على امتداد قرن ونيّف، شهدت بيروت تحولاً جذرياً، ونمواً عمرانياً وسكانياً هائلاً تشابك مع الأحداث التاريخية الكبرى. وتُظهر الخرائط الجوية هذا التمدّد الحاصل، لكنها في المقابل تثير تساؤلاً أساسياً: من هي بيروت اليوم، بتعقيداتها وتداخلاتها الحَضَرية؟
فمنذ أن كانت مدينة عثمانية إقليمية صغيرة، شهدت بيروت توسّعاً كبيراً، بدءاً من إنشاء المرفأ وطريق بيروت-دمشق، مروراً بتعيينها عاصمة تحت الاستعمار الفرنسي، وصولاً إلى التوسّع العمراني السريع بعد الاستقلال والحرب الأهلية التي غيرت نسيجها الحضري والاجتماعي. وقد لوحظ أسرع توسع جغرافي لبيروت بين عامي 1945 و1963 عندما توسّعت المساحة المبنية للمدينة بأكثر من الضعف1المصدر: Beirut City Profile, 2021, UN-Habitat. وفي أوائل السبعينيات، تجاوز عدد سكّان مدينة بيروت مليون نسمة، وبحلول عام 1998، اقترب عدد السكان من 1.3 مليون نسمة2المصدر: Beirut City Profile, 2021, UN-Habitat. وبينما ساهم النمو أيضاً في زيادة الكثافة السكانية في المناطق الوسطى من المدينة، استقر جزء كبير من السكان أيضاً في الضواحي والمناطق غير الرسمية على أطراف المدينة، ممّا ساهم في تمدينها. بدورها، ساهمت الحرب الأهلية بشكل كبير في نمو المدينة، أفقياً وعامودياً، بسبب الأضرار التي لحقت بالمباني الموجودة، كما أدّت الى تغيير تكوينها نتيجة النزوح داخلها وعبر مناطقها.
وبينما تتمدّد رقعة المدينة المبنية بشكل مستمرّ، لا توجد حتى اليوم سلطة واحدة مسؤولة عن مدينة بيروت. تعمل البلديات الـ 31 التي تشكّل بيروت – العُرفية لا الإدارية- ضمن نطاقها الإداري المحدد، ويتم إصدار تخطيطات وتصاميم توجيهية لكل واحدة على حدى (انظرن\وا الى الخرائط أدناه). فتغطّي بلدية بيروت بالإضافة إلى ثلاث إتحادات بلديات، الضواحي وكوكبة من البلدات الصغيرة، ولا يوجد آليات رسمية للتكامل أو للإستجابة لهذا المكوّن الجغرافي الأوسع.
في الوقت ذاته، لا يزال الخطاب العام يتمحور من جهة حول بيروت – العاصمة، المحدّدة ضمن حدودها الإدارية الحالية، ومن جهة أخرى حول ضواحٍ تحيط بها. في الواقع ومع مرور الوقت، تغيّرت طبيعة ما كان يُنظر إليه كضواحٍ لتصبح تلك الأخيرة بمثابة المدينة في حد ذاتها. فالضاحية باتت إحدى الوجهات الأساسية للسكن بأسعار معقولة لذوي الدخل المنخفض والمتوسط، وهي أيضاً مكان للعمل والترفيه للمدينة.
إن معظم القضايا التي تواجه بيروت اليوم – في الشأن الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والسياسي – باتت تبرز على نطاق يتجاوز بكثير الحدود الإدارية لبلدية بيروت. إن الاعتراف بهذه الحقيقة أمر بالغ الأهمية لفهم حالة مدينة بيروت: بدون حدود مكانية تعترف بالنسيج العمراني الاجتماعي الاقتصادي الخدماتي الموسّع الذي يشكّل العاصمة اليوم، لا يمكن لأي سلطة أن تقدم الخدمات وتؤمّن الحوكمة الحضرية التي يحتاجها سكّان هذه المدينة. بالإضافة إلى معالجة الثغرات في الوصول إلى تقديم الخدمات لجميع أنحاء المدينة، إن فهم الديناميكيات الاجتماعية والاقتصادية سيتيح تصميم استجابات شاملة وفعالة ترتكز على مبدأ العدالة والمساواة.
تأتي هذه المقالة، تزامناً مع اقتراب الانتخابات البلدية، لتؤكّد على الحاجة الماسة لترسيخ مفهوم موحد لمدينة بيروت الكبرى، يتجاوز التقسيمات الإدارية الراهنة. ومن خلال تتبّع ظهور هذا المصطلح في المخططات والقوانين عبر فترات تاريخية مختلفة، نكشف أن إنشاء “بيروت الكبرى” ليس مجرد ضرورة تقنية، بل كان أيضاً معركة سياسية لا تزال تستدعي خوضها اليوم.

بيروت الكبرى في تقارير الخبراء الفرنسيين
تاريخياً، كان لبيروت الكبرى تعريفات مختلفة.
يمكننا تتبع الأصول إلى العثمانيين ونظامهم الإداري، حيث كانت بيروت وضواحيها الحالية مقسمة بين ولايتَي بيروت وجبل لبنان. وعلى الرغم من هذا التقسيم، فقد توسّعت بيروت خارج حدودها الإدارية، لكن التقسيمات بقيت كما هي، متجاهلة التركيبة السكانية.
إلى أن ظهر مفهوم بيروت الكبرى للمرة الأولى – بحسب الباحث إيريك فرداي – عام ١٩٥٩ في الدراسات التي أجرتها بعثة إيرفَد (IRFED)، وكُتِب بصيغة فرنسية ك«Grand Beyrouth». في وقتها، كان الرئيس فؤاد شهاب قد كلّف مؤسسة إيرفَد لتضع «الخطة الشاملة للإنماء» بالتنسيق مع وزارة التصميم العام التي كانت قائمة منذ عام 1954. كانت مهام وزارة التصميم تشمل “توجيه سياسة لبنان الإنمائية وتنسيقها وجمع الإحصاءات التي تؤدّي إلى تعزيز الثروة الوطنية وزيادة الدخل القومي ورفع مستوى الحياة.” في الإنماء، أنتجت الوزارة عدداً من التقارير والأبحاث، نذكر منها البرنامج الإنمائي لمنطقة الهرمل عام 1974، بالإضافة إلى الخطة الخماسية لمشاريع الري. وعملت الوزارة على وضع “تصميمٍ عامٍ شاملٍ ينسجم والحاجات ويتلاءم مع الأوضاع في تطويرها في حقول التجهيز والإنشاء والتجميل بغية الاستفادة المثلى من جميع مرافق البلاد. يتضمّن التصميم العام الشامل برامج فرعية يتناول كل منها مشروعاً أو مشاريع عدة لتجهيز الإنشاء.”
بالتالي، كان الهدف من نموذج الوزارة نفسه أن يتم صياغة مشاريع بشكل يجعلها تصب في خدمة أهداف كبرى متكاملة. كما كان الهدف من الوزارة توجيه الموارد الرسميّة لتنمية القطاعات الاقتصاديّة الإنتاجيّة وتحفيزها، وفق الأهداف العامّة التي تتولّى هذه الوزارة صياغتها. فكان من صلب جهودها نحو تطوير مخطّط لبيروت مع بعثة إيرفَد هو العمل نحو إنشاء “بيروت الكبرى”، الأمر الذي حصل عام 1961 عبر مرسوم حكومي.
إحداث وحدة جغرافية تُدعى بيروت الكبرى
عام 1961 صدر مرسوم حكومي باستحداث وحدة جغرافية في مدينة بيروت وضواحيها تدعى “بيروت الكبرى”. وبحسب المرسوم، تتألّف الوحدة الجغرافية هذه من مجموعة من الأماكن المتاخمة لبيروت العقارية والمبينة على خريطة (مرفقة بالمرسوم) والتي يجمع بينها مصالح مشتركة. كما تؤلّف لجنة تدعى “لجنة تنظيم بيروت الكبرى” قوامها كل من:
- نقيب المهندسين جوزيف نجار
- أعضاء مجلس التصميم والانماء المهندسين عاصم سلام، هنري اده، امين البزري، وفؤاد عبد الباقي.
- بالإضافة الى كل من المهندس اميل يارد مدير التنظيم المدني، ويتولّى بالإضافة إلى العضوية تأمين الاتصال بين اللجنة ومختلف الأجهزة وتنسيق العمل؛ والمهندس جورج رياشي مهندس تنظيم مدني، مهندس عام بلدية بيروت.
وكانت مهمة اللجنة الاطلاع على كافة دراسات التنظيم المختلفة الموضوعة ضمن نطاق “بيروت الكبرى”، ووضع الاقتراحات والتوصيات العملية بشأن تصميم التخطيط والتنظيم العام ضمن نطاق “بيروت الكبرى”. كما تأمين إعداد التشريع اللازم لجعل نصوص القوانين الادارية وقانون البناء وخاصة شروط تقسيم الأراضي والتشريعات بشكل يساعد على تنفيذ سياسة ملائمة ويمكن من تنسيق كافة أعمال الخدمات العامة المشتركة ضمن نطاق “بيروت الكبرى”. وتؤمّن وزارة التصميم العام لهذه اللجنة الاتصال اللازم مع مختلف اللجان التابعة لها كالمدينة الحكومية ولجنة الشواطىء والمساكن الشعبية. ويحدّد المرسوم أنه على البلديات واللجان والمؤسسات وغيرها من الأجهزة التي تعمل حالياً ضمن نطاق “بيروت الكبرى”، اطلاع اللجنة على أعمالها المتعلقة بالتنظيم.
إذاً، حصل المخطط إيكوشار وبعثة إيرفَد ووزارة التصميم على كل ما يحتاجونه لإمكانية تخطيط بيروت الكبرى. ومنذ ذلك الحين، تعرّض مصطلح “بيروت الكبرى” لانتقادات لا حصر لها، خاصة فيما يتعلق بحدودها وتسميتها (بيروت وضواحيها، بيروت الكبرى، منطقة بيروت الحضرية…). كما فُتِح نقاشُ ضروريٌ حول تخطيط المدينة. يشرح الباحث فرداي عن النقد الذي قدّمه مخطط المدن صبا شيبر حول التحديد الذي اعتمده إيكوشار. اقترح شيبر على سبيل المثال أن تأخذ بيروت الكبرى في الاعتبار المناطق الواقعة في الحركة اليومية للسكان من وإلى العاصمة. وفي الصيغة الأخيرة التي تم تسليمها عام ١٩٦٣، شملت الخطة كامل المنطقة بين نهر الكلب وجنوب خلدة.
على مر السنين، ونتيجة التغييرات الديموغرافية الجديدة، تطوّرت المنطقة المحددة باسم “بيروت الكبرى”. في العام ١٩٦٣ شملت الخطة في الصيغة الأخيرة التي تم تسليمها كامل المنطقة بين نهر الكلب وجنوب خلدة. وفي العام ١٩٧٣، توّسع نطاق بيروت الكبرى في الخطة المذكورة لتضم منطقة جونية (أرشيف وزارة التصميم العام).
وكان على لجنة تنظيم “بيروت الكبرى” أن تقدّم تقارير دورية توضح فيها برنامج عملها وكيفية تنظيمه والطريقة التي ستتبعها لتأمين تنفيذ المشروع العام والأموال والاعتمادات اللازمة والمساعدات الفنية والعملية التي تطلب تأمينها من الدوائر الحكومية. إلى أن تم إلغاء وزارة التصميم العام عام 1977 ومعها مشروع بيروت الكبرى، في نهاية حرب السنتين الأولى، عندما ساد الاعتقاد بأن الحرب اللبنانية انتهت. واعتبرت السلطة بأنه يجب إلغاء هذه الوزارة، حيث بدا واضحاً، مع انتهاء ولاية الرئيس فؤاد شهاب، بأن المشروع انتهى. وما جرى بعد إلغائها هو استبدالها لاحقاً بمجالس الخدمات، التي قامت على أساس توزيع موارد الدولة على النافذين من خلال هذه المجالس. فكانت المشاريع مجرّد أدوات لتوزيع الخدمات على المناصرين والمتعهّدين المقرّبين.
بيروت الكبرى في خطة تنظيم المدينة لعام 1983
بالرغم من وطأة الحرب الأهلية (1975-1990)، لم يتوقّف العمل على إعداد مخطط عام لبيروت، حيث تم اقتراح “Schéma Directeur de la Région Métropolitaine de Beyrouth” عام 1983، والذي ضم المنطقة الجنوبية وصولاً الى الدامور. لكن هذا المخطط واجه انتقادات حادة، ليس فقط لتخلّيه عن مصطلح “بيروت الكبرى”، بل بشكل خاص لاستبعاده منطقة جونية. وفقاً لفرداي الذي وثّق هذه التجربة والتجاذب السياسي حولها، فإنّ هذه المعارضة عكست آنذاك التجاذبات السياسية، حيث كانت جونية وكسروان تحت سيطرة ميليشيا “القوات اللبنانية” اليمينية المعارضة للرئيس الجميل. ويشير هذا إلى الصراع العام الذي شاب محاولات إنشاء بيروت الكبرى، والذي بدأ فعلياً مع سياسات “الشهابية” التي تبناها الرئيس فؤاد شهاب (المنتخب عام 1959)، والتي تميّزت برؤية لدولة مركزية قوية تسعى لتوحيد اللبنانيين، ورأت في التخطيط الحضري أداة لتعزيز شرعيتها (فرداي، 2017) وقد قوبلت هذه السياسات بمعارضة شديدة من البلديات. هنا تتجلّى صعوبة مشروع بيروت الكبرى، حيث يقع بين دولة مركزية تسعى للسيطرة وترفض اللامركزية التي تعتبرها مشكلة، وبلديات ترى في تدخّل الدولة محاولة لفرض سلطتها دون إنشاء مؤسسة بلدية عُليا جامعة.

بيروت الكبرى في الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية
إلا أن مجلس الإنماء والإعمار بالتعاون مع معهد إيوريف (IAURIF) أعدّ دراسة هامة بناءً على قرار مجلس الوزراء رقم ١٢٤١ (٢٠٠١). استندت هذه الدراسة إلى صور الأقمار الصناعية وبيانات ديموغرافية محلية، وأثمرت عن إصدار مرسوم مجلس الوزراء عام 2009 تحت عنوان “الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية”. تُعد هذه الخطة وثيقة أساسية للتنمية المستدامة في لبنان، تهدف إلى توجيه الاستثمارات العامة الكبرى مع التركيز على التنمية المتوازنة والاستخدام الرشيد للموارد. وقد حدّدت الخطة أبرز التحديات التي تواجه مختلف المناطق اللبنانية، وقامت على مبدأ تنمية متكاملة ومتوازنة للمناطق الكبرى (الشمال، المركز، الشرق، الجنوب).
تمثّل هذه الخطة أحدث تعريف لبيروت الكبرى، حيث تتيح تصوّرها ضمن رؤية وطنية شاملة. وقد حدّدت الخطة “منطقة حضرية مركزية” تتألّف من ثلاث دوائر جغرافية متّحدة المركز: مدينة بيروت، الدائرة الأولى (بين الضبية والخلدة على ارتفاع أقل من 400 متر، وهي الجزء المتبقي من “بيروت الكبرى”)، والدائرة الثانية التي تضمّ تجمعات جونية، بكفيا، برمانا، عاليه، والدامور.
ترى الخطة أن هذا الكيان الحضري يشكّل، وسيشكّل بشكل أكبر في المستقبل، وحدة وظيفية متكاملة تتطلب حلولاً متناسقة في مجالات النقل، والصرف الصحي، والنفايات الصلبة، والمساحات الخضراء وغيرها.
وتضمّ بيروت والدائرة الأولى حالياً حوالي 1.3 مليون نسمة، وتُعتبر المركز الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي الأهم في لبنان، حيث تتركز فيها معظم الأنشطة التجارية والمالية والصناعية والسياحية والتعليمية والإدارية. كما أنها مركز النقل الرئيسي في البلاد بفضل المرفأ والمطار والطرق السريعة. تجدر الإشارة إلى أن رقم 1.3 مليون يعود إلى عام 2005، غير أن الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (OCHA) على سبيل المثال، تقدّر العدد بما يقرب ال2 مليون شخص، ، لكن هذا يشمل محافظتَي بيروت وجبل لبنان، وبالتالي يمتد من جبيل إلى الشوف، وهو أوسع بكثير من الدائرة الأولى.
أما بالنسبة للدائرة الثانية، فيتمثل التحدي الأكبر في تنظيمها لاستيعاب النمو السكاني والعمراني المستقبلي، مع اقتراح تعزيز المراكز الحضرية فيها (مثل جونية، عجلتون، بكفيا، برمانا، بعبدا، عاليه، عرمون، والدامور) لتلعب دور مدن مرحلية.
بغض النظر عن مدى ملائمة تصنيفات وتوجّهات الخطة الشاملة، وعلى الرغم من تجاهل السلطات العامة لها بشكل ملحوظ، تبقى أداة تخطيطية فعّالة ومُلزمة. فبدلاً من تشكيل لجنة لمتابعة تنفيذها وتطويرها، وهو ما كان يفترض برئيس المجلس الأعلى للتنظيم المدني القيام به، بقي الأمر معلقاً. وتشير الإحصائيات إلى أن نسبة كبيرة من التصاميم التوجيهية والتفصيلية المصدّقة أو المعدّلة بين عامي 2009 و2018 لم تُشِر إلى الخطة الشاملة، وأن غالبية قرارات المجلس الأعلى بين عامَي 2022 و2023 تجاهلتها بشكل مماثل.
إنّ عدم تطبيق الخطة الشاملة يمثّل سياسةً مفادها الإهمال الاعتباطي، بمّا يتناسب تماماً مع إفساح المجال لسوء استخدام السلطة لأدوات التخطيط على المستويين المحليّ والوطني.

خاتمة
ختاماً، لقد كشف تتبّع مسار بيروت الحضري على مدى قرن ونيف عن قصة نمو عضوي متشابك مع أحداث تاريخية مفصلية، أفضت إلى كيان عمراني واسع يتجاوز بكثير حدوده الإدارية الضيقة. وبينما قدّمت رؤى “بيروت الكبرى” التي ظهرت في تقارير الخبراء الفرنسيين ومخططات تنظيم المدينة والخطة الشاملة لترتيب الأراضي تصورات مختلفة لحدود هذا الكيان ووظيفته، إلا أنها اتّفقت جميعها على ضرورة تبني نظرة شمولية للمدينة تتجاوز التقسيمات البلدية.
إن الحاجة إلى سلطة موحّدة قادرة على إدارة هذا النسيج الحضري المتكامل وتلبية احتياجات سكانه المتنوّعة تبدو اليوم أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. فتحديات الحوكمة والتخطيط العمراني، وتوفير الخدمات الأساسية بكفاءة وعدالة، ومعالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، كلها تتطلّب رؤية واستراتيجية موحّدة لـ “بيروت الكبرى”.
ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي البلدي، تبرز مجدداً أهمية تجاوز الخطاب المنقسم بين “بيروت العاصمة” وضواحيها، والاعتراف بالواقع الجديد حيث أصبحت هذه الضواحي جزءاً لا يتجزّأ من الديناميكية الحضرية الشاملة. إن ترسيخ مفهوم “بيروت الكبرى” ليس مجرد مسألة تخطيط تقني، بل هو ضرورة سياسية واجتماعية لتمكين حوكمة رشيدة وعادلة تستجيب لطموحات وتحديات هذه المدينة المتنامية والمعقّدة. فالمعركة من أجل “بيروت الكبرى”، التي بدأت منذ عقود، لا تزال مستمرة وتستدعي إرادة سياسية قادرة على ترجمة هذا المفهوم إلى واقع ملموس يخدم مصلحة جميع سكانها.
- 1المصدر: Beirut City Profile, 2021, UN-Habitat
- 2المصدر: Beirut City Profile, 2021, UN-Habitat