سوى العودة إلى منازلهم في الضاحية والأوزاعي، معرّضين بذلك حياتهم للخطر.
انطلاقاً ممّا تقدّم، نذكّر بأهمية الأمور الآتية:
توفير البدائل: لا يحق للسلطات القيام بعملية إخلاء دون تقديم بدائل ملائمة للأشخاص المعنيين، والتفاوض حول هذه البدائل بشكلٍ عادل. ويجب أن تكون هذه البدائل واقعية وآمنة وقابلة للتنفيذ، وتشمل حلولاً ملموسة ووقتاً مناسباً تتيح للنازحات/ين الاستقرار في مكان آخر دون أن يُعرّضوا لمزيد من المخاطر أو الأضرار، أو لإخلاءٍ آخر. كما يجدر تقديم الدعم الذي من شأنه أن يساعدهم في الانتقال بشكلٍ آمن ومريح.
الامتناع عن اتخاذ إجراءات تعسفية، أي غير قانونية: إنّ أي إجراء يهدف إلى إخلاء مبنى من النازحات/ين يجب أن يتم وفقاً لمبادئ القانون والعدالة، ولا ينبغي أن يُتّخذ بشكل تعسفي، وبالتالي يجدر أن يتمّ من خلال اتباع الإجراءات القانونية والعادلة. لذا، يتعين على أي جهة أو سلطة تسعى لاتخاذ هذا النوع من الإجراءات الحصول أولاً على إذن بالإخلاء رسمي وقانوني وأن يتحقق السكان من هذا الإذن. في حالة مبنى “حمرا ستار” لم يُعرض على السكان أيّ إذن رسمي بالإخلاء، ويُذكر أن عدد المالكين بحسب الإفادة العقارية للعقار 70 هو 13 مالكاً.
الامتناع عن استخدام القوة: حتى مع توفّر الإذن الرسمي، لا يعني ذلك أنّ القوى الأمنية الموكلة بتنفيذ هذه الإجراءات تمتلك الحقّ في استخدام القوة أو العنف أو أي نوع من أنواع التهديد أو الترهيب لتحقيق الهدف. بل يجب أن يتّم ذلك من خلال التفاوض البنّاء والسعي إلى التوصل إلى حلول ترضي جميع الأطراف، وتجنب استخدام القوة أو الإكراه، مع الأخذ في عين الاعتبار الظروف المعيشية الصعبة والقاهرة التي يمرّ هؤلاء النازحون/ات بها.
الاستفادة من المخزون السكني الشاغر: تتصرّف الحكومة اللبنانية كما لو أنها لا تمتلك أي خيارات أخرى، في حين أن الشقق الشاغرة المنتشرة في جميع المناطق اللبنانية تمثّل خياراً مناسباً لتأمين السكن اللائق لمن هم بحاجة إليه، وخصوصاً في أوقات الحروب. لا بد من الاستفادة من المخزون السكني الشاغر، حيث وصلت نسبة الشقق والمباني الشاغرة في مدينة بيروت على سبيل المثال إلى معدلات مقلقة. في ظل أزمة النزوح الناتجة عن أسباب قاهرة كالحرب، وفي ظل تقاعس الدولة في تأمين مراكز إيواء كافية، يمكن لهذا المخزون الشاغر أن يكون الحل الأمثل لإيواء الناس.
وجوب تحديث خطة الطوارئ: وضمناً بما يتصل بإيواء النازحين/ات بعدما تبيّن أن النزوح تجاوز ما كان متوقعاً فيها وأن الخطة لم تلحظ موارد وأماكن إيواء تتناسب مع حجم النزوح. ويفترض أن يترافق ذلك مع إصدار مرسوم تعبئة عامة على نحو منح الدولة هامشاً واسعاً لتوفير الموارد الوطنية اللازمة لحاجات الإيواء.
هناك الكثير من الأشخاص الذين لا زالوا لا يعرفون مصير أهلهم، ولديهم أحباء تحت الردم. هناك من خسروا بيوتهم ورفاقهم، وهناك نساء ركضن بأولادهن المرعوبين. هؤلاء هم نفس الناس الذي يهدد الأمن بطردهم بالقوة والتعنيف والترهيب.
واجبنا، كجزء من تعزيز صمود أهالينا، أن نقف بوجه هذه الاخلاءات، وأن نضغط لفتح المباني الشاغرة، الخاصّة والعامّة، لاستقبال النازحات/ين دون أي تمييز أو مضايقات.
بيان صادر عن:
-التنسيقية الشعبية (جبهة فلسطين حرّة، الاتّحاد الطلابي العام، نادي الفكر الحرّ ABC )
-استوديو أشغال عامة
-الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوّقين حركياً
-موقع صفر: الأرض، العمل، رأس المال
-بروباغاندا.