عام 2019، صدّق البرلمان على قانون قدّمه النائب فؤاد المخزومي، يهدف -بحسب قوله- إلى “حماية حرج بيروت”، ويحدّد أنشطة محدودة يمكن ممارستها في الحرج، وينصّ على إمكانية فرض بدلات دخول أو استخدام. فما هو هذا القانون وما هي مخاطره؟
ينص القانون على منع إقامة أي إنشاءات في الحرج ومنع تسوية وضع الإنشاءات القائمة ضمنه، مع وجوب إزالتها لأنها مخالفة للقانون، ويحمّل بلدية بيروت مسؤولية وضع خطة الإزالة مع مهلة زمنية واضحة. يشدّد القانون على دور البلدية بإنجاز أعمال التطوير، الصيانة والتشجير اللازمة للحفاظ على طابع الحرج التقليدي البيئي وعلى صنوبره التاريخي. وينص في مادته الرابعة على إمكانية إقامة أنشطة توجيهية، بيئية، تربوية، تعليمية، وغيرها من النشاطات لتشجيع السياحة البيئية، والإنتاج الحرفي الذي يراعي البيئة. ولكنه يشير إلى ضرورة وضع الأنظمة التي تحدّد ماهية هذه النشاطات وشروطها وممنوعاتها وبدلاتها.
للوهلة الأولى، يبدو القانون تقدمياً لناحية حماية الحرج وبيئته الطبيعية. إنّما عند التدقيق في روحيته وأسبابه الموجبة – لا سيّما في ذكر أنّ المساحات الخضراء من شأنها المساهمة بالشق الاقتصادي، وأنّ تنشيط السياحة البيئية يعود على مالية الدولة بفوائد كبيرة – تبرز الإشكاليات التالية التي لا بد من تسليط الضوء عليها.
أولاً، إنّ السياحة البيئية التي من شأنها المساهمة في مالية الدولة، تتمثّل في أنها تعزّز الاستخدام المسؤول للموارد الطبيعية في المواقع السياحية أو ذات الإمكانيات السياحية. فهل يُعقل السماح باستباحة شاطئ بيروت كموقع سياحي بامتياز بحسب توجيهات الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية، وتدميره من جهة، بينما تتوجّه الدولة نحو فرض بدلات لإقامة نشاطات في حرج بيروت كي تشكّل مورداً مالياً للبلدية؟ هذا سيؤدي حتماً إلى خدمة قلة محظيّة تستطيع تأمين البدلات، ممّا يهمّش فئات واسعة من الناس.
ثانياً، إنّ ضبابية المادة الرابعة وغموضها يفتح المجال للمزيد من الاستنسابية التي لطالما مورِسَت بشكل مقنّع عبر منع الدخول أو الإغلاق أمام اللاجئات\ين السوريات\ين أو من يبدو عليهن\م انتماء طبقي معيّن. لا يوضح القانون كيفية تطبيق هذه المادة، بحيث يذكر إلزامية نشر الأنظمة الجديدة وجعلها علنية للعامة، من دون ذكر إذا كان ذلك يتطلب قراراً مسبقاً من المجلس البلدي أم لا.
ثالثاً، فيما يذكر القانون دور البلدية بإنجاز أعمال التطوير، التأهيل، الصيانة والتشجير اللازمة للحفاظ على الحرج، يغفل عن ذكر دور البلدية في فتح الحرج وإتاحته للعامة وإدارة مساحاته. إنّ بلدية بيروت مطالبة بفتح جميع المساحات العامة في المدينة أمام جميع السكان، وتأمين الإدارة اللازمة لها، وإعطاء كافة الإهتمام لهذه العملية، بدلاً من الإجراءات المتفرّقة التي تمارسها للحد من الدخول بحجة غياب الإمكانيات.
يعيدنا هذا القانون إلى الطابع الطبقي الإقصائي لرؤية السلطة للمساحات العامة ومستخدميها، خاصة وأنّه من المفترض أن يكون الحرج مقصد من لا يستطيعون تحمّل تكلفة الأماكن الخاصة. هذا فضلاً عن أن محدودية النشاطات المطروحة في القانون تقيّد من قدرة الحرج على استيعاب النشاطات الاجتماعية المكانية المتنوّعة، الكلاسيكية منها والشائعة أو المبتكَرة.
كل هذا يؤثّر على دور الحرج ورمزيته الاجتماعية والسياسية. فما هي المساحة العامة فعلاً، دون حرية الدخول إليها أو استخدامها؟
وبعد أن طالبنا مراراً نحن وغيرنا من الجهات، بلدية بيروت والمحافظ بفتح كافة الحدائق العامة نرى اليوم أنفسنا امام معركة جوهرية لاستعادة حقنا في المدينة والمساحات العامة، الذي يصرّ مشرّعو قوانين كهذه، على قضمه مراراً، وصولاً إلى تجريدنا منه نهائياً.