باختصار، ما هو القانون المقترح؟
ينشئ اقتراح القانون حيّاً في مدينة طرابلس بإسم جبل محسن، يكون له سبعة مخاتير. لمرة واحدة وبصورة استثنائية، ولغاية إنشاء سجلات نفوس الحيّ فور نشر هذا القانون، يقوم وزير الداخلية بتعيين خمسة مخاتير من سجل نفوس التبانة ومختارين من سجلات نفوس القبة، لمعاونة المحافظة في تكوين قيود سجلات حيّ جبل محسن.
ما هي الأسباب الموجبة التي يذكرها القانون؟
- حيث أنّ الانتخابات الاختيارية التي حصلت في 2016 قد حصلت في أعقاب الشحن الطائفي وأفرزت نتائجاً مجحفة استبعدت تمثيل الأقليات بما يتناسب مع حجمها الديموغرافي؛
- حيث أنّ انتخابات 2016 أفرزت سلطة إدارة محلية تخالف ميثاق العيش المشترك المكرس في الفقرة “ي” من مقدمة الدستور؛
- حيث أننا في مجتمع لا يزال ينتخب سلطته السياسية بناءً على أسس طائفية؛
- حيث أنّه يجب أن يكون لكل 3000 نسمة مختار يعنى بشؤونهم، ما يوجب أن يكون لسكان جبل محسن ما لا يقل عن 7 مخاتير؛
- حيث أنّ غالبية قاطني جبل محسن مقيّدين في قيود حيّ التبانة والقبة.
أي نواب اقترحوا القانون؟
حيدر آصف ناصر
نوع القانون
اقتراح قانون
الفاعلون
وزارة الداخلية، المخاتير
المناطق المتأثرة
طرابلس
لتحميل القانون
لحظ “المرصد البرلماني” في المفكرة القانونية ما أسماه حركة تشريعية خاصة بالطائفة العلوية، تمثّلت في سبعة اقتراحات\مشاريع قوانين حول إدارة شؤون هذه الطائفة، ومن ضمنها اقتراح قانون معجل مكرّر بإنشاء “حيّ جبل محسن” في طرابلس، بهدف تمكين الناخبين العلويين في تلك المنطقة من اختيار مخاتيرهم وإدارة شؤونهم المحلية. ينطلق الاقتراح في أسبابه الموجبة من أنّ إنشاء هذا الحيّ يعبّر عن الواقع الجغرافي والاجتماعي الحقيقي في طرابلس، ومن أننا نعيش في لبنان في مجتمع لا يزال ينتخب سلطته السياسية بناءً على أسس طائفية، وبالتالي، فإن سكّان جبل محسن مازالوا غير ممثّلين سياسياً-طائفياً على مستوى الحيّ.
وفي التفاصيل، يشرح الاقتراح الذي تقدّم به النائب حيدر آصف ناصر أنّ الانتخابات الاختيارية التي حصلت في 2016 قد حصلت في أعقاب الشحن الطائفي الذي تأسست عليه جولات القتال المشؤومة في طرابلس وأحدثت خللاً في التمثيل الديموغرافي وأفرزت نتائجاً مجحفة استبعدت تمثيل الأقليات (العلوية) بما يتناسب مع حجمها الديموغرافي. بالتالي، فإنّ هذه الانتخابات أفرزت سلطة إدارة محلية تخالف ميثاق العيش المشترك المكرّس في الفقرة “ي” من مقدمة الدستور، بحسب الأسباب الموجبة.
كما يشرح الاقتراح أنّ غالبية قاطني جبل محسن مقيّدين في قيود حيّ التبانة والقبة وأنّ مرسوم “التنظيم الإداري” الصادر 1959 لم يحدَّث منذ صدوره عام 1959، وقد شهدت مدينة طرابلس الكثير من التطوّر العمراني والاجتماعي الذي يحتّم تعديل التقسيمات الإدارية. ويضيف أنّه يجب أن يكون لكل 3000 نسمة مختار يعنى بشؤونهم، ما يوجب أن يكون لسكان جبل محسن ما لا يقل عن 7 مخاتير لكي يتمكن هؤلاء من العناية بشؤون المنطقة، مع الأخذ بالحسبان الواقع الحساس الذي يمكن أن يؤثر على دور المختار إذا ما كان من خارج نسيج المنطقة الاجتماعي.
والجدير بالذكر أنّ النائب ناصر كان قد عقد مؤتمراً صحافياً في مجلس النواب في آذار الفائت، تناول فيه تهميش الأقليات في الدولة اللبنانية، وأعطى مثالاً عن ذلك القرار الصادر عن رئاسة الجامعة اللبنانية بتعيين مديرين واستثناء الطائفة العلوية من هذه التعيينات. وختم المؤتمر مؤكّداً على اتخاذ خطوات في مواجهة التهميش والظلم وخرق مبدأ المساواة أمام القانون.
في واقع الحال، نعم، تجري الانتخابات في لبنان بناءً على أسس طائفية، لا سيّما في ظل قوانين الانتخابات السائدة. ونعم، التقسيمات الإدارية لأحيائنا ومدننا قد عفا عليها الزمن ولا بدّ من تحديثها لتتأقلم مع الواقع العمراني الاجتماعي البيئي الجديد. إلّا أنّ اقتراح القانون – الذي يهدف إلى رفع الظلم عن هذه الطائفة وتحصيل حقوق أبنائها أسوة بباقي الطوائف الشريكة في النظام السياسي الطائفي – يساهم في المزيد من التشويه لمعنى الحيّ والمدينة، بحيث أنّ معاناة سكان جبل محسن لا ترتبط حُكماً بـ “الظلم تجاه الطائفة العلوية”، إنما ترتبط بدون شك بالتهميش التي تعاني منه مدينة طرابلس -إحدى أكثر المدن اللبنانية تهميشاً على مدى السنين- بشكل عام. كما أنّ الاقتراح يغضّ النظر مجدداً عن المعضلة الأساسية المتمثلة بالتصويت في مكان القيد لا السكن، التي تحول دون التمثيل الحقيقي والعادل لجميع السكان في كل لبنان.
جبل محسن والمدينة
تقع منطقة جبل محسن في شرق مدينة طرابلس وهي عبارة عن مرتفع جبلي صغير يطلّ على وسط طرابلس ويمتد من منطقة المنكوبين شمالاً إلى مشروع الحريري جنوباً وباب التبانة شرقاً والبداوي غرباً. هي تلّة كانت تعود قديماً ملكية الأراضي المغطّاة ببساتين الزيتون فيها لتاجر كبير من الطائفة السنية اسمه تحسين محسن. شغّل محسن عمالاً من الطائفة العلوية في أراضيه، وساعدهم على التملّك فيها مع الوقت.
كان الجبل يسمى جبل الزيتون، وشهد حركة عمرانية واسعة في حقبة الخمسينات، وسكنته عائلات طرابلس الغنية التي أرادت الابتعاد عن أزقة التبانة وشوارعها الضيقة، لكن الحرب اللبنانية عام 1975 بدّلت معالم المنطقة وهجّرت سكانها، لحقتها معارك متتالية أبرزها في 2008 و 2012. فرّغت هذه الأحداث جبل محسن من تنوعّه، وجعلته سكناً للعلويين الخارجين من طرابلس المدينة، فاستقر أبناء الطائفة العلوية في الجبل، فيما انتقل صاحب الأرض إلى قلب المدينة تاركاً اسمه خلفه.
تتبع المنطقة اليوم إلى منطقة التبّانة العقارية، ومن بعض شوارعها وأحيائها: الحارة الجديدة، كواع القبة، شارع المهاجرين، حارة السيدة، حي الأميركان.
بحسب أرقام منظّمة الأمم المتّحدة للمستوطنات البشرية (2018) يسكن جبل محسن 13.629 شخص، وتمتدّ المنطقة على مساحة 0.62 كلم2 وفيها 505 مبنى. إلّا أنّ اقتراح القانون يذكر أنّ عدد السكان يتجاوز الأربعين ألف نسمة، وذلك وفق لوائح شطب انتخابات 2022 التي تشمل 22،874 ناخب.
بمعزل عن الأرقام، يبدو من الأساسي التطرّق لمعنى الأحياء، حيث أنّ فهمنا لها ببعُدها الجغرافي، الزماني، الاجتماعي والاقتصادي، هو المرتَكَز الذي يُبنى عليه. قانونياً، يقرّ قانون المخاتير والمجالس الإختيارية عبر المادة 3 بالحيّ كمكوّن مكاني، فالأماكن “التي يزيد عدد سكانها المقيمين فيها عن 3000 نفس تنزل منزلة المدن وتُقسّم إلى أحياء ويعتبر الحي بمثابة قرية وتطبّق بشأنه أحكام المادتين السابقتين. تُعتبر الأحياء كما هي مسجلة في الإحصاء ولا يمكن إنشاء حي جديد أو إدغام حي بآخر إلا بقرار من وزير الداخلية.”
بالتالي يُعتبر الحيّ بقعة جغرافية تشكلّ جزءاً لا يتجزأ من المدينة، ويكون له اسم متعارف عليه، وهو مكان مادي تسكنه جماعات مختلفة أحياناً. قد يكون لأيّ حيّ وظيفة معيّنة ومقوّمات تختلف عن غيره من الأحياء، ولا يمكن فصل الحيّ عن محيطه الأوسع وعن العلاقة التي تجمعه مع الأحياء الأخرى (علاقة تكامل، منافسة، تباين، علاقة جيرة، إلخ)، ويعتبر ذلك في صلب ماهية المدينة.
وفي حين أن البعد المادي يشكّل ركيزة نشوء الأحياء، إلّا أن الأحياء هي بالأخص فضاءٌ اجتماعيٌ يوفرّ سياقاً لمعيشة الناس: السمّان، الصيدلية، المدرسة، المستوصف، دور العبادة، الحضانة، الحديقة، الشوارع، القهاوي والمقاهي، أماكن اللقاء. وقبل كلّ شيء، تتكوّن الأحياء من سكان مختلفين يعيشون معاً ويُشكّلون وحدات متشابكة ومترابطة، وحدات سياسية، اجتماعية واقتصادية، عائلية وعشائرية أحياناً.
من هنا، يكتسب الحيّ وجواره أهمية لتأمين حاجات سكانه وتطلّعاتهم، إذا نجحنا بربطه بالمدينة ككلّ.
ففي واقع الأمر، يعاني سكان جبل محسن من مظالم عدة لا ترتبط حُكماً بـ “الظلم تجاه الطائفة العلوية”، إنما ترتبط بدون شك بالتهميش التي تعاني منه مدينة طرابلس. طرابلس اليوم هي المدينة الأكثر فقراً على ساحل البحر المتوسط، ويعاني أهلها من المظالم، والوصمة الاجتماعية في كثير من الأحيان، والإهمال المتعمّد، والظروف السكنية القاسية في أحياءٍ مهمّشة، في ظلّ غياب سياسات وطنية تحمي الحق في السكن. فالمدينة اليوم أضحت مثالاً حيّاً عن معنى أن تُسلب الأرض من أهلها. وفيما شهدت طرابلس خططاً عديدة ومشاريع حاولت رسم رؤية حديثة للمدينة، إلا أن هذه الخطط ساهمت بإيصال المدينة إلى ما هي عليه اليوم. ورغم كلّ الاستراتيجيات التي وضعت للمدينة، فـإن أياً منها لم يرسِ رؤية دامجة للأحياء السكنية المهمّشة، ولم يقاربها كجزءٍ عضويٍ من المدينة، بل كنمو غير مرغوب به، ولم يرَ الأراضي الزراعية والنشاط الزراعي كجزء من وظيفة هذه المدينة وحاجات ناسها وكجزء من عملها الإنتاجي المحلي والوطني. كما أدت المعارك المتتالية حتى اليوم إلى تصدّع المباني والمنازل في أحياء عديدة من المدينة، من ضمنها جبل محسن.
معضلة التصويت في مكان القيد لا السكن
كما يغض الاقتراح النظر عن المعضلة الأساسية المتمثلة بالتصويت في مكان القيد لا السكن. فإن إشكالية عدم قدرة سكان جبل محسن اختيار ممثليهم في الانتخابات ترتبط بشكل وثيق مع غياب المسارات التمثيلية الرسمية في لبنان على مستوى الحي، بل تتوقّف عند القرية أو المدينة أو جزء منها، من جهة، كما ترتبط بمكان القيد لا مكان السكن وتسديد الضرائب، من جهة أخرى. فقد ساهم “نظام القيد” بتغييب الهوية المكانية على كل مستويات التمثيل في النظام السياسي اللبناني، حيث تقوم كلّ أنواع التمثيل (باستثناء لجان المباني) على عملية الفصل بين المكان الحقيقي (حيث يقطن الناس) والمكان “المتخيّل” (مكان قيدهم). وهو ما يخلق فصلاً مستمراً بين الحياة الفعلية والواقع اليومي المتأتي منها من جهة، وبين المكان المتخيّل الذي أتى منه الأفراد من جهة أخرى، ويزداد هذا الفارق بين “الواقع” و”المتخيّل” مع مرور الوقت.
سيبقى أي عمل\جهد لتأمين حقوق السكان مهدداً بالاندثار لحظة الإستحقاقات التمثيلية المرهونة بمعضلة التصويت في مكان القيد لا السكن. فإنّ إحلال القيد العائلي أو الطائفي محل القيد المكاني هو الشرط الضروري لحسن سيرورة نظام الزعامة، وليس هذا التدبير تفصيلاً بل هو العمود الفقري لكلّ نظام التمثيل في لبنان. بالتالي، لا بدّ من التوّقف عند هذه الإشكالية والعمل الممنهج لتغييرها، لا على مستوى حيّ واحد، بل في سائر مدننا ومناطقنا.