
على شاطئ عمشيت الصخري، حيث تختبئ مغارة الفقمة، أحد أبرز كنوز لبنان الطبيعية والبيئية وملاذ ‘الفقمة المتوسّطية النادرة’، تتعرّض هذه المغارة اليوم لاعتداء خطير نتيجة قرار المجلس الأعلى للتنظيم المدني غير المبرّر والمخالف للقانون. فبينما تُعدّ المغارة رمزًا للتوازن البيئي وموقعًا ذي تنوّع بحري لافت، سمح قرار غير سليم لأعمال الحفر والجرف بالبدء في محيطها لإنشاء فيلا خاصة على العقار ٣٤٥.
إنّ هذا الاعتداء ليس مجرّد تجاوزٍ بل هو قرار غير شرعي، على الرغم من ادّعاء بلدية عمشيت بقانونيته. فبالعودة إلى الأنظمة – تحديداً التصميم التوجيهي والنظام التفصيلي العام لمنطقة عمشيت الصادر عام 2012 بالمرسوم رقم 7736 – يقع العقار ٣٤٥ ضمن منطقة مصنّفة سياحية E يتطلّب الترخيص فيها موافقة المجلس الأعلى للتنظيم المدني.
في عام ٢٠٢٠، تقدمت مالكة العقار بالطلب من المجلس الأعلى للبدء بالأعمال المذكورة. وكعادته، وافق المجلس على الطلب كما وافق على غيره من قبل، متجاهلاً بشكل صارخ الدور الأساسي للأنظمة التوجيهية في حماية المصلحة العامة والبيئة. ونتيجةً لذلك، استحصلت المالكة بموجب موافقة المجلس على رخصة بناء في العقار1رخصة البناء رقم 19/2020الصادرة بتاريخ 2/12/2025، والمعدّلة بموجب رخصة البناء رقم 31/2022..
الخطيئة الأكبر تكمن في مخالفة المجلس الأعلى الصريحة للخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية الصادرة بمرسوم عام ٢٠٠٩، المرجع الأساسي للتخطيط في لبنان، والتي تُصنّف شاطئ عمشيت كشاطئ طبيعي ذي قيمة بيئية عالية ومناظر طبيعية يجب الحفاظ عليه. وقد قامت الخطة الشاملة على مجموعة من الأهداف والقيَم المهمة، أبرزها الإنماء المتوازن للمناطق، وترشيد استخدام الموارد الطبيعية، وتحسين الإنتاجية الاقتصادية، والإنعاش الاجتماعي، والمحافظة على البيئة، وتشكّل بالتالي الإطار التوجيهي العام للتنظيم المدني ولاستعمالات الأراضي في لبنان. هذه الخطة هي الإطار الملزم قانونًا لجميع الإدارات والبلديات، بما فيها المجلس الأعلى نفسه، الذي يترتّب عليه مسؤولية مضاعفة وذلك كون رئيس المجلس هو الرئيس الحكميّ للجنة الإدارية التي تهتم بمتابعة تنفيذ الخطة.
إنّ قرار السماح بأعمال البناء على العقار ٣٤٥ هو إذاً قرار باطل لأنه يخالف توجيهات الخطة الشاملة ويغيّر وجهة المنطقة، ويهدّد ثروتها الطبيعية التي تُعتبر حمايتها ‘مصلحة وطنية’. ويشكّل إصدار مثل هذه القرارات مخالفة للقانون وعبثًا بالوظيفة المستقبلية للمنطقة بشكل لا عودة عنه.
تجدر الإشارة إلى أنه إلى جانب مخالفة توجيهات الخطة الشاملة، تضاف مخالفات تقنية وبيئية بالجملة ارتبطت بأعمال البناء نفسها، وكانت محور معارضة الناشطين البيئيين في الأيام الأخيرة. أبرز هذه المخالفات هي إقامة إنشاءات داخل التراجع الإلزامي عن الأملاك العامة البحرية، وكذلك عدم إجراء دراسة تقييم الأثر البيئي في منطقة حساسة بيئياً كما يفرضها المرسوم المتعلق بتقييم الأثر البيئي. كما أن صدور قرار عن وزيرة البيئة مؤخراً يؤكد ضرورة إجراء هذا التقييم، لا يلغي الخطيئة الكبرى المرتكبة من قبل المجلس الأعلى للتنظيم المدني بصدور قرار موافقته على الترخيص.

المصدر: جمعيّة الأرض لبنان (Terre Liban)
يُعدّ هذا القرار جزءًا من ممارسة مألوفة للمجلس الأعلى؛ فقد أظهر رصد استوديو أشغال عامة أنّ ما يقارب ٦٥٪ من قرارات المجلس الأعلى بين عامي ٢٠٢٢ و٢٠٢٣ تجاهلت الخطّة الشاملة تمامًا (454 من أصل 705 قرارًا). كما امتنع المجلس عن نشر هذه القرارات التي اتخذت مفاعيلها التنفيذية في إصدار رخص البناء وغيرها من الأمور الإدارية، ممّا أرسى ممارسة مخالفة للقانون ولحقوق الناس من دون أي محاسبة. وعليه، يجب وقف تنفيذ هذا القرار غير القانوني فورًا ووضع حد لتكرار ممارسات المجلس الأعلى التي تعبث بالأنظمة وتعرّض الإرث الطبيعي للخطر.
المراجع:
- 1رخصة البناء رقم 19/2020الصادرة بتاريخ 2/12/2025، والمعدّلة بموجب رخصة البناء رقم 31/2022.